مصر: غضب يتصاعد... ودعوات نادرة للحرب

مظاهرات حاشدة في معظم المحافظات والمدن

مصريون يتظاهرون قبالة الجامع الأزهر (المركز الإعلامي لمشيخة الأزهر)
مصريون يتظاهرون قبالة الجامع الأزهر (المركز الإعلامي لمشيخة الأزهر)
TT

مصر: غضب يتصاعد... ودعوات نادرة للحرب

مصريون يتظاهرون قبالة الجامع الأزهر (المركز الإعلامي لمشيخة الأزهر)
مصريون يتظاهرون قبالة الجامع الأزهر (المركز الإعلامي لمشيخة الأزهر)

تصاعدت موجة الغضب في مصر، بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، وسط تظاهر جموع من المواطنين في محافظات عدة للتنديد بالحرب واستهداف المدنيين بالقطاع، وتزامن هذا الحراك المجتمعي مع دعوات نادرة للحرب صدرت عن برلمانيين وفنانين ورجال دين، ما أثار جدلاً واسعاً.

واحتشد آلاف المصريين في الميادين والشوارع بعديد من المحافظات، في وقت شهد فيه محيط النصب التذكاري بمدينة نصر (شرق القاهرة)، توافد المواطنين بشكل كبير بعد الدعوة التي وجهها مجلس أمناء «الحوار الوطني»، كما شهد «ميدان التحرير» بوسط العاصمة تجمع الآلاف الذين نظموا مسيرات جابت الشوارع المجاورة.

مصريون يتظاهرون دعماً للفلسطينيين (حزب «مستقبل وطن»)

ولوّح المتظاهرون، الذين تدفقوا على الميادين، بأعلام فلسطين، منددين بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وفي حين أكدوا رفضهم تهجير أهالي القطاع إلى سيناء، رددوا هتافات داعمة للقضية الفلسطينية، من بينها: «يالّا يا مصري قولها قوية... فلسطين عربية»، و«بالروح والدم نفديك يا فلسطين».

وشهد العديد من المساجد تجمعات ومظاهرات مماثلة عقب صلاة الجمعة، أبرزها الجامع الأزهر، حيث شارك المصلون في وقفة تعبيراً عن التضامن مع أهالي غزة، ورفض العدوان الإسرائيلي، مرددين شعارات تندد باستهداف المدنيين الفلسطينيين.

ومن «ميدان الجيزة» إلى «ميدان الحصري» بمدينة السادس من أكتوبر، احتشد آلاف المصريين مرددين هتافات تعبر عن دعمهم للفلسطينيين: «يا فلسطين ما ننساكي... كل الشعب العربي معاكي».

مصريون يتظاهرون دعماً للفلسطينيين (حزب «مستقبل وطن»)

وعدّ رئيس الهيئة البرلمانية لحزب «التجمع» بمجلس النواب، عاطف مغاوري، تجمع المصريين في الميادين، أنه «رسالة إلى العالم بأن القضية الفلسطينية لن تموت»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن ما ارتكبته إسرائيل من مذابح بحق المدنيين في غزة أعاد القضية إلى مكانتها في نفوس الشعب العربي والمصري، وأيقظ وعي الجماهير».

في غضون ذلك، شهدت مصر دعوات للحرب، عدّها مراقبون «نادرة، وغير مستساغة» في الوسطين السياسي والإعلامي المصري منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل قبل أكثر من أربعة عقود.

مصريون يتظاهرون دعماً للفلسطينيين (حزب «مستقبل وطن»)

إحدى هذه الدعوات أطلقها عضو مجلس النواب، الإعلامي مصطفى بكري، خلال الجلسة الطارئة للمجلس (الخميس). وكان بكري ندد في كلمته بالعدوان الإسرائيلي على غزة، قائلاً: «لا أظن أن دماء الشهداء ستذهب سدى، والمخطط أكبر من ذلك، الآن هي اللحظة الحاسمة للوقوف أمام الغرب وإسرائيل»، متابعاً بلهجة حادة: «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، لا سلام مع القتلة، فلتسقط (كامب ديفيد)».

ما ذهب إليه بكري، ألمح له الدكتور علي جمعة، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب (الخميس)، لكن رئيس الهيئة البرلمانية لحزب «التجمع»، عاطف مغاوري، نظر إلى هذه الدعوات للحرب على أنها «تعبير عن المشاعر والمخاوف المصرية من التصعيد الإسرائيلي».

وزاد مغاوري: «نحن لا ندعو إلى الحرب، لكن يجب مراجعة اتفاقية (كامب ديفيد)؛ لأن العدوان الإسرائيلي على غزة أصبح يهدد الأمن القومي المصري».

مصريون يؤدون صلاة الجمعة

وكان مجلس النواب المصري (الغرفة الرئيسية للبرلمان) جدد خلال جلسته الطارئة (الخميس)، تفويض الرئيس عبد الفتاح السيسي، في «اتخاذ كل ما يراه مناسباً لحماية الأمن القومي المصري والعربي، والوقوف بجانب الأشقاء في فلسطين».

وعدّ نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور عمرو هاشم ربيع، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، دعوات الحرب هذه، أنها «تعبير عن مشاعر الغضب، ورسالة للعالم بأنه لا بد من حل للقضية الفلسطينية، وتحذير من مخاطر التصعيد».

على نفس المنوال، أثار مقطع «فيديو» نشره الممثل محمد رمضان عبر حسابه على منصة «إكس»، جدلاً مماثلاً، عندما تساءل رمضان: «تريدون أن يصل صوتنا لمن؟»، وأجاب: «صوتك يجب أن يصل لحكومتك، قل لحكومتك أن تخرج السلاح، من سيدافع عن عربي مثلي ومثلك؟».

مصريون يتظاهرون قبالة الجامع الأزهر (المركز الإعلامي لمشيخة الأزهر)

ووصف أستاذ العلوم السياسية الدكتور مصطفى كامل السيد، دعوات الحرب هذه بأنها «انفعالية وتعبير عن مشاعر الغضب»، لكنه رأى في حديث إلى «الشرق الأوسط» أنها «تعكس اتجاهاً شعبياً عاماً في مصر يرفض الممارسات الإسرائيلية، كما أنها رد على دعوات إسرائيل التي نفتها بتهجير سكان غزة إلى سيناء».

وانتهى أستاذ العلوم السياسية، إلى أن هذه الدعوات «تمثل ضغطاً شعبياً، لكن ليس لها أي تأثير على تمسك مصر بخيار السلام».


مقالات ذات صلة

استنفار إسرائيلي واسع عشية ذكرى «طوفان الأقصى»

المشرق العربي إسرائيليون يزورون الأحد موقعاً لهجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته «حماس» قبل عام (رويترز)

استنفار إسرائيلي واسع عشية ذكرى «طوفان الأقصى»

أعلنت إسرائيل حالة تأهب قياسية، الأحد، بالمواكبة مع الذكرى الأولى لأحداث «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

كفاح زبون (رام الله)
تحليل إخباري فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري عام على «حرب غزة»... «مسار مُعقد» لجهود الوسطاء يترقب انفراجة

عقبات عديدة على مدار عام حاصرت جهود الوسطاء خلال مساعيهم لوقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء أطول حرب بين إسرائيل و«حماس» التي بدأت 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
خاص دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب) play-circle 33:25

خاص في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

«إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة. ستتعرفون على إسرائيل أخرى». هكذا كانت رسالة الضباط الإسرائيليين لنظرائهم الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون بجوار جثث أقاربهم الذين قتلوا في غارة إسرائيلية بمستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (أرشيفية - رويترز)

24 قتيلاً في قصف إسرائيلي على دير البلح وسط غزة

قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن 24 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم وأصيب 93 آخرون في ضربات جوية إسرائيلية على مسجد ومدرسة يؤويان مئات النازحين.

«الشرق الأوسط» (غزة)

​التونسيون يدلون بأصواتهم في انتخابات رئاسية يغيب عنها الحماس

الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)
الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)
TT

​التونسيون يدلون بأصواتهم في انتخابات رئاسية يغيب عنها الحماس

الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)
الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)

بدأ التونسيون، الأحد، الاقتراع من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها الحماس، مما زاد المخاوف من انعكاس فقدان الحماس على نسبة الاقتراع، مثلما حدث في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية عام 2022 وبداية 2023، حين بلغت نسبة المشاركة نحو 12 في المائة فقط.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9.7 مليون الإدلاء بأصواتهم عند الثامنة صباحاً في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقاً لهيئة الانتخابات.

وبدا أن عدداً كبيراً من المقترعين، في عدد من مراكز الاقتراع في العاصمة، من الكهول والشيوخ الذين يمثلون نحو نصف الناخبين، وفق ما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية». وقال النوري المصمودي (69 عاماً) في مركز اقتراع في العاصمة: «جئت مع زوجتي لدعم قيس سعيّد، العائلة بأكملها ستصوت له». وعلى مسافة قريبة منه، أفصحت فضيلة (66 عاماً) بأنها جاءت «من أجل القيام بالواجب، والرد على كل من دعا إلى مقاطعة الانتخابات».

في مركز آخر، أعرب حسني العبيدي (40 عاماً) عن خشيته من حصول عمليات تلاعب بالتصويت، لذلك: «قدمت بالتصويت حتى لا يتم الاختيار في مكاني». وتقول الطالبة وجد حرّار (22 عاماً): «في الانتخابات السابقة لم يكن لي حق التصويت والناس اختاروا رئيساً سيئاً. هذه المرة من حقي التصويت».

وأدلى سعيّد بصوته ترافقه زوجته في مركز اقتراع بمنطقة النصر في العاصمة بعد نحو ساعة من فتحه. وأفادت رئيسة المركز عائشة الزيدي بأن «الإقبال محترم للغاية». وتحدث رئيس الهيئة العليا للانتخابات فاروق بوعسكر في مؤتمر صحافي بعد فتح المراكز عن «توافد بأعداد لافتة».

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية «على أقصى تقدير» الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

3 متنافسين

المرشح الرئاسي التونسي زهير المغزاوي يدلي بصوته بأحد مراكز الاقتراع في المرسى بالقرب من تونس العاصمة (أ.ف.ب)

ويتنافس سعيّد (66 عاماً) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاماً)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ 47 عاماً والمسجون بتهم «تزوير» تواقيع تزكيات. ولا يزال سعيّد، الذي انتخب بما يقرب من 73 في المائة من الأصوات، و58 في المائة من نسبة المشاركة في انتخابات عام 2019 يتمتّع بشعبية كبيرة لدى التونسيين حتى بعد أن حلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور 5 سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين يتهمونه بتكريس كثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، خاصة حزب «النهضة» الإسلامي الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديمقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في عام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية، بـ«الانجراف السلطوي» في بلد مهد ما سمّي بـ«الربيع العربي»، من خلال تسليط الرقابة على القضاء والصحافة، والتضييق على منظمات المجتمع المدني، واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين.

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى «موعد مع التاريخ»، قائلاً: «لا تترددوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات»، لأنه «سيبدأ العبور، فهبّوا جميعاً إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد».

أحد مراكز الاقتراع في المرسى بالقرب من تونس العاصمة (أ.ف.ب)

حملة باهتة

في الطرف المقابل، حذّر يوم الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي: «في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات... إيّاكم والعبث بصوت التونسيين». وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين، مثلما كانت عليه الحال في عام 2019.

ويعتقد البعض أن الرئيس سعيّد «وجّه» عملية التصويت لصالحه، «ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات»، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب «النهضة» إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات. وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت إلى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قراراً قضائياً بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس يوم الجمعة للتنديد بـ«القمع الزائد». وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف. وتشير إحصاءات منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى أن «أكثر من 170 شخصاً محتجزون لدوافع سياسية أو لممارسة الحقوق الأساسية» في تونس.