عائلات سودانية تعود إلى العاصمة رغم مخاطر الحرب

بسبب ضغوط المعيشة وعدم توفر فرص العمل في أماكن النزوح

عائلة سودانية نزحت إلى مكان آمن هرباً من الحرب (أ.و.ب)
عائلة سودانية نزحت إلى مكان آمن هرباً من الحرب (أ.و.ب)
TT

عائلات سودانية تعود إلى العاصمة رغم مخاطر الحرب

عائلة سودانية نزحت إلى مكان آمن هرباً من الحرب (أ.و.ب)
عائلة سودانية نزحت إلى مكان آمن هرباً من الحرب (أ.و.ب)

لا تزال المعارك بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» جارية على أشدها بالخرطوم، لكن هذا لم يمنع عائلات كثيرة، فرّت من العاصمة إلى ولايات آمنة نسبياً، من العودة إليها رغم خطورة الأوضاع الأمنية.

لم تقف الدانات والمقذوفات حائلاً دون عودة كثير من الأسر النازحة، فها هي تسقط على معظم أحياء العاصمة يومياً جراء القصف المدفعي المتبادل والضربات الجوية، وها هم النازحون يعودون غير آبهين بالخطورة، فالأوضاع المعيشية ربما كانت عليهم أشد قسوة.

ودارت اشتباكات، (الأربعاء)، بين قوات الجيش و«الدعم السريع» في أجزاء واسعة من أمدرمان، استُخدمت فيها صنوف الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وحلّقت فيها الطائرات الحربية والمسيّرات، بينما يحاول الجيش التوغل نحو وسط المدينة للسيطرة على جسر شمبات الحيوي، الذي يربطها بالخرطوم بحري، ويعد خط الإمداد الرئيسي لقوات «الدعم السريع» من غرب البلاد إلى مدن العاصمة الثلاث.

أعمدة الدخان تتصاعد في الخرطوم بعد إحدى جولات القتال (أرشيفية - رويترز)

وأجمع عدد من العائدين، الذين تحدثت إليهم وكالة «أنباء العالم العربي» على أنهم اضطروا للعودة إلى ديارهم في الخرطوم رغم المخاطر؛ بسبب الضغوط الاقتصادية وعدم توفر فرص العمل في الوجهات التي نزحوا إليها.

أيمن ميرغني، أحد النازحين العائدين، قال إنه اتخذ قرار العودة رغم خطورة الأوضاع واتساع نطاق المعارك؛ لأنه لم يعد يملك مصدر دخل ثابتاً، ويشكو متطلبات الحياة «المرهقة».

عاد ميرغني برفقة أسرته المكونة من 5 أفراد إلى منزلهم في أمدرمان، التي تشكّل إلى جانب مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري العاصمة المثلثة، قادمين من مدينة شندي في ولاية نهر النيل بشمال السودان بعد 3 أشهر قضوها في ضيافة أحد أقاربهم هناك.

وقال: «تواصلت شكوى أبنائي من عدم الراحة، لامتلاء المنزل بالنازحين من الأقارب الذين وفدوا من مناطق مختلفة من الخرطوم. ونحن لا نستطيع استئجار منزل منفصل بسبب غلاء الإيجارات».

كان ميرغني يمتلك ورشة لصيانة السيارات، لكنه اضطر لإغلاقها بعد اندلاع الحرب لتقلص عدد زبائنه. ولدى عودته فتح محلاً صغيراً لبيع الوجبات السريعة في إحدى أسواق أمدرمان، يدر عليه دخلاً محدوداً يعول منه أسرته ويغطي جزءاً بسيطاً من احتياجاتهم.

سودانيون يطبخون في مدرسة جرى تحويلها إلى مأوى للنازحين في بلدة وادي حلفا الحدودية شمال السودان (أ.ف.ب)

لكنه لم يُخفِ مخاوفه من مخاطر العودة إلى مناطق القتال، مشيراً إلى أنهم يسمعون طوال اليوم دوي قذائف المدفعية التي تنطلق من معسكرات الجيش القريبة من مكان السكن وترعب الأسرة كباراً وصغاراً.

الأعباء المالية

تؤكد نفيسة إبراهيم، التي فرّت قبل شهرين من حي ودنوباوي بوسط مدينة أمدرمان، الذي يشهد معارك شبه يومية بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، أنها تنوي العودة إلى أمدرمان.

