تونس: ملف الإرهاب يتصدر المشهد بعد اعتقال 5 سجناء فارين

إيقاف متهمين بالاغتيالات السياسية وحالة استنفار أمني

اعتقال أحمد المالكي الملقب بـ«الصومالي» عند إيقافه من قبل مواطنين في حي شعبي غرب العاصمة المصدر (وسائل الإعلام التونسية)
اعتقال أحمد المالكي الملقب بـ«الصومالي» عند إيقافه من قبل مواطنين في حي شعبي غرب العاصمة المصدر (وسائل الإعلام التونسية)
TT

تونس: ملف الإرهاب يتصدر المشهد بعد اعتقال 5 سجناء فارين

اعتقال أحمد المالكي الملقب بـ«الصومالي» عند إيقافه من قبل مواطنين في حي شعبي غرب العاصمة المصدر (وسائل الإعلام التونسية)
اعتقال أحمد المالكي الملقب بـ«الصومالي» عند إيقافه من قبل مواطنين في حي شعبي غرب العاصمة المصدر (وسائل الإعلام التونسية)

نشرت مواقع اجتماعية تونسية فيديوهات وصوراً توثق إلقاء مجموعة من المواطنين القبض، صباح الأحد، على أحمد المالكي (المعروف بتسمية «الصومالي») في حي التضامن الشعبي غرب العاصمة تونس.

حالة استنفار أمني ومشاركة طائرات هيلكوبتر وقوات النخبة في مطاردة الإرهابيين وإيقافهم (وسائل الإعلام التونسية)

و«الصومالي» الذي تأكد خبر إيقافه واحد من أبرز المساجين المتهمين بالإرهاب والاغتيالات السياسية وأحد أعضاء مجموعة «الإرهابيين الخطرين الخمسة» الذين وقع تهريبهم، صباح الثلاثاء الماضي، من أكبر سجون العاصمة التونسية، المعروف بـ«سجن المرناقية».

المحكمة العسكرية التونسية تحيل قضية تآمر على أمن الدولة إلى «قطب الإرهاب» (وسائل الإعلام التونسية)

وسبق أن حوكم هؤلاء المساجين بأحكام قاسية، بينها الإعدام والسجن المؤبد. وسيحالون في قضايا إرهابية خطيرة أخرى تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد والإعدام.

وحسب الفيديوهات ذاتها، فقد تعاون المواطنون الذين عرفوا «السجين الهارب» من خلال الصور التي روجتها مصالح الأمن في كل وسائل الإعلام، مع أمنيين في حي التضامن، ثم وقع إعلام السلطات الأمنية، فتم إيقافه ونقله مباشرة على سيارة مدنية، قبل أن تنتشر قوات الأمن بكثافة في المنطقة.

في الوقت ذاته، أكد موقع «الصباح نيوز»، التابع لمؤسسة صحيفة «الصباح»، كبرى الصحف اليومية التونسية، إيقاف المساجين الفارين الأربعة المتبقين في مسكن في ضاحية رواد شمال محافظة أريانة شمال شرقي العاصمة.

قوات الأمن التونسية في حالة استنفار (الداخلية التونسية)

وقد لوحظ قبل الإعلان عن خبر إيقاف «الإرهابيين الخمسة» استنفار كبير جداً لقوات الأمن وكبار المسؤولين الأمنيين والسياسيين في الطرقات الرابطة بين العاصمة تونس والضواحي الشعبية في مناطق حي التضامن ورواد وأريانة، وفي الطرقات المؤدية للموانئ التونسية وللحدود مع الجزائر، تحسباً لـ«تهريب الإرهابيين الفارين»، خارج البلاد.

وأورد سفيان رجب رئيس تحرير صحف «دار الصباح» وجريدته الإلكترونية ومدير نشراتها الناطقة بالعربية والفرنسية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن مصادر رسمية أكدت له خبر إيقاف الإرهابيين الأربعة في ضاحية رواد بينما اعتقل «الصومالي» في ضاحية حي التضامن.

كما أورد عبد الوهاب بالحاج علي، رئيس تحرير الصحيفة الإلكترونية أن المعلومات التي بحوزة الصحيفة تؤكد مبدئياً خبر إيقاف المساجين الإرهابيين الخمسة بعد حالة الاستنفار التي وُضعت فيها القوات الأمنية بمختلف أنواعها، منذ حادثة التهريب صباح يوم الثلاثاء الماضي، لأسباب عديدة «من بينها أن أحد الفارين سبق له أن تدرَّب على السلاح، واتهم بالمشاركة في جريمتي اغتيال البرلماني العروبي محمد الإبراهمي والمحامي اليساري شكري بلعيد وفي عمليات إرهابية استهدفت أمنيين وعسكريين ما بين 2012 و2016».

قضايا إرهاب والتآمر على أمن الدولة

في هذه الأثناء أكدت مصادر قضائية تمديد التحقيقات والأبحاث في عدة قضايا ذات علاقة بملفات الإرهاب والتآمر على أمن الدولة التي أوقف بسببها سياسيون ورجال أعمال وأمنيون سابقون، بينهم رئيس الحكومة الأسبق علي العريض، ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، ورئيس البرلمان السابق وزعيم حزب النهضة راشد الغنوشي. كما تقرر الإبقاء على رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، في الإيقاف وعلى ذمة التحقيق لمدة 6 أشهر، بعد اتهامها بقضايا خطيرة تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد والإعدام، بينها قضايا جنائية أصبحت منذ مدة تحت أنظار «قطب الإرهاب»، مثل القضايا الأمنية التي تنظر فيها الهيئات القضائية المكلفة «التحقيق» في ملفات بعض زعماء «جبهة الخلاص المعارضة».

رجل الأعمال والناشط السياسي السابق وليد البلطي يتصدر «أخطر ملف قضية تآمر على أمن الدولة»

القضاء العسكري يتخلى

من جهة أخرى، أكد مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط» أن مؤسسة «القضاء العسكري» تخلَّت مؤخراً عن القضية «ذات الصبغة الإرهابية والاستخباراتية والأمنية» التي اعتقل بسببها رجل الأعمال والناشط السياسي السابق وليد البلطي. وقد أُحيل ملف المتهمين في هذه القضية، وعددهم بالعشرات، بينهم تونسيون وأجانب لفائدة «القطب القضائي لمكافحة الإرهاب».

وكان وليد البلطي، وهو مسؤول سابق في وزارة الشباب والرياضة ورجل أعمال وسياسي مثير للجدل، أُوقِف مع عدد من المتهمين بتهمة «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي» قبل أكثر من عام.

وقد بدأت الأبحاث في ملف هذه القضية «الأمنية الاستخباراتية الخطيرة جداً»، حسب عدد من المحامين، إثر مداهمة فرقة مختصة من الحرس الوطني لمقر شركة تنشط في مجال «الرهان الرياضي» و«الرهانات الإلكترونية المالية» لتسفر عملية التفتيش والمداهمة عن حجز وثائق وحواسيب تبيَّن أنها تحمل معطيات لها علاقة بـ«أمن الدولة» و«شبهات الإرهاب». وقد تقرر فتح تحقيق قضائي تكفل به قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس.

وصدرت بطاقات إيداع بالسجن وتفتيش في حق عدد من الأشخاص «المشتبه فيهم «بالبحث في ملف القضية، من بينهم تونسيون وأجانب ورجل الأعمال والناشط السياسي وليد البلطي. استمعت القضاة المحققون إلى عدد من (المشتبه فيهم) بينهم عدد من الإعلاميين والسياسيين، بعضهم بصفة «شهود» والبعض الآخر بصفة «متهمين». لكن بعد أكثر من عام من التحقيقات تقرَّرت إحالة الملف من القضاء العسكري إلى القضاء المدني في قطب الإرهاب الذي سوف يتابع الملف. ومن المقرر أن يقع البت في «هذه القضية الأمنية الخطيرة جداً» ومصير المتهمين فيها في حالة إيقاف أو في حالة سراح «في أقرب وقت»، لأن القانون التونسي لا يسمح بالإبقاء على متهم في حالة إيقاف أكثر من 14 شهراً، إلا إذا وُجهت إليه تهمة جديدة فيصدر قرار بإيقافه على ذمتها.


مقالات ذات صلة

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

أفريقيا مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

اندلعت، الخميس، معارك عنيفة ما بين الجيش المالي المدعوم بمقاتلين من «فاغنر» الروسية، والمتمردين الطوارق المتمركزين في مدينة تينزاواتين.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد ينظمون مسيرة حاشدة احتفالاً بيوم الجمهورية التونسية إلى جانب احتجاج أنصار أحزاب المعارضة للمطالبة بالإفراج عن المعارضين السياسيين في البلاد (د.ب.أ)

تطورات جديدة في قضايا المتهمين بـ«التآمر على أمن الدولة» في تونس

أعلنت مصادر أمنية رسمية تونسية أن قوات مكافحة الإرهاب ووحدات أمنية من النخبة في محافظات عدة ألقت مؤخراً القبض على عدد من المتهمين في قضايا إرهاب وتهريب بشر.

كمال بن يونس (تونس)
آسيا قوات الأمن التركية ألقت القبض على سيريبرياكوف عقب وصوله بودروم الأربعاء (صورة موزعة من الداخلية التركية)

تركيا سلمت روسيا مُنفِّذ تفجير سيارة أحد العسكريين في موسكو

سلمت تركيا مواطناً روسياً مطلوباً دولياً إلى السلطات في موسكو بعد أن هرب إلى موغلا في ولاية بودروم الجنوبية الغربية عقب تفجيره سيارة ضابط.

سعيد عبد الرازق ( أنقرة)
آسيا عناصر من الشرطة الألمانية المختصة بمكافحة الإرهاب (غيتي)

ألمانيا: إيداع اثنين السجن على ذمة التحقيق للاشتباه في دعمهما «داعش»

عقب إلقاء القبض على اثنين للاشتباه في تأييدهما لتنظيم «داعش» بولايتي هامبورغ وشليزفيج-هولشتاين، تم إيداعهما السجن على ذمة التحقيق.

«الشرق الأوسط» (كارلسروه )
أوروبا حالة استنفار في العاصمة بروكسل إثر إنذار إرهابي (متداولة)

بلجيكا تفتش 14 منزلاً في تحقيق لمكافحة الإرهاب وتحتجز 7 لاستجوابهم

قال مكتب المدعي العام الاتحادي في بلجيكا، الخميس، إن الشرطة فتشت 14 منزلاً في إطار تحقيق يتعلق بالإرهاب، مضيفاً أن 7 أشخاص احتُجزوا بغرض استجوابهم.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز