«المحاسبة» الليبي يفضح «وقائع فساد» في حكومة «الوحدة»

تشمل «اختلاس المال العام»، و«إنفاق الملايين على شراء السيارات»

خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة الليبي مستقبلاً الدبيبة (المكتب الإعلامي لديوان المحاسبة)
خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة الليبي مستقبلاً الدبيبة (المكتب الإعلامي لديوان المحاسبة)
TT

«المحاسبة» الليبي يفضح «وقائع فساد» في حكومة «الوحدة»

خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة الليبي مستقبلاً الدبيبة (المكتب الإعلامي لديوان المحاسبة)
خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة الليبي مستقبلاً الدبيبة (المكتب الإعلامي لديوان المحاسبة)

كشف ديوان المحاسبة الليبي «تجاوزاً وتبديداً» للمال العام من قبل أطراف كثيرة بالبلاد، من بينها حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وسط مطالب بضرورة إخضاع المتورطين لـ«المحاكمة».

وأصدر ديوان المحاسبة، الذي يعد أكبر جهة رقابية في البلاد، تقريره السنوي لعام 2022، تضمن «وقائع فساد» كثيرة، بداية من «اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية»، «والتوسع في إبرام عقود للتوريد»، بالإضافة إلى إنفاق الملايين على شراء السيارات، فضلاً عن إقامة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بديوان الحكومة في فنادق خارج البلاد.

ومنذ صدوره مساء أمس (الأربعاء)، أحدث تقرير ديوان المحاسبة ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية والاجتماعية، حيث قال سليمان البيوضي، رئيس حزب «التجديد»، إن «وقائع نهب المال العام المسندة لحكومة الدبيبة فاقت كل المستويات، ويندى لها الجبين»، ورأى أن الوضع الاقتصادي في بلاده «كارثي، والإطاحة بهذه الحكومة بات واجباً وطنياً وأخلاقياً».

خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة الليبي مستقبلا النائب العام الصديق الصور (المكتب الإعلامي لديوان المحاسبة)

وعكس التقرير، الذي جاء في 680 صفحة مقسمة إلى 23 فصلاً، الوضع المالي للدولة، ونتائج مراجعة وتقييم أداء القطاعات المختلفة بها، وكشف عن تغوّل الفساد في مفاصلها عبر الاختلاس وإهدار المال العام. وضرب ديوان المحاسبة أمثلة على مظاهر الفساد في القطاع الحكومي، وقال إنه «تم التواطؤ مع خصوم الدولة في قضايا ومنازعات، من خلال القيام بتحرير مراسلات تعزز وضع الخصوم ضد الدولة الليبية، ومصالحها في القضايا المنظورة بالتحكيم الدولي».

ورصد التقرير «إهدار المال العام عن طريق التوسّع في إبرام عقود التوريد، أو الخدمات في غير احتياج حقيقي وبالتكليف المباشر، وتضييع الفرصة على الدولة في الحصول على أفضل المواصفات بأقل الأسعار»، كما رصد «مبالغة في عقود الإعاشة، وتذاكر السفر والإقامة لحد الرفاهية على حساب المال العام». مشيرا إلى أنه «تم الاستيلاء على المال العام عن طريق تسديد مرتبات وهمية بأرقام وطنية مزورة»، بالإضافة إلى «اختلاس مبالغ مالية من باقي تحويلات علاج الجرحى والمرضى عبر السفارات بالخارج».

وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها شرائح كثيرة بالمجتمع، أفاد ديوان المحاسبة بأن الدبيبة وافق على شراء سيارات للوزراء ووكلاء الوزارات، وديوان رئاسة الوزراء بقيمة 40.5 مليون دينار خلال عام 2022، (الدولار يساوي 5.59)، كما رصد موافقته على تمليك 27 سيارة حديثة لوزراء حكومته، عقب شرائها مباشرة بالمخالفة للتشريعات والقوانين، التي تنظم شراء واستعمال السيارات المملوكة للدولة. مبرزا أنه تمت تغطية شراء السيارات من مخصصات (التنمية) في الباب الثالث، والمُرحَّلة من السنة المالية 2021 بشكل مخالف للقانون.

كما أتى التقرير على ذكر اسم عدد من المسؤولين، الذين اعتُمدت لهم ميزانيات ضخمة للتنقل والسفر في فنادق في قطر وتركيا، وقال إن بعض الوزراء أقاموا في فندق فخم بالعاصمة طرابلس، رغم أنهم ليبيون، ومنهم من يقيم في طرابلس.