وقالت لوكالة «أنباء العالم العربي» إنها استأجرت منزلاً بإيجار مرتفع لمدة شهرين على أمل أن تكون الحرب قد انتهت في هذه الأثناء، لكن تقديراتها خابت، وباتت عاجزة مادياً عن الإيفاء بالتزاماتها المالية.

لم يعد بمقدورها العودة إلى منزلها، ليس فقط بسبب ما تعرَّض له من سرقة، فالحي الذي يقع فيه يشهد عمليات عسكرية ومعارك مستمرة تجعل من العودة إليه أمراً صعباً في الوقت الحالي.

قالت إنها ستتوجه إلى منزل أقارب لها في ضاحية الثورة، بشمال أمدرمان، التي قالت إنها آمنة نسبياً مقارنة بمناطق أخرى في الخرطوم.

تدمير مستشفى شرق النيل بالخرطوم في قصف جوي (أرشيفية - رويترز)

وكان والي ولاية الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، قال بعد لقائه وفداً من سكان أحياء وسط أمدرمان، الذين أُجبروا على مغادرة منازلهم وتوجهوا إلى شمال المدينة، إنه بحث معهم ترتيبات العودة إلى أحيائهم والاحتياطات المطلوبة للعودة الآمنة.

وقالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أكتوبر (تشرين الأول) إن أزمة النزوح، الناجمة عن الصراع في السودان، لا تزال مستمرة بلا هوادة، حيث اضطر ما يقرب من 6 ملايين نسمة لترك منازلهم. وتشكّل النساء والأطفال قرابة 90 في المائة من النازحين.

منطقة عمليات

قال محمد عبد الله، الذي عاد إلى منزله في جنوب الخرطوم بعد مغادرته إلى مدينة ودمدني بولاية الجزيرة وسط البلاد: «على المستوى الشخصي، وحسب مشاهداتي من أرض الواقع، الخرطوم بصورة عامة هي منطقة عمليات عسكرية».

وأضاف لوكالة «أنباء العالم العربي» أن القتال لم يتوقف، فالقصف المدفعي مستمر ومعه تحليق الطيران الحربي وخطر الرصاص الطائش والمتعمد، فضلاً عن «انتشار المنفلتين الذين يتعرضون للناس سواء من التابعين لطرفي النزاع أو من المجرمين العاديين».

وأوضح أن المشكلة الكبرى، التي تواجه معظم العائدين، أن الخرطوم لا توجد بها في الوقت الحالي أماكن عمل بعد توقف المصانع والشركات. وقال: «غالبية الأعمال توقفت وصار الجميع عاطلاً».

وأضاف عبد الله: «الكارثة الأكبر هي أن العودة إلى الخرطوم معقدة، فالسكان في أي لحظة قد يكونون عرضة للقتل أو الإصابة؛ لأن العمليات العسكرية لا تتوقف، فضلاً عن أن الوضع الإنساني أيضاً صعب جداً من حيث توفر المستشفيات والخدمات الأخرى من مياه وكهرباء وأسواق ومتاجر، وهذه من أهم ما يهدد عودة الأسر».

وأدت الحرب الدائرة في الخرطوم، ومدن أخرى غرب السودان، إلى خروج أكثر من 80 في المائة من المرافق الصحية عن الخدمة، بحسب «اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء»، التي قالت إن الخرطوم، بمدنها الثلاث، تعتمد حالياً على 4 مستشفيات فقط.

واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» على نحو مفاجئ في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بينما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دولياً.

يقول عبد الله: «المؤسف أن هناك أُسراً رجعت إلى بيوتها بسبب الضغوط التي تعرّضت لها في الولايات من غلاء للإيجار والمعيشة وغير ذلك. أشاهد يوميا حافلات سفر تدخل العاصمة، خصوصاً من ولاية الجزيرة. هناك حركة كبيرة لعودة السكان إلى بيوتهم رغم كل شيء».


