سودانيون يموتون في «العمليات الجراحية» لانقطاع الكهرباء

أدوية المساعدات الطبية تُباع في الأسواق

مخزن طبي في جنوب دارفور دُمِّر بالكامل وسط القتال في المنطقة بين طرفي الحرب (أ.ف.ب)
مخزن طبي في جنوب دارفور دُمِّر بالكامل وسط القتال في المنطقة بين طرفي الحرب (أ.ف.ب)
TT

سودانيون يموتون في «العمليات الجراحية» لانقطاع الكهرباء

مخزن طبي في جنوب دارفور دُمِّر بالكامل وسط القتال في المنطقة بين طرفي الحرب (أ.ف.ب)
مخزن طبي في جنوب دارفور دُمِّر بالكامل وسط القتال في المنطقة بين طرفي الحرب (أ.ف.ب)

انعكس انهيار النظام الصحي، بسبب الحرب في السودان، على معظم ولايات البلاد الـ18، لكن الخرطوم وشمال إقليم كردفان وإقليم دارفور هي المناطق الأكثر معاناة من انهيار المنظومة الصحية. ولا يقتصر التأثير السلبي على مناطق القتال، فالولايات التي نزح إليها ملايين الفارين من الحرب، هي الأخرى تأثرت بسبب كثافة طالبي الخدمات الصحية وقلة المعينات والأدوية والكوادر الطبية.

وقالت رئيسة نقابة أطباء السودان هبة عمر لـ«الشرق الأوسط» إن الأوضاع في البلاد أثرت على الكوادر الطبية، وإن الحل هو «إيقاف الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع بعد أن دخلت شهرها السابع»، لأن من يدفع فاتورة هذه الحرب هو المواطن وليسا طرفي القتال. وأكدت عمر عبثية الحرب، وانتقدت بشدة عدم التزام طرفي القتال القانون الدولي الإنساني في مناطق الحروب، قائلة: «يموت المواطن لعدم حصوله على جرعة دواء، لذلك يجب السماح بإيصال المساعدات الطبية للمرضى، وحماية الكوادر الطبية وعدم استهدافهم أو مضايقتهم».

سودانيون يتلقون العلاج في مستشفى ميداني أُقيم في مدينة أدري التشادية المحاذية للحدود الغربية للسودان (أ.ف.ب)

«الموت المجاني»

وأشارت عمر إلى ما سمَّته «الموت المجاني» الناجم عن انهيار النظام الصحي والخدمي بشكل عام، وقالت: «يموت المرضى بسبب انقطاع التيار الكهربائي في أثناء العمليات الجراحية في بعض المستشفيات، وتحدُث لآخرين مضاعفات فارقوا بعدها الحياة، لعدم وجود المعينات». وأضافت: «ما يحدث يعد استهانة بأرواح مواطنين قصدوا المستشفى للعلاج، لا لكي يموتوا فيه، لأنه عجز عن توفير الجازولين لتشغيل مولدات الكهرباء الاحتياطية عند انقطاع التيار الكهربائي»، وهو ما يحدث كل يوم ولساعات طويلة.

وقالت عمر إن أبسط المعينات الطبية معدومة، حتى أكياس نقل الدم لا توجد في المشافي، ما يضطر الفنيين لنقل الدم بطريقة غير علمية لا تستكمل المراحل المطلوبة لهذا الإجراء الطبي الدقيق. وأضافت: «ليست أكياس نقل الدم وحدها هي المنعدمة، بل إن أدوية الأمراض المزمنة، والأدوية الضرورية والمحاليل الوريدية والمسكنات تكاد تكون منعدمة هي الأخرى».

حرب السودان دمرت كثيراً من مرافق العاصمة الخرطوم بما في ذلك المستشفيات (رويترز)

تسريب المساعدات الطبية

وحمَّلت نقيبةُ الأطباء وزارةَ الصحة المسؤولية عن تسريب الأدوية والمساعدات الطبية التي وفَّرتها منظمة الصحة العالمية، إلى الأسواق التجارية، لأن الوزارة هي المسؤولة عن التوزيع. ودعت لفتح تحقيق في ذلك، قائلة: «المواطن الآن يُضطر إلى أن يشتري هذه الأدوية رغم أنها مقدَّمة كمساعدات طبية من المنظمة الدولية التي تسلمها لوزارة الصحة».

وطالبت عمر بضم نقابة الأطباء إلى «غرفة الطوارئ الطبية» للمشاركة في توزيع الأدوية على المستشفيات، لأن النقابة تعرف مواقع العجز. وقالت: «بعض الأدوية التي يتم توزيعها قليلة، ولا تتناسب مع العدد الكبير للمرضى».

انتشار الوبائيات

ويخشى الأطباء من شبح وبائيات بدأ يلوح في عدة ولايات، إذ يقول بعضهم: «حتى الآن لا توجد تقارير دقيقة عن هذ الوبائيات ومدى انتشارها. ويذهب المرضى إلى المستشفيات وهم في أوضاع حرجة، بينما يتناول غالب المصابين العلاج في المنازل». وانتقد أطباء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» صمت وزارة الصحة عن النقص في الأدوية، ما يضاعف معاناة المرضى الذين لا يحصلون على الدواء.

وأضافوا: «في الفترة الماضية حدث نقص في أدوية الدرن استمر 3 أسابيع، واكتفت الوزارة بالصمت إزاء هذا الوضع الخطير، ولم تكشف للناس الخطر الكامن وراء ذلك، ولولا تدخل المنظمات الإنسانية وقيامها بتوفير الدواء لتحول الدرن إلى وباء».

وحمّل الأطباء وزارة الصحة المسؤولية عمّا يحدث من ارتباك صحي في البلاد، قائلين: «على وزارة الصحة والمنظمات المعنية تحمل مسؤولياتها تجاه المرضى الذين يعانون عدم توفر الدواء والمساعدات الطبية»، وأضافوا: «من المهم جداً التأكد من أن المساعدات الطبية وصلت إلى المرضى فعلاً».

مواطنون بانتظار العلاج بمستشفى في ولاية القضارف بالسودان (أ.ف.ب)

مساعدات المهاجرين السودانيين

وحذرت نقيبة الأطباء من انتشار الوبائيات مثل حمى الضنك والكوليرا في ولايات القضارف والجزيرة والبحر الأحمر وشمال كردفان. وشددت على أن «هذا هو رأس جبل الجليد، فما لا يُرى من انتشار الوبائيات أكبر بكثير، والمواطن هو الضحية لأنه لا يجد العلاج». وكشفت عن وصول مساعدات طبية كبيرة من المهاجرين السودانيين وجمعيات الأطباء، ما خفَّف عن معاناة بعض المرضى، ومعاناة الكادر الطبي وتصحيح وضعه المعيشي.

من جانبه أشار وزير الصحة المكلف هيثم محمد، في خطاب أمام اجتماع اللجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية في القاهرة يوم الخميس الماضي، إلى أن أكثر من 100 مستشفى في الخرطوم ودارفور أغلقت أبوابها، وأن السودان خسر نحو 500 مليون دولار عبارة عن أدوية ومعدات طبية كانت مخزنة في مركز الإمدادات الطبية في الخرطوم، بسبب الحرب.

كما أكدت نقابة الأطباء أن المستشفيات العاملة في الخرطوم لم تعد قادرة على الاستجابة لكل الأمراض، وهي تقدم خدمات طبية محددة، وحتى هذه الخدمات «ليست بالجودة المطلوبة ولا تلبّي الحاجة الكاملة، وتقتصر عادةً على عمليات الإسعاف الأوّلي، وتقدَّم في مشافٍ محددة، هي: مستشفى «النو» شمالي مدينة أمدرمان، ومستشفى «بشاير» جنوبي الخرطوم، ومستشفى «ألبان جديد» شرقي النيل، والمستشفيان «التركي» و«جبل الأولياء» في الأطراف الجنوبية للعاصمة.


مقالات ذات صلة

الجيش يتقدم شرق ولاية الجزيرة وفي الخرطوم

شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري أُقيم بمناسبة يوم الجيش في القضارف مؤخراً (أ.ف.ب)

الجيش يتقدم شرق ولاية الجزيرة وفي الخرطوم

شن الجيش السوداني هجوماً واسعاً باتجاه ولاية الجزيرة محققاً تقدماً لافتاً، اضطرت معه «قوات الدعم السريع» للتراجع، قبل أن ينسحب الجيش ويعود إلى مواقعه السابقة.

أحمد يونس
شمال افريقيا الفريق كباشي، لدى تفقده ضباط وجنود قيادة المنطقة الشرقية بالفاو أمس (موقع مجلس السيادة السوداني فيسبوك)

السودان: الجيش على حدود ولاية الجزيرة ومخاوف من توسع المعارك

تفقد نائب القائد العام للجيش السوداني، شمس الدين كباشي، الجمعة، قواته في المنطقة الشرقية بالفاو على حدود ولاية الجزيرة وسط مخاوف من توسع المعارك.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا مئات الأشخاص يفرون يومياً من دارفور إلى مخيم أدري الحدودي بتشاد (رويترز)

دوقة إدنبرة: ما يحدث في السودان شبيه بمجازر رواندا

قالت دوقة إدنبرة، خلال زيارتها لمعسكر أدري على الحدود بين السودان وتشاد، والذي يحتضن الفارين من الحرب، إن الصراع بالسودان يشبه ما حدث في رواندا منتصف التسعينات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا السلطات المحلية بولاية كسلا تقوم بتطهير مركز عزل ريفي للمصابين بالكوليرا في بلدة ود الحليو شرق السودان (أ.ف.ب)

السودان: أكثر من 24 ألف إصابة كوليرا و699 حالة وفاة

كشفت إحصائية حديثة لوزارة الصحة السودانية عن ارتفاع حالات الإصابات بوباء الكوليرا إلى 24 ألفاً و604 إصابات، منها 699 حالة وفاة، بينما تمدّد المرض إلى 11 ولاية.

وجدان طلحة (بورتسودان)
العالم العربي صورة نشرها الموفد الأميركي على «فيسبوك» لجلسة سابقة من المفاوضات حول السودان في جنيف

«متحالفون» تدعو الأطراف السودانية لمعالجة مسألة حماية المدنيين

حثّت مجموعة «متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام بالسودان» الأطراف السودانية على تعزيز الوصول الإنساني إلى جميع أنحاء البلاد، ومعالجة مسألة حماية المدنيين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

تونس: قيس سعيّد يؤدي اليمين الدستورية لولاية رئاسية ثانية

أعضاء هيئة الانتخابات التونسية خلال الإعلان عن فوز الرئيس قيس سعيّد بولاية ثانية (أ.ف.ب)
أعضاء هيئة الانتخابات التونسية خلال الإعلان عن فوز الرئيس قيس سعيّد بولاية ثانية (أ.ف.ب)
TT

تونس: قيس سعيّد يؤدي اليمين الدستورية لولاية رئاسية ثانية

أعضاء هيئة الانتخابات التونسية خلال الإعلان عن فوز الرئيس قيس سعيّد بولاية ثانية (أ.ف.ب)
أعضاء هيئة الانتخابات التونسية خلال الإعلان عن فوز الرئيس قيس سعيّد بولاية ثانية (أ.ف.ب)

يؤدي رئيس الجمهورية التونسية المنتخب لولاية ثانية، قيس سعيّد، الاثنين، اليمين الدستورية أمام مجلس النواب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، بجلسة مشتركة ستعقد في «قصر باردو»، على ما أفادت به «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية.

وفاز سعيّد (66 عاماً) بولاية رئاسية ثانية في انتخابات يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، التي تنافس فيها مع المرشحَين العياشي زمال وزهير المغزاوي.

الرئيس التونسي قيس سعيّد يدلي بصوته في انتخابات 6 أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وكانت «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» صرحت يوم 11 أكتوبر الحالي بالنتائج النهائية للاستحقاق الرئاسي، وأعلنت فوز سعيّد من الدور الأول بنسبة 90.69 في المائة (مليونان و197 ألفاً و551 صوتاً).

وينص «الفصل الـ92» من الدستور على أن يؤدي رئيس الجمهورية أمام مجلس النوّاب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم مُجتمِعَين اليمين التّالية: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ على استقلال الوطن وسلامته، وأن أحترم دستور الدّولة وتشريعها، وأن أرعى مصالح الوطن رعاية كاملة».

ولا ينص الدستور على إلقاء الرئيس المنتخب خطاباً أمام المجلسَين، غير أنه جرت العادة أن يلقي خطاباً أمامهما خلال مراسم أداء اليمين في مستهل ولايته الرئاسية التي تستغرق 5 سنوات.

وكان الرئيس قيس سعيّد فاز بولاية رئاسية أولى في انتخابات عام 2019.

ويمنح دستور عام 2022 رئيس الجمهورية صلاحيات عدّة؛ أهمها رئاسة «الوظيفة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة»، وفق «الفصل الـ87». وينص «الفصل الـ91» على أن رئيس الجمهورية هو «الضامن لاستقلال الوطن، وسلامة ترابه، ولاحترام الدستور والقانون، ولتنفيذ المعاهدات، وهو الذي يسهر على السير العـادي للسلط العمومية، ويضمن استمرارية الدولة، ويترأس مجلس الأمن القومي».

الرئيس قيس سعيّد بين مناصريه (أ.ف.ب)

ويضبط رئيس الجمهورية، وفق «الفصل الـ100» من الدستور، «السياسة العامة للدولة، ويحدد اختياراتها الأساسية، ويعلم بها مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم».

وكان سعيّد أكد أمام أنصاره بمقر حملته الانتخابية في تونس العاصمة، فور الإعلان عن نتائج تقديرية لسبر الآراء أظهرت فوزه بولاية رئاسية جديدة، أنه «سيعمل وفق ما يريده الشعب، وسيبني البلاد ويطهرها من الفاسدين والمتآمرين»، مضيفاً أن «الشعب التونسي أظهر وعياً وصموداً غير مسبوقين في التاريخ».

وجاء في بيانه الانتخابي أنه سيعمل على «إعادة المرافق العمومية إلى سالف إشعاعها»، مثل الصحة والتعليم والنقل والضمان الاجتماعي... وغيرها، وأنّه «آن الأوان لبناء الاقتصاد الوطني، وإعادة بناء المؤسسات العمومية بعد تطهيرها، ووضع تشريعات جديدة تستعيد بواسطتها الدولة دورها الاجتماعي».

ووفق الوكالة التونسية، فإن الرئيس قيس سعيّد، المولود يوم 22 فبراير (شباط) 1958 في تونس، هو سابع رئيس للبلاد منذ إعلان النظام الجمهوري في 25 يوليو (تموز) 1957.

وهو حاصل على شهادة «الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام» من «كلية الحقوق والعلوم السياسية» في تونس، ودبلوم «الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري»، ودبلوم «المعهد الدولي للقانون الإنساني» في سان ريمو بإيطاليا.

من احتفالات أنصار سعيّد بفوزه (أ.ب)

بدأ حياته المهنية مدرساً في «كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية» في سوسة سنة 1986، ثم انتقل للتدريس بـ«كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية» في تونس سنة 1999.

كما اضطلع سعيد بخطط مقرر اللجنتين الخاصتين لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لإعداد مشروع تعديل ميثاق الجامعة، ولإعداد مشروع النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية سنتي 1989 و1990، وكان خبيراً متعاوناً مع «المعهد العربي لحقوق الإنسان» منذ سنة 1993 إلى 1995، وكاتباً عاماً، ثم نائباً لرئيس «الجمعية التونسية للقانون الدستوري» في المدة من سنة 1990 إلى 1995.

وهو عضو في «المجلس العلمي» و«مجلس إدارة الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري» منذ سنة 1997، وكذلك رئيس «مركز تونس للقانون الدستوري من أجل الديمقراطية».

وله كثير من الأعمال العلمية في مجالات القانون والقانون الدستوري... ومتزوج وأب لثلاثة أبناء.