الجزائر: انطلاق محاكمة عشرات المتهمين بالانتماء لتنظيم انفصالي

المحكمة الابتدائية دانت 49 منهم بالإعدام العام الماضي

TT

الجزائر: انطلاق محاكمة عشرات المتهمين بالانتماء لتنظيم انفصالي

صورة لنيران منطقة القبائل صيف 2021 (الشرق الأوسط)
صورة لنيران منطقة القبائل صيف 2021 (الشرق الأوسط)

بدأت الأحد بمحكمة الجنايات الاستئنافية بمدينة الدار البيضاء بالعاصمة الجزائرية، محاكمة أكثر من مائة شخص دان القضاء، ابتدائياً، 49 منهم بالإعدام، العام الماضي، وتم استئناف الأحكام من طرف دفاعهم والنيابة. ويتابع المتهمون بقتل شاب والتنكيل بجثته في حرائق منطقة القبائل المشهودة صيف 2021. وبالانخراط في تنظيم انفصالي مصنف «جماعة إرهابية».

القتيل جمال بن سماعين (حسابه الشخصي بالإعلام الاجتماعي)

وشهد محيط المحكمة حركة غير عادية في الصباح، لكثرة عدد رجال الأمن الذين أبدوا حرصاً شديداً على تفتيش حقائب الداخلين إلى المحكمة، كما شدد أعوان المحكمة على منع أي شخص من دخولها، إن لم يكن من أقارب المعنيين بالمحاكمة. ولوحظ وجود مكثف لرجال الإعلام الذين تابعوا هذه القضية باهتمام بالغ، منذ تداول مشاهد قتل وحرق الشاب جمال بن سماعين (35 سنة) في 11 يوليو (تموز) 2021، وسط بلدة بمحافظة تيزي وزو (110 كلم شرق العاصمة)، من طرف مجموعة كبيرة من أهالي المنطقة اعتقدوا أنه السبب الرئيسي في إضرام نيران مهولة بمنطقتهم؛ ما خلَّف عشرات القتلى ودماراً هائلاً في المباني وخسائر كبيرة في الماشية والمزارع.

وتتضمن لائحة التهم: «القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد، والتعذيب والتحريض عليه، وإضرام النار في حقول مزروعة أدَّت إلى وفاة عدد من الأشخاص، وتأسيس وإنشاء والانضمام لجماعة منظمة تستهدف ارتكاب أعمال تخريبية، والتعدي بالعنف على رجال القوة العمومية، ونشر خطاب الكراهية والتمييز، والقيام بأفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، وذلك عن طريق بث الرعب في أوساط السكان وخلق جو انعدام الأمن، وتعريض حياة المواطنين وأمنهم وممتلكاتهم للخطر».

من منطقة القبائل بعد إخماد النيران عام 2021 (حسابات ناشطين بالإعلام الاجتماعي)

وكان جهاز الشرطة الذي تحرَّى في القضية قد أصدر القضاء مذكرة اعتقال دولية ضد زعيم التنظيم الانفصالي، المعروف اختصارا بـ«ماك»، فرحات المهني، المقيم بفرنسا بصفته لاجئاً سياسياً.

كما تم اتهام الأشخاص المتابعين، بـ«تلقي الأوامر من (ماك) بغرض قتل جمال بن سماعين»، الذي ظهر في فيديو، قبيل قتله، يستجدي الذين أحرقوه الإفراج عنه، مؤكداً لهم أنه جاء من مدينته مليانة غرب الجزائر بغرض المساعدة على إخماد النيران التي تواصلت أياماً، وعلى أساس أن لديه أصدقاء بمنطقة القبائل «هبَّ لنجدتهم». وعرف جمال بكونه فناناً موسيقياً وبرسوماته الجدارية في مليانة.

وطرح دفاع المتهمين عدة أسئلة خلال المحاكمة الابتدائية، التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. من بينها: «لماذا ترك رجال الشرطة جمال يواجه مصيره؟» مع عدد كبير من الأشخاص كانوا غاضبين بسبب الحرائق التي أتت على منطقتهم؛ فقد أوقفت الشرطة الشاب الثلاثيني للاشتباه في ضلوعه بإضرام النار، وعندما سمع سكان البلدة بهذا الخبر، تنقلوا إلى مقر الشرطة للانتقام من جمال؛ فأخرجوه من السيارة الأمنية التي كان بداخلها بالقوة، واقتادوه إلى وسط البلدة حيث نكَّلوا به وأحرقوا جثته.

من آثار حريق في الجزائر (ناشطون بمنصات الإعلام الاجتماعي)

واستمرَّت المحاكمة في المرة الأولى، أياماً طويلة، انتهت بحكم الإعدام بحق 49 متهماً، بينما تراوحت الأحكام ضد البقية بين البراءة والسجن 10 سنوات مع التنفيذ. ورجَّح محامون أن المحاكمة الجديدة ستستغرق وقتاً طويلاً أيضاً.

والمعروف أن الجزائر علَّقت تنفيذ أحكام الإعدام عام 1993، في سياق حملة دولية رافضة لهذه العقوبة، رغم أن المحاكم ما زالت تصدرها. وكان آخر مَن نُفّذ فيهم 3 إسلاميين دينوا بتفجير مطار العاصمة في صيف 1992 (42 قتيلاً).


مقالات ذات صلة

لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

شمال افريقيا من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)

لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

يقول صنصال إن «أجزاء كبيرة من غرب الجزائر تعود إلى المغرب»، وإن قادة الاستعمار الفرنسي «كانوا سبباً في اقتطاعها، مرتكبين بذلك حماقة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

عقوبة سجن بين 3 و5 سنوات مع التنفيذ ضد «كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية، أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهورية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع قائد الجيش (وزارة الدفاع)

الجزائر: شنقريحة يطلق تحذيرات بـ«التصدي للأعمال العدائية»

أطلق قائد الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، تحذيرات شديدة اللهجة، في أول ظهور إعلامي له.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس وقائد الجيش في آخر نشاط لهما معاً في 14 نوفمبر الحالي (وزارة الدفاع)

الجزائر: إقصاء الأحزاب الموالية للرئيس من الحكومة الجديدة

لاحظ مراقبون في الجزائر غياب «العمق السياسي» عن التعديل الحكومي الذي أحدثه الرئيس عبد المجيد تبون في حكومته.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودان

إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)
إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)
TT

المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودان

إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)
إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)

قال إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين»، إن الأزمة الإنسانية في السودان أسوأ من الأزمات في أوكرانيا وغزة والصومال مجتمعة.

وأوضح في حوار مع «وكالة الأنباء الألمانية» بعد زيارته لمنطقة دارفور بغرب السودان ومناطق أخرى: «حياة 24 مليون شخص على المحك في السودان».

وأضاف: «نحن ننظر لعد تنازلي قوي نحو المجاعة واليأس وانهيار حضارة بأكملها». وأكد أن الصراعات مثل الدائرة في أوكرانيا والشرق الأوسط، «يجب ألا تصرف الانتباه عن معاناة المواطنين في السودان».

صورة جوية لملاجئ مؤقتة للسودانيين الذين فرّوا من الصراع بدارفور بأدري في تشاد (رويترز)

وأضاف: «إذا اتفقنا أن حياة الإنسان ذات قيمة متساوية في أي مكان بالعالم، إذن فسيكون السودان على قمة قائمة الأمور المهمة الآن». وأوضح أنه شهد تداعيات الصراع المستمر منذ 600 يوم. ورأى في كثير من المناطق، ومن بينها مناطق كان يعمل بها المجلس سابقاً «دلالات واضحة للغاية على وقوع حرب مروعة. المنزل بعد المنزل والمنطقة بعد المنطقة، تعرضت للحرق والدمار والنهب».

وحذر إيغلاند من أن الوضع «على وشك الانفجار» مثلما حدث عام 2015، عندما عبر الملايين من اللاجئين من مناطق مزقتها الحرب، بما فيها سوريا، البحر المتوسط، ووصلوا إلى عتبات الدول الأوروبية. وقال: «لا أعتقد أن ألمانيا والاتحاد الأوروبي والدول الإسكندنافية وفرنسا يرغبون في ذلك».

وأضاف: «أن الاستثمار في السودان لن يساعد فقط في ثني المواطنين عن السعي نحو فرص أفضل في أماكن أخرى، ولكن أيضاً هو الأمر الوحيد الذي يتوافق مع القيم والمصالح الأوروبية».

وإضافة إلى ذلك، أفاد تقرير لـ«مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية»، الأحد، بأن السودان «يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم»، مشيراً إلى أن أكثر من 3 ملايين طفل نزحوا داخل السودان وخارجه منذ بداية النزاع، وأضاف: «أن واحداً من كل 3 في السودان يعاني من نقص حاد في الأمن الغذائي».

نازحون في مخيم أقيم في القضارف (أ.ف.ب)

وبحسب التقرير الذي نشر على موقع «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية»، «فقد أسفرت موجة العنف وانعدام الأمن الحالية عن ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية والمرافق الحيوية، فضلاً عن النزوح على نطاق واسع».

وجاء في التقرير: «أُجبر أكثر من 7.4 مليون شخص على مغادرة منازلهم بحثاً عن الأمان داخل السودان وخارجه، إلى جانب 3.8 مليون نازح داخلياً من الصراعات السابقة... يواجه السودان حالياً، أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم وأهم أزمة نزوح للأطفال».

وأشار «إلى أن النظام الصحي الهش بالفعل أصبح في حالة يرثى لها، مع تصاعد خطر تفشي الأمراض، بما في ذلك تفشي الكوليرا، فضلاً عن حمى الضنك والحصبة والملاريا».