تحركات مصرية - إيرانية متتالية تزيد فرص تحسن العلاقات

رئيسا البرلمانَين أكدا أهمية التعاون

قاليباف خلال لقاء مع رئيس مجلس النواب المصري (وكالة مهر للأبناء)
قاليباف خلال لقاء مع رئيس مجلس النواب المصري (وكالة مهر للأبناء)
TT

تحركات مصرية - إيرانية متتالية تزيد فرص تحسن العلاقات

قاليباف خلال لقاء مع رئيس مجلس النواب المصري (وكالة مهر للأبناء)
قاليباف خلال لقاء مع رئيس مجلس النواب المصري (وكالة مهر للأبناء)

زادت تحركات «سياسية واقتصادية وبرلمانية» بين مصر وإيران من فرص تحسن العلاقات بين البلدين؛ ما يُمهد لإعلان عودة العلاقات بين القاهرة وطهران؛ إذ أكد رئيس مجلس النواب المصري (البرلمان)، حنفي جبالي، ورئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، محمد باقر قاليباف، «أهمية التعاون بين مصر وإيران»، وذلك خلال لقاء جمعهما في جوهانسبرغ، وذلك بعد أيام من لقاء وزير المالية المصري، ووزير الاقتصاد الإيراني، وكذا لقاء وزيري خارجية البلدين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. في حين قال خبراء: إن «اللقاءات المصرية - الإيرانية الأخيرة (إشارة) على قرب عودة العلاقات الدبلوماسية».

وشهدت الفترة الماضية تصريحات إيرانية متواترة بشأن التقارب مع مصر، وكان منها ما جاء على لسان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، في مايو (أيار) الماضي، حيث وصف مصر بـ«الشقيقة والصديقة». وأعرب عن أمله حينها في أن تشهد العلاقات مع مصر «تطوراً وانفتاحاً متبادلاً». وخلال الشهر نفسه، زار سلطان عمان، هيثم بن طارق، مصر وإيران، تباعاً، وسط حديث تنامى حينها عن «وساطة قادها سلطان عمان في إطار الملف نفسه»، حسب تقارير حينها. وفي أغسطس (آب) الماضي، أدانت مصر حادث استهداف مرقد شاه جراغ الديني في مدينة شيراز الإيرانية.

علاقات برلمانية

والتقى رئيس مجلس النواب المصري، رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، على هامش انعقاد الجمعية البرلمانية التاسعة لمجموعة «بريكس» في جوهانسبرغ. ونقلت وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء (مساء الأربعاء)، أن اللقاء يأتي في ظل «تزايد التحركات الدبلوماسية في الأشهر الأخيرة لتحسين العلاقات بين البلدين بعد عقود عدة».

وأشار قاليباف إلى أن «مصر دائماً دولة مؤثرة في التاريخ والإسلام، وعلينا أن نحاول تعزيز العلاقة بين الدول الإسلامية في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا». وأضاف أن «التعاون البرلماني الذي يُمثل البلدين يُمكن أن يكون (فعالاً للغاية) في التنمية المستدامة للعلاقات بين دول شمال أفريقيا ومنطقة غرب آسيا، وإذا تحقق هذا التعاون ستكون هناك رؤية واضحة لمستقبل البلدين من أجل تحسين العلاقات».

في حين أكد جبالي، بحسب وكالة «مهر»، «اعتقد أنه من خلال المشاركة في مجموعة (بريكس) نسير على الطريق الصحيحة لتنمية البلدين، ويجب أن نحاول زيادة العلاقات والتعاون بين البلدين في مختلف القضايا»، داعياً رئيس مجلس الشورى الإسلامي إلى زيارة القاهرة من «أجل تطوير العلاقات بين البلدين»، كما وجّه قاليباف دعوة إلى نظيره المصري لزيارة طهران من «أجل تحسين العلاقات البرلمانية بين البلدين».

إشارات واضحة

تعليقاً، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، رخا أحمد حسن، لـ«الشرق الأوسط»: إن «اللقاءات المصرية - الإيرانية الأخيرة جميعها تعطي (إشارة واحدة) وهي قرب عودة العلاقات الدبلوماسية، والتي أصبحت (عودتها مسألة مستقرة)؛ لكن يتم التمهيد لها». وأعرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة سوف تشهد إعلان عودة العلاقات بين البلدين».

حول وجود بعض المطالب الآن لمصر لعودة العلاقات مع إيران، أكد رخا «لا أعتقد؛ لأنه قد حدث تفهمات واتفاق بين البلدين، وتوضيح للأمور والقضايا (الخلافية) السابقة كافة، وأصبح هناك تأكيدات على التعاون المشترك بين البلدين، من أجل توفير الأمن للمنطقة، والتأكيد على ضرورة منع التدخل في شؤون دول المنطقة».

وفي يوليو (تموز) الماضي، أكد المتحدث باسم الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، أنه «نتيجة للتطور الذي شهدته العلاقات الإيرانية - الخليجية خلال الفترة الأخيرة، يتوقع البعض أنه من الطبيعي أن تشهد العلاقات المصرية - الإيرانية تطوراً مشابهاً». وأضاف أن «التفاعل والتواصل موجودان دائماً، ولم ينقطعا في أي مرحلة من المراحل».

جانب من لقاء وزيرَي الاقتصاد الإيراني والمالية المصري في شرم الشيخ (وكالة فارس للأنباء - إكس)

تعاون اقتصادي وسياسي

وخلال الشهر الحالي أيضاً على هامش اجتماع البنك الآسيوي للبنية التحتية في مدينة شرم الشيخ المصرية، استعرض وزير المالية المصري، محمد معيط، ووزير الاقتصاد الإيراني، سيد إحسان خاندوزي، تطورات العلاقات الثنائية والتجارية بين البلدين.

وأكد خاندوزي حينها أن «إيران مستعدة لتطوير التعاون في مجال الأعمال المصرفية والبنية التحتية الآسيوية»، مقترحاً «تشكيل لجنة مشتركة بين نائب وزير الاقتصاد في إيران، ونائب وزير المالية المصري لمواصلة التواصل ومتابعة المشروعات التي تمت مناقشتها». في حين أشار وزير المالية المصري إلى استعداد بلاده لتنفيذ المقترحات التي تقدم بها نظيره الإيراني. وقال: إن «مصر ترى أنه من المهم توسيع وتطوير العلاقات مع إيران».

أيضاً جرت الشهر الحالي مباحثات بين وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ونظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في نيويورك. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني: إن لقاء وزيري الخارجية الإيراني والمصري في نيويورك فتح «أفقاً جديداً» في مسار العلاقات بين البلدين. كما نقلت «وكالة أنباء العالم العربي» حينها عن وزير الخارجية المصري، قوله: إن هناك «إشارات إيجابية» فيما يتعلق بالعلاقات بين مصر وإيران.

عودة إلى رخا الذي قال: إن «إجمالي هذه اللقاءات سواء (سياسية، أو اقتصادية، أو برلمانية) تصبّ جميعها في مسار واحد، وهو قرب إعادة العلاقات بين القاهرة وطهران».

وهنا يرى مراقبون أن «القاهرة لا تُمانع في إقامة علاقات دبلوماسية (كاملة) مع طهران على أساس التعايش السلمي».

وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني خلال مباحثات في نيويورك الشهر الحالي (الخارجية المصرية)

وفي مارس (آذار) الماضي، ثمّنت الرئاسة المصرية نهج المملكة العربية السعودية في استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران. ووفق إفادة لـ«الرئاسة المصرية» حينها، فإن «مصر تُقدر هذه الخطوة المهمة، وتُثمن التوجه الذي انتهجته المملكة في هذا الصدد». وأضافت أن النهج السعودي في هذا الصدد من شأنه «إزالة مواضع التوتر في العلاقات على المستوى الإقليمي، كما يأتي تأكيداً على مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة من حيث احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وترسيخ مفاهيم حُسن الجوار وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة».



دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».