موريتانيا: تقرير يطيح مسؤولين بعد فضح ثغرات في التسيير

قادة المعارضة عدّوا نشره تطبيقاً «متأخراً» لنص القانون

الرئيس الموريتاني يتسلم تقرير محكمة الحسابات (رئاسة الجمهورية)
الرئيس الموريتاني يتسلم تقرير محكمة الحسابات (رئاسة الجمهورية)
TT

موريتانيا: تقرير يطيح مسؤولين بعد فضح ثغرات في التسيير

الرئيس الموريتاني يتسلم تقرير محكمة الحسابات (رئاسة الجمهورية)
الرئيس الموريتاني يتسلم تقرير محكمة الحسابات (رئاسة الجمهورية)

كشف تقرير نشرته محكمة الحسابات في موريتانيا، أمس (الجمعة)، ثغرات وخروقات في تسيير عدد من الوزارات والمؤسسات العمومية، ما أسفر عن إقالة عدد من المسؤولين بقرار من مجلس الوزراء.

وجاء التقرير الذي أعدته مجموعة من القضاة المحلفين في المحكمة في 250 صفحة، وتناول ثلاث سنوات (2019 و2020 و2021)، أي سنوات حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي انتخب منتصف عام 2019.

وكانت فرق التفتيش، التي يقودها قضاة محكمة الحسابات، قد زارت عدة وزارات، من أهمها وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة، ووزارة البيئة والتنمية المستدامة، كما زارت أيضاً الصندوق الخاص للتضامن الاجتماعي ومحاربة جائحة «كورونا» التابع لوزارة الصحة، ومكتب الجمارك للحاويات بميناء نواكشوط المستقل، بالإضافة إلى الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة التابعة لوزارة الداخلية. وخلال السنوات الثلاث الماضية، زار المفتشون مفوضية الأمن الغذائي، والشركة الموريتانية للكهرباء، والشركة الوطنية للاستصلاح الزراعي والأشغال، إضافة إلى الشركة الوطنية للحفر والآبار، كما فتشت مشروع الظهر الذي يهدف إلى حل مشكلات نقص المياه في مناطق واسعة من الشرق الموريتاني.

رئيس محكمة الحسابات حميد ولد أحمد طالب (رئاسة الجمهورية)

وكشف التقرير ما قال إنها «خروقات وثغرات تقوض شفافية وكفاءة تسيير الأموال العمومية»، مؤكداً أنه وقف على «نواقص جوهرية في أنظمة الرقابة الداخلية للجهات التي خضعت للرقابة». وأوضح القضاة، الذين كتبوا التقرير، أنهم اكتشفوا «خروقات عديدة للقوانين والنظم التي تحكم التصرف في الأموال العمومية»، مشيرين إلى أن الإدارات التي جرى تفتيشها تعاني من «عدم احترام نظام الصفقات العمومية، خصوصاً فيما يتعلق منه باللجوء إلى المنافسة».

وقال القضاة إنَّهم رصدوا «منح عطايا وهبات دون أساس قانوني (...) واستغلال سيارات المشروعات بشكل غير شرعي، وتحميل هذه المشروعات نفقات لا تتعلق بالغرض الذي أنشئت من أجله»، وخلصوا إلى أن «هذه الانتهاكات تُثري مخاوف بشأن مدى امتثال الهيئات، الخاضعة للرقابة للمبادئ الأساسية للنزاهة، والمساءلة في تسيير الموارد العمومية»، وفق نص التقرير.

وفور نشر التقرير تفاعل معه الموريتانيون على نطاق واسع، خصوصاً وأن نشره كان أحد أهم مطالب أحزاب المعارضة، التي تتحدث دوماً عن وجود فساد إداري يعيق تحقيق التنمية في موريتانيا.

قادة المعارضة عدوا نشر التقرير تطبيقاً «متأخراً» لنص القانون (الشرق الأوسط)

وكان ولد الشيخ الغزواني قد أمر فور وصوله إلى الحكم عام 2019 بنشر جميع التقارير التي أعدتها محكمة الحسابات منذ 2008، والتي ظلت محجوبة عن الرأي العام لعشر سنوات، رغم أن القانون الموريتاني ينص على نشرها فور اكتمال العمل عليها، وتسليم نسخة منها إلى رئيس الجمهورية.

وقبل يومين سلمت محكمة الحسابات نسخة من تقرير عملها للسنوات الثلاث الماضية إلى ولد الشيخ الغزواني، لتنشر التقرير بعد ذلك بيومٍ واحدٍ على موقعها الإلكتروني، وهي الخطوة التي احتفى بها أنصار الحكومة، وعدّوا أنها دليل على الشفافية، فيما وصفتها المعارضة بأنها تطبيق «متأخر» لنص القانون.

وقال النائب البرلماني المعارض، محمد الأمين ولد سيدي مولود، معلقاً على نشر التقرير: «بعد تأخر كبير؛ النظام يفرج عن تقارير محكمة الحسابات، والحكم على هذه التقارير سيكون بعد قراءتها، ومعرفة تصرف السلطة بناء عليها».

كانت الحكومة الموريتانية قد أقالت الأسبوع الماضي عدة مسؤولين وردت أسماؤهم في تقرير محكمة الحسابات، من أبرزهم الأمين العام السابق لوزارة البيئة، والأمين العام السابق لوزارة الشؤون الاجتماعية، والأمين العام السابق لوزارة الوظيفة العمومية.

وكان تقرير محكمة الحسابات قد وجه مساءلة لهؤلاء المسؤولين حول أموال اختفت دون تبرير، ووصف ردهم على المساءلة بأنها «تبريرات غير كافية».

وتقدم محكمة الحسابات نفسها على أنها هيئة عليا للرقابة المالية، هدفها «حماية الأموال العمومية، وتحسين طرق التسيير وتقنياته، وعقلنة العمل الإداري»، ولكنها في النهاية «تبدي رأياً استشارياً بناءً على طلب من الحكومة»، وتتلخص صلاحياتها في «الرقابة بصورة لاحقة على الوثائق وفي عين المكان، بصفة شاملة أو عن طريق العينات على شكل قضائي أو إداري»


مقالات ذات صلة

رياضة عالمية يوفنتوس قال في بيان إن محاميه أبلغوه بتوجيه الاتهامات من قبل مكتب المدعي العام (رويترز)

مدعون يسعون لمحاكمة مسؤولين سابقين بـ«يوفنتوس» بسبب مخالفات مالية

ذكرت مصادر قضائية، الأربعاء، أن ممثلي الادعاء في روما طالبوا بمثول رئيس يوفنتوس السابق وغيره من المديرين السابقين لأنجح أندية كرة القدم الإيطالية أمام المحاكمة.

«الشرق الأوسط» (روما)
الولايات المتحدة​ السناتور الأميركي بوب مينينديز (رويترز)

محكمة أميركية تدين السناتور بوب مينينديز بتهم فساد

أدانت هيئة محلفين في محكمة اتحادية في مانهاتن السناتور الأميركي بوب مينينديز، اليوم الثلاثاء، في كل التهم الجنائية الموجهة إليه، وعددها 16.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
المشرق العربي وزير الداخلية العراقية عبد الأمير الشمري (إعلام حكومي)

طرد 320 شرطياً و36 ضابطاً عراقياً خلال 6 أشهر

أعلنت وزارة الداخلية العراقية، الأحد، عن «طرد 320 شرطياً، و36 ضابطاً من الخدمة خلال النصف الأول من العام الجاري»، وذلك في إطار مساعيها لمحاربة «الفساد».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لدى إعلانه استرداد أموال من قضية «سرقة القرن» (أ.ف.ب)

بعد مرور سنتين... ما مصير «سرقة القرن» العراقية؟

أعاد رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، التذكير بالقضية المعروفة باسم بـ«سرقة القرن» إلى الواجهة، بعدما أقر بأن «نصف أموال القضية هُرِّب إلى خارج البلاد».

فاضل النشمي (بغداد)

«الحوار الوطني» لعرض تعديلات «الحبس الاحتياطي» على الرئيس المصري

مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)
مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)
TT

«الحوار الوطني» لعرض تعديلات «الحبس الاحتياطي» على الرئيس المصري

مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)
مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)

يراجع «مجلس أمناء الحوار الوطني» في مصر مقترحات القوى السياسية وتوصيات على تعديلات بشأن ملف «الحبس الاحتياطي»، عقب مناقشات موسعة؛ وذلك لعرضها على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لاتخاذ ما يلزم بشأنها.

وتوقّع خبراء شاركوا في جلسات «الحوار الوطني» تحقيق «انفراجة في ملف الحبس الاحتياطي، بالإفراج عن أعداد من المحبوسين منذ مدة طويلة»، مشيرين إلى توافق المشاركين حول «عدم استخدام تدابير الحبس الاحتياطي؛ إلا في أضيق الحدود، والتوسع في تدابير بديلة أخرى ضد المتهمين».

وانتهى «الحوار الوطني» أخيراً من مناقشة قضية «الحبس الاحتياطي»، بمشاركة قانونيين وحقوقيين وممثلي القوى والتيارات السياسية، وأشخاص تعرّضوا للحبس الاحتياطي. وتناولت المناقشات سبل «الحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي بصفته أحد إجراءات التحقيق، وليس عقوبة ضد المتهمين».

مشاركون في جلسات ملف «الحبس الاحتياطي» بمصر (الحوار الوطني)

وأشار «مجلس أمناء الحوار الوطني»، في إفادة مساء الجمعة، إلى «تلقيه أوراق عمل من القوى السياسية، ثم تعقبه صياغة تقرير نهائي بالتوصيات، يجري رفعه إلى الرئيس». ولفت بيان المجلس إلى أنه «تم الاستماع خلال جلسات الحوار إلى كل وجهات النظر بشأن الحبس الاحتياطي، والوضع القانوني القائم حالياً، ومقترحات التطوير المختلفة، كما تم استعراض تجارب الدول الأخرى، دون مصادرة لرأي أو حجر على فكرة».

المحامي الحقوقي عضو «مجلس أمناء الحوار الوطني»، نجاد البرعي، قال إن «لجنة حقوق الإنسان والحريات بالحوار الوطني ستُصيغ تقريراً بالتوصيات والمقترحات، التي تم التوافق عليها، والأخرى التي كانت محل خلاف لرفعها إلى الرئيس»، مشيراً إلى أن «هناك أملاً في تحقيق انفراجة بملف الحبس الاحتياطي، مثل الإفراج عن المحبوسين احتياطياً، منذ مدة طويلة».

وأشار البرعي إلى توصيات حظيت بتوافق داخل مناقشات «الحوار الوطني»، منها: «الإفراج عن جميع المحبوسين احتياطياً في السجون حالياً، ووقف الحبس في قضايا الرأي والنشر، مع وضع حد أقصى (مدة زمنية) لإنهاء تحقيقات النيابة المصرية، وإلا يجري إلغاء الدعوى القضائية بعدها»، لافتاً إلى مقترحات جديدة، مثل «تعويض من حُبسوا عن طريق الخطأ بمبلغ يساوي الحد الأدنى للأجور في البلاد (6 آلاف جنيه مصري)، عن كل شهر بمدة الحبس». (الدولار الأميركي يساوي 48.30 جنيه في البنوك المصرية).

وتوقف البرعي مع مقترحات لم تحظ بتوافق المشاركين في «الحوار الوطني»، منها: «حالات الحبس الاحتياطي المكرر، لصعوبة علاجه قانوناً»، إلى جانب «بدائل الحبس الاحتياطي، المطبقة في دول أخرى»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن المشاركين في الجلسات «تداولوا مقترحات تتعلق باستخدام أسورة تتبع ممغنطة، أو تحديد إقامة المتهم، أو تطبيق نظام المراقبة الشرطية»، مبرزاً أنه «لا يستطيع أحد وقف إجراء الحبس الاحتياطي، بصفته (احترازاً قانونياً) في أثناء التحقيقات في القضايا».

وأخلت السلطات المصرية، الأسبوع الماضي، سبيل 79 متهماً من المحبوسين على ذمة قضايا، في خطوة قُوبلت بترحيب قوى سياسية وحزبية.

ورأى رئيس «كتلة الحوار» (كيان سياسي دُشّن من فعاليات الحوار الوطني)، باسل عادل، أن «هناك إرادة سياسية لحلحلة أزمة الحبس الاحتياطي»، متوقعاً «إجراء تعديلات تشريعية على قانون الإجراءات الجنائية، استجابة إلى توصيات مناقشات الحوار الوطني». ولفت لـ«الشرق الأوسط» إلى «وجود إجماع من القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني على الفصل بين إجراء الحبس الاحتياطي ضد (المتهمين الجنائيين)، والسياسيين». وقال إن هناك مطالب بعدم استخدام الحبس الاحتياطي في «قضايا الرأي وحرية التعبير والتظاهر».

جانب من جلسات ملف «الحبس الاحتياطي» في مصر (الحوار الوطني)

ولفت رئيس «المنظمة العربية لحقوق الإنسان»، علاء شلبي، إلى أن مناقشة قضية الحبس الاحتياطي «عبّرت عن إرادة سياسية تتجه إلى الإفراج عن كل المحبوسين احتياطياً في قضايا عامة خلال الأيام المقبلة». وأشار إلى إجماع المشاركين في مناقشات «الحوار الوطني» حول «رد تدابير الحبس الاحتياطي إلى أصلها بصفتها إجراء احترازياً، يجري استخدامها في أضيق الحدود، والإجماع على استبعاد التوسع في تطبيقها كمّاً وكيفاً، وتكثيف استخدام بدائل للحبس».

وأوضح شلبي لـ«الشرق الأوسط»، أن «مناقشة إشكاليات الحبس الاحتياطي في جلسة خاصة من الحوار الوطني ليست بديلاً عن إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد»، لافتاً إلى أن مجلس الوزراء المصري «أقر في ديسمبر (كانون الأول) 2022 تعديلات على القانون، وانتهت اللجنة النيابية الفنية من مراجعته في أبريل (نيسان) الماضي، وتعهّد رئيس مجلس النواب المصري (البرلمان) في يوليو (تموز) الحالي بمناقشة القانون في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل».

وناقش مجلس النواب المصري، في مارس (آذار) الماضي، مشروع قانون بتعديلات تشريعية لتقليص مدد «الحبس الاحتياطي». وتضمّنت التعديلات المقترحة وضع حد أقصى لمدة الحبس الاحتياطي، وتنظيم التعويض عنه، وتقليص مدة الحبس، لتصبح في «قضايا الجنح» 4 أشهر بدلاً من 6 أشهر، وفي «الجنايات» 12 شهراً بدلاً من 18 شهراً، و18 شهراً بدلاً من عامين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام».