«الدعم السريع» تعلن التحرك للسيطرة على ولايات السودان

قلق أميركي من هجوم واسع النطاق في الفاشر بدارفور

صورة من مقطع فيديو لقوات تابعة لـ«الدعم السريع» في ولاية شمال دارفور
صورة من مقطع فيديو لقوات تابعة لـ«الدعم السريع» في ولاية شمال دارفور
TT

«الدعم السريع» تعلن التحرك للسيطرة على ولايات السودان

صورة من مقطع فيديو لقوات تابعة لـ«الدعم السريع» في ولاية شمال دارفور
صورة من مقطع فيديو لقوات تابعة لـ«الدعم السريع» في ولاية شمال دارفور

أعلن نائب قائد «قوات الدعم السريع»، عبد الرحيم دقلو، تحرك قواته للسيطرة على جميع ولايات السودان وجميع مواقع الجيش في البلاد، في مقطع فيديو، نشره الأربعاء على منصة «إكس»، في حين عبّرت واشنطن عن قلقها حيال تقارير تحدثت عن «هجوم وشيك واسع النطاق» من «قوات الدعم السريع» على الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.

ونشرت «قوات الدعم السريع» مقطعاً مصوراً عبر منصة «إكس» من داخل «الفرقة 21» في مدينة زالنجي، وسط دارفور، تحدث فيه دقلو، معلناً تحركاً للاستيلاء على جميع ولايات السودان، داعياً قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، للاستسلام.

دقلو للبرهان: لم يتبقَّ لك شيء

وهاجم دقلو البرهان قائلاً: «لم يتبقَّ لك شيء... لا يوجد جيش يقاتل. أنتم الآن تدافعون في القيادة العامة من داخل البيدروم، ويومياً نحن متقدمون وسنتسلمها منكم».

وأعلنت «الدعم السريع»، يوم الثلاثاء، الاستيلاء على «الفرقة 21»، مقر قيادة الجيش في مدينة زالنجي، عاصمة ولاية وسط دارفور، بعد أيام قليلة من سيطرتها على مقر «الفرقة 16» في مدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور، وهي ثانية كبرى المدن السودانية ومركز قيادة الجيش في الولايات الغربية. وشنت «قوات الدعم السريع» هجوماً على «الفرقة 15 مشاة»، وهي مقر قيادة الجيش في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، بأعداد كبيرة من القوات، كما اشتبكت مع قوة من الجيش في محلية كرينك في شرق الجنينة، وانتشرت في المحلية التي تعدّ بوابة الولاية من الناحية الشرقية.

بلينكن يُحذر من هجوم وشيك

وحذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، من هجوم وشيك لـ«قوات الدعم السريع» في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، يمكن أن يعرِّض المدنيين ومئات الآلاف من النازحين لـ«خطر شديد»، مطالباً بـ«وقف فوري» لإطلاق النار في المنطقة.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)

وأفاد كبير الدبلوماسيين الأميركيين، في بيان، بأن بلاده «تشعر بقلق بالغ» حيال التقارير التي تتحدث عن «هجوم وشيك واسع النطاق» من «قوات الدعم السريع» على الفاشر، في شمال دارفور، مضيفاً أن «من شأن ذلك أن يُعرِّض المدنيين، وبينهم مئات الآلاف من النازحين، الذين فرَّ الكثير منهم أخيراً إلى الفاشر من مناطق أخرى، لخطر شديد». وأشار بلينكن إلى «تقارير موثوقة» عن أن «قوات الدعم السريع» والقوات المسلحة السودانية «فشلت في اتخاذ التدابير اللازمة لمنع سقوط ضحايا من المدنيين في الأحياء السكنية في الفاشر».

وقال بلينكن إن الولايات المتحدة «تدعو الأطراف المتحاربة إلى الوقف الفوري لمزيد من الهجمات في الفاشر وما حولها، للوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، فيما يتعلق بالمدنيين، كما تم تأكيدها في إعلان جدة لالتزام حماية المدنيين السودانيين الصادر في 11 مايو (أيار) الماضي»، مكرراً نداء المحافظ نمر عبد الرحمن الأطراف المتحاربة للسماح للمدنيين بالانتقال إلى مناطق أكثر أماناً.

«لا يوجد حل عسكري مقبول لهذا الصراع. يجب أن يكون التركيز على حماية المدنيين، وتوفير المساعدة الإنسانية، والتفاوض لإنهاء الصراع».

أنتوني بلينكن

ولاحظ بلينكن أن «تزايد القتال في الفاشر يأتي في أعقاب الهجمات الأخيرة التي شنتها (قوات الدعم السريع) في نيالا وزالنجي وأماكن أخرى في دارفور». وأضاف: «نحن نُدين الانتهاكات المبلغ عنها من (قوات الدعم السريع) والقوات المتحالفة معها فيما يتعلق بهجومها على نيالا، بما في ذلك مقتل المدنيين والاعتقالات التعسفية واحتجاز الطواقم الطبية ونهب المرافق الصحية». ودعا القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» إلى «الاستفادة من محادثات جدة المستأنفة أخيراً لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، والاتفاق على وقف إطلاق النار وغيرها من تدابير بناء الثقة»، مكرراً أنه «لا يوجد حل عسكري مقبول لهذا الصراع. يجب أن يكون التركيز على حماية المدنيين، وتوفير المساعدة الإنسانية، والتفاوض لإنهاء الصراع».

تجدد الاشتباكات في الخرطوم

وتجددت المعارك بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، الخميس، في محيط القيادة العامة للجيش بشرق الخرطوم، وعند سلاح المهندسين جنوبي أم درمان، وفق ما أفاد شهود وسكان. وهما آخر موقعين للجيش في العاصمة السودانية، إلى جانب سلاح الإشارة وقاعدة وادي سيدنا الجوية. وأفاد شهود تحدثوا إلى «وكالة أنباء العالم العربي» بسماع أصوات انفجارات قوية في محيط قيادة الجيش، وتصاعُد سحب الدخان بكثافة من المكان. وقال سكان إن اشتباكات عنيفة دارت بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في محيط سلاح المهندسين، جنوبي أم درمان. وقال سكان إن الهدوء الحذر عاد إلى مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، بعد مناوشات وقعت بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، صباح الخميس، في الأحياء الغربية من المدينة، مشيرين إلى تحليق مكثف للطائرات الحربية فوق الأبيض. ويتخوف سكان مدينة الأبيض من تجدد الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، لا سيما بعد تصاعد وتيرة المعارك بين الطرفين في إقليم دارفور المجاور لولايات كردفان.

الجيش يقلل من إنجازات «الدعم السريع»

من جهته، قلل الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، في وقت متأخر من (الأربعاء)، من شأن إعلان «الدعم السريع» السيطرة على الحاميات والفرق التابعة للجيش في دارفور، وشدد على أن القوات المسلحة «ماضية بقوة وعزم في الاضطلاع بواجبها المهني المقدس».

وقال في تسجيل صوتي نشرته الصفحة الرسمية للقوات المسلحة على «فيسبوك»، إن محاولات «قوات الدعم السريع» الهجوم على الحاميات والفرق «لن تُجدي شيئاً ولن تستفيد منها»، وأكد أن القوات المسلحة «ستحافظ على البلاد وستسلمها لمواطنيها قريباً خالية من المرتزقة». وأضاف الناطق الرسمي باسم الجيش أن القوات المسلحة مستمرة في العمليات العسكرية داخل العاصمة وخارجها، وأن فرق العمل الخاص في الخرطوم وأم درمان تواصل القيام «بعملياتها ومهامها الناجحة وتكبِّد العدو الكثير من الخسائر».


مقالات ذات صلة

الربيعة: السعودية بذلت جهوداً حثيثة لإعادة الأمل للسودانيين

الخليج الربيعة يلقي كلمة السعودية في اجتماع بشأن الوضع الراهن للمساعدات الإنسانية بالسودان (واس)

الربيعة: السعودية بذلت جهوداً حثيثة لإعادة الأمل للسودانيين

أكد الدكتور عبد الله الربيعة المشرف على «مركز الملك سلمان للإغاثة» أن السعودية بذلت جهوداً حثيثة لإيجاد سبل لإعادة الأمل إلى شعب السودان منذ بداية أزمة بلادهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو أيام تحالفهما (أرشيفية)

البرهان: أدعم جهود إنهاء «احتلال» قوات «الدعم السريع» أراضي بالسودان

قال قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، اليوم (الخميس)، إنه يؤيد الجهود الرامية لإنهاء الحرب المدمرة في بلده.

«الشرق الأوسط» «الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري يشارك في اجتماع وزاري حول السودان على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (الخارجية المصرية)

مصر تطالب بـ«إنهاء سريع» للقتال الدامي في السودان

طالبت مصر بالعمل سريعاً على إنهاء «القتال الدامي» في السودان، مع السماح بمرور المساعدات الإنسانية للمدنيين الأبرياء، مؤكدةً «ضرورة الحفاظ على كل مؤسسات الدولة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الخليج وزير الخارجية السعودي يلتقي نظيره الجزائري في نيويورك (واس)

مباحثات سعودية في نيويورك تناقش أوضاع غزة وتطورات لبنان

عقد الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، سلسلة لقاءات ثنائية مع نظرائه في دول عدة، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا مرضى سودانيون يعانون الكوليرا يتلقون العلاج يوم الأربعاء في ولاية البحر الأحمر شرق البلاد (أ.ف.ب)

السودان: غارات على «الدعم السريع»... ومطالبات بحظر الطيران

دوّت أصوات انفجارات، وتصاعدت ألسنة الدخان من مناطق عدة تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم، جرّاء غارات شنّها الطيران الحربي التابع للجيش،…

أحمد يونس (كمبالا)

صراع «القرن الأفريقي»... نذر المواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
TT

صراع «القرن الأفريقي»... نذر المواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)

تصاعدت نذر الصراع في منطقة القرن الأفريقي على مدار الأشهر الماضية، وسط تزايد المخاوف من اندلاع حرب «لا يتحدث عنها أحد»، في ظل عدم وجود «أفق واضح للتهدئة» بين طرفي الأزمة الرئيسيين الصومال وإثيوبيا، ما قد يجر دول المنطقة، التي تعاني نزاعات داخلية متجذرة، إلى منعطف خطير، لا يؤثر عليها فحسب، بل يضرّ بحركة التجارة العالمية أيضاً.

الشرارة الأولى للصراع الحالي كانت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، عقب توقيع إثيوبيا، الدولة الحبيسة، «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، اعترفت بموجبه أديس أبابا باستقلال الإقليم، مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

لم تمر المذكرة بهدوء، ولا سيما أن إقليم «أرض الصومال» مارس بتوقيعه عليها عملاً من أعمال السيادة، برغم أنه لم يحظَ باعتراف دولي منذ أعلن استقلاله بشكل أحادي عام 1991.

عارضت مقديشو الاتفاق، ووقّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بعد أسبوع، قانوناً يلغي «مذكرة التفاهم». كما أعلنت جامعة الدول العربية ومؤسسات دولية أخرى دعمها لسيادة الصومال.

مصر أيضاً دخلت على خط الأزمة، وحذّر الرئيس عبد الفتاح السيسي، عقب لقائه نظيره الصومالي في القاهرة، في يناير الماضي، من «المساس بأمن الصومال وسيادته»، وقال: «ماحدش (لا أحد) يجرب مصر».

بدأ الصومال في حشد الدعم الدولي لموقفه ضد إثيوبيا، ووقّع في 21 فبراير (شباط) اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع تركيا، و«مذكرة تفاهم» مع الولايات المتحدة لبناء ما يصل إلى 5 قواعد عسكرية لأحد ألوية الجيش. كما هدّد بطرد القوات الإثيوبية من بلاده، علماً بأنها تشارك ضمن قوة أفريقية في جهود «مكافحة الإرهاب».

وفي محاولة لحلّ الأزمة المتصاعدة، أطلقت تركيا، التي تمتلك قاعدة عسكرية في الصومال منذ عام 2017، في 2 يوليو (تموز) الماضي مبادرة للوساطة بين إثيوبيا والصومال، عقدت من خلالها جولتي مباحثات، بينما ألغيت الثالثة التي كانت مقررة الشهر الحالي.

ومع تصاعد الأزمة، وقّع الصومال ومصر بروتوكول تعاون عسكرياً في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة شحنتي أسلحة لدعم مقديشو، كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل كجزء من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.

وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)

التحركات المصرية أثارت غضب أديس أبابا، التي اتهمت مقديشو بـ«التواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار». وفي المقابل، اتهم الصومال إثيوبيا بإدخال شحنة أسلحة إلى إقليم «بونتلاند».

ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن وزير خارجية أديس أبابا، تايي أتسكي سيلاسي، قوله إنه «يشعر بالقلق من أن الأسلحة القادمة من قوى خارجية من شأنها أن تزيد من تدهور الوضع الأمني الهش، وأن تصل إلى أيدي الإرهابيين في الصومال».

وردّ وزير خارجية الصومال، أحمد معلم فقي، بقوله إن «الدافع وراء هذه التصريحات المسيئة هو محاولتها (إثيوبيا) إخفاء التهريب غير القانوني للأسلحة عبر الحدود الصومالية، التي تقع في أيدي المدنيين والإرهابيين».

الصراع الحالي ليس إلا «نتيجة ثانوية لمذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال»، بحسب حديث الباحث المتخصص في شؤون شرق أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية»، عمر محمود، لـ«الشرق الأوسط». لكنه «ليس صراعاً وليد اللحظة حيث يعكس التصعيد الأخير أيضاً قضايا قديمة في منطقة القرن الأفريقي لم تتم معالجتها».

وهو ما يؤكده عضو البرلمان الإثيوبي الباحث السياسي، أسامة محمد، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى «المظالم التاريخية والنزاعات الحدودية التي تؤجج التوترات في القرن الأفريقي»، ضارباً المثل بالنزاع المائي بين مصر وإثيوبيا.

وتعد مكافحة «الإرهاب»، وتحديداً «حركة الشباب»، أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الصومال، جنباً إلى جنب مع المشاكل الداخلية المتعلقة بالعشائر القبلية. وهي تحديات ليست ببعيدة عن إثيوبيا التي تواجه أيضاً نزاعات داخلية في بعض الأقاليم، يرى مراقبون أنه «يمكن استغلالها في الصراع الحالي».

ويدافع عضو البرلمان الإثيوبي عن «دور بلاده التاريخيّ في استقرار الصومال»، وإن «أدت التحديات الداخلية بما في ذلك صراع تيغراي إلى عرقلة جهود أديس أبابا في دعم الدول المجاورة»، على حد قوله.

وتحت عنوان «الحرب المقبلة التي لا يتحدث عنها أحد»، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إنه «بفضل طموحات آبي أحمد التوسعية ومخططاته المتهورة، أصبح القرن الأفريقي على أعتاب حرب، من شأنها أن تعرض المنطقة للخطر، وترتد ضد بقية العالم».

ويرتبط النزاع الحالي بـ«مشاريع آبي أحمد التوسعية»، حسب الباحث الآريتري - الأميركي المتخصص في قضايا القرن الأفريقي، إبراهيم إدريس، الذي يشير، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن أديس أبابا «تحاول تحقيق التنمية على حساب الدول الأخرى».

طموح آبي أحمد في الوصول إلى البحر الأحمر ليس وليد اللحظة، حيث يسعى لتحقيق ذلك منذ توليه مهام منصبه في أبريل (نيسان) 2018، عبر ما يسمى بـ«دبلوماسية الموانئ». وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تحدث آبي أحمد، أمام برلمان بلاده، عن «ضرورة إيجاد منفذ لبلاده على البحر».

وفقدت إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، عندما حصلت إريتريا على استقلالها في عام 1993، ومنذ ذلك العام تعتمد أديس أبابا على ميناء جيبوتي.

ورغم أن منبع الصراع الحالي هو «مذكرة التفاهم»، فإن «إثيوبيا ترى أن مصر تسعى لفتح جبهة نزاع جديدة مع إثيوبيا في الصومال»، بحسب مدير معهد هيرال لشؤون الأمن في القرن الأفريقي، الباحث الصومالي محمد مبارك، في حديث له مع «الشرق الأوسط».

وبين مصر وإثيوبيا نزاع ممتد لأكثر من 10 سنوات، بسبب «سد النهضة» الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيس لنهر النيل، وتوقفت المفاوضات بين البلدين إثر «رفض أديس أبابا الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، ما دفع القاهرة إلى اللجوء لمجلس الأمن».

