فرق الإنقاذ المغربية تواصل جهود الإغاثة رغم تضاؤل فرص العثور على ناجين

استمرار معاناة الناجين من الزلزال رغم زيادة المساعدات وفتح المسالك الجبلية

فرق الإنقاذ المغربية تواصل جهودها في بعض القرى التي دمرها الزلزال للعثور على ناجين (أ.ف.ب)
فرق الإنقاذ المغربية تواصل جهودها في بعض القرى التي دمرها الزلزال للعثور على ناجين (أ.ف.ب)
TT

فرق الإنقاذ المغربية تواصل جهود الإغاثة رغم تضاؤل فرص العثور على ناجين

فرق الإنقاذ المغربية تواصل جهودها في بعض القرى التي دمرها الزلزال للعثور على ناجين (أ.ف.ب)
فرق الإنقاذ المغربية تواصل جهودها في بعض القرى التي دمرها الزلزال للعثور على ناجين (أ.ف.ب)

واصلت فرق الإنقاذ المغربية جهودها المكثفة، اليوم (الأربعاء)، في بعض القرى التي دمرها الزلزال، وإن كانت آمال العثور على ناجين تتضاءل بعد خمسة أيام على الكارثة، التي خلفت قرابة ثلاثة آلاف قتيل. وفي موازاة ذلك، تتواصل جهود فتح وتوسعة مسالك جبلية لإيصال المساعدات للقرى النائية. وبلغ عدد ضحايا الزلزال 2901 قتيل على الأقل، إضافة إلى 5530 جريحا، وفق آخر حصيلة أعلنتها وزارة الداخلية الثلاثاء، مشيرة إلى أن معظمهم دفنوا. فيما أكدت أن السلطات «تواصل جهودها لإنقاذ وإجلاء الجرحى والتكفل بالمصابين من الضحايا... وفتح الطرق التي تضررت جراء الزلزال». ويستعين المغرب بفرق إنقاذ من بريطانيا وإسبانيا والإمارات وقطر، لكنها تواجه تضاريس وعرة، حيث ضرب الزلزال في عمق مناطق جبلية تضم قرى متناثرة ونائية، وسواها بالأرض، خصوصاً وأن أبنيتها في الغالب مبنية من الطين.

جانب من عمليات الإغاثة التي تقوم بها فرق الإنقاذ في منطقة أمزميز المتضررة من الزلزال (أ.ف.ب)

وقال مسؤول في وزارة التجهيز، اليوم (الأربعاء) لوكالة الصحافة الفرنسية، إن فرقا متخصصة تواصل العمل على فتح مسالك ثانوية ضيقة وسط الجبال، بهدف تأمين الوصول إلى قرى صغيرة. مؤكدا فتح «الطريق الرئيسية المؤدية لقرية إغيل، حيث مركز الزلزال، كما فتحت أيضا لقرية أغبار المجاورة». لكن في موازاة عمليات الإغاثة وفتح الطرق، تواجه السلطات تحدي إيواء الأسر التي فقدت بيوتها، حيث أقيمت عدة خيام قرب البيوت المهدمة، ووزعت القوات المسلحة أمس (الثلاثاء) خياما على السكان الذين فقدوا بيوتهم. لكن ذلك لم يوقف قلق الناجين واستمرار تساؤلاتهم حول مصيرهم، حيث يخشى بعضهم على الخصوص من هطول المطر بغزارة. وأقامت القوات المسلحة الملكية، التي تشارك في عمليات الإنقاذ منذ صباح السبت، مستشفيات ميدانية للتكفل بالجرحى، كما في قرية آسني بإقليم الحوز. ففي هذا الإقليم، سقط أكثر من نصف القتلى (1643). كما أقيم مستشفى مماثل في دائرة تفنغولت بإقليم تارودانت (جنوب مراكش)، ثاني أكثر إقليم تضررا.

