بين الجيش و«الدعم السريع»... إقليم دارفور السوداني إلى أين؟

مخاوف من تطور القتال إلى حرب أهلية

سودانيون فروا من القتال بدارفور في منطقة حدودية بين السودان وتشاد (أ.ف.ب)
سودانيون فروا من القتال بدارفور في منطقة حدودية بين السودان وتشاد (أ.ف.ب)
TT
20

بين الجيش و«الدعم السريع»... إقليم دارفور السوداني إلى أين؟

سودانيون فروا من القتال بدارفور في منطقة حدودية بين السودان وتشاد (أ.ف.ب)
سودانيون فروا من القتال بدارفور في منطقة حدودية بين السودان وتشاد (أ.ف.ب)

تواصل القتال في مدينة نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، طوال الأيام العشرين الماضية، وتشهد المدينة الوادعة والجميلة هجمات مكثفة دأبت قوات «الدعم السريع» على شنها على مقر «الفرقة 16» التابعة للجيش السوداني، والتي ردت بسيل من القذائف، ما أدى إلى مقتل عشرات من المواطنين المدنيين وإصابة المئات، وحركة نزوح إلى خارج المدينة التجارية الشهيرة.

وتسود المدينة مخاوف من تحول القتال الجاري في الإقليم إلى حرب أهلية تعيد سيرة حرب السنوات العشرين الماضية وتهدد وحدة البلاد برمتها.

وما يحدث في نيالا ليس مقتصراً عليها. فقد شهدت مدينة الجنينة، حاضرة ولاية غرب دارفور، عمليات عنف وقتال منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، لكن الأوضاع تصاعدت في أواخر مايو (أيار)، وتحولت إلى قتال أهلي بين إثنية «مساليت» ومجموعة القبائل العربية، قتل جراءه المئات ولجأ الآلاف إلى بلدة أدري التشادية القريبة من المدينة المنكوبة، وامتلأت البلدة الوادعة بالدماء ورائحة الجثث والحرائق في كل مكان، وتناقل نشطاء وقتها هاشتاغ «الجنينة تنزف».

ولم تقتصر الخسائر في الجنينة على الضحايا البسطاء؛ إذ قتل حاكم الولاية، خميس عبد الله أبكر، وهو أعلى مسؤول حكومي يروح ضحية لحرب الجنرالين، واتُّهمت قوات «الدعم السريع» باغتياله، كما قتل شقيق سلطان «دار مساليت»، الأمير طارق عبد الرحمن بحر الدين، في يونيو (حزيران) الماضي، واضطر السلطان سعد بحر الدين بنفسه للجوء إلى تشاد. وتعد سلطنة مساليت من أكبر السلطنات في دارفور، ولعبت أدواراً تاريخية مهمة في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وحال مؤسسها بحر الدين دون استيلاء الفرنسيين على دارفور، وهزم القوات الفرنسية في معركة «كرديندق» ومعركة «دروتي» التي قتل فيها السلطان نفسه.

ثم انتقلت معارك الحرب الأخيرة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» إلى زالنجي، حاضرة ولاية وسط دارفور، وراح ضحيتها العشرات أيضاً، وظلت المدينة محاصرة من قبل قوات «الدعم السريع» منذ يونيو، إلى أن أعلن الجيش الأسبوع الثاني من الشهر الحالي عن فك الحصار المفروض على المدينة ومحيط «الفرقة 21» التابعة للجيش، المرابضة هناك، فيما تقول تقارير إن قوات «الدعم السريع» لا تزال تسيطر على أجزاء كبيرة من المدينة.

دارفور منطقة منكوبة

ولم تسلم مدينة كتم في ولاية شمال دارفور (نحو 40 كيلومتراً شمال العاصمة الفاشر) هي الأخرى من العمليات القتالية. وقال وقتها حاكم الإقليم، مني أركو مناوي، إن الإقليم أصبح منطقة منكوبة مع استمرار عمليات النهب والقتل في معظم مدنه. ولا تعرف الأعداد الفعلية للقتلى والمتضررين في الإقليم، بيد أن تقديرات تقريبية أشارت إلى أن عدد القتلى يقارب نصف عدد القتلى في الخرطوم، المقدر بنحو أربعة آلاف، وهي تقديرات أولية لا تشمل أعداداً لم تشملها الإحصاءات بسبب شلل النظام الصحي في الخرطوم وولايات دارفور.

ومنذ أكثر من 20 يوماً، يتواصل القتال في مدينة نيالا التي تسيطر «الدعم السريع» على غربها، وتدور معارك عنيفة بينها وبين قوات الجيش للسيطرة على «الفرقة 16» التابعة له، والمتمركزة في شرق المدينة. وقال مصدر تحدث إلى «الشرق الأوسط» إن «الدعم السريع» طلبت من ضباط الفرقة تسليمها، لكنهم رفضوا بحسم.

ويُرجع المصدر إصرار «الدعم السريع» على الاستيلاء على «الفرقة 16» إلى رغبتها في السيطرة على مطار نيالا القريب من مقرها، لاستخدامه منصة إمداد جوي، تضاف إلى المناطق التي سيطرت عليها قرب الحدود مع أفريقيا الوسطى، مثل أم دخن وأم دافوق وسنقو والردوم، لتوفر لها سلسلة إمداد مستمرة.

وكان القتال قد توقف بعد توقيع اتفاقية جوبا لسلام السودان في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 بين الجيش السوداني والحركات المتمردة التي شاركت في الحكومة الانتقالية، وحصل قائد «حركة تحرير السودان»، مني أركو مناوي، على منصب حاكم إقليم دارفور، فيما حصل قائد «حركة العدل والمساواة» جبريل إبراهيم على منصب وزير المالية الاتحادي، إضافة إلى دخول عضوين في مجلس السيادة، وعدد من المناصب الأخرى في الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية.

سودانيون فروا من القتال بدارفور في منطقة حدودية بين السودان وتشاد (أ.ف.ب)
سودانيون فروا من القتال بدارفور في منطقة حدودية بين السودان وتشاد (أ.ف.ب)

وعند اندلاع القتال بين الجيش و«الدعم السريع» في 15 أبريل الماضي، اختارت الحركات المسلحة الرئيسية: «تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، و«العدل والمساواة» بقيادة جبريل إبراهيم، الحياد، بينما دعت حركة «تجمع قوى تحرير السودان» بقيادة عضو مجلس السيادة الهادي حجر، ورئيس «الجبهة الثورية» عضو مجلس السيادة الهادي إدريس، إلى وقف الحرب، وأعلنوا موقفهم المساند للقوى المدنية الموقعة على الاتفاقية الإطارية بين الجيش والمدنيين.

وقال مصدر تحدث لـ«الشرق الأوسط»، طالباً عدم كشف اسمه، إن القتال يدور في ولايات غرب دارفور وجنوب دارفور ووسط دارفور، ولم يشمل ولايات شمال دارفور وشرق دارفور. وأرجع المصدر ذلك إلى أن قوات الحركات المسلحة تتركز في الفاشر (شمال دارفور)، ولا تريد قوات «الدعم السريع» الدخول معها في معارك قد تضطرها للتخلي عن الحياد والانحياز للجيش، فيما توصلت القيادات الأهلية وقيادات الجيش و«الدعم السريع» إلى اتفاق يقضي بعدم الدخول في مواجهة بين القوتين في شرق دارفور، وانتظار ما تسفر عنه المعارك في الخرطوم.

مخاوف من مجازر جديدة

ويخشى على نطاق واسع من أن يؤدي تصاعد القتال إلى تفجير الوضع في الإقليم المضطرب، وتحوله إلى صراع أهلي يعيد للأذهان سيرة حرب «الجنجويد» والقبائل الفوراوية، وتكرار تجربة الحرب الأهلية الطاحنة التي خلفت مئات الآلاف من القتلى. بيد أن حركات سلام جوبا لا تزال تلتزم الحياد.

واندلع النزاع في دارفور في أبريل 2003، بعد أن تمردت مجموعتان دارفوريتان ضد الحكومة المدعومة بميليشيا «الجنجويد» سيئة الصيت، وقتل خلالها نحو 300 ألف، وجرى تشريد الملايين، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.

و«الجنجويد» هي قوات أهلية أخذ اسمها من عبارة «جن راكب جواد ويحمل بندقية جيم 3»، ومنهم تحدرت قوات «الدعم السريع» الحالية.

وعادة ما تبدأ الحروب في دارفور مع القوات الحكومية، تحت ذريعة تمرد مجموعات محددة، لكنه سرعان ما يتطور الأمر إلى قتال وحرب أهلية، لا سيما أن حكومة الإسلاميين بقيادة الرئيس السابق عمر البشير اختارت مجموعة القبائل العربية كحليف لها ضد المجموعة الأفريقية، ووظفت الصراع التاريخي حول الموارد بين المجموعتين لإشعال الحرب واستمرارها.

ووقعت الأطراف الدارفورية عدة اتفاقات سلام، لكن آثار التوتر لا تزال قائمة وكامنة مثل جمر تحت الرماد، ويخشى تفجرها في أي لحظة.

وزاد الطين بلة اندلاع القتال بين الجيش و«الدعم السريع»، ما يهدد بدخول الإقليم حرباً أهلية لا تبقي ولا تذر، لا سيما أن المجموعة العربية أعلنت دعمها لقوات «الدعم السريع»، بينما تشير التحليلات إلى قرب المجموعات الأفريقية من الجيش، وإن لم تعلن موقفها صراحة.


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تسيطر على مدينة استراتيجية في غرب السودان

شمال افريقيا الأضرار التي لحقت بالقصر الجمهوري في الخرطوم  جراء المعارك (أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تسيطر على مدينة استراتيجية في غرب السودان

أعلنت «قوات الدعم السريع»، الخميس، سيطرتها على مدينة النهود في ولاية غرب كردفان، بعد معارك عنيفة مع الجيش السوداني والقوات الموالية له.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري ونظيره السوداني الجديد (الخارجية المصرية)

مصر تجدد دعمها الكامل لاستقرار السودان ووحدته

جددت مصر دعمها استقرار السودان ووحدته، وأكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، حرص بلاده على التفاعل مع الجهود الإقليمية والدولية الهادفة لإنهاء معاناة الشعب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا شاحنات محملة بمساعدات غذائية من برنامج الغذاء العالمي تصل إلى طويلة في شمال دارفور بالسودان في 27 أبريل 2025 (رويترز)

«الدعم السريع» تقصف القصر الجمهوري في الخرطوم بمدفعية بعيدة المدى

استهدفت «قوات الدعم السريع»، الخميس، القصر الجمهوري في وسط العاصمة السودانية الخرطوم بقصف مدفعي بعيد المدى، وفق مصدر عسكري.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
العالم العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصف الوضع في دارفور بـ«الكارثي» (رويترز)

165 قتيلاً على الأقل بهجمات لـ«الدعم السريع» في دارفور خلال 10 أيام

قتل 165 مدنياً على الأقل في هجمات شنّتها «قوات الدعم السريع» في الأيام العشرة الأخيرة على مدينة الفاشر التي تحاصرها في إقليم دارفور غرب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بورت سودان)
شمال افريقيا صورة تداولها سودانيون عبر المنصات رداً على البرهان

البرهان يثير غضب «ثوار السودان»

أثار تمسك القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، بالبندقية والقتال (ضد «قوات الدعم السريع») وإعلانه انتهاء عملية التغيير السلمي، موجة غضب عارمة.

أحمد يونس (كمبالا)

موريتانيا تعلن تفكيك عشرات الشبكات الإجرامية لتهريب المهاجرين

خفر السواحل الموريتاني خلال نقل ناجين من غرق قارب نحو شواطئ نواكشوط (متداولة)
خفر السواحل الموريتاني خلال نقل ناجين من غرق قارب نحو شواطئ نواكشوط (متداولة)
TT
20

موريتانيا تعلن تفكيك عشرات الشبكات الإجرامية لتهريب المهاجرين

خفر السواحل الموريتاني خلال نقل ناجين من غرق قارب نحو شواطئ نواكشوط (متداولة)
خفر السواحل الموريتاني خلال نقل ناجين من غرق قارب نحو شواطئ نواكشوط (متداولة)

أعلنت موريتانيا أنها فككت عشرات الشبكات العالمية لتهريب المهاجرين غير النظاميين على أراضيها، موضحة أن العام الحالي سيكون أكثر فتكاً بالمهاجرين الساعين للإبحار نحو القارة الأوروبية عبر السواحل الموريتانية. وقال وزير الداخلية الموريتاني، محمد أحمد ولد محمد الأمين، في ردوده، الجمعة، على نواب البرلمان حول ترحيل موريتانيا آلاف المهاجرين الأفارقة، إن سلطات بلاده قامت منذ مطلع 2025 بتفكيك 88 شبكة تهريب، وتوقيف 80 متهماً في العاصمة نواكشوط، و39 في مدينة نواذيبو، المتاخمة لأرخبيل الكناري في إسبانيا، وهم من جنسيات مختلفة، منها أفريقيا الوسطى وموريتانيا، والسنغال وغينيا ومالي، وبنغلاديش وساحل العاج. موضحاً أن هذا «يثبت أن ما يحدث يتجاوز الهجرة الفردية إلى نشاط منظم عابر للحدود».

كما حذر الوزير الموريتاني من أن «عام 2025 سيكون أكثر فتكاً بالمهاجرين غير الشرعيين، إذا لم تكثف الحكومة جهودها ضد شبكات التهريب، وتتخذ الإجراءات الحازمة للحد من هذه المأساة».

في سياق ذلك، أكد وزير الداخلية في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الألمانية، الجمعة، أن العديد من الضحايا عُثر على جثثهم وقد قذف بها البحر في سواحل البلاد. موضحاً أن بلاده قامت بتسوية أوضاع أكثر من 136 ألف أجنبي مجاناً خلال أكبر عملية تقوم بها موريتانيا لتسوية أوضاع الأجانب والمهاجرين القانونيين، لكن الوزير قال إن الكثيرين «لم يستجيبوا للعملية لأسباب مشبوهة». موضحاً أن التحريات أثبتت مؤخراً تزايداً غير مسبوق لأعداد المهاجرين غير النظاميين، الذين دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية، ومن دون تأشيرات وعبر منافذ حدودية غير رسمية، ومن دون بطاقات إقامة أو بطاقة لاجئ.

وتواصل السلطات الموريتانية منذ مارس (آذار) الماضي حملة توقيفات واسعة، وترحيل قسري لمهاجرين أفارقة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، من مالي والسنغال وغامبيا وساحل العاج، تقول إنهم في وضع غير قانوني، ضمن خطة أشمل لمحاربة الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، بعد توقيع اتفاق موريتاني - أوروبي - إسباني لمحاربة تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا.