مصريون يترقبون مصير أبنائهم ضمن ضحايا إعصار ليبيا

تقديرات رسمية بوصول عدد المتوفين إلى 300

مجلس الوزراء المصري يقف دقيقة حداداً على أرواح ضحايا الإعصار في ليبيا خلال اجتماعه الخميس (مجلس الوزراء المصري)
مجلس الوزراء المصري يقف دقيقة حداداً على أرواح ضحايا الإعصار في ليبيا خلال اجتماعه الخميس (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصريون يترقبون مصير أبنائهم ضمن ضحايا إعصار ليبيا

مجلس الوزراء المصري يقف دقيقة حداداً على أرواح ضحايا الإعصار في ليبيا خلال اجتماعه الخميس (مجلس الوزراء المصري)
مجلس الوزراء المصري يقف دقيقة حداداً على أرواح ضحايا الإعصار في ليبيا خلال اجتماعه الخميس (مجلس الوزراء المصري)

«نريد فقط أن نعرف مصير باقي أولادنا»... عبارة نطقها بغصة ومرارة الحاج سمير عبد اللطيف، أحد شيوخ قرية الشريف، التابعة لمركز ببا بمحافظة بني سويف في صعيد مصر، بعد أن شارك أهالي القرية في موكب جنائزي مهيب لدفن 68 جثماناً من ذويهم، راحوا ضحية إعصار «دانيال» الذي ضرب الشرق الليبي، لكن رغم هول الفاجعة، فإن سمير قال: «دفن الجثامين ربما يكون أقل ألماً من انتظار المفقودين من بقية أبناء القرية».

ومنذ وقوع الكارثة، توافد إلى مصر 88 جثماناً لمصريين من ضحايا إعصار «دانيال»، لكن إفادات رسمية ذكرت أن عدد المتوفين ربما يصل إلى 300 مصري. وقالت وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، السفيرة سها الجندي، إن «السلطات الليبية في طبرق تعرّفت على نحو 150 جثماناً لمصريين بالفعل»، موضحة أن الوزارة «تتابع باهتمام العثور على بقية الضحايا... والقوات المسلحة المصرية أرسلت طائرات لإحضار الجثامين».

وأشارت الجندي خلال تصريحات تلفزيونية، مساء الأربعاء، إلى أن «تقديرات مبدئية لمنظمات دولية والسلطات الليبية تفيد بأن أعداد المتوفين قد تصل إلى 300 شخص»، وطالبت أسر المفقودين بالتواصل مع غرفة الطوارئ والحسابات الرسمية لـ«الهجرة» على مواقع التواصل الاجتماعي، مبرزة أن أعداد الضحايا المتداولة لم يتم تحديدها على وجه الدقة، وذلك بسبب زيادة أعداد المصريين المسافرين إلى ليبيا بشكل غير شرعي، ما يتطلب جهوداً مضاعفة للحصر الدقيق.

يقول الحاج سمير، الذي فقد شقيقه أحد أحفاده، بينما الآخر في عداد المفقودين، إن «الاتصالات لم تنقطع مع أبناء القرية الموجودين في ليبيا منذ فجر الثلاثاء، بحثاً عن ذويهم»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «القرية جميعها تربطها صلة قرابة، ومنذ وقوع الكارثة وأبناء عمومتنا في درنة لا يألون جهداً في البحث عن المفقودين».

ووسط حالة الحزن، تدخّل في الحديث شاب من أبناء القرية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «فقدت 8 من أبناء عمومتي، لكني أشكر الله أننا تمكّنا من إكرامهم بالدفن في مسقط رأسهم، لكن البقية أيضاً أقاربي وأصدقائي، وكل ما نتمناه الآن هو العثور على المفقودين»، مضيفاً أن شركات الاتصالات الثلاث «فتحت الاتصال المجاني بليبيا، وحتى الساعات الأولى من ليلة أمس وأبناء القرية في شرق ليبيا يبحثون عن ذويهم. وأسرنا هناك يشاركون في عمليات الإنقاذ، ويقومون بتصوير الجثامين، ويرسلون الصور عبر صفحاتهم على (فيسبوك) ليتم التعرف عليهم من قبل ذويهم».

أقارب الضحايا المصريين الذين لقوا حتفهم في العاصفة التي ضربت ليبيا (إ.ب.أ)

وحسب روايات أهالي القرية المنكوبة، هناك 222 من أبنائهم سافروا إلى درنة. لكن تبقى فاجعة قرية الشريف الأكثر قسوة بين ضحايا الإعصار، غير أن الألم ومشاهد الحسرة امتدت لأسر عدة في محافظات مصر. ففي قرية شباس عمير، الواقعة في محافظة كفر الشيخ، تعالت أصوات العويل داخل منزل فقد 4 أشخاص من أسرة واحدة، هم الأب والأم و2 من أبنائهما، بينما فُقد أصغر الأبناء، ولم يتسنَ لهم التعرف على ما إذا كان حياً أم فقد حياته.

روي لطفي مرسال، ابن عم الأم، تفاصيل الوفاة قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «ابنة عمي سافرت مع زوجها وأبنائها الثلاثة منذ 4 سنوات، وكانت على تواصل مستمر مع الأسرة، حتى فجعنا شقيق زوجها بخبر وفاتها وأسرتها، بينما الابن الأصغر البالغ 7 أعوام ما زال مفقوداً»، مضيفاً أن المفقودين «أكثر ممن عادوا. أقاربي في عزبة جودة بمركز قلين فقدوا 11 شاباً لم يصل منهم أي جثمان، ولا نعرف مصيرهم حتى الآن».

ورغم الحزن الذي يخيم على الأهالي، فإنهم لم يفقدوا الأمل. يقول الشاب شريف محمد، ابن قرية الشريف: «ظننت أن أصدقائي في قرية واصف غالي ببني سويف لقوا مصرعهم لأنهم كانوا ضمن المفقودين، لكن وصلتنا اتصالاتهم وأبلغونا بأنهم احتموا بمرتفع في درنة لمدة 48 ساعة حتى هدأت العاصفة، فكُتب لهم عمر جديد... لقد كانت لحظات مروعة عاشوها، لكنهم ما زالوا على قيد الحياة».

أفراد من الجيش المصري يتفقدون الأضرار في درنة (رويترز)

بمجرد أن تترجل داخل أي قرية لها أبناء في ليبيا لا تسمع سوى الصراخ والعويل وربما الهدوء الحذر، والأحاديث جميعها تدور حول جهود الدولة، والقوات المسلحة في استعادة المصريين العالقين في ليبيا أحياءً كانوا أو أمواتاً.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد وجه بتوفير إعانات عاجلة لأسر الضحايا المصريين لإعصار «دانيال». كما دخلت قوات الجيش المصري إلى الأراضي الليبية عبر منفذ السلوم الحدودي، على رأس قوافل مساعدات إنسانية وطبية، بينما تدخلت القوات المصرية لإنقاذ المناطق المنكوبة سواء تضم مصريين أو ليبيين.

ومن جانبه، قرر رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، فتح جميع قنوات الاتصال، من خلال منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة لتلقي شكاوى وطلبات وبلاغات المواطنين وأسر المتضررين من الإعصار في ليبيا، بالإضافة إلى متابعة وتوثيق جهود الجهات المختصة في التعامل مع هذه الشكاوى والبلاغات والطلبات، سواء في مرحلة أعمال الإغاثة وحصر الضحايا والمصابين، ونقل مَن يمكن إعادتهم لأرض الوطن، أو في مرحلة تقديم خدمات الرعاية الطبية والاجتماعية لهم وما يتعلق باستخراج الوثائق الرسمية من شهادات وفاة وقرارات علاج للمصابين وغيرها.

في سياق ذلك، أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي المصرية، توفير إعانات عاجلة لأسر الضحايا من المواطنين المصريين المتوفين في ليبيا جراء الإعصار والفيضانات، وصرف مساعدات عاجلة لأسر الضحايا، تقدر قيمتها بـ100 ألف جنيه (3200 دولار) لأسرة كل متوفى. كما وجهت وزيرة التضامن الاجتماعي بصرف 25 ألف جنيه لكل مصاب من المواطنين المصريين جراء الإعصار والفيضانات، التي ضربت ليبيا مؤخراً.


مقالات ذات صلة

وقائع الاعتداء على الطواقم الطبية تتجدد بمصر

شمال افريقيا أطباء داخل «مستشفى الشيخ زايد» في القاهرة (حساب المستشفى على فيسبوك)

وقائع الاعتداء على الطواقم الطبية تتجدد بمصر

تجدد الحديث عن وقائع الاعتداء على الطواقم الطبية في مصر، مع حادثة مستشفى الشيخ زايد بالقاهرة، بينما قامت الشرطة المصرية، السبت، بتوقيف متهمين في الواقعة.

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا «منطقة الأعمال المركزية» بالعاصمة الإدارية الجديدة (وزارة الإسكان المصرية)

تعاون مصري - صيني لإدارة «منطقة الأعمال» في العاصمة الإدارية

تتعاون مصر مع الصين في إدارة «منطقة الأعمال المركزية» بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة)، وهي المنطقة التي تضم 20 برجاً أبرزها «الأيقوني».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني خلال استقبال وزير الخارجية والهجرة المصري (الخارجية المصرية)

مصر تؤكد أن أمنها المائي «قضية وجودية» تزامناً مع نزاع السد الإثيوبي

شددت مصر على أن أمنها المائي «قضية وجودية»، وجددت تأكيدها على «رفض الإجراءات الأحادية في التعامل مع الأنهار الدولية».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا العاصمة المصرية القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)

«التوقيت الشتوي» يُربك مصريين مع بداية تطبيقه

مع الساعات الأولى، الجمعة، أحدث «التوقيت الشتوي» ارتباكاً لدى أسر مصرية خصوصاً ما يتعلق بساعات النوم.

محمد عجم (القاهرة )
العالم العربي جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)

مصر تنفي استقبال سفينة ألمانية تحمل مواد عسكرية لصالح إسرائيل

نفى الجيش المصري، اليوم الخميس، «بشكل قاطع» مساعدة إسرائيل في عملياتها العسكرية «جملة وتفصيلاً». وأكد على أنه لا يوجد أي شكل من التعاون مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ليبيا: تخوفات من إنهاء الدور السياسي للمجلس «الأعلى للدولة»

تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة «الأعلى للدولة» عام 2023 (المجلس)
تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة «الأعلى للدولة» عام 2023 (المجلس)
TT

ليبيا: تخوفات من إنهاء الدور السياسي للمجلس «الأعلى للدولة»

تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة «الأعلى للدولة» عام 2023 (المجلس)
تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة «الأعلى للدولة» عام 2023 (المجلس)

يتخوف أعضاء من المجلس الأعلى للدولة في ليبيا من إنهاء الدور السياسي لمجلسهم لصالح أجسام أخرى، بينما لا يزال يعاني الانقسام والصراع على رئاسته بين خالد المشري، ومحمد تكالة منذ 3 أشهر.

وتنقسم اقتراحات المتخوفين من الوصول إلى هذا المصير لحل الأزمة بين انتظار أحكام القضاء كما يطالب المشري، أو إعادة انتخاب رئاسته كما يذهب تكالة، بينما يدعو فريق آخر من الأعضاء على استحياء لتجاوز الرجلين.

بدايةً، حذر عضو «الأعلى للدولة»، محمد معزب، الذي يؤيد إعادة انتخابات المكتب الرئاسي من أن استمرار الانقسام إلى نهاية العام الحالي «قد يقود لتحوُّل مجلسه لمجرد عنوان على لافتة؛ أو كتلة هلامية لا تفيد لا تكالة أو المشري»، وقال إن «هذا ما يتمناه كثيرون مع الأسف».

من جلسة سابقة للمجلس الأعلى للدولة (المجلس)

وعن رؤيته للحل، أكد معزب لـ«الشرق الأوسط» أن تكالة وعدداً من أعضاء المجلس اتفقوا خلال جلسة عُقدت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على تخصيص جلسة أخرى في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، يجري خلالها إعادة الانتخابات»، مشيراً إلى وجود «استجابة عدد كبير من أعضاء المجلس عموماً».

وكانت الانتخابات الدورية لرئاسة المجلس الأعلى للدولة قد شهدت حالة من الجدل، بسبب وجود ورقة انتخابية خلال جولة التصويت الثانية التي جرت بين المشري وتكالة، كُتب عليها اسم الأخير من الخلف؛ ما عُدّ «مخالفة لقانون انتخاب رئيس المجلس».

وتمسك المشري برئاسة «الأعلى للدولة»، وأيدت اللجنة القانونية صحة فوزه، وعلى إثر ذلك دعا خصمه الرئيس السابق للمجلس، تكالة، إلى اللجوء للقضاء لإبداء اعتراضه على نتيجة الانتخابات، مؤكداً أنه «سيلتزم بأحكام القانون».

وفي منتصف الشهر الماضي، قضت محكمة استئناف جنوب طرابلس بوقف ما ترتب عن جلسة انتخاب المكتب السياسي لـ«الأعلى للدولة» في أغسطس (آب) الماضي.

معزب رأى أن البرلمان «في مقدمة المستفيدين من استمرار انقسام الأعلى للدولة» (النواب)

ورأى معزب أن «البرلمان في مقدمة المستفيدين من استمرار انقسام (الأعلى للدولة)، مقارنةً بالمجلس الرئاسي؛ وإن كان الأخير فعلياً يسعى بدوره لتجاوز صلاحيات المجلسين». ويعتقد أن البرلمان «يريد الانفراد بالتشريعات المنظمة للعملية الانتخابية لمعرفته برفض عدد من أعضاء الأعلى للدولة بنودها، خصوصاً المتعلق منها بالترشح لمنصب رئيس الدولة».

ويعد «الأعلى للدولة» بمثابة جسم تشريعي ثانٍ للبلاد، حيث إنه يشترط وفقاً لبنود الاتفاق السياسي (الصخيرات)، الموقَّع نهاية عام 2015، توافُقه مع البرلمان حول الدستور وكل القوانين المتعلقة بالعملية الانتخابية.

ورغم رؤيته بأن استمرار انقسام المجلس سيضعف من دوره السياسي، فإن النائب الأول لرئيس «الأعلى للدولة»، ناجي مختار، انتقد الجلسة التي ينوي تكالة الدعوة إليها لإعادة انتخاب المكتب الرئاسي له. وقال مختار لـ«الشرق الأوسط» إن جلسة انتخاب مكتب الرئاسة لا يُكْتفى فيها بالنصاب القانوني، بل تتطلب حضور غالبية أعضاء المجلس، والأمر يتطلب «توافقاً تاماً بين هؤلاء الأعضاء على طرح إعادة الانتخابات، بما يضمن تعزيز ومصداقية النتائج، وهذا غير متوفر».

وأضاف مختار موضحاً: «نحتاج للتوافق كأعضاء بالمجلس الأعلى للدولة حول آلية لحل النزاع الحالي، سواء أكان انتظار حكم القضاء أو إعادة الانتخابات»، مشيراً إلى أنه «لا ينبغي استمرار هذا الانقسام بدور مجلسنا، الذي يعد الواجهة السياسية للمنطقة الغربية».

وحذر مختار من أن استمرار انقسام المجلس «يعرقل تشكيل حكومة جديدة موحدة للبلاد لتضطلع بمهمة إجراء الانتخابات، وحسم الجدل حول الإطار القانوني المنظم للأخيرة».

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى هي «الوحدة الوطنية» المؤقتة، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة ومقرها طرابلس، والأخرى مكلفة من البرلمان، ويرأسها أسامة حماد، وتوجد في بنغازي.

وتوسط عضو «الأعلى للدولة»، عادل كرموس، الآراء السابقة، كاشفاً عن «جهود يقوم بها عدد كبير من أعضاء مجلسه لعقد جلسة، يترأسها أكبرهم سناً، ويجري خلالها الاستقرار على تحديد آلية لحل النزاع على رئاسته، ما بين خيار انتظار أحكام القضاء، أو إجراء جلسة جديدة للانتخاب المكتب الرئاسي».

وشكك كرموس في إمكانية أن تحظى الجلسة التي سيدعو تكالة لعقدها، بنصاب قانوني، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «المشري ومؤيديه عقدوا جلسة نهاية أغسطس الماضي لاختيار النائبين الأول والثاني، وكانت بحضور 77 عضواً وممثلاً عن البعثة. ومع ذلك لم يعترف مؤيدو تكالة بشرعيتها وما تمخض عنها من قرارات».

ووفقاً لأصوات سياسية، فإن ازدياد الحديث عن احتمال التوجه لإعادة الانتخاب لمكتب الرئاسة يعني تراجعاً في التمترس خلف المواقف المتنازعين على الرئاسة خصوصاً المشري.

وتوافق كرموس مع الآراء السابقة بأن انقسام مجلسه أدى لتقلُّص دوره لصالح آخرين، معتقداً أنه بسبب هذا الانقسام «أقدم المجلس الرئاسي على تجاوُز اختصاصات المجلسين، وهو ما ظهر في أزمة المصرف المركزي».