أحد سكان بلدة دوزرو يتأمل أنقاض بيته الذي دمره الزلزال (رويترز)

وتمكن بعض القرويين المغاربة، الذين فقدوا كل شيء في زلزال الأسبوع الماضي، من الصمود وسط أنقاض منازلهم، اليوم (الأربعاء)، فيما لا تزال الطرق مغلقة بسبب الانهيارات الأرضية وندرة الإمدادات الأساسية مثل الخيام. ويقود الجيش المغربي جهود الإغاثة، بدعم من مجموعات وفرق إغاثة أرسلتها أربع دول أخرى، لكن التضاريس الوعرة والطرق المتضررة جعلت الاستجابة غير مكتملة، حيث كانت بعض القرى الأكثر تضررا هي آخر من يتلقى المساعدة. وقال مراسلو «رويترز» في مواقع مختلفة بالمنطقة إن هناك زيادة ملحوظة اليوم (الأربعاء) في عدد عناصر القوات المغربية والشرطة وعمال الإغاثة على الطرق القريبة من مركز الزلزال. لكن في الوقت ذاته لم تكن هناك مؤشرات على المساعدة الخارجية في بعض المواقع النائية. وفي قرية أوتاغري الصغيرة، التي سويت بالأرض بالكامل تقريبا وقُتل فيها أربعة أشخاص، أمضى ناجون مشردون خمس ليال منذ وقوع الزلزال نائمين في العراء ببهو مدرسة، وهو إحدى المساحات القليلة التي لم تغطها الأنقاض.

جانب من المساعدات الغذائية التي تم إرسالها للمتضررين في منطقة ثلاثاء نيعقوب (رويترز)

وقال سعيد حسين (27 عاماً)، الذي عاد إلى القرية من منزله في مراكش للمساعدة بعد الزلزال: «الأمر صعب حقا. والناجون يخشون الهزات الارتدادية ويكافحون من أجل التأقلم مع الوفيات والدمار... الناس هنا يتسمون بالصلابة بعض الشيء، ولا يمكنهم إظهار أنهم ضعفاء أو أن بمقدورهم البكاء، لكن في داخلك تريد فقط الذهاب إلى مكان ما والبكاء». المدرسة نفسها لا تزال قائمة، على الرغم من الشقوق والفجوات الضخمة التي شوهت الجدران الملونة، وجعلت المبنى غير آمن. وبات سكان القرية يستخدمون إحدى الغرف مكانا لتخزين زجاجات المياه والمواد الغذائية، التي تبرع بمعظمها مواطنون مغاربة. كما تلقت القرية شحنة من الخيام قدمتها الحكومة، لكنها لا تحمي من تسرب المياه، وهو ما يشكل قلقا بالغا في منطقة جبلية تكثر فيها الأمطار والثلوج. بدورها قالت نعيمة وازو، التي فقدت ثمانية من أقاربها بسبب الزلزال: «سيأتي الشتاء قريبا، وسيكون الوضع صعبا للغاية على الناس. كانت الحياة هنا صعبة حتى عندما كان الناس يعيشون في منازلهم. هنا تتساقط الثلوج... والخيام لن تحل المشكلة». وقررت نعيمة البقاء في منزلها المتضرر رغم الشقوق الكبيرة في جدرانه، لعدم وجود مكان آخر تذهب إليه. ولم يأت أحد لفحص المنزل أو تقييم خطر الانهيار.

جانب من الدمار الذي خلفه الزلزال في بلدة نتالا (أ.ب)

ولم يكن من الممكن الوصول برا إلى قرية أدوز الجبلية، الواقعة على منحدر شاهق، والتي تحول معظمها إلى أكوام من الأنقاض، وقد أقام القرويون مخيما بجوار نهر في الأسفل، واستخدموا الحمير لنقل الإمدادات إلى أعلى وأسفل الجبل. تقول فاطمة بلقاس، من سكان المنطقة: «الناس بحاجة إلى الضرورات الأساسية. يحصلون على الحليب على سبيل المثال، لكن يمكن أن يفسد بسرعة لأنه ليس لدينا مكان لتخزينه». مضيفة أنهم بحاجة إلى سلع مثل السكر والزيت، التي لا تفسد بسهولة، «نحن نفتقر إلى الطرق كما تعلمون، ولو كانت لدينا لكان من الممكن حل الكثير من المشاكل».



دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».