القصف العشوائي يزيد أعداد الضحايا المدنيين في السودان

الجيش وقوات «الدعم السريع» يتبادلان الاتهامات بالمسؤولية

فرع محروق لأحد البنوك في جنوب الخرطوم (أ.ف.ب)
فرع محروق لأحد البنوك في جنوب الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

القصف العشوائي يزيد أعداد الضحايا المدنيين في السودان

فرع محروق لأحد البنوك في جنوب الخرطوم (أ.ف.ب)
فرع محروق لأحد البنوك في جنوب الخرطوم (أ.ف.ب)

في موكب حزين شيَّع مواطنون في جنوب الخرطوم جثمامين 4 أطفال من أسرة واحدة، قُتلوا أثناء معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، حين سقطت قذيفة عشوائية على منزلهم، وذلك ضمن حصاد الموت الذي طال أعداداً كبيرة من المدنيين، بل اختفت أُسر بكاملها من الوجود. وفي منطقة شرق النيل، قُتل 3 أشقاء أثناء قصف جوي اتهم به كل طرف من المتحاربيْن الطرف الآخر.

ويقول محللون سياسيون إن هناك أسباباً كثيرة أدت لزيادة أعداد القتلى، من بينها الاستعانة بمقاتلين وأسلحة جديدة من قِبل الطرفين، أو نتيجة طبيعية لاحتدام القتال، ما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى المدنيين إلى 6 آلاف قتيل، وفق تقارير غير رسمية، فضلاً عن أعداد غير معروفة لقوا حتفهم؛ لعدم وجود خدمات طبية.

دخان الحرب يغطي سماء الخرطوم في إحدى المعارك يونيو الماضي (أ.ف.ب)

نيران عشوائية

ويتهم مواطنون قوات «الدعم السريع» في المناطق التي يسيطرون عليها، بإطلاق النار بصورة عشوائية لإرهاب المواطنين، وأحياناً يوجهون أسلحتهم إلى صدور الذين يرفضون إخلاء منازلهم، وهو ما وصفه الأمين العام لحركة «تمازج»، الحليفة لقوات «الدعم السريع»، ياسر محمد، باتهام باطل ضمن حملة يقودها أنصار النظام السابق الراغبين في العودة للحكم، عبر إشعال الحرب، في 15 أبريل (نيسان) الماضي.

وأضاف: «لكن قوات الدعم السريع كانت لهم بالمرصاد وأفشلت كل مخططاتهم، ووقفت من أجل تثبيت الحكم المدني والتحول الديمقراطى في السودان. فقوات الدعم السريع تدافع عن حقوق المواطن السوداني بصورة قومية، وليس لقوات الدعم السريع أو القوة المساندة لها أي بندقية يتم توجيهها نحو المواطنين».

وأكد محمد، الذي يقود حركة «تمازج»، الموقِّعة على اتفاقية سلام السودان في جوبا، أكتوبر (تشرين الأول) 2020، أن طيران الجيش هو الذي يقصف المواطنين العُزَّل في المنازل والأسواق.

صبي يحمل خراطيش الرصاص في مدينة الخرطوم البحري (رويترز)

سلاح الطيران

يقول المواطن صالح سعيد، من سكان مدينة أمدرمان، لـ«الشرق الأوسط»، إن الجيش يعتمد في حربه مع «الدعم السريع» على سلاح الطيران، وإنه كثّف من الغارات الجوية، خلال الأيام الماضية، التي طالت مناطق وأسواق تحت الزعم أنها مواضع لتمركزات قوات «الدعم السريع»، مضيفاً «لكن هذه الغارات الجوية قتلت أعداداً كبيرة من المدنيين لا علاقة لهم بقوات الدعم السريع». بيد أن الجيش نفى، في بيان، توجيه أسلحته للمواطنين، ووجه الاتهام لـ«الدعم السريع» بأنه يقتل المدنيين بطريقة منهجية ويرتكب فظائع بحقِّهم، ويشاركهم في ذلك «مرتزقة» استجلبهم من عدة دول أفريقية.

ولا يتوقف الموت على من يلقون حتفهم على الفور، بل يلاحق الجرحى الذين لا يجدون علاجاً. قالت آلاء جوزيف، الطبيبة في مستشفى «النوّ» بأمدرمان، لـ«الشرق الأوسط»، إن مستشفاها «يستقبل أعداداً كبيرة من المصابين بالأسلحة النارية، وأحياناً يكون في السرير الواحد أكثر من مصاب، ويرتفع العدد أكثر أثناء الاشتباكات، والمستشفى لا يستطيع استيعاب كل الجرحى، فهو يعاني نقص الكوادر الطبية والمعينات والأدوية».

سودانيون في الخرطوم يصطفّون للحصول على الخبز وسط أزمة اقتصادية خانقة جراء الحرب (رويترز)

المرافق الصحية

ووفقاً لجوزيف، تُجرى يومياً نحو 5 عمليات جراحية للمصابين بطلق ناري، وتعطى الأولوية للحالات غير المستقرة، «وأحياناً يجري تحويل الحالات التى يمكن أن تنتظر ليوم مثلاً، إلى العلاج بمدينة شندي التي تبعد أكثر من 200 كيلومتر شمال العاصمة، ما يعرِّضهم لمخاطر كبيرة أثناء الطريق. ومرات عدة قمت بإجراء كل العمليات والتحضير لها؛ لقلة الكوادر الطبية والمساعِدة، ولا سيما أن أغلب المصابين من النساء والأطفال».

وأدّت صعوبة وصول المصابين للمستشفيات إلى ارتفاع أعداد القتلى، إلى جانب أن غالب المستشفيات إما تسيطر عليها «الدعم السريع»، أو مغلقة بسبب سقوط قذائف، لقربها من مناطق الاشتباكات، وصعوبة وصول الكوادر الطبية إليها لانعدام المسارات الآمنة لهم في طريقهم إلى مستشفياتهم، وهو ما نفاه القيادي في حركة «تمازج»، ياسر محمد، بقوله: «إعلام النظام البائد يبعث شائعات بأن قوات الدعم السريع تحتلّ المستشفيات، لتضليل الرأي العام وتأليبه ضدها، بينما هي من ينقل الأدوية والأغذية للمرضى والمصابين في المستشفيات، وتوفر الحماية للطواقم الطبية».

جانب من الدمار الذي سببته الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في دارفور (أ.ف.ب)

جنوب دارفور

ويعيد الاتهام إلى الجيش بقوله «على عكس ما يقوم به الدعم السريع، فإن طيران الجيش يقصف المستشفيات والمدنيين، ما أجبر المستشفيات على التوقف عن تقديم خدماتها. وحين يتوقف قصف طيران الجيش للمواقع المدنية، ستُعاود المستشفيات العمل، وسنعمل على صيانتها وتسهيل عملها».

ويتهم عيسى محمد الموجود، وهو مقيم في نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، الطرفين بعدم الاهتمام بما يصيب المدنيين، قائلاً «تسقط مقذوفات أسلحة المتحاربين على أماكن تجمُّع المواطنين، ولا سيما في الساحات والميادين التى يتخذها الأطفال والشباب مكاناً لممارسة الرياضة، ويقضون فيها أوقاتاً طويلة، بعد أن أدت الحرب لإغلاق المدارس والجامعات».

وخلفت الاشتباكات العنيفة والمتكررة حول سلاح المدرَّعات بمنطقة الشجرة في جنوب الخرطوم، كثيراً من القتلى نتيجة سقوط القذائف على منازلهم، في حين شهدت مناطق أم بدة غرب مدينة أمدرمان، وشرق النيل شرق مدينة الخرطوم بحري، سقوط عشرات القتلى نتيجة الغارات الجوية والاشتباكات بالأسلحة الثقيلة.


مقالات ذات صلة

حكومة موازية لـ«الدعم السريع» في الخرطوم

شمال افريقيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

حكومة موازية لـ«الدعم السريع» في الخرطوم

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيلَ إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد 19 شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيل إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد تسعة عشر شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» في العاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

صحيفة سودانية: «الدعم السريع» تشكل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم

أفادت صحيفة «سودان تريبيون»، اليوم (الجمعة)، بأن «قوات الدعم السريع» أعلنت تشكيل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)

وزير خارجية فرنسا: الأزمة الإنسانية في السودان الأكبر في زمننا

وزير الخارجية الفرنسي: «الأزمة الإنسانية في السودان تعد الأكبر في زمننا، والتدخلات الخارجية في الحرب الدائرة يجب أن تتوقف».

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا سودانيون فروا من العنف المتصاعد بولاية الجزيرة يستريحون في مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

«الخارجية الفرنسية» تحث طرفي الحرب في السودان على وقف القتال

حثّ وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الذي زار مخيمات لاجئين سودانيين في تشاد، الخميس، طرفي النزاع بالسودان على وقف الأعمال القتالية والدخول في مفاوضات.

«الشرق الأوسط» (أدري (تشاد))

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)

قال محامون في الجزائر إن المحكمة العليا قبلت طعناً بالنقض في قضية أثارت جدلاً كبيراً العام الماضي، تمثلت في إصدار محكمة الجنايات بالعاصمة حكماً بإعدام 38 شخصاً، بتهمة «إشعال النار في منطقة القبائل، بناءً على توجيهات من تنظيم إرهابي»، يُسمى «حركة الحكم الذاتي في القبائل».

صورة لنيران منطقة القبائل صيف 2021 (الشرق الأوسط)

وأكد المحامي والحقوقي الشهير، مصطفى بوشاشي، الذي ترافع لصالح بعض المتهمين، لصحافيين، أن أعلى غرفة الجنايات بأعلى هيئة في القضاء المدني نقضت، مساء أمس الخميس، الأحكام التي صدرت فيما بات يعرف بـ«قضية الأربعاء ناث إراثن»، وهي قرية ناطقة بالأمازيغية (110 كيلومترات شرق)، شهدت في صيف 2021 حرائق مستعرة مدمرة، خلفت قتلى وجرحى، وإتلافاً للمحاصيل الزراعية ومساحات غابات كبيرة، وعقارات ومبانٍ على غرار قرى أخرى مجاورة.

مبنى المحكمة العليا بأعالي العاصمة الجزائرية (الشرق الأوسط)

غير أن الحرائق ليست أخطر ما حدث يومها في نظر القضاء، فعندما كان سكان القرية يواجهون النيران بوسائلهم الخاصة البسيطة، تناهى إليهم أن شخصاً بصدد إضرام النار في بلدتهم عمداً، وفعلاً ألقت الشرطة بهذه الشبهة على ثلاثيني من منطقة بوسط البلاد، يُدعى جمال بن سماعين، فتوجهوا وهم في قمة الغضب إلى مقر الأمن، وكان الشاب في تلك الأثناء داخل سيارة الشرطة فأخرجوه منها، غير عابئين بالعيارات النارية، التي أطلقها رجال شرطة لثنيهم عن قتله، وأخذوه إلى الساحة العامة، فنكّلوا به وأحرقوا جثته، بينما كان يتوسل إليهم أن يخلوا سبيله، وبأنه حضر إلى القرية للمساعدة وليس لإشعال النار.

وجرى تصوير مشاهد التنكيل المروعة بكاميرات الهواتف النقالة، واعتقل الأمن لاحقاً كل الذين ظهروا في الصور.

جمال بن سماعين قُتل على أيدي سكان قرية التهمتها النيران (متداولة)

على أثر ذلك، طالبت قطاعات واسعة في المجتمع بـ«القصاص»، ورفع التجميد عن عقوبة الإعدام، التي تصدرها المحاكم دون أن تنفذ، وذلك منذ تطبيقه بحق 3 إسلاميين عام 1993، بتهمة تفجير مطار العاصمة صيف 1992 (42 قتيلاً). لكن أثبت التحقيق بأن بن سماعين لا يد له في الأحداث المأساوية.

وبثّ الأمن الجزائري «اعترافات» لعدد كبير من المعتقلين بعد الأحداث، أكدوا كلهم أنهم وراء النيران المستعرة، وبأنهم ارتكبوا الجريمة بأوامر من رئيس تنظيم «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، المعروف اختصاراً بـ«ماك»، فرحات مهني، الذي يتحدر من المنطقة، ويقيم منذ سنوات طويلة بفرنسا بصفته لاجئاً سياسياً.

فرحات مهني المتهم بإشعال النار في منطقة القبائل (الشرق الأوسط)

وقال محامو المتهمين بعد تداول هذه «الاعترافات» إن القضاء «يبحث عن مسوّغ لإنزال عقوبة ثقيلة في حقهم»، وهو ما حدث بالفعل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بإدانتهم بالإعدام. علماً بأن التهم وجهت لمائة شخص في هذه القضية، وحُكم على بعضهم بالسجن بين عام و5 سنوات مع التنفيذ، في حين نال آخرون البراءة.

وتمثلت التهم أساساً في «نشر الرعب في أوساط السكان بإشعال النيران»، و«الانتماء إلى منظمة إرهابية» تُدعى «ماك»، و«قتل شخص عن سبق إصرار والتنكيل بجثته»، و«القيام بأفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب في أوساط السكان، وخلق جو انعدام الأمن»، وتم تثبيت الأحكام بعد استئنافها.

أما فرحات مهني فكذّب، في فيديو نشره بالإعلام الاجتماعي، التهمة المنسوبة إليه، وطالب بفتح تحقيق مستقل في الأحداث «من طرف جهة أجنبية».

وفي نظر عدد كبير من المحامين على صلة بهذا الملف، فإن القضاء يبحث من خلال نقض الأحكام عن «إصلاح أخطاء تسبب فيها بإصدار قرارات متسرعة»، وبأن القضاة «كانوا تحت ضغط رأي عام طالب بالقصاص». ووفق ما ينص عليه القانون، ستعاد محاكمة المتهمين في محكمة الجنايات بتشكيل قضاة غير الذين أدانوهم في المرة السابقة.