المغرب: حملات بيطرية لإسعاف الحيوانات بالمناطق المتضررة من الزلزال

الخطوة منحت الهبّة التضامنية مع الأقاليم المنكوبة أبعاداً أكثر إنسانية

جهود بياطرة الجمعية لإسعاف دواب في مناطق «زلزال الحوز» (الشرق الأوسط)
جهود بياطرة الجمعية لإسعاف دواب في مناطق «زلزال الحوز» (الشرق الأوسط)
TT

المغرب: حملات بيطرية لإسعاف الحيوانات بالمناطق المتضررة من الزلزال

جهود بياطرة الجمعية لإسعاف دواب في مناطق «زلزال الحوز» (الشرق الأوسط)
جهود بياطرة الجمعية لإسعاف دواب في مناطق «زلزال الحوز» (الشرق الأوسط)

في خضم مشاهد الهبّة التضامنية التي نظمها المغاربة خلال محنة «زلزال الحوز»، بشكل أبرز قيم التضامن التي تجمعهم، وكشف عن وحدتهم وأصالتهم، وقدرتهم على الصبر في أوقات الشدة والمحن، والتعامل بكبرياء مع الأحزان، ومسارعتهم إلى التآزر ومد يد المساعدة لمن هم في حاجة إليها، جاءت صور إسعاف الحيوانات والرفق بها في المناطق المنكوبة لتمنح هذه الهبّة أبعاداً راقية وأكثر إنسانية.

جانب من الحملات البيطرية لإسعاف الحيوانات في مناطق «زلزال الحوز» (الشرق الأوسط)

وكان لافتاً للانتباه خلال الأيام التي تلت فاجعة الزلزال، أن المغاربة أدركوا أن تضامنهم يجب أن يشمل أيضاً كل المنكوبين بالمناطق المنكوبة، بما في ذلك الماشية والدواب التي يمتلكها السكان للاستعانة بها في التنقل، بالإضافة إلى كلاب الحراسة.

وخلال الأيام التي تلت الهزة الأرضية، وعبر مختلف الطرق الرابطة بين أقاليم مراكش والحوز وشيشاوة وأزيلال وتارودانت، كانت هناك على الدوام شاحنات من أحجام مختلفة في طريقها إلى المناطق المتضررة، محملة بالأفرشة والأغطية والخيام والمواد الغذائية، وغيرها. كما كانت هناك شاحنات محملة بأعلاف للماشية.

بيطري يقدم الإسعافات لحمار مصاب (الشرق الأوسط)

ولخّص أحد المغاربة، الذين تنقلوا إلى المناطق المنكوبة تلبية لنداء التضامن، طبيعة وأبعاد التضامن مع الحيوانات التي عانت بدورها من الزلزال، وكتب في سياق تفاعله مع الحدث: «لقد نثرنا القمح والإعانات في أعالي الجبال، حتى لا يقال إن الطير والوحوش ماتت جوعاً في المغرب»، وذلك في إشارة إلى دعوة منسوبة للخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، قال فيها: «انثروا القمح على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين».

وعلى غرار الفِرق التي قصدت المنطقة للمساهمة في جهود البحث والإنقاذ الموجهة للسكان، كانت هناك فرق أخرى ركزت اهتمامها وجهدها على الدواب التي عانت مما عاناه سكان المنطقة. ويمكن القول إن المجهود الذي قامت، وتقوم به «جمعية الرفق بالحيوان والمحافظة على الطبيعة»، يبقى أبرز نموذج لهذا النوع من التدخل الميداني، والتنوع المسجل على مستوى التعاطي مع مخلفات الزلزال.

إسعاف دابة تعرضت لكسر خلال الزلزال (الشرق الأوسط)

يقول حسن المريني، الطبيب البيطري المسؤول عن الجانب التقني بالجمعية في مراكش، لـ«الشرق الأوسط»، إن تدخلات الجمعية على مستوى الإسعافات، وتقديم إعانات من الأعلاف لمالكي الدواب، برمجت في 3 مراحل: الأولى تمثلت في تقديم إسعافات مباشرة للدواب المتضررة، كالحمير والبغال والأبقار، موضحاً أن هذه المرحلة بدأت في اليوم الثالث للكارثة، انطلاقاً من أحد الدواوير (الكفور) المتضررة بمنطقة إمليل بالحوز، القريبة من قمة جبل «توبقال»، التي تشتغل فيها الجمعية وفق برنامج عمل منذ نحو ربع قرن.

بيطري يبحث عن حيوانات ودواب تعرضت للأذى خلال الزلزال (الشرق الأوسط)

وأضاف المريني أن التدخلات كانت من خلال فريقين بيطريين، قصدا مناطق متضررة بإقليمي الحوز (أمزميز وويرغان وإمليل) وشيشاوة، بشكل يومي، مشيراً في هذا السياق إلى تراجع عدد التدخلات المتعلقة بإسعاف الدواب المعطوبة، بعد مرور أسبوعين على الزلزال.

أما في المرحلة الثانية، فقد أوضح المريني أنهم راسلوا السلطات لكي يكون التدخل لإسعاف الدواب من خلال طلبات يعبر عنها سكان المناطق المتضررة عبر اتصالات هاتفية، ومن خلال رقم هاتفي جرى تعميمه لهذا الغرض. في حين أن المرحلة الثالثة التي بدأت منذ الأسبوع الثاني بعد الزلزال، فقد همت توزيع الأعلاف في 7 دواوير تضررت أكثر بفعل الزلزال، غطت حاجيات نحو 400 من البغال، التي تلعب دوراً حيوياً على مستوى السياحة الجبلية التي تميز هذه المنطقة.

وقال المريني إن كمية الأعلاف التي وُزعت بهذه المنطقة ناهزت 20 طناً، تم توفيرها من طرف الجمعية بتنسيق مع شريكين، هما الشركة الملكية لتشجيع الفرس وشركة خاصة منتجة للأعلاف، موضحاً أن هناك دفعة ثانية من الأعلاف سيتم توجيهها إلى مناطق أخرى متضررة.

وجواباً عن سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول الأضرار التي لحقت بالدواب والماشية، وإن كانت هناك إحصاءات في هذا الشأن، أكد المريني عدم وجود أرقام تتعلق بالماشية التي هلكت أو أصيبت بفعل الزلزال، لكنه أوضح أن نسبة الدمار الذي أصاب دواوير ومناطق كثيرة، وأعداد الضحايا والمصابين، هي كلها مؤشرات على حجم الأضرار المسجلة على مستوى الدواب، التي تقاسم السكان المجال الجغرافي نفسه.

ورأى المريني أن تزامن وقوع الزلزال مع ترحال البعض بماشيته ودوابه للرعي خفف من حجم الخسائر، التي كان يمكن أن تسجل على مستوى الإنسان والحيوان على حد سواء. وشدد على الدور الذي تلعبه الدواب والماشية في المناطق التي ضربها الزلزال، خصوصاً الجبلية منها، وبوصفها أيضاً مصدراً للرزق، ووسيلة للنقل والتبضع والتسوق (الحمير والبغال). وشبّه المريني الأدوار التي تلعبها الدواب في المناطق الجبلية بالأدوار التي لعبتها خلال الزلزال، من خلال توظيفها في إيصال المساعدات إلى سكان عدد من القرى المتضررة، التي وجدت نفسها معزولة عن العالم بفعل الانهيارات الصخرية التي أغلقت الطرق.

تجدر الإشارة إلى أن فكرة «جمعية الرفق بالحيوان والمحافظة على الطبيعة»، التي تقدم اليوم خدماتها بالمجان، وتخصص حصراً للدواب وحيوانات الاستئناس، التي في ملك المعوزين الذين لا قدرة لهم على تحمل مصاريف العلاج، انطلقت في بداية عشرينات القرن الماضي، عقب زيارات قامت بها سيدة بريطانية تدعى كيث هوصالي إلى المنطقة المغاربية، قبل أن تنخرط، بداية من 1923، في عملية تحسيس وحث مالكي الخيول والبغال والحمير على الرفق بالحيوان.



دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».