«الشرق الأوسط» ترصد في أسني وويرغان جهود المغاربة لتجاوز محنة الزلزال

نصب فضاءات ترفيهية للصغار... وعودة السوق الأسبوعية لنشاطها المعتاد

سكان المناطق المتضررة من الزلزال عادوا لاستئناف حياتهم الطبيعية رغم الدمار الذي خلفته الكارثة (أ.ف.ب)
سكان المناطق المتضررة من الزلزال عادوا لاستئناف حياتهم الطبيعية رغم الدمار الذي خلفته الكارثة (أ.ف.ب)
TT

«الشرق الأوسط» ترصد في أسني وويرغان جهود المغاربة لتجاوز محنة الزلزال

سكان المناطق المتضررة من الزلزال عادوا لاستئناف حياتهم الطبيعية رغم الدمار الذي خلفته الكارثة (أ.ف.ب)
سكان المناطق المتضررة من الزلزال عادوا لاستئناف حياتهم الطبيعية رغم الدمار الذي خلفته الكارثة (أ.ف.ب)

بالقرب من الثانوية الإعدادية «الأطلس الكبير»، بقرية أسني، على بعد ساعة بالسيارة من مدينة مراكش، وقف ثلاثة تلاميذ يتبادلون أطراف الحديث عن اللوازم المدرسية التي حصلوا عليها من إدارة المؤسسة.

قال ياسين لـ«الشرق الأوسط» إنه يدرس في الصف الثامن الإعدادي. أما يوسف وزكرياء فيدرسان في الصف التاسع، مؤكدين أنهم سيدرسون بالمخيم الذي أعدته السلطات غير بعيد عن مؤسستهم، والذي يضم عشرات الخيام التي تتوفر على جميع التجهيزات التربوية الضرورية، كما جرى تجهيزها بالألواح الشمسية.

بدا الثلاثة مرتاحين والابتسامة تعلو محياهم، لكن ملامحهم ستتغير بسرعة، حين سألتهم «الشرق الأوسط» عن الزلزال، وكيف عاشوا تجربته. قالوا إنهم فقدوا عدداً من زملائهم فيه. يقول ياسين: «أعرف ثلاثة من تلاميذ الثانوية الإعدادية قضوا نحبهم فيه». فيما قال يوسف، وقد بدت عليه علامات التأثر والأسى: «هناك، على مشارف أسني، في دوار (كفر) أسلدة، كان حجم الدمار كبيراً».

في تلك الأثناء، كانت تمر بالقرب منا مجموعات متفرقة من التلاميذ، وهم في طريق العودة من المخيم الدراسي إلى منازلهم التي سلمت من الزلزال، أو الخيام التي هيأتها السلطات للعائلات التي أجبرت على ترك منازلها المتضررة. قالت التلميذة سعاد (14 سنة)، جواباً عن سؤال لـ«الشرق الأوسط»، حول عودتها للدراسة بعد كارثة الزلزال، إن استئناف الدراسة أمر جيد. وأضافت، وهي تبتسم في وجه صديقاتها الثلاث: «على الأقل، سألتقي صديقاتي. من الجيد أن أملأ يومي بالدراسة، لعلي أنسى، أو أتوقف عن استعادة صدمة ليلة الزلزال»، مؤكدة أن التحصيل العلمي يبقى مهماً تحت أي ظرف، وأن الزلزال مرحلة مؤقتة لن تطول قبل العودة إلى الدراسة بشكل طبيعي.

عودة الحياة تدريجيا

على بعد خطوات من الثانوية الإعدادية، كان هناك نشاط وحركية لافتة للانتباه تعم الفضاء الذي أعد لاحتضان المستشفى العسكري. بالقرب منه، كان هناك صغار في غاية الفرح، بعد أن استعادوا متعة اللعب في الفضاء الترفيهي الذي تم وضعه رهن إشارتهم، اعتباراً لوضعيتهم النفسية، بعد الكارثة الطبيعية التي ضربت المنطقة.

فضاءات ترفيهية للأطفال في أسني (الشرق الأوسط)

على بعد خطوات من المستشفى العسكري، بدا حجم الدمار الذي هز «دوار لعْرب» لافتاً للعيان، ومثيراً للأسى والتضامن مع المتضررين. وبدا أحد أبناء الدوار(الكفر)، وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط» كمن يجاهد للتخلص من معاناته مع كابوس الليلة الماضية. قال إن هاجسه الأساسي هو استعادة حياته الطبيعية، موضحاً أن ذلك لن يتحقق إلا بإسراع السلطات في تدبير أمر إعادة الإعمار وإسكان المتضررين.

