تونس ترفض تمويلاً بـ60 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي

ألقت باللائمة على الأوروبيين بشأن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها

نبيل عمار وزير خارجية تونس (إ.ب.أ)
نبيل عمار وزير خارجية تونس (إ.ب.أ)
TT

تونس ترفض تمويلاً بـ60 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي

نبيل عمار وزير خارجية تونس (إ.ب.أ)
نبيل عمار وزير خارجية تونس (إ.ب.أ)

أكد وزير الخارجية التونسي، نبيل عمار، اليوم الأربعاء، أن الدولة التونسية أعادت مبلغ 60 مليون يورو إلى الاتحاد الأوروبي، كان قدّمها ضمن خططه لدعم جهود تونس في مكافحة الهجرة غير النظامية وإنعاش الاقتصاد، في خطوة تعكس حدة الخلاف المتفاقم بين الشريكين. وقال الوزير عمار في مقابلة مع صحيفة «الشروق» التونسية، نشرتها اليوم الأربعاء، إن البنك المركزي التونسي أعاد المبلغ يوم الاثنين.

الرئيس قيس سعيد لدى استقباله رئيسة الحكومة الإيطالية الصيف الماضي لبحث أزمة الهجرة (إ.ب.أ)

ووفق السلطات التونسية، فإن المبلغ تعهد بتقديمه الاتحاد الأوروبي لتونس للمساعدة على مجابهة آثار جائحة «كورونا» على الاقتصاد، ولكن تم إرساله بعنوان «2023 لدعم موازنة الدولة». ووقعت تونس مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي في منتصف يوليو (تموز) الماضي، تشمل تمويلات بأكثر من مليار يورو على المدى الطويل لمكافحة موجات الهجرة غير النظامية، وإنعاش الاقتصاد ودفعه التنمية، من بينها 150 مليون يورو لدعم موازنة الدولة، و100 مليون يورو لخفر السواحل. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلنت المفوضية الأوروبية عن تمويل طارئ بقيمة 127 مليون يورو موجه لتونس، ضمن خطة أوسع لمجابهة الوضع في لامبيدوزا الإيطالية بسبب تدفقات المهاجرين.

الاتحاد الأوروبي قدّم تمويلاً لتونس للمساعدة في وقف زحف القوارب المنطلقة من سواحل تونس (أ.ف.ب)

غير أن تونس احتجت ضد البطء في صرف تلك التعهدات المالية، فيما حذر عمار مما سماه «ممارسة التمويه والتضليل» من قبل مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وقال بلهجة تحذيرية: «رددنا عليهم أموالهم، وقلنا لهم حذار من مواصلة التمويه ونشر الوثائق المسربة، وإن عدتم عدنا لكم بكشف مزيد من الحقائق التي ليست في مصلحتكم». وتسود حالة من التوتر علاقات تونس بشريكها الاقتصادي الأول الاتحاد الأوروبي، بسبب الأزمة المرتبطة بملف الهجرة وبنود الاتفاق، ولكن أيضا على خلفية التحولات السياسية التي تشهدها تونس منذ إقدام الرئيس قيس سعيد على حل النظام السياسي قبل عامين، وتوسيع صلاحياته بشكل كبير على رأس السلطة، بجانب حملة اعتقالات ضد المعارضين.

الاتحاد الأوروبي انتقد ازدياد حملات اعتقالات المعارضين (إ.ب.أ)

في سياق ذلك، ألقى الوزير عمار باللائمة على شركاء تونس الأوروبيين بشأن الأزمة الاقتصادية، التي تعيشها بلاده، في تصريحات مشددة نشرت اليوم الأربعاء، وقال بهذا الخصوص: «لسنا حديقة خلفية لأي جهة... السياسة التي اعتادها الغرب في السابق في 2011 لم تعد جائزة ولن تمر»، في إشارة إلى فترة اندلاع موجة الربيع العربي، انطلاقاً من تونس عبر الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. وأضاف عمار موضحاً «هناك ولد الربيع العربي وهنا قبر، نقول لكم أوروبيين وغربيين: انتهت اللعبة وهذا درس لكم». متابعا: «أنتم من سددتم الأفق أمامنا... دمرتم ليبيا التي كان لنا حجم تبادل معها بـ 40 في المائة من تجارتنا، وكذلك فعلتم في العراق الذي كانت علاقاتنا مهمة معه... فتحملوا مسؤولية ما اقترفتم في أفريقيا والعالم العربي». من جهة ثانية، قال الوزير عمار إنه ليست هناك «قطيعة» بين تونس والمغرب... وليست هناك عداوة بين البلدين، مؤكدا أن «السفيرين سيعودان مع الوقت إلى سفارتيهما». ويعود الخلاف الدبلوماسي بين البلدين إلى زيارة قام بها زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي إلى تونس، للمشاركة في «منتدى طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا» في أغسطس (آب) 2022. فاحتجت الرباط ضد حضور غالي القمة، واستدعت سفيرها من تونس للتشاور، وردت تونس بالمثل. كما قاطعت الرباط عدداً من الأنشطة والدورات الرياضية في تونس. وتابع عمار موضحا «اطمئن الجميع بأننا لا نلتفت إلى الوراء... تونس لم تتغير مواقفها منذ عشرات السنين، والمهم هو أنه ليس هناك قطيعة بيننا وبين المغرب».



لماذا قررت واشنطن عدم تعليق مبالغ من مساعداتها العسكرية لمصر؟

الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أرشيفية - حساب بايدن على منصة «إكس»)
الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أرشيفية - حساب بايدن على منصة «إكس»)
TT

لماذا قررت واشنطن عدم تعليق مبالغ من مساعداتها العسكرية لمصر؟

الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أرشيفية - حساب بايدن على منصة «إكس»)
الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أرشيفية - حساب بايدن على منصة «إكس»)

في خطوة عدَّها مراقبون مؤشراً على «إدراك واشنطن أهمية القاهرة في المنطقة»، قررت الولايات المتحدة الأميركية «عدم تعليق مبالغ من مساعداتها العسكرية لمصر»، لتحصل القاهرة على كامل قيمتها البالغة 1.3 مليار دولار، للمرة الأولى منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، مساء الأربعاء، إن إدارة «بايدن تغاضت عن اشتراطات حقوق الإنسان المتعلقة بالمساعدات العسكرية لمصر، ومنحتها إياها بكامل قيمتها هذ العام»، حسبما نقلت «رويترز».

كانت واشنطن قد علَّقت، خلال السنوات القليلة الماضية، نحو 320 مليون دولار من المساعدات العسكرية المقدمة لمصر، بعد ربطها باشتراطات تتعلق بملف حقوق الإنسان. (الدولار الأميركي يساوي 48.31 في البنوك المصرية).

ونقلت «رويترز» عن متحدث «الخارجية الأميركية»، قوله في رسالة عبر البريد الإلكتروني، إن «وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أبلغ الكونغرس، الأربعاء، بأنه سيعلق شرط التصديق على مبلغ 225 مليون دولار، المرتبط بسجل مصر في حقوق الإنسان، استناداً إلى مصلحة الأمن القومي الأميركي».

وأضاف المتحدث أن «مصر بذلت هذا العام جهوداً كافية بشأن السجناء السياسيين لتفرج واشنطن عن مساعدات قدرها 95 مليون دولار مرتبطة بالتقدم في هذه القضية». وأشار إلى «جهود القاهرة في وضع تشريع لإصلاح نظام الحبس الاحتياطي وقانون العقوبات عموماً، وإطلاق سراح بعض السجناء السياسيين، والتحرك نحو إنهاء حظر السفر وتجميد الأصول المرتبطة بالتمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية». وأضاف أن «واشنطن تواصل حواراً صارماً مع الحكومة المصرية حول أهمية تعزيز حقوق الإنسان على نحو ملموس، وهو ما يعد حاسماً في استدامة أقوى شراكة ممكنة بين الولايات المتحدة ومصر»، وفق ما أوردت وكالة «رويترز».

كما أوضح المتحدث الأميركي، الذي لم تسمه «رويترز»، أن «هذا القرار مهم لتعزيز السلام الإقليمي ومساهمات مصر المحددة والمستمرة في أولويات الأمن القومي للولايات المتحدة، لا سيما إتمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وإعادة الرهائن إلى ديارهم، وزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، والمساعدة في تحقيق نهاية دائمة للصراع بين إسرائيل وحماس».

جاء القرار في وقت تشارك فيه مصر الولايات المتحدة وقطر جهودَ الوساطة من أجل الوصول إلى اتفاق «هدنة» في قطاع غزة.

وتحصل مصر على مساعدات عسكرية أميركية بقيمة 1.3 مليار دولار، منذ توقيع اتفاق السلام بينها وبين إسرائيل. وقال الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، عام 2017 إن «بلاده قدمت لمصر مساعدات عسكرية بأكثر من 40 مليار دولار ومساعدات اقتصادية بأكثر من 30 مليار دولار منذ التوقيع على معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية في عام 1979».

وزير الخارجية الأميركي خلال لقاء الرئيس المصري في مدينة العلمين شمال مصر الشهر الماضي (رويترز)

بدوره، أكد الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج، أن القرار «يأتي إدراكاً من الإدارة الأميركية لأهمية دور مصر في المنطقة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «واشنطن كانت قد علَّقت جزءاً من المساعدات العسكرية، بحجة ملف حقوق الإنسان؛ لكنَّ السبب الحقيقي هو رفض الإدارة الأميركية اتجاه القاهرة إلى تنويع مصادر التسليح».

وعدَّ مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، القرار «مؤشراً على إدراك إدارة بايدن أهمية الدور المصري، وأنه لا يمكن القفز على دور القاهرة في حل أزمات منطقة الشرق الأوسط».

وقال هريدي لـ«الشرق الأوسط»: «بهذا القرار عادت الأمور إلى طبيعتها، لا سيما أن المساعدات جزء من هندسة معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل»، مشيراً إلى أنه «منذ عام 2013 تحاول الإدارة الأميركية ربط جزء من المساعدات العسكرية بملف حقوق الإنسان».

الشي نفسه أكده أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور مصطفى كامل السيد، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن قرار واشنطن «يأتي في إطار الدور المهم الذي تلعبه القاهرة في مساعي التوصل إلى هدنة في غزة».

ومنذ الأحداث التي شهدتها مصر عام 2011، أصبحت المساعدات الأميركية لمصر محل نقاش داخل الكونغرس، مع مطالب باستخدامها «لضمان إحداث تحول ديمقراطي في البلاد». وفي أكتوبر (تشرين الثاني) عام 2013 علقت واشنطن جزءاً من المساعدات العسكرية لمصر، في سابقة كانت الأولى من نوعها، حيث اقتصر التعليق سابقاً على المساعدات العسكرية.

لكنَّ القرار لم يستمر كثيراً، ففي أواخر أبريل (نيسان) 2014، أعلنت الإدارة الأميركية رفع تعليق جزء من المساعدات العسكرية لمصر. لكن القرار تكرر مرة أخرى عام 2017، باستقطاع جزء من المساعدات العسكرية، عدَّته وزارة الخارجية المصرية وقتها «سوء تقدير لطبيعة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين». لكنَّ إدارة ترمب قررت عام 2018 رفع القيود على المساعدات العسكرية لمصر.

وتعليقاً على قرار واشنطن الأخير، نقلت «رويترز» عن السيناتور الديمقراطي، كريس ميرفي، الذي يرأس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط في «لجنة العلاقات الخارجية» في مجلس الشيوخ الأميركي، قوله، الخميس، إن «واشنطن حجبت في السابق المساعدات العسكرية عن مصر لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان مع الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع القاهرة».