لجنة المعلمين السودانيين تطالب بتحديد مصير أكثر من 500 ألف طالب

ناشدت الأطراف المتحاربة عدم تسييس التعليم

طلاب وتلاميذ السودان متوقفون عن الدراسة منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (أ.ف.ب)
طلاب وتلاميذ السودان متوقفون عن الدراسة منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (أ.ف.ب)
TT

لجنة المعلمين السودانيين تطالب بتحديد مصير أكثر من 500 ألف طالب

طلاب وتلاميذ السودان متوقفون عن الدراسة منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (أ.ف.ب)
طلاب وتلاميذ السودان متوقفون عن الدراسة منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (أ.ف.ب)

عندما اندلعت حرب الخرطوم في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، كان التلاميذ في المدارس يقرأون عن ملوك السودان في الحضارات المتعاقبة، وعن الأهرامات الشامخة التي يأتيها السياح من أقاصي الدنيا، وعن جمال الخرطوم وعظمة مقرن النيلين. وعندما بدأت الحرب فجأة، ظل الكتاب مفتوحاً ليسجل صرخاتهم ودموعهم في قاعات الدراسة، وهم يسمعون أصوات الأسلحة الثقيلة واهتزاز الأرض تحت أقدامهم.

وأظهرت فيديوهات وصور متداولة في وسائل التواصل الاجتماعي في المناطق التي اشتعلت فيها الحرب، سقوط قذائف قطعت طلاباً إلى أشلاء، فيما تشير إحصاءات تقريبية إلى أن عدد القتلى الأطفال تجاوز 400 من جملة 3900 قتيل. ويقول المختصون إن كثيراً من الأطفال يحتاجون إلى رعاية نفسية بسبب الفظائع التي عاشوها خلال الحرب التي دخلت شهرها الخامس.

عدد من المعلمين تركوا السودان إما بسبب الحرب أو عدم تسلم رواتبهم لأربعة أشهر (أ.ف.ب)

مصير غامض

قال المدير العام للمركز القومي للمناهج معاوية قشي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحرب كارثة تؤثر على كل مناحي الحياة، وبالطبع لها تأثير كبير على قطاع التعليم، وإزالة تأثيرات الحرب على كل جوانب العملية التعليمية أمر يحتاج للعديد من الدراسات العلمية التي نأمل أن يهتم أهل الشأن بإجرائها، فقد أحاطت الحرب التعليم في السودان بكثير من المشكلات».

من جانبه، انتقد الناطق باسم لجنة المعلمين سامي الباقر، وزير التربية والتعليم، قائلاً: «إنه يتخذ السكوت أسلوباً في هذا الظرف الحرج من عمر السودان». وأشار إلى أن مصير العام الدراسي المقبل غامض ويجب على الوزارة توضيح ما إذا كان العام سينطلق في سبتمبر (أيلول) في المناطق التي لم تشملها، أم سيكون العام الدراسي المقبل رهن توقف الحرب.

وهدد الباقر بتنفيذ إضراب في كل ولايات السودان، إذا انطلق العام الدراسي الجديد ولم تلتزم الحكومة بدفع رواتب المعلمين، قائلاً: «تم رفع شكوى لمنظمة العمل الدولية بهذا الخصوص، لأن المعلمين يعيشون أوضاعاً صعبة بسبب حرمانهم من مرتباتهم لمدة 4 أشهر»، وطالب بعدم تسييس التعليم، لأن ذلك سيدفع ثمنه 11 مليون طالب، ثلثهم في ولاية الخرطوم.

الدخان يتصاعد فوق المباني بعد قصف جوي خلال اشتباكات بين قوات «الدعم السريع» والجيش السوداني في الخرطوم (رويترز)

من المدرسة إلى العمل

بعد نزوح أطفال مع أسرهم هرباً من الحرب، اتجه بعضهم للعمل في أشغال هامشية لمساعدة أسرهم في توفير تكاليف المعيشة. وقال خبراء في مجال رعاية الطفولة لـ«الشرق الأوسط»، إن من الصعب أن يعود جميع الطلاب إلى الدراسة حتى بعد انتهاء الحرب، ما يعني زيادة التسرب المدرسي، فيما كشفت تقارير أولية أن عدد الأطفال خارج المدارس تضاعف من 3 ملايين قبل اشتعال الحرب إلى 7 ملايين الآن. وجلس بعض التلاميذ لامتحانات الشهادة الابتدائية في الولايات التي نزحوا إليها بعد أن سمحت لهم وزارة التربية والتعليم بذلك، فيما لجأ تلاميذ وطلاب مع أسرهم إلى خارج البلاد لإكمال تعليمهم بعد تقديرهم للواقع بأن الحرب لن تنتهي قريباً.

ومن بين التحديات التي تواجه التعليم في البلاد أن مئات المدارس في الولايات الآمنة أصبحت دوراً لإيواء النازحين الذين فروا من الحرب المشتعلة في الخرطوم ودارفور وكردفان. وكلما اتسعت رقعة الحرب وزاد عدد النازحين تُضاف مدرسة جديدة للإيواء، بالتالي فإن خروجهم منها مرتبط بإنهاء الحرب في ولاياتهم.

كما أدى سقوط الأمطار الغزيرة في بعض الولايات إلى تهدم بعض المدارس، ويصعب إصلاحها في ظل انشغال الحكومة بالحرب الدائرة بين الجيش وقوات «الدعم السريع». وتمثل هجرة المعلمين إلى خارج البلاد تحدياً إضافياً، فضلاً عن عدم دفع رواتب المعلمين الذين ظلوا داخل السودان.

سودانيون وأجانب يغادرون الخرطوم بسبب المعارك المحتدمة (أ.ف.ب)

الحرب تعيق تحقيق الأهداف

الأربعاء الماضي أصدر وزير التربية والتعليم قراراً بإلغاء امتحانات الشهادة الابتدائية وامتحانات النقل في الولايات المتأثرة بالحرب، ووجد القرار انتقادات حادة من أولياء أمور وخبراء تربويين، لأنه يضاف إلى قرارات خاطئة ومشكلات صاحبت العملية التعليمية خلال الأعوام الماضية، وأن القرار يمكن أن يؤثر على هذا الجيل مستقبلاً.

وقال مدير عام المركز القومي للمناهج معاوية قشي لـ«الشرق الأوسط»، «يوجد تأثير كبير في مخرجات التعليم في حالة عدم استيفاء البرامج والمقررات الدراسية، وهو أمر يضعف مستويات التلاميذ، ويعيق تحقق الأهداف التعليمية المحددة للصف الدراسي والمرحلة الدراسية، ويعيق أيضاً تسلسل البناء المعرفي والمهاري والقيمي، حيث إن النظام التعليمي منظومة مترابطة يؤثر فيها السابق على اللاحق». وأكد أن قياس وتقويم تعلم التلاميذ في أي مستوى دراسي وفي أي مرحلة هو أمر لازم وضروري عند نقلهم للمستوى الأعلى، وإذا لم يتحقق ذلك فإننا ننقلهم بكل مشكلاتهم التعليمية والتربوية، مما يعني ضعفاً مستمراً في مخرجات التعليم.

فرضته الحرب

من جانبه، قال مدير الإدارة العامة لتعليم الأساس بالخرطوم محمد حامدنو لـ«الشرق الأوسط»، إن إلغاء امتحانات الشهادة الابتدائية صائب، وفرضته الحرب التي اندلعت في عدد من ولايات البلاد، وأضاف أنه «لن يؤثر على الطلاب لأن بعض المدارس نظمت امتحانات الفترة النهائية، ولأن مهنة التعليم تختلف عن المهن الأخرى ويستطيع المعلم تعويض الطلاب عن المقررات التي لم يستطيعوا استكمالها بسبب الحرب».

وأشار حامدنو إلى أن عدد تلاميذ مرحلة الأساس في الخرطوم بلغ أكثر من مليون وثلاثمائة تلميذ وتلميذة، موزعين على أكثر من 5 آلاف مدرسة حكومية وخاصة، فيما تجاوز عدد معلمي المرحلة 55 ألف معلم، وهذا العدد قابل للزيادة أو النقصان بسبب تنقل المعلمين داخل وخارج البلاد.

وأبدى الناطق باسم لجنة المعلمين السودانيين سامي الباقر، بعض الملاحظات على قرار وزير التربية والتعليم المتعلق بنقل الطلاب، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كان يفترض إصدار القرار منذ مايو (أيار)، لأن بعض الطلاب حرموا من الامتحانات في الولايات التي لم تشملها الحرب، كما أن القرار يحتاج إلى مزيد من التوضيح لأنه لم يحدد آليات النقل».

