مغربية تلاحق قانونياً صحيفة فرنسية نشرت صورة لها خلال الزلزال

أرفقتها بنداء استغاثة أظهرها كما لو أنها تحتج على تأخر السلطات في مساعدة المتضررين

غلاف صحيفة "ليبراسيون"
غلاف صحيفة "ليبراسيون"
TT

مغربية تلاحق قانونياً صحيفة فرنسية نشرت صورة لها خلال الزلزال

غلاف صحيفة "ليبراسيون"
غلاف صحيفة "ليبراسيون"

تعتزم سيدة من مراكش أن تلاحق قانونياً صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، بسبب نشر صورة لها على غلاف عددها الصادر يوم 11 سبتمبر (أيلول) الحالي، وهي في وضعية صدمة وحزن، جراء الزلزال الذي ضرب مراكش وخمسة أقاليم أخرى، مرفوقة بعبارة وُضعت بين قوسين، تقول: «أغيثونا... نحن نموت في صمت»، وبشكل أظهرها كما أنها تحتجّ على تأخُّر سلطات بلادها في مساعدة المتضررين، مع فتح باب التأويل لنداء الاستغاثة، موضوع العنوان المرافق للصورة، كما لو أنه موجَّه للفرنسيين والعالم.

وقال بيان صحافي لمكتب المحاماة «بيرنارد مارتين أسوسيي (بي إم آي)»، يحمل توقيع روبين بينسارد المحامي بهيئة المحامين بباريس، ومراد العجوطي المحامي بهيئة المحامين في الرباط، إنه أشعر الصحيفة الفرنسية بحذف مونتاج الصورة والتعليق المرفق من موقعها بالإنترنت، مع نشر اعتذار لفائدة السيدة ثريا سركة. وهدد مكتب المحاماة الصحيفة بوضع شكوى أمام المدعي العام للجمهورية في باريس في حالة لم تستجب لمضمون الإشعار.

وأوضح المكتب في معرض بيانه أنه، وعلى عكس ما توحي به صحيفة «ليبراسيون»، فالجملة المرفقة بالصورة لم تتفوه بها السيدة ثريا، التي كانت وقت تصويرها تهتف بالعمر المديد لملك المغرب بعبارة «عاش الملك... عاش سيدنا»، وهو ما وثَّقه شريط فيديو يتوفر المكتب على نسخة منه، وتم تداوله على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي.

وعدّ المكتب أن صحيفة «ليبراسيون»، التي تملكها هدف الإثارة، لم تخشَ أن تنسب للسيدة ثريا كلاماً لم تتفوه به؛ ما يمثل جريمة مونتاج غير مشروع، بحسب المادة 8 - 226 من القانون الجنائي، إلى جانب المسّ بالحياة الخاصة، من خلال نشر صورة من دون إذن المعنية الرئيسية بالأمر.

وزاد المكتب أن ضرر المونتاج، الذي يجمع بين التعليق والصورة، زاد بسبب أن هذا الفعل يأتي في سياق خاص، بعد القرار المتخَذ من جانب المملكة المغربية برفض مساعدة فرنسا، بشكل يظهر السيدة ثريا كما لو أنها في خلاف مع سلطات بلادها.

وتشبثت السيدة المغربية في تصريحات لوسائل إعلام مغربية، بحقها في ملاحقة الصحيفة الفرنسية، قبل أن تختم حديثها بعبارة: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».

وفجَّر نشر صورة السيدة المراكشية مع إشارة للمغرب، وتعليق فيه منسوب كبير من الانكسار والانهيار، موجة واسعة من الانتقادات من جانب المغاربة، ضد الصحيفة الفرنسية، خصوصاً أن ما قامت به جاء في سياق ما عدّوه هجوماً «موجهاً وغير مهني» من جزء من الإعلام الفرنسي على بلادهم، وتبخيس تعامل سلطاتها مع كارثة الزلزال، فقط لأن المغرب لم يسارع إلى قبول مساعدة فرنسا في جهود إنقاذ المتضررين.

وتساءل مغاربة، في سياق تفاعلهم مع ما قامت به «ليبراسيون»، عن «اللعبة التي يمارسها الإعلام الفرنسي»، الشيء الذي دفع النقابة الوطنية للصحافة المغربية إلى إصدار بيان قالت فيه إنها رصدت «التغطية غير المهنية لعدد من وسائل الإعلام الفرنسية، التي هاجمت المغرب، بحجة عدم قبوله للمساعدات التي يعرضها بلدهم، وتعمدت تسييس القضية، وتجييش الرأي العام الفرنسي ضد المغرب».

وشددت النقابة على أن جزءاً من الإعلام الفرنسي واصل حملته بـ«نشر مجموعة من الأخبار والرسوم الكاريكاتيرية، التي تحاول تصوير الدولة المغربية بطريقة توحي بالعجز، والتواطؤ في منع وصول المساعدات».

ورأت النقابة أن «الأخبار الكاذبة والإشاعات في هذا الظرف العصيب لا تنتهك حق المواطنين في المعلومة الصحيحة فحسب، بل تؤدي كذلك إلى إحداث الذعر والترويع، مما قد يؤدي إلى أشكال من الانفلاتات غير المرغوب فيها، كما قد تؤثر أحياناً سلبياً على عمليات الإنقاذ وإيصال المساعدات للمحتاجين».



دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».