مقالات ذات صلة

تحذيرات من وضع «صعب للغاية» عند حدود جنوب السودان مع تدفق اللاجئين

أفريقيا عبور أكثر من خمسة آلاف شخص الحدود من السودان إلى جنوب السودان حيث تستشري أعمال عنف مختلفة (أ.ب)

تحذيرات من وضع «صعب للغاية» عند حدود جنوب السودان مع تدفق اللاجئين

حذّرت منظمة أطباء بلا حدود الاثنين من أن الوضع عند حدود جنوب السودان «صعب للغاية»، مع فرار آلاف الأشخاص من السودان المجاور إثر اشتداد القتال.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
شمال افريقيا وزير الخارجية السعودي في جدة إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في مايو 2023 (رويترز)

وزير الخارجية السوداني: لا بديل لـ«منبر جدة»

قال وزير الخارجية السوداني، علي يوسف أحمد، إنَّ حكومته أكَّدت لنائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، الذي زار البلاد السبت، تمسكها بـ«منبر جدة» لحل الأزمة.

وجدان طلحة (بورتسودان)
خاص وزير الخارجية السعودي في جدة إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في مايو 2023 (رويترز)

خاص وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل لـ«منبر جدة»

قال وزير الخارجية السوداني، علي يوسف أحمد، إن حكومته أكدت لنائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، تمسكها بمفاوضات «منبر جدة» لحل الأزمة السودانية.

وجدان طلحة (بورتسودان) محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

تشهد مدينة بورتسودان حراكاً دبلوماسياً مطرداً لإنهاء الاقتتال بوصل المبعوث الأممي، رمطان لعمامرة، ومباحثات خاطفة أجراها نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا من داخل أحد الصفوف بمدرسة «الوحدة» في بورتسودان (أ.ف.ب)

الحرب تحرم آلاف الطلاب السودانيين من امتحانات «الثانوية»

أعلنت الحكومة السودانية في بورتسودان عن عزمها عقد امتحانات الشهادة الثانوية، السبت المقبل، في مناطق سيطرة الجيش وفي مصر، لأول مرة منذ اندلاع الحرب.

وجدان طلحة (بورتسودان)

الجيش المصري يؤكد حرصه على اقتناء أحدث نظم الطائرات

وزير الدفاع المصري خلال زيارة لإحدى القواعد الجوية (المتحدث العسكري المصري)
وزير الدفاع المصري خلال زيارة لإحدى القواعد الجوية (المتحدث العسكري المصري)
TT

الجيش المصري يؤكد حرصه على اقتناء أحدث نظم الطائرات

وزير الدفاع المصري خلال زيارة لإحدى القواعد الجوية (المتحدث العسكري المصري)
وزير الدفاع المصري خلال زيارة لإحدى القواعد الجوية (المتحدث العسكري المصري)

أكد الجيش المصري حرصه على «تزويد القوات الجوية بأحدث نظم وأنظمة الطائرات الحديثة، وفقاً لرؤية استراتيجية للتعامل مع التحديات كافة ومواكبة التطور التكنولوجي المستمر».

وقال إن «القوات الجوية تظل دائماً الذراع القوية للقوات المسلحة المصرية، التي تمتلك القدرة على تنفيذ مختلف المهام التي تسند إليها على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية للدولة المصرية». جاء ذلك خلال زيارة القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي المصري، الفريق أول عبد المجيد صقر، لإحدى القواعد الجوية، الأحد، بحضور رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الفريق أحمد خليفة، وقادة الأفرع الرئيسية وعدد من قادة القوات.

ووفق إفادة للمتحدث العسكري المصري فإن «الزيارة تأتي في إطار المتابعة الميدانية لوحدات وتشكيلات القوات المسلحة، للوقوف على مدى الجاهزية والاستعداد القتالي لتنفيذ المهام كافة التي توكل إليها».

وأضاف أن القائد العام للقوات المسلحة قام بالمرور على «معرض أرضي» لعدد من الطائرات والمقاتلات متعددة المهام، واستمع إلى شرح تفصيلي لأحدث الأنظمة القتالية والأسلحة ومعدات الطيران التي زودت بها تلك الطائرات. وناقش عدداً من الطيارين في أسلوب التخطيط والتنفيذ للمهام المكلفين بها لتأمين المجال الجوي المصري تحت مختلف الظروف، كما تابع تنفيذ إقلاع عدد من الطائرات المقاتلة لتنفيذ إحدى المهام التدريبية التي أكدت «قدرة وكفاءة عناصر القوات الجوية على أداء المهام بدقة عالية».