وطالب وزارة التربية والتعليم بإصدار قرار واضح بشأن امتحانات الشهادة السودانية التي يجلس لها أكثر من 500 ألف طالب وطالبة، مشيراً إلى أن مصيرهم أصبح مجهولاً، وهم ضحية للشائعات التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي حول إلغاء الامتحانات وتجميد عامهم الدراسي.

مركبة عسكرية في الخرطوم (أ.ف.ب)

وسيلة مشروعة

واتهم خبراء تربويون لجنة المعلمين بأنها سبب في فشل الأعوام الدراسية السابقة بسبب الإضرابات المتكررة عن العمل، مثل ما حدث في العام الماضي حين كانت أيام الدراسة أقل من 90 يوماً، بدلاً عن 180 يوماً، أي أقل بكثير من المعيار العالمي، كما أن الحرب فاقمت المشكلة، وأُلغيت امتحانات النقل للشهادة الابتدائية. لكن اللجنة نفت تلك التهمة، وقالت إنها اتخذت عدداً من الوسائل للمطالبة بزيادة المرتبات في ظل غلاء المعيشة، غير أن الحكومة لم تستجب لمطالبهم، فاضطر المعلمون للجوء إلى الإضراب باعتباره وسيلة مشروعة للضغط على الحكومة وتحقيق مطالبهم العادلة.


مقالات ذات صلة

مرصد عالمي يؤكد تفشي المجاعة في مناطق جديدة بالسودان

شمال افريقيا امرأة نازحة سودانية تستريح داخل ملجأ في مخيم زمزم شمال دارفور 1 أغسطس 2024 (رويترز)

مرصد عالمي يؤكد تفشي المجاعة في مناطق جديدة بالسودان

قال مرصد عالمي للجوع، الثلاثاء، إن نطاق المجاعة في السودان اتسع إلى خمس مناطق جديدة، ومن المرجح أن يمتد إلى خمس مناطق أخرى، بحلول مايو (أيار) المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن) محمد أمين ياسين (نيروبي)
الخليج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يترأس جلسة مجلس الوزراء (واس)

السعودية تجدد دعوتها لضرورة إنهاء الصراع في السودان

جدَّدت السعودية ما أكدته، خلال الاجتماع التشاوري (الثالث) بين المنظمات متعددة الأطراف الراعية لمبادرات السلام في السودان، من ضرورة إنهاء الصراع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا أم تحمل طفلها الذي يعاني من سوء التغذية الحاد في جناح الأطفال بمستشفى جنوب كردفان في السودان (رويترز)

تقرير: أزمة المجاعة في السودان «تتفاقم» بسبب الحرب

ذكر «المرصد العالمي للجوع»، الثلاثاء، أن نطاق المجاعة في السودان اتسع إلى 5 مناطق، ومن المرجح أن تمتد إلى 5 مناطق أخرى بحلول شهر مايو (أيار).

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جسر خزان «جبل الأولياء»... (أرشيفية - وسائل إعلام سودانية محلية)

تعطل سد «جبل الأولياء» يغرق مناطق واسعة في السودان

تسبب تعطل سد رئيسي، يقع على بعد 40 كيلومتراً جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، عن العمل جراء الحرب في فيضانات غمرت مناطق واسعة من ولاية النيل الأبيض.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان بين جنود القاعدة البحرية في بورتسودان (أ.ف.ب)

تسارع خطى تكوين حكومة سودانية «موازية» في مناطق «الدعم السريع»

تتسارع المشاورات بين «قوى سياسية» سودانية وحركات مسلحة من جهة، وممثلين عن «الدعم السريع» من الجهة الأخرى، في العاصمة الكينية نيروبي، لبحث تكوين حكومة «موازية».

أحمد يونس (كمبالا)

مرصد عالمي يؤكد تفشي المجاعة في مناطق جديدة بالسودان

24 % من السكان دخلوا مرحلة المجاعة... حسب مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي (الأمم المتحدة)
24 % من السكان دخلوا مرحلة المجاعة... حسب مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي (الأمم المتحدة)
TT

مرصد عالمي يؤكد تفشي المجاعة في مناطق جديدة بالسودان

24 % من السكان دخلوا مرحلة المجاعة... حسب مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي (الأمم المتحدة)
24 % من السكان دخلوا مرحلة المجