هل أضيء برج القاهرة بعلم فلسطين؟

برج القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
برج القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

هل أضيء برج القاهرة بعلم فلسطين؟

برج القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
برج القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ضج الوسط «السوشيالي» في مصر بصورة، قال عنها متابعون إنها «تظهر إضاءة برج القاهرة بعلم فلسطين»، لكن بعض النشطاء والمنصات أثبتوا أنها «صورة مفبركة».

وانتشرت على «فيسبوك» و«إكس» (تويتر سابقاً)، مساء الأحد، الصورة المتداولة، بالتزامن مع عملية «طوفان الأقصى» وأحداث غزة، وبعد ساعات تصدر هاشتاغ (#برج_القاهرة) منصات التواصل الاجتماعي وقائمة الأكثر تداولاً، مع ردود فعل مختلفة ونقاش حول «حقيقة الصورة».

وجاء نشر الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، مصطفى بكري لصورة البرج مضاءة، وأتبعها بقوله: «علم فلسطين يزين برج القاهرة... عاشت فلسطين حرة»، ليضفي مزيداً من الانتشار لها.

وثمّن عدد كبير من النشطاء ورواد التواصل الاجتماعي هذه الإضاءة، كنوع من التضامن مع فلسطين، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من «انتهاكات».

إلا أن عدداً من المنصات الإلكترونية المهتمة بعملية تدقيق الأخبار والصور، أوضحت بعد ساعات قليلة «تزييف الصور المنتشرة، وصنعها ببرنامج (الفوتوشوب)».

ومن بين هذه المنصات منصة تدعى «صحيح مصر»، التي أشارت إلى أن «الصورة المنتشرة (مُفبركة)، وأصل الصورة منشور على موقع شركة مصرية قامت بعملية تطوير برج القاهرة في عام 2009، من دون ألوان علم فلسطين». ولفتت المنصة في بيان لها إلى أن الصورة منشورة أيضاً من دون ألوان علم فلسطين على موقع «ويكيبيديا» في عام 2010، موضحة أن «الصورة (المفبركة) تحمل توقيع ولوجو مصمم غرافيك نشر الصورة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري قبل انتشارها بشكل واسع».

كما خرج الإعلامي والصحافي المصري، شريف عارف، عبر خاصية الفيديو القصير «الريلز» من دار الأوبرا المصرية، المجاورة للبرج، ليظهر كذب الصور المتداولة، وذلك بعد أن «لاحظ انتشار الصور على صفحات التواصل الاجتماعي»، لافتاً إلى «خطورة الشائعات على حياة البشر والمجتمعات».

إلى ذلك، نقلت تقارير محلية عن مصدر مطلع بإدارة برج القاهرة قوله إن «الصورة (غير صحيحة)». وأشار المصدر إلى أن «إضاءة برج القاهرة تأتي بتعليمات من الجهات المختصة، وتعتبر هذه الصور ليست الأولى من نوعها، فهناك صور مختلفة لإضاءة البرج بأعلام مختلفة».

ويتزين برج القاهرة بين حين وآخر بإضاءات مختلفة، تزامناً واحتفاء بمناسبات مصرية وعربية مختلفة، منها تزينه بألوان أعلام الدول العربية في أعيادها الوطنية، وتتم إضاءة برج القاهرة بألوان مختلفة بالتزامن مع الأيام الصحية حول العالم، مثل إضاءته من قبل باللون الأخضر بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية.

كذلك تظهر بعض الرسائل والكلمات المضاءة على جسم البرج احتفاء بمناسبات أخرى، منها إضاءة البرج برسالة تضامن مع أطباء مصر بعبارة «بيحمونا ادعموهم» خلال عام 2020 أثناء جائحة فيروس «كورونا»، حيث كررت إدارة البرج هذه الرسالة لدعم جهود أطباء مصر ضد الفيروس.

ويعد برج القاهرة من العالم السياحية المهمة في مصر، تم بناؤه بين عامي 1956 و1961 من الخرسانة المسلحة على هيئة زهرة اللوتس المصرية، من تصميم نعوم شبيب، واحد من رواد المعماريين المصريين، والمعروف بـ«أبو العمارة الحديثة في مصر»... ويصل ارتفاع البرج إلى 187 متراً، وهو أعلى من الهرم خوفو الأكبر بالجيزة بحوالي 43 متراً، ويتكون من 16 طابقاً... و«يستند إلى قاعدة من أحجار الجرانيت الأسواني التي استخدمها المصريون القدماء في بناء المعابد والمقابر، في صورة تمثل مزجاً بين الأصالة والمعاصرة»، بحسب مختصين.



ود مدني... سيناريوهات متطابقة في الحرب السودانية

قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)
قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)
TT

ود مدني... سيناريوهات متطابقة في الحرب السودانية

قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)
قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)

دخل الجيش السوداني مدينة ود مدني الاستراتيجية بوسط البلاد في 11 يناير (كانون الثاني) الجاري، بعد أن كانت «قوات الدعم السريع» قد انسحبت منها. وكانت «قوات الدعم السريع» قد استولت على المدينة نفسها قبل نحو عام في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2023، بعد أن كان الجيش قد انسحب منها أيضاً، في سيناريو مشابه لما حدث يوم السبت الماضي. أما المفارقة في المشهدين هي أن القائد العسكري الذي قاد دخول المدينة العام الماضي على رأس «قوات الدعم السريع» حين كان أحد قادتها، هو نفسه الذي دخلها قبل يومين على رأس قوات الجيش، بعد أن انسلخ عن «الدعم السريع» وانضم إلى الجيش. هذا الضابط هو أبو عاقلة كيكل قائد فصيل مسلح يدعى «درع السودان».

في 8 يناير الجاري، بدأ هجوم الجيش على مدينة ود مدني عبر عملية عسكرية كبيرة شنها الجيش بالتعاون مع حركات مسلحة حليفة له. وتقدمت القوات المهاجمة باتجاه المدينة من عدة محاور، هي محور «ميجر 5» ومحور «الخياري» من جهة الشرق عند مدينة الفاو في ولاية القضارف، ومحور مدينة «المناقل» الذي تحرك أيضاً من جهتين، ومحور «ود الحداد» في غرب ولاية الجزيرة، وهي قوات قادمة من ولاية سنار المجاورة.

معارك تكتيكية

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

واستطاع الجيش والقوات المتحالفة معه بقيادة فصيل «درع السودان»، تحقيق انتصارات تكتيكية في جهات الشرق والغرب والجنوب، حيث أزال الجيش خلالها تجمعات «قوات الدعم السريع» في عدد من البلدات الصغيرة والقرى في تلك المناطق، لكنه لم يجد مقاومة كبيرة كان يتوقعها. ثم توالت انسحابات «قوات الدعم السريع» شمالاً، ما عدا عمليات محدودة في جهتي سنار والمناقل ومعارك كر وفر في بلدات أم القرى، وود المهيدي، والشبارقة على تخوم مدينة ود مدني عاصمة إقليم ولاية الجزيرة.

وخاض الجيش معارك تكتيكية ضد «قوات الدعم السريع» استمرت ثلاثة أيام، وبعدها مباشرة دخل مدينة ود مدني بـ«سهولة مدهشة» وفق وصف شهود. كما عبرت قوات الجيش جسر «حنتوب» دون مقاومة تذكر، ولم تجد مقاومة في داخل المدينة أيضاً، ثم ظهر قائد «درع السودان» أبو عاقلة كيكل ليعلن للناس «تحرير» ود مدني، في وقت تلاشت فيه «قوات الدعم السريع» التي كانت تتمركز بكثافة في المدينة.

وشبّه الكثيرون سيناريو استعادة ود مدني بسيناريو استيلاء «الدعم السريع» عليها قبل نحو عام، إذ خاضت حينها «قوات الدعم السريع» القادمة من جهة الخرطوم، طوال ثلاثة أيام معارك على أطراف عند منطقة حنتوب، ثم انفتح الطريق الوحيد أمامها إلى داخل المدينة عبر جسر «حنتوب» فعبرته من دون مقاومة تذكر، وحين وصلت مقر قيادة «الفرقة الأولى مشاة» التابعة للجيش في وسط المدينة، وجدته خالياً فسيطرت عليه من دون قتال، وهو ما تكرر قبل يومين عندما عاد الجيش للمقر العسكري ذاته، أيضاً من دون قتال.

دور «درع السودان»

أرشيفية للقائد المنشق أبو عاقلة كيكل (الثالث من اليسار) مع «الدعم السريع» قبل انضمامه للجيش (مواقع التواصل)

ويرجع محللون «كلمة السر» في تطابق أحداث ود مدني وتبادل السيطرة عليها، إلى دور قائد قوات «درع السودان» أبو عاقلة كيكل، وهو ضابط متقاعد من الجيش برتبة رائد؛ إذ إن الرجل قاد السيطرة على المدينة في المرتين، الأولى حين كان مع «قوات الدعم السريع» وهزم الجيش، والثانية عندما كان مع الجيش وهزم «قوات الدعم السريع».

ونشأت قوات «درع السودان» في ديسمبر (كانون الأول) 2022، تحت أعين قيادة الجيش في منطقة سهل البطانة بولاية الجزيرة، بوصفها رد فعل لاتفاقية «سلام جوبا» التي مثلت صُلحاً بين الحكومة المركزية وحركات مسلحة من غرب السودان بشكل أساسي. وكان الغرض من نشأة «درع السودان»، وفق ما ذكر مؤسسها كيكل وقتها، هو إعادة التوازن مع الحركات المسلحة الموقعة على «سلام جوبا».

وفي أغسطس (آب) 2023، أي بعد اشتعال الحرب بأربعة أشهر، فاجأ كيكل الجميع وأعلن انحيازه إلى «قوات الدعم السريع» بدافع «مناصرة قضايا الهامش ومحاربة الإسلاميين»، فسارعت «قوات الدعم السريع» بمنح كيكل رتبة لواء. وظهر كيكل في مدينة ود مدني 18 ديسمبر معلناً «تحريرها» من سيطرة الجيش وتسليمها لـ«قوات الدعم السريع»، بعد أن لعبت قواته دوراً رئيسياً في السيطرة على المدينة الاستراتيجية؛ لكونه يعرف جغرافيا المنطقة جيداً. ثم حقق كيكل مفاجأة أخرى بإعلانه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الانسلاخ مرة أخرى بكامل قواته عن «الدعم السريع» والانحياز للجيش، وقاتل إلى جانبه حتى استرداد المدينة يوم السبت 11 يناير الحالي.

«الدخول من باب الخروج»

سودانيون يحتفلون في بورتسودان بسيطرة الجيش على مدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة (أ.ف.ب)

وشبه المحلل السياسي محمد لطيف أحداث ود مدني بأحداث رواية «الدخول من باب الخروج»، حيث تبادل الجيش و«الدعم السريع» دخول المدينة والانسحاب منها بسرعة مفاجئة في المرتين. واعتبر لطيف ظهور كيكل في الحالتين تأكيداً للتطابق بين عمليتي الدخول والخروج، قائلاً: «كيكل قبل أكثر من عام، ظهر في مقر الفرقة الأولى معلناً الاستيلاء على المدينة، ثم ظهر مرة أخرى الآن في المقر نفسه معلناً استعادة ود مدني للجيش».

واستبعد لطيف حدوث تسوية بين الجانبين المتحاربين، في ظل تردد أحاديث عن تحسن موقف الجيش التفاوضي، وقال إن اعتراف قائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي» بالهزيمة في ود مدني وتعهده باستمرار الحرب، يقطع الطريق أمام احتمالات التفاوض مع الجيش. وأضاف لطيف أن استعادة الجيش لمدينة ود مدني تعد «أكبر انتصار يحققه الجيش منذ بداية الحرب، وتعيد التوازن المعنوي والعسكري، وربما تجعله أكثر استعداداً للتفاوض مع الطرف الآخر لإنهاء الحرب».