زيارة وزير الدفاع المصري تأتي في إطار المتابعة الميدانية لوحدات وتشكيلات القوات المسلحة (المتحدث العسكري المصري)

جولة وزير الدفاع المصري تأتي وسط توترات إقليمية عدة، أبرزها الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، والمستجدات في لبنان وسوريا. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، تفقد وزير الدفاع قاعدة «محمد نجيب» العسكرية شمال البلاد، مؤكداً حينها أهمية القاعدة باعتبارها «قوة ردع على الاتجاه الاستراتيجي الشمالي»، وقدرتها على «صد أي عدائيات».

وبحسب بيان المتحدث العسكري المصري، الأحد، قام القائد العام للقوات المسلحة بالمرور على إحدى الدورات للتدريب على أعمال القتال الجوي التي تنفذ بمشاركة القوات الجوية المصرية وعناصر من القوات الجوية للدول الصديقة والشقيقة. ورحب بطياري الدول المشاركة بالدورات التدريبية المختلفة على أرض مصر، مؤكداً حرص القوات المسلحة على «دعم آفاق التعاون العسكري وتبادل الخبرات مع جيوش الدول الصديقة والشقيقة».

من جانبه، قال قائد القوات الجوية المصرية، الفريق محمود فؤاد عبد الجواد، إن «مقاتلي القوات الجوية يمتلكون القدرة لتأمين حدود الدولة والدفاع عن سماء مصر وترابها في ظل التحديات الراهنة».

قام وزير الدفاع المصري بالمرور على إحدى الدورات للتدريب على أعمال القتال الجوي (المتحدث العسكري المصري)

تأكيدات الجيش المصري جاءت غداة إعلان الحكومة الأميركية «الموافقة على بيع معدات عسكرية لمصر تفوق قيمتها خمسة مليارات دولار».

وبحسب إفادة رسمية لـ«الخارجية الأميركية» فإن الوزارة أبلغت الكونغرس بموافقتها على «بيع تجهيزات خاصة بـ555 دبابة من طراز (إيه1 أم1 أبرامز) الأميركية الصنع بقيمة 4.69 مليار دولار، و2183 صاروخ جو - أرض من طراز (هلفاير) بقيمة 630 مليون دولار، وذخائر موجّهة بقيمة 30 مليون دولار». (الدولار الأميركي يساوي 50.88 جنيه في البنوك المصرية).

وكانت واشنطن قد علقت خلال السنوات القليلة الماضية نحو 320 مليون دولار من المساعدات العسكرية المقدمة لمصر، بعد ربطها باشتراطات تتعلق بملف «حقوق الإنسان». وفي سبتمبر الماضي، قررت الولايات المتحدة عدم تعليق جزء من مساعداتها العسكرية لمصر، لتحصل القاهرة على كامل قيمتها البالغة 1.3 مليار دولار، في خطوة عدها مراقبون آنذاك مؤشراً على «إدراك واشنطن لأهمية القاهرة في المنطقة».

القوات البحرية المصرية توقع عقد اتفاق مع «إدارة الهيدروغرافيا البحرية الفرنسية» (المتحدث العسكري المصري)

في سياق آخر، وقعت «شعبة المساحة البحرية المصرية»، الأحد، عقد اتفاق تقني مع «إدارة الهيدروغرافيا البحرية الفرنسية» في مجالات الملاحة، وذلك بحضور قائد القوات البحرية، الفريق أشرف عطوة.

وأفاد المتحدث العسكري المصري، بأن ذلك «في إطار تعزيز علاقات التعاون العسكري المشترك بين القوات البحرية المصرية والفرنسية لدعم وتعزيز قدرات القوات البحرية».

وأضاف أن الاتفاق يهدف إلى «بحث سبل تبادل المعرفة والخبرات في مجالات الهيدروغرافيا وعلوم المحيطات، واستكشاف فرص التعاون المستقبلي بين (شعبة المساحة البحرية) و(إدارة الهيدروغرافيا الفرنسية) لتعزيز القدرات العملية لكلا الطرفين».

وكذا «تطبيق إطار العمل الخاص بـ(المنظمة الهيدروغرافية الدولية)، الذي يمثل نقلة نوعية في تطوير خدمات الملاحة والمساحة وأعمال المسح البحري بما يحقق توطين التكنولوجيا وصناعة الخرائط الرقمية والبحرية وفقاً للمستويات الدولية، ويعزز المصالح المشتركة، ويدعم القدرات لكل الأنشطة البحرية المصرية، بما يتماشى مع خطة التنمية المستدامة للدولة».