في الأيام الأولى للزلزال، أعطى المسؤولون المغاربة أولوية لإسعاف المتضررين وتوفير المأوى والأغذية. أما اليوم، فهم يعملون على وضع جرد للبنايات المتضررة، من خلال معاينات ميدانية، للوقوف على طرق التعاطي مع الوضع. وقبل ذلك، كثفوا من جهود ومبادرات إعادة الثقة إلى سكان المنطقة، ومساعدتهم على العودة تدريجياً إلى حياتهم العادية، وتجاوز صدمة الزلزال. من بين تلك الجهود والمبادرات، على مستوى قرية أسني، جاءت استعادة السوق الأسبوعية لنشاطها، السبت الماضي، بعد 8 أيام من وقوع الزلزال، لتؤشر على تراجع نسبي من حدة صدمة وتداعيات الكارثة الطبيعية.

هذه السوق الأسبوعية تلعب دوراً أساسياً على مستوى النشاط التجاري، بالنسبة لمن يمتهن التجارة والفلاحة، أو لمن يرغب في التسوق، علماً بأن للأسواق في قرى ودواوير المغرب رمزية خاصة، وإسهامات اقتصادية واجتماعية مهمة، بل إن بعض التجمعات السكانية تحولت إلى قرى ومدن، بعد أن أخذت أسماء الأسواق التي تقام فيها.

فك العزلة عن المناطق المتضررة

على مشارف ويرغان، على بعد 20 كيلومتراً انطلاقاً من أسني، في اتجاه تارودانت، انشغلت آليات بتهيئة الطريق المتضررة بفعل الانهيارات الصخرية، وفك العزلة عن المناطق المتضررة.

في ويرغان، بدت الحياة أقل صخباً وأكثر هدوءاً مقارنة بأسني. النشاط السكاني قليل، وأغلب محلات البقالة لم تفتح أبوابها بعد.

جهود متواصلة لضمان حركة السير قرب ويرغان (الشرق الأوسط)

مباشرة بعد اجتياز قنطرة «وادي أزاضن» كانت هناك لافتة لمخيم وضعته السلطات لإيواء المتضررين. في اتجاه وسط القرية، رفعت لافتة أخرى، تقول: «مخيم سكان دوار إمزيلن - جماعة ويرغان - ضحايا الزلزال».

في ويرغان، وعلى خلاف أسني، عملت السلطات على نقل تلاميذ الثانوية الإعدادية، التي تضررت بشكل كبير من الزلزال، إلى الثانوية التأهيلية محمد الخامس بمراكش. يناهز عدد هؤلاء التلاميذ الذين سيتم إيواؤهم والتكفل بهم، فضلاً عن تمكينهم من الدعم النفسي، 789 تلميذاً وتلميذة، سيؤطرهم أساتذة وإداريون، إلى جانب متخصصين في المساعدة الاجتماعية والمواكبة النفسية.

على الطريق الفاصلة بين ويرغان وأسني، في طريق العودة إلى مراكش، كانت هناك شاحنات من أحجام مختلفة، في طريقها إلى المناطق المتضررة، وهي محملة بالأفرشة والأغطية والمواد الغذائية، وغيرها. كانت هناك، أيضاً، شاحنات محملة بأعلاف للماشية.

أطفال يتوجهون إلى مدرستهم بعد عودة الحياة بالتدريج إلى طبيعتها (الشرق الأوسط)

وكان المغرب قد أعلن، الأربعاء، أن الميزانية المتوقعة لإعادة الإعمار بعد الزلزال المدمر، الذي ضرب البلاد قبل أسبوعين، تقدر بنحو 11.7 مليار دولار، سترصد لبرنامج يمتد على خمسة أعوام ويستهدف أكثر من 4 ملايين شخص. وأفاد الديوان الملكي في بيان بأن الميزانية التوقعية لبرنامج «إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز»، «تقدر بـ120 مليار درهم (نحو 11.7 مليار دولار) على مدى خمس سنوات».


مقالات ذات صلة

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أوروبا شخص ينظر إلى الأنقاض والحطام بعد زلزال في كهرمان مرعش بتركيا 8 فبراير 2023 (رويترز)

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أفاد التلفزيون التركي، اليوم الأحد، بوقوع زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
يوميات الشرق شرم الشيخ شهدت زلزالاً بلغت قوته 4.25 درجة على مقياس ريختر (عبد الفتاح فرج)

ما أسباب تكرار الهزات الأرضية في شمال البحر الأحمر؟

سجّلت محطات شبكة الزلازل القومية، هزة أرضية على بُعد 12 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ، عند الساعة 7:34 صباحاً بتوقيت القاهرة، مما أثار انتباه السكان في المنطقة.

محمد السيد علي (القاهرة)
شؤون إقليمية قُبض على الإسرائيلي بوريس ولفمان في إسطنبول 2015 وسُلم لإسرائيل لاتهامه بالاتجار بالأعضاء وعاد إلى تركيا عام 2017 (إعلام تركية)

القبض على إسرائيلي في تركيا للاتجار بأعضاء اللاجئين السوريين

قررت محكمة تركية في إسطنبول توقيف إسرائيلي مطلوب من الإنتربول الدولي بنشرة حمراء، لتورطه في عمليات اتجار بالأعضاء في أوساط اللاجئين السوريين في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية سكان مالاطيا غادروا منازلهم وبقوا في الشوارع بسبب الهلع من الزلزال (إعلام تركي)

زلزال بقوة 5.9 درجة ضرب شمال تركيا وأعاد ذكريات «كهرمان ماراش»

ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة على مقياس ريختر ولاية مالاطيا في شرق تركيا تأثرت به بعض المناطق في جنوب شرقي البلاد وفي شمال سوريا ولم يسفر عن ضحايا أو إصابات خطيرة

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية صورة أرشيفية لآثار الزلزال الذي ضرب ملاطية العام الماضي (غيتي)

شعر به سكان مدن سورية... زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب جنوب شرق تركيا

أعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية أن زلزالاً بقوة 5.9 درجة هز إقليم ملاطية في جنوب شرق تركيا، اليوم الأربعاء، وشعر به سكان مدن سورية.

«الشرق الأوسط» (اسطنبول)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
TT

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

استعادت قوات الجيش السوداني، السبت، مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار في جنوب شرقي البلاد، ما يسهل على الجيش السيطرة على كامل الولاية. وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، مئات الأشخاص يخرجون إلى الشوارع احتفالاً باستعادة المدينة التي ظلت لأكثر من 5 أشهر تحت سيطرة «قوات الدعم السريع».

وقال مكتب المتحدث الرسمي باسم الجيش، في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إن «القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى دخلت رئاسة الفرقة 17 مشاة بمدينة سنجة». ولم يصدر أي تعليق من «قوات الدعم السريع» التي كانت استولت في مطلع يوليو (حزيران) الماضي، على مقر «الفرقة 17 مشاة» في مدينة سنجة بعد انسحاب قوات الجيش منها دون خوض أي معارك. ونشر الجيش السوداني مقاطع فيديو تظهر عناصره برتب مختلفة أمام مقر الفرقة العسكرية الرئيسة.

بدوره، أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة وزير الثقافة والإعلام، خالد الأعيسر، عودة مدينة سنجة إلى سيطرة الجيش. وقال في منشور على صفحته في «فيسبوك»، نقلته وكالة أنباء السودان الرسمية، إن «العدالة والمحاسبة مقبلتان وستطولان كل من أسهم في جرائم، وستتم معاقبة المجرمين بما يتناسب مع أفعالهم».

وأضاف أن «الشعب السوداني وقواته على موعد مع تحقيق مزيد من الانتصارات التي ستعيد للبلاد أمنها واستقرارها، وتطهرها من الفتن التي زرعها المتمردون والعملاء ومن يقف خلفهم من دول وأطراف متورطة».

وفي وقت سابق، تحدث شهود عيان عن تقدم لقوات الجيش خلال الأيام الماضية في أكثر من محور صوب المدينة، بعد أن استعادت مدينتي الدندر والسوكي الشهر الماضي، إثر انسحاب «قوات الدعم السريع». وقال سكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط»، إن قوات الجيش وعناصر المقاومة الشعبية انتشروا بكثافة في شوارع سنجة، وإنهم فرحون بذلك الانتصار.

مسلّحون من «قوات الدعم السريع» في ولاية سنار بوسط السودان (أرشيفية - مواقع التواصل)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خاض الجيش معارك ضارية ضد «قوات الدعم السريع»، نجح من خلالها في استعادة السيطرة على منطقة «جبل موية» ذات الموقع الاستراتيجي التي تربط بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض. وبفقدان سنجة تكون «قوات الدعم السريع» قد خسرت أكثر من 80 في المائة من سيطرتها على ولاية سنار الاستراتيجية، حيث تتركز بقية قواتها في بعض البلدات الصغيرة.

يذكر أن ولاية سنار المتاخمة لولاية الجزيرة في وسط البلاد، لا تزال تحت سيطرة «قوات الدعم السريع»، التي تسيطر أيضاً على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم ومنطقة غرب دارفور الشاسعة، إضافة إلى جزء كبير من ولاية كردفان في جنوب البلاد.

ووفقاً للأمم المتحدة نزح أكثر من نحو 200 ألف من سكان ولاية سنار بعد اجتياحها من قبل «قوات الدعم السريع».

واندلعت الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، بعد خلاف حول خطط لدمج «الدعم السريع» في الجيش خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات للانتقال إلى حكم مدني، وبدأ الصراع في العاصمة الخرطوم وامتد سريعاً إلى مناطق أخرى. وأدى الصراع إلى انتشار الجوع في أنحاء البلاد وتسبب في أزمة نزوح ضخمة، كما أشعل موجات من العنف العرقي في أنحاء البلاد.