هل تحد الإجراءات المصرية الجديدة من أزمة الشاحنات على الحدود السودانية؟

تتضمن تسييرها بـ«التفويج»... وإنشاء مناطق خدمية ولوجيستية

طابور انتظار الشاحنات يمتد نحو 40 كيلومتراً (الشرق الأوسط)
طابور انتظار الشاحنات يمتد نحو 40 كيلومتراً (الشرق الأوسط)
TT

هل تحد الإجراءات المصرية الجديدة من أزمة الشاحنات على الحدود السودانية؟

طابور انتظار الشاحنات يمتد نحو 40 كيلومتراً (الشرق الأوسط)
طابور انتظار الشاحنات يمتد نحو 40 كيلومتراً (الشرق الأوسط)

تسعى السلطات المصرية للحد من أزمة تكدس شاحناتها على الحدود السودانية، حيث أعلنت اتخاذ عدد من الإجراءات، من بينها تنظيم وصول الشاحنات إلى المناطق الحدودية بنظام «التفويج» عبر تجميع الشاحنات في أسوان (جنوب مصر) للمتوجهين إلى معبر أرقين البري، وفي أبو سمبل للمتجهين إلى منفذ قسطل البري، مع تقديم أنواع الرعاية الصحية وخدمات الإعاشة والتغذية كافة لسائقي الشاحنات جميعاً.

وقالت وزارة النقل المصرية، في بيان لها (الأحد)، إنه «تم البدء في توسعة وتطوير المناطق اللوجيستية الحالية في كل من أسوان بمحطة (وادي كركر)، وأبو سمبل؛ لاستيعاب حركة الشاحنات المتزايدة ومنع تكدسها، وتكليف الهيئة العامة للطرق والكباري تنفيذ أعمال التوسعة والتطوير لهذه المناطق اللوجيستية».

شاحنات تنتظر دخول معبر أرقين البري (الشرق الأوسط)

وحمّلت وزارة النقل المصرية الجانب السوداني مسؤولية هذا التكدس، وقالت ضمن بيانها: «إن هذا التكدس يرجع إلى تباطؤ إجراءات تخليص الجمارك في معبرَي أرقين وقسطل من قبل الجانب السوداني، الذي يقوم بالعمل لفترة محدودة يومياً»، موضحة أن ذلك يأتي بالتزامن مع زيادة حجم الصادرات المصرية المتجهة إلى السودان، مما أدى إلى حدوث التكدس.

لكن هل تحد هذه الإجراءات من تكدس الشاحنات لمسافة تمتد نحو 40 كيلومتراً داخل الحدود المصرية قبالة معبرَي أرقين وقسطل البريين؟

يقول أيمن حلاوة، سائق شاحنة مصرية متوجهة إلى السودان لـ«الشرق الأوسط»: «ستقلل هذه الإجراءات بلا شك معاناة السائقين على الحدود، إذا تم تطبيقها بشكل دقيق، فبينما يلتزم سائقون بهذه الإجراءات ويتوقفون في محطة (وادي كركر) لتنفيذ خطة التفويج، حاول آخرون الالتفاف على هذا القرار عبر الوصول إلى طريق معبر أرقين بالالتفاف من خلف المحطة المركزية».

واقترح حلاوة «إعطاء إيصال مدون به رقم تسلسلي للشاحنات المتوقفة في (وادي كركر) قبل المغادرة إلى معبر أرقين الذي يبعد عن أسوان بنحو 350 كيلومتراً جنوباً، وتكرار الأمر ذاته في محطة أبو سمبل، بحيث لا يُسمَح بدخول المعبر أو الجمارك إلا لسائقي الشاحنات الذين يحمل إيصالات بأرقام تسلسلية، مع عدم السماح بدخول السيارات (الفرداني) من دون مقطورة، أو (نصف النقل) من دون هذا الإيصال».

محاولة للتخفيف من معاناة سائقي الشاحنات

بينما عدّ محمد الحِص سائق شاحنة هذه الحلول «مؤقتةً» وليست جذرية، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «إن وجبات جمعية الهلال الأحمر المصري غير كافية لسد رمق السائقين»، وقال إن «إمداد السائقين بالمياه والثلج وتوفير سلع بأثمان مخفضة من الحلول الضرورية، مع توفير مراكز خدمات لوجيستية داخل مصر، ومخاطبة السلطات السودانية بتوفير خدمات لسائقي الشاحنات المصرية داخل الحظيرة الجمركية السودانية».

وتسببت تداعيات الحرب السودانية في زيادة أوجاع سائقي الشاحنات المصرية بالمنافذ الحدودية بين مصر والسودان، حيث تتراص عشرات الشاحنات المصرية المحملة بالمواد الغذائية راهناً في طابور طويل قدّره سائقون بنحو 40 كيلومتراً داخل الأراضي المصرية، بالإضافة إلى وجود مئات الشاحنات الأخرى داخل الحظائر الجمركية السودانية.

وفي استجابة لاستغاثات السائقين المصريين العالقين داخل السودان، أفادت مصادر مطلعة بأن مسؤولين في السفارة المصرية عقدوا اجتماعاً (الأحد) مع ممثلين لسائقي الشاحنات المصرية بالحظيرة السودانية، ومسؤولي الجمرك السوداني، وتم تحرير محاضر رسمية في القنصلية المصرية والنيابة العامة في مدينة حلفا السودانية ضد التجار السودانيين لعدم تسلم بضائعهم.

«الهلال الأحمر المصري» يوزع مساعدات على سائقي الشاحنات (وزارة النقل المصرية)

وأكد الحِص وجود نحو 2500 شاحنة راهناً بالحظيرة الجمركية بمنفذ وادي حلفا البري، ونحو ألف شاحنة بالحظيرة الجمركية السودانية بمنفذ أرقين.

ويضيف الحص أنه ورفاقه يلجأون إلى أسفل الشاحنات للاحتماء من أشعة الشمس الحارقة خلال ساعات النهار.

كما أكد أنباء وفاة 17 سائقاً مصرياً على الحدود السودانية أخيراً، بسبب تأثيرات درجات الحرارة المرتفعة، التي لا يتحملها أصحاب المرضى المزمنة من السائقين، ونقص الأدوية والأغذية، وبشكل خاص في الجانب السوداني.

وحمّل سائقون مصريون، من بينهم أحمد جمعة، التجار السودانيين، جزءاً كبيراً من معاناة السائقين المصريين، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يتأخرون في تسلم بضائعهم بداعي عدم توافر سيولة نقدية لدفع ثمن البضاعة، أو عدم القدرة على توفير شاحنات تنقل البضاعة إلى داخل مدن الخرطوم، هذا بالإضافة إلى أن بعضهم يتعامل مع الشاحنات المصرية على أنها مخازن متنقلة»، إذ يرى أن غرامة التأخير، التي تقدّر بألف جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل نحو 31 جنيهاً مصرياً)، عن كل يوم، أقل من تأجير مخزن بحلفا أو أرقين.

وارتفع معدل التبادل التجاري بين مصر والسودان، العام الماضي، إلى نحو 1.5 مليار دولار، بعدما سجّل نحو 900 مليون دولار في عام 2021، وفق أرقام رسمية مصرية.

وتُصدّر مصر للسودان، مواد البناء والتشييد بمختلف أشكالها، وأجهزة كهربائية، وكيماويات، ودهانات، وأغذية مُصنعة، بينما تُشكّل اللحوم الهيكل الأساسي لواردات مصر من السودان، إضافة إلى بعض المنتجات الزراعية والمواد الزيتية.

ويقدر سائقون مصريون مدة شحن البضائع من مصر إلى السودان عبر السيارات (التريلا) بنحو 4 أشهر، بواقع شهرين داخل الحدود المصرية ومثلهما داخل الحظيرة السودانية، وبحسب محمد حسين، (53 سنة)، سائق تريلا محملة بالدقيق، فإنه ينتظر داخل الحظيرة السودانية منذ 50 يوماً، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا أستطيع العودة إلى مصر من دون تفريغ حمولتي وتسليمها للمتعهد السوداني»، موضحاً أن «الحظيرة السودانية تعاني بشدة من نقص الخدمات، وارتفاع أسعار المأكولات والمشروبات».

توزيع وجبات خفيفة على السائقين (وزارة النقل المصرية)

ووفق الحِص فقد بلغ عدد السائقين المتوفين بالحدود السودانية نحو 17 حالة، من بينها 3 حالات داخل الحدود المصرية قبالة معبر أرقين الحدودي، وتم تسليم جثامينهم إلى ذويهم بالمحافظات المختلفة عبر مستشفى أبو سمبل (جنوب مصر)، بينما تم دفن اثنين من السائقين المتوفين أخيراً في الصحراء السودانية بعد تحلل جثمانيهما، وهما كمال أبو رية من القاهرة، وأحمد عبد الجليل، من قرية كفر سليم شلقان، التابعة للقناطر الخيرية في القليوبية (دلتا مصر).


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

شمال افريقيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيل إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد تسعة عشر شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» في العاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

صحيفة سودانية: «الدعم السريع» تشكل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم

أفادت صحيفة «سودان تريبيون»، اليوم (الجمعة)، بأن «قوات الدعم السريع» أعلنت تشكيل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)

وزير خارجية فرنسا: الأزمة الإنسانية في السودان الأكبر في زمننا

وزير الخارجية الفرنسي: «الأزمة الإنسانية في السودان تعد الأكبر في زمننا، والتدخلات الخارجية في الحرب الدائرة يجب أن تتوقف».

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)

أفورقي يبلغ البرهان بوقوف بلاده مع استقرار ووحدة السودان

أعلن الرئيس الإريتري آسياس أفورقي وقوف بلاده مع السودان لتحقيق الأمن والاستقرار في أعقاب مباحثات أجراها في أسمرة مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا عقار وفليتشر خلال لقائهما في الخرطوم أمس (إكس)

ترحيب أممي بإنشاء مراكز إنسانية في 3 مطارات سودانية

رحب المسؤول الأممي توم فليتشر الثلاثاء بإعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بالسماح لمنظمات الأمم المتحدة بإنشاء مراكز إنسانية في 3 مطارات بالبلاد

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)

قال محامون في الجزائر إن المحكمة العليا قبلت طعناً بالنقض في قضية أثارت جدلاً كبيراً العام الماضي، تمثلت في إصدار محكمة الجنايات بالعاصمة حكماً بإعدام 38 شخصاً، بتهمة «إشعال النار في منطقة القبائل، بناءً على توجيهات من تنظيم إرهابي»، يُسمى «حركة الحكم الذاتي في القبائل».

صورة لنيران منطقة القبائل صيف 2021 (الشرق الأوسط)

وأكد المحامي والحقوقي الشهير، مصطفى بوشاشي، الذي ترافع لصالح بعض المتهمين، لصحافيين، أن أعلى غرفة الجنايات بأعلى هيئة في القضاء المدني نقضت، مساء أمس الخميس، الأحكام التي صدرت فيما بات يعرف بـ«قضية الأربعاء ناث إراثن»، وهي قرية ناطقة بالأمازيغية (110 كيلومترات شرق)، شهدت في صيف 2021 حرائق مستعرة مدمرة، خلفت قتلى وجرحى، وإتلافاً للمحاصيل الزراعية ومساحات غابات كبيرة، وعقارات ومبانٍ على غرار قرى أخرى مجاورة.

مبنى المحكمة العليا بأعالي العاصمة الجزائرية (الشرق الأوسط)

غير أن الحرائق ليست أخطر ما حدث يومها في نظر القضاء، فعندما كان سكان القرية يواجهون النيران بوسائلهم الخاصة البسيطة، تناهى إليهم أن شخصاً بصدد إضرام النار في بلدتهم عمداً، وفعلاً ألقت الشرطة بهذه الشبهة على ثلاثيني من منطقة بوسط البلاد، يُدعى جمال بن سماعين، فتوجهوا وهم في قمة الغضب إلى مقر الأمن، وكان الشاب في تلك الأثناء داخل سيارة الشرطة فأخرجوه منها، غير عابئين بالعيارات النارية، التي أطلقها رجال شرطة لثنيهم عن قتله، وأخذوه إلى الساحة العامة، فنكّلوا به وأحرقوا جثته، بينما كان يتوسل إليهم أن يخلوا سبيله، وبأنه حضر إلى القرية للمساعدة وليس لإشعال النار.

وجرى تصوير مشاهد التنكيل المروعة بكاميرات الهواتف النقالة، واعتقل الأمن لاحقاً كل الذين ظهروا في الصور.

جمال بن سماعين قُتل على أيدي سكان قرية التهمتها النيران (متداولة)

على أثر ذلك، طالبت قطاعات واسعة في المجتمع بـ«القصاص»، ورفع التجميد عن عقوبة الإعدام، التي تصدرها المحاكم دون أن تنفذ، وذلك منذ تطبيقه بحق 3 إسلاميين عام 1993، بتهمة تفجير مطار العاصمة صيف 1992 (42 قتيلاً). لكن أثبت التحقيق بأن بن سماعين لا يد له في الأحداث المأساوية.

وبثّ الأمن الجزائري «اعترافات» لعدد كبير من المعتقلين بعد الأحداث، أكدوا كلهم أنهم وراء النيران المستعرة، وبأنهم ارتكبوا الجريمة بأوامر من رئيس تنظيم «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، المعروف اختصاراً بـ«ماك»، فرحات مهني، الذي يتحدر من المنطقة، ويقيم منذ سنوات طويلة بفرنسا بصفته لاجئاً سياسياً.

فرحات مهني المتهم بإشعال النار في منطقة القبائل (الشرق الأوسط)

وقال محامو المتهمين بعد تداول هذه «الاعترافات» إن القضاء «يبحث عن مسوّغ لإنزال عقوبة ثقيلة في حقهم»، وهو ما حدث بالفعل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بإدانتهم بالإعدام. علماً بأن التهم وجهت لمائة شخص في هذه القضية، وحُكم على بعضهم بالسجن بين عام و5 سنوات مع التنفيذ، في حين نال آخرون البراءة.

وتمثلت التهم أساساً في «نشر الرعب في أوساط السكان بإشعال النيران»، و«الانتماء إلى منظمة إرهابية» تُدعى «ماك»، و«قتل شخص عن سبق إصرار والتنكيل بجثته»، و«القيام بأفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب في أوساط السكان، وخلق جو انعدام الأمن»، وتم تثبيت الأحكام بعد استئنافها.

أما فرحات مهني فكذّب، في فيديو نشره بالإعلام الاجتماعي، التهمة المنسوبة إليه، وطالب بفتح تحقيق مستقل في الأحداث «من طرف جهة أجنبية».

وفي نظر عدد كبير من المحامين على صلة بهذا الملف، فإن القضاء يبحث من خلال نقض الأحكام عن «إصلاح أخطاء تسبب فيها بإصدار قرارات متسرعة»، وبأن القضاة «كانوا تحت ضغط رأي عام طالب بالقصاص». ووفق ما ينص عليه القانون، ستعاد محاكمة المتهمين في محكمة الجنايات بتشكيل قضاة غير الذين أدانوهم في المرة السابقة.