والتدخل المصري في الأزمة الصومالية يأتي في سياق تعزيز وجودها في القرن الأفريقي، مع أهمية المنطقة المطلة على البحر الأحمر، وهو «ليس جديداً»، بحسب الخبير الأمني المصري، اللواء محمد عبد الواحد، الذي كان في الصومال في التسعينات من القرن الماضي، في ظل وجود قوات مصرية «ساهمت في إعادة الاستقرار لمقديشو، وكذلك تقريب وجهات النظر بين العشائر المتحاربة».

لكن عضو البرلمان الإثيوبي يرى أن «تدخل مصر أدى إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية في المنطقة».

بينما يرى إدريس أن دخول مصر وإريتريا على خط الأزمة «أمر طبيعي مرتبط بعلاقات البلدين التاريخية مع الصومال»، مؤكداً أن «القاهرة وأسمرة تهدفان إلى تعزيز سيادة الجيش الصومالي، وفرض الاستقرار والأمن في البحر الأحمر».

وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، عقد وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا اجتماعاً قبل أيام لتنسيق المواقف وحماية استقرار المنطقة.

وبينما لا يرجح الباحث في مجموعة الأزمات الدولية «اندلاع صراع مباشر بين إثيوبيا والصومال، بسبب تكلفته الباهظة»، لا يستطيع، في الوقت نفسه، استبعاد هذا السيناريو، «إذا لم يتم حل المشكلة، واستمرت التوترات في التصاعد».

ويستبعد الباحث الإرتيري أيضاً «نشوب حرب عسكرية في المنطقة»، وإن أشار إلى «استمرار صراع النفوذ بين القوى الغربية المختلفة على منطقة القرن الأفريقي، ولا سيما روسيا والصين، وفي ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية عدة في دول المنطقة».

واحتمالات التصعيد، وفق الباحث الصومالي، «متوسطة إلى عالية». ويشير مبارك إلى «توترات عدة في المنطقة لم تتطور إلى نزاع مسلح»، لكنه يرى أن «الصراع المسلح قد يصبح حقيقة إذا اعترفت إثيوبيا فعلياً بأرض الصومال».

ويعتقد عضو البرلمان الإثيوبي بإمكانية «كبيرة» للتصعيد، ولا سيما أن «تقاطع المصالح الوطنية والعابرة للحدود الوطنية، والتنافس على الموارد مثل المياه والأراضي والنفوذ السياسي قد يؤدي إلى إشعال مزيد من الصراعات». ويقول: «أي سوء فهم أو سوء تواصل، وخاصة في ما يتعلق بمياه النيل، من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من المواجهات بين إثيوبيا ومصر».

في المقابل، يخشى الخبير الأمني المصري من «تحركات عدائية إثيوبية ضد القوات المصرية قد تشعل الوضع في ظل عدم وجود أطر للتسوية أو حل الأزمة». ويشير إلى أن «أديس أبابا لديها تأثير في الصومال، وعلاقات بأمراء الحرب الذين أشعلوا الصومال في التسعينات، الأمر الذي يثير القلق من استخدامهم في النزاع الحالي».

ومع تصاعد الصراع الصومالي - الإثيوبي، اقترحت جيبوتي تأمين وصول أديس أبابا لمنفذ على البحر. وحتى الآن لم تتمكن جهود الوساطة، من «سد الفجوات بين الجانبين».

يتطلب حل الأزمة جهداً دولياً منسقاً، «تصطف فيه الوساطات في مسار واحد»، حيث يرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية أنه «لا يمكن لجهة فاعلة واحدة حلّ الصراع بمفردها.

مثله، يقترح عضو البرلمان الإِثيوبي «مزيجاً من التعاون الإقليمي والوساطة الدولية والإصلاحات الداخلية لحل الأزمة».

ويبدو أن الصراع الحالي ينذر بمخاطر عدة، ويثير مخاوف «حرب بالوكالة»، وفق الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، «بحيث قد يدعم كل طرف القوات المناهضة للحكومة في أراضي الآخر» على حد قوله.

وبالفعل، حذّر تقرير مشروع «كريتكال ثريتس» التابع لـ«معهد إنتربرايز» الأميركي للأبحاث السياسية العامة، قبل أيام، من «زيادة خطر اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً، وإطالة أمد الأزمة في القرن الأفريقي».