تباينت ردود فعل سياسيين وبرلمانيين ليبيين بشأن إدخال مجلس النواب تعديلاً على قانون سابق يُجرم «التعامل مع إسرائيل». وفيما عدَّه البعض «ضرورياً لردع أي محاولة مستقبلية للتواصل السياسي معها»، وصفه آخرون بأنه «مزايدة». والقانون الذي أجرى عليه مجلس النواب تعديلاً وأقره منتصف الأسبوع الجاري، صدر عام 1957 في عهد الملك الراحل إدريس السنوسي.
وقال عضو مجلس النواب الليبي حسن الزرقاء إن «البرلمان أضاف بعض الأحكام على القانون رقم 62 لسنة 1957، الذي جرم التطبيع بشكل عام من دون التطرق باستفاضة للمقاطعة السياسية، أو إصدار عقوبات مشددة لمرتكبي هذه الجريمة». وأوضح الزرقاء لـ«الشرق الأوسط» أن التعديل الذي أقره مجلس النواب «يجرم أي تواصل أو لقاءات أو عقد اتفاقيات وأي شكل من التعامل السياسي مع ممثلي إسرائيل». وتابع: «من يخالف ذلك من المسؤولين الليبيين، سواء المدنيون أو العسكريون، قد يواجه بعقوبة تصل إلى السجن سبع سنوات، والعزل من مركزه القيادي، فضلاً عن غرامات مالية».
وكان مجلس النواب ناقش مقترحاً لتعديل القانون 62 لتغليظ العقوبات الواردة به، عقب الكشف عن الاجتماع السري الذي جمع وزيرة الخارجية المقالة بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة نجلاء المنقوش، ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، في روما.
رسالة دعم
ويرى الزرقاء أن المبررات لتعديل القانون لا تتوقف فقط على «قطع الطريق أمام أي محاولة من قبل حكومة (الوحدة) برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لتكرار محاولتها التواصل مع الكيان الإسرائيلي، وإنما هي رسالة لتأكيد الدعم للفلسطينيين ورفض للاعتداءات المتواصلة عليهم».
ورفض الزرقاء ما تردد حول أن تلك التعديلات قد تقيد عمل ممثلي الدبلوماسية الليبية، وكذلك كبار الموظفين التنفيذيين الذين يتطلب عملهم الوجود أحياناً بمحافل وفعاليات دولية تتضمن مشاركة جنسيات عدة. وقال: «في الاجتماعات الدولية والأممية يُمكن للممثل أو الوفد الليبي الحضور مع مقاطعة كلمة ممثلي الدولة الإسرائيلية وتفادي أي تواصل معه»، لافتاً إلى أن «في أي فعالية أو احتفالية تنظم من قبل جهات أو شركات دولية يتوجب على أي مسؤول ليبي موجود بعدها المغادرة الفورية إذا تكشف له وجود شخصيات تمثل الكيان».
وفي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، طالب مجلس النواب الليبي سفراء الدول الداعمة لإسرائيل بـ«مغادرة البلاد فوراً»، كما طالب الحكومة التابعة له والتي تدير المنطقة الشرقية بـ«بوقف تصدير النفط والغاز للدول المساندة لإسرائيل، في حال عدم توقف المجازر التي ترتكبها إسرائيل».
في المقابل، وصف المحلل السياسي الليبي عبد الله الكبير خطوة البرلمان بـ«المزايدة التي لا قيمة لها». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «القانون الصادر عام 1957 كافٍ لتجريم التطبيع ومعاقبة مرتكبيه». وتساءل الكبير عن «السر وراء عدم إصدار البرلمان قبل عامين لأي رد فعل تجاه ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن لقاء جمع قيادات عسكرية بشرق ليبيا مع مسؤولين إسرائيليين».
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد أشارت إلى أن صدام، نجل المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني، قد أجرى زيارة لإسرائيل في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، بهدف «عرض إقامة علاقات دبلوماسية مقابل الحصول على مساعدة عسكرية ودعم دبلوماسي»، لكن القيادة العامة للجيش الليبي نفت حينها هذه الأنباء.
ويرى الكبير أن الرؤية العامة لعلاقات الدولة الليبية «لا بد أن تتضمن في الدستور الدائم». وقال إن مجلسي النواب و(الأعلى للدولة) لا يملكان سَن مثل هذه التشريعات، التي تتطلب برلماناً منتخباً».
خطوة احترازية
بدوره، عدَّ رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني الليبي»، أسعد زهيو، أن التعديل الذي أقره البرلمان على قانون 1957 يتوازى مع الحراك الشعبي الليبي والعربي المندد بالاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، فضلاً عن «كونه خطوة احترازية للحيلولة دون عقد أي اجتماع مماثل لاجتماع (المنقوش - كوهين) في المستقبل». زهيو قال لـ«الشرق الأوسط» إن «تقنين حظر أي تواصل سياسي في التشريعات مع شرح واف لكافة التفاصيل، من شأنه أن يضمن طي صفحة التعاون مع إسرائيل، وعدم التفكير في ذلك من قبل أي حكومة مقبلة».
مسائل بديهية
في حين استبعد المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ، أن يكون هناك «أي انعكاس إيجابي جراء إقرار البرلمان لهذه التعديلات»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «أي قرارات داعمة للقضية الفلسطينية تصدر من جانب مجلسي النواب و(الأعلى للدولة) أو حكومة الدبيبة، هي بمثابة مسائل بديهية لا يجوز التفاخر والاعتداد بها من وجهة نظر الشارع». وقلل محفوظ مما يردده البعض من احتمالية أن يتسبب قرار مجلس النواب «بتداعيات سلبية على الدولة الليبية وخاصة من قبل عواصم غربية داعمة لإسرائيل».