مصر: الجدل حول طائرة «الدولارات والذهب» يتخذ منحى سياسياً

في ظل غياب بيانات رسمية

قوات الأمن في زامبيا تتحفظ على الطائرة في مطار كينيث كاوندا (صفحة وزارة الداخلية الزامبية بفيسبوك)
قوات الأمن في زامبيا تتحفظ على الطائرة في مطار كينيث كاوندا (صفحة وزارة الداخلية الزامبية بفيسبوك)
TT

مصر: الجدل حول طائرة «الدولارات والذهب» يتخذ منحى سياسياً

قوات الأمن في زامبيا تتحفظ على الطائرة في مطار كينيث كاوندا (صفحة وزارة الداخلية الزامبية بفيسبوك)
قوات الأمن في زامبيا تتحفظ على الطائرة في مطار كينيث كاوندا (صفحة وزارة الداخلية الزامبية بفيسبوك)

لا تزال «طائرة زامبيا» التي أعلنت السلطات الزامبية العثور داخلها على «مبالغ مالية (دولارات)، وكميات من الذهب» تلقى تفاعلاً متنامياً من رواد منصات التواصل الاجتماعي في مصر، التي كانت المحطة الأخيرة في رحلة الطائرة قبل توجهها إلى زامبيا حيث ضُبطت.

و«لم يصدر أي تعليق رسمي في مصر حول الواقعة»؛ إلا أن «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية في مصر، نقلت عن مصدر مطلع قوله (الأربعاء) إن «الطائرة الخاصة التي أعلنت زامبيا احتجازها (ليست مصرية)، وخضعت للتفتيش وقواعد الأمن كافة التي يتم تطبيقها خلال مرورها بمطار القاهرة».

في غضون ذلك، ازدادت وتيرة الاهتمام بتفاصيل الواقعة، ونُشرت آلاف التدوينات والتعليقات والمقاطع المصورة في هذا الشأن، وسط محاولات لـ«(تسييس) الواقعة، واتخاذها وسيلة لـ(التشكيك من قبل البعض في أداء السلطات المصرية)»، بينما تحدث آخرون عن وجود «استهداف لمصر بشأن الواقعة».

وكانت السلطات الزامبية قد أعلنت، الثلاثاء الماضي، مصادرتها محتويات طائرة خاصة وصلت إلى مطار «كينيث كاوندا الدولي»، مساء الأحد، قادمة من مطار القاهرة، وعلى متنها نحو 5.7 مليون دولار نقداً، و127 كيلوغراماً من سبائك معدنية يُشتبه في كونها ذهبا، وذلك قبل أن تعلن السلطات لاحقاً أنها تتكون من معادن النحاس والزنك والقصدير والنيكل بنسب متفاوتة، كما ضُبطت 5 مسدسات و7 خزن ذخائر، و126 طلقة.

وتداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي في مصر، الكثير من الأسماء التي يُعتقد أنها لشخصيات مصرية كانت على متن «الطائرة المضبوطة»، ورغم أن معظم تلك التدوينات «لم تستند إلى مصادر موثقة»، إلا أن بعضها اعتمد على ما أوردته مواقع إخبارية نقلاً عن مكتب محاماة زامبي «طالب بإخلاء سبيل 5 مصريين قيل إنهم كانوا على متن الطائرة المُتحفظ عليها».

ووفق تقارير إعلامية زامبية، فقد طالب مكتب المحاماة إخلاء سبيل المصريين لـ«عدم توجيه اتهامات لهم من قِبل سلطات بلاده حتى الآن، أو عرضهم على المحكمة، كما دفع بعدم قانونية بعض إجراءات (لجنة مكافحة المخدرات) في زامبيا».

ويمثل مكتب المحاماة 5 مصريين من أصل 6 كانوا على متن الطائرة، بينما لا تزال هوية المصري السادس غير معلومة. وأوضح المكتب أن الخمسة الذي طالب بالإفراج عنهم «ليسوا من أفراد طاقم الطائرة».

وكانت سلطات زامبيا قد أطلعت وسائل الإعلام (الخميس) على طائرتين محتجزتين في مطار كينيث كاوندا الدولي. وأظهرت مقاطع فيديو مدير هيئة مكافحة المخدرات، ناسون باندا، بصحبة عدد من المسؤولين الآخرين، وهم يتوجهون مع الصحافيين إلى الطائرتين، ومنها الطائرة التي كانت تحمل «الشحنة الغامضة» إلى الآن. وقالت وسائل إعلام محلية في زامبيا إن الطيار الذي احتجزته هيئة مكافحة المخدرات هناك، على خلفية التحقيقات في قضية الطائرة القادمة من مصر «قد اختفى». ووفق موقع «زامبيان أوبزرفر»، فإن هذا الطيار «لديه معلومات حيوية يمكن أن تسهم في كشف ملابسات القضية، خصوصاً أنه يستطيع تحديد هوية الشخص الذي قام بحجز رحلة الطيران المحلية، التي كان من المقرر أن تنقل الذهب والدولارات».

واتخذ الاهتمام بالقضية على منصات التواصل الاجتماعي في مصر أبعاداً أكبر من كونها قضية جنائية، إذ سعى مدونون وصفحات وحسابات معروفة بمواقفها من السلطات المصرية إلى تحويل ضبط الطائرة في زامبيا إلى «قضية سياسية»، وذلك عبر محاولة الإشارة إلى «تورط شخصيات مصرية أو اتهام السلطات بالتقصير في إجراءات التفتيش والرقابة على الطائرة». وطالب أحد الصحافيين المصريين عبر «فيسبوك» بتقديم «معلومات وتفسيرات قانونية لتوضيح كيفية تحرك الطائرة وعلى متنها المضبوطات التي أشارت إليها السلطات في زامبيا»، إضافة إلى «الإفصاح عن صاحب الشحنة واتخاذ الإجراءات القانونية بحقه».

وبينما اتخذت الانتقادات منحى ساخراً في بعض الأحيان، دفعت حسابات وصفحات داعمة للسلطات المصرية بـ«نظرية المؤامرة» للإشارة إلى أن قضية الطائرة «لم تكن عشوائية»؛ بل كانت «محاولة ممنهجة للهجوم على شخصيات مصرية»، بل ذهب بعض المدونين إلى أن تلك القضية تمثل «محاولة لهز الثقة الأفريقية في مصر بعد النجاحات التي تحققت خلال الآونة الأخيرة في بناء علاقات وطيدة مع دول القارة».

واستقطب هذا الاتجاه كُتابّاً وصحافيين مصريين، أكدوا أن القضية «حملة ممنهجة ضد مصر».

وأشار البرلماني المصري، مصطفى بكري، عبر صفحته على موقع التواصل «إكس» إلى أنه «خلال فترة وجيزة سوف نكشف الحملة التي تستهدف مصر، وهي حملة ممنهجة تزداد وتيرتها مع اقتراب انتخابات الرئاسة المصرية». ويراهن بكري على «وعي الشعب المصري»، قائلاً: «يعرف حقيقة أهدافكم التي لا تخفى على أحد (في إشارة لعناصر تنظيم «الإخوان»)». وتابع: «لقد فقدتم مصداقيتكم منذ فترة طويلة، والأكاذيب التي ترددونها هي أكبر دليل على ضعف مواقفكم ومقولاتكم».

وبدا لافتاً كذلك دخول شخصيات ذات خلفية أمنية على خط المناقشات المحتدمة على منصات التواصل الاجتماعي في مصر بشأن القضية، إذ علق وكيل جهاز مباحث أمن الدولة السابق في مصر، اللواء خيرت شكري، على السجال الدائر بشأن الطائرة وعلاقتها بمصر، بأن رمز تسجيل الطائرة المضبوطة «يختلف عن رمز التميز للسفن التجارية والطائرات المصرية التي تبدأ بالحروف SU»، لافتاً في منشور على صفحته الشخصية بموقع «فيسبوك» إلى أن الطائرة «ليست مصرية ولا علاقة لها بأي مؤسسة مصرية، ودور مصر لا يتعدى نزول الطائرة (ترانزيت) بمطار القاهرة الدولي».



مقتل عشرات المدنيين بغارات للجيش السوداني في دارفور

دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
TT

مقتل عشرات المدنيين بغارات للجيش السوداني في دارفور

دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)

لقي أكثر من 60 شخصاً مصرعهم، وأُصيب أكثر من 250 مدنياً، جرّاء قصف الطيران الحربي السوداني لمنطقة الكومة بولاية شمال دارفور، في عملية وصفها مراقبون بأنها «أكبر المجازر» ضد المدنيين، ارتكبها الطيران المقاتل التابع الجيش السوداني منذ بدء الحرب. وفي غضون ذلك لقي العشرات مصرعهم في غارات جوية أخرى استهدفت مناطق مليط وود أبو صالح شمال ولاية شمال دارفور، وأم ضوا بان بالخرطوم، وسط مطالبات بفرض حظر على الطيران العسكري التابع للجيش السوداني.

وقال شهود تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» هاتفياً من مليط، إن الطيران الحربي، التابع للجيش السوداني، استهدف سوق منطقة الكومة صبيحة الجمعة، وألقى عدداً من «البراميل المتفجرة»؛ مما أدى إلى إحراق السوق بشكل واسع، وقُتل جرّاء الغارة الجوية أكثر من 60 شخصاً، وجُرح أكثر من 250 مدنياً، جراح بعضهم خطيرة؛ إذ كانوا يرتادون «سوق الجمعة»، في حين ينتظر أن يتزايد عدد القتلى تباعاً بين الجرحى، بسبب عدم وجود الرعاية الصحية والطبية.

ووصف شهود ما حدث في منطقة الكومة بأنها «مجزرة» غير معهودة، استهدفت عن قصد المدنيين المقيمين هناك، بسبب عدم وجود أي مشاهد أو تمركزات لـ«قوات الدعم السريع» في السوق المكتظة بالمدنيين، وقالوا إن السوق «كانت تشهد نشاطاً طبيعياً عندما استهدفها القصف الجوي فجأة ودون سابق إنذار؛ مما أسفر عن دمار واسع فيها، في حين تناثرت جثث القتلى في أرجائها».

وفي مدينة مليط، قال شهود عيان إن الطيران الحربي استهدف، الجمعة، أيضاً «حفل عرس»؛ ما أدى إلى مقتل نحو 13 شخصاً وجُرح آخرون، في عملية وُصفت هي الأخرى بأنها استهداف للمدنيين، حيث لا توجد عناصر لـ«قوات الدعم السريع» في المكان.

ويؤكد قادة الجيش دائماً أن العمليات الحربية الجوية تستهدف «قوات الدعم السريع»، لكن النشطاء وشهود عيان ينفون وجود هذه القوات، في حين تتصاعد دعوات بين مؤيدي الجيش وأنصاره من الإسلاميين وكتائبهم إلى استهداف ما يسمونه «الحواضن الاجتماعية» لـ«قوات الدعم السريع»؛ انتقاماً من انتهاكاته بوسط وشمال البلاد.

ونشر نشطاء على وسائط التواصل الاجتماعي قوائم بأسماء الضحايا، من النساء والأطفال وكبار السن، الذين كانوا يمارسون التسوق أو يعرضون سلعهم للبيع في السوق الأسبوعية، وبينهم زوجة وابنة شقيق عضو «مجلس السيادة الانتقالي» ومساعد قائد الجيش إبراهيم جابر.

ووجّهت قوى سياسية وحركات مسلحة وتنظيمات حقوقية انتقادات حادة لتصعيد العمليات الجوية للجيش السوداني في إقليم دارفور خصوصاً، وطالبت بفرض حظر للطيران الحربي في الإقليم. وقالت «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) في بيان، السبت، إن سوق مدينة الكومة شهدت انتهاكاً مريعاً بحق المدنيين، جرّاء قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني؛ مما أدى إلى إزهاق أرواح عشرات القتلى ومئات الجرحى من الذين تصادف وجودهم في أثناء الغارة الجوية.

كما نددت «تقدم» بغارات جوية استهدفت مناطق أم ضو بان بالخرطوم، وود أبو صالح ومليط بولاية شمال دارفور، نتج عنها مقتل العشرات من المدنيين وجرح المئات.

وأبدت «تقدم» أسفها لما أطلقت عليه «استمرار الانتهاكات على المدنيين، وتكرارها بشكل ممنهج في مختلف أنحاء السودان»، ودعت إلى التذكير بـ«إعلان جدة الإنساني» الذي شدد على التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين والأعيان المدنية والأهداف العسكرية، والامتناع عن أي هجوم يُتوقع أن يسبب أضراراً مدنية عرضية مفرطة، مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة. ودعت طرفي القتال إلى حقن دماء السودانيين والانخراط فوراً في مفاوضات لوقف الحرب.

من جهتها، وصفت القوى المدنية الدارفورية الغارة الجوية بأنها «واحدة من أبشع جرائم الحرب»، وقالت إن الطيران الحربي قصف مدينتي الكومة ومليط بوابل من الصواريخ والبراميل المتفجرة، والأسلحة المحرمة دولياً، مستهدفاً مناطق «مأهولة جداً بالسكان المدنيين»؛ مما خلّف عشرات القتلى والجرحى، إلى جانب قصف تجمع مدني في «سرادق عزاء» بمدينة مليط، راح ضحيته أكثر من 100 قتيل.

وناشد التجمع المدني المنظمات الحقوقية والإنسانية التدخل السريع والحاسم؛ لوضع حد لما سمّاه «جرائم جماعات الهوس الديني وطيران جيش الفلول، الذي بات سجله متخماً بالمذابح في حق مدنيين أبرياء وعلى حين غرة»، مندداً بصمت المجتمع الدولي والأمم المتحدة حيال الجرائم التي يرتكبونها، ومطالباً الأسرة الدولية بفرض حظر على الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، «الذي ظلّ يحصد أرواح المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء»، وفقاً للبيان.