وكان رئيس الديوان، خالد شكشك، قد بحث مع النائب العام الصديق الصور، سُبل تعزيز المحاسبة وإنفاذ القانون، وذلك على خلفية التقرير السابق، الذي أصدره الديوان عام 2021، والذي يخضع ما ورد به من مخلفات للتحقيق من قبل مكتب النائب العام.

وناشد الباحث الليبي، محمد الشهومي، النائب العام وهيئة مكافحة الفساد بـ«التدخل الفوري لاتخاذ كل الإجراءات الممكنة لمكافحة الجرائم، التي تضمنها التقرير، وتقديم المسؤولين للعدالة». وقال إن الطريقة التي تعاملت بها حكومة الدبيبة في السابق مع قضايا الفساد تظل «مثاراً للجدل والشكوك»، لافتاً إلى أنه عندما صدر تقرير ديوان المحاسبة لعام 2021 اكتفى رئيس الحكومة بالدعوة لترشيد الإنفاق.

وأضاف الشهومي موضحاً «الآن، وبعد صدور تقرير عام 2022، يظل السؤال مطروحاً حول ما إذا كان رد الفعل سيكون مشابها أم لا؟ لكن الأمور يجب ألا تظل كما هي، ويجب أن تتخذ الخطوات اللازمة». داعياً الشعب والإعلام الحر إلى «استغلال كل أساليب التواصل الاجتماعي للضغط على المسؤولين، وفضح أعمال الفساد».

البعثة الأممية تجتمع مع وفد من المجلس الأعلى للدولة بطرابلس (البعثة)

في شأن مختلف، قال المجلس الأعلى للدولة، إن النائب الثاني لرئيس المجلس، الدكتور عمر العبيدي، اجتمع ضمن وفد من المجلس مع نائب رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، رايزدون زينينغا، ورئيس القسم السياسي محمد التل، وإيناس أحمد المستشارة السياسية بالبعثة بمقر البعثة بطرابلس.

وأضاف المكتب الإعلامي للمجلس، مساء أمس (الأربعاء) أن المجتمعين بحثوا أهم الملفات السياسية الخاصة بالبلاد، وخصوصاً ملف الانتخابات، إضافة إلى مناقشة طرق الدفع بالعملية السياسية، وسبل حلّ الانسداد السياسي، والآليات المتبعة لحل الخلافات بين الأطراف السياسية.

البعثة الأممية تجتمع مع وفد من المجلس الأعلى للدولة بطرابلس (البعثة)

واتفق الطرفان، وفقاً لبيان المجلس الأعلى للدولة، على أن «الشركاء السياسيين ما زالوا بحاجة إلى مزيد من مواصلة الحوار، والتوافق للوصول بالبلاد إلى الاستحقاق الانتخابي في أقرب الآجال».


مقالات ذات صلة

برلمانيون ليبيون يطالبون بالتحقيق في «شبهات فساد» بملتقى «حوار جنيف»

شمال افريقيا صورة أرشيفية للحوار السياسي الليبي في جنيف (البعثة الأممية)

برلمانيون ليبيون يطالبون بالتحقيق في «شبهات فساد» بملتقى «حوار جنيف»

طالب برلمانيون ليبيون النائب العام والجهات القضائية والرقابية بالإفصاح عن «شبهات الفساد والرشاوى» في «لجنة الحوار السياسي» التي أنتجت وثيقة «جنيف» عام 2021.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا اللجنة التسييرية لـ«جمعية الدعوة الإسلامية العالمية» في طرابلس (المكتب الإعلامي للجمعية)

جدل في ليبيا بعد تشكيل الدبيبة إدارة جديدة لـ«الدعوة الإسلامية»

وسط مخاوف من «نهب أرصدتها»، أقدم رئيس حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة على تشكيل مجلس إدارة جديد لـ«جمعية الدعوة الإسلامية العالمية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا خوري خلال لقائها فرحات بن قدارة (حساب خوري على «إكس»)

الأمم المتحدة تدعو قادة ليبيا لإدارة عائدات النفط «لصالح الشعب»

يتطلع الليبيون إلى مرحلة ما بعد حل أزمة «المركزي»، في وقت تسعى البعثة الأممية لجهة إدارة الموارد النفطية من قبل المصرف، وتسخير الموارد النفطية لتحقيق التنمية.

جمال جوهر (القاهرة )
شمال افريقيا المنفي والحداد رئيس أركان قوات «الوحدة» (المجلس الرئاسي)

المنفي يتمسك بإنشاء «مفوضية للاستفتاء» رغم معارضة «النواب»

عاد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي إلى فتح ملف تدشين «مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني» رغم معارضة مجلس النواب، مما قد يجدد الجدل حولها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا رصد تقرير للمنظمة الدولية للهجرة وجود أكثر من 700 ألف مهاجر غير نظامي في ليبيا (إ.ب.أ)

«الوحدة» الليبية تطلق حملة لترحيل «المهاجرين»

قالت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة إنها ستطلق حملة لإعادة المهاجرين إلى بلدانهم، تبدأ من العاصمة طرابلس لتتوسع لاحقاً وتشمل باقي المدن الليبية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

​التونسيون يدلون بأصواتهم في انتخابات رئاسية يغيب عنها الحماس

الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)
الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)
TT

​التونسيون يدلون بأصواتهم في انتخابات رئاسية يغيب عنها الحماس

الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)
الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)

بدأ التونسيون، الأحد، الاقتراع من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها الحماس، مما زاد المخاوف من انعكاس فقدان الحماس على نسبة الاقتراع، مثلما حدث في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية عام 2022 وبداية 2023، حين بلغت نسبة المشاركة نحو 12 في المائة فقط.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9.7 مليون الإدلاء بأصواتهم عند الثامنة صباحاً في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقاً لهيئة الانتخابات.

وبدا أن عدداً كبيراً من المقترعين، في عدد من مراكز الاقتراع في العاصمة، من الكهول والشيوخ الذين يمثلون نحو نصف الناخبين، وفق ما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية». وقال النوري المصمودي (69 عاماً) في مركز اقتراع في العاصمة: «جئت مع زوجتي لدعم قيس سعيّد، العائلة بأكملها ستصوت له». وعلى مسافة قريبة منه، أفصحت فضيلة (66 عاماً) بأنها جاءت «من أجل القيام بالواجب، والرد على كل من دعا إلى مقاطعة الانتخابات».

في مركز آخر، أعرب حسني العبيدي (40 عاماً) عن خشيته من حصول عمليات تلاعب بالتصويت، لذلك: «قدمت بالتصويت حتى لا يتم الاختيار في مكاني». وتقول الطالبة وجد حرّار (22 عاماً): «في الانتخابات السابقة لم يكن لي حق التصويت والناس اختاروا رئيساً سيئاً. هذه المرة من حقي التصويت».

وأدلى سعيّد بصوته ترافقه زوجته في مركز اقتراع بمنطقة النصر في العاصمة بعد نحو ساعة من فتحه. وأفادت رئيسة المركز عائشة الزيدي بأن «الإقبال محترم للغاية». وتحدث رئيس الهيئة العليا للانتخابات فاروق بوعسكر في مؤتمر صحافي بعد فتح المراكز عن «توافد بأعداد لافتة».

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية «على أقصى تقدير» الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

3 متنافسين

المرشح الرئاسي التونسي زهير المغزاوي يدلي بصوته بأحد مراكز الاقتراع في المرسى بالقرب من تونس العاصمة (أ.ف.ب)

ويتنافس سعيّد (66 عاماً) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاماً)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ 47 عاماً والمسجون بتهم «تزوير» تواقيع تزكيات. ولا يزال سعيّد، الذي انتخب بما يقرب من 73 في المائة من الأصوات، و58 في المائة من نسبة المشاركة في انتخابات عام 2019 يتمتّع بشعبية كبيرة لدى التونسيين حتى بعد أن حلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور 5 سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين يتهمونه بتكريس كثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، خاصة حزب «النهضة» الإسلامي الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديمقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في عام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية، بـ«الانجراف السلطوي» في بلد مهد ما سمّي بـ«الربيع العربي»، من خلال تسليط الرقابة على القضاء والصحافة، والتضييق على منظمات المجتمع المدني، واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين.

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى «موعد مع التاريخ»، قائلاً: «لا تترددوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات»، لأنه «سيبدأ العبور، فهبّوا جميعاً إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد».

أحد مراكز الاقتراع في المرسى بالقرب من تونس العاصمة (أ.ف.ب)

حملة باهتة

في الطرف المقابل، حذّر يوم الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي: «في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات... إيّاكم والعبث بصوت التونسيين». وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين، مثلما كانت عليه الحال في عام 2019.

ويعتقد البعض أن الرئيس سعيّد «وجّه» عملية التصويت لصالحه، «ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات»، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب «النهضة» إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات. وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت إلى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قراراً قضائياً بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس يوم الجمعة للتنديد بـ«القمع الزائد». وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف. وتشير إحصاءات منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى أن «أكثر من 170 شخصاً محتجزون لدوافع سياسية أو لممارسة الحقوق الأساسية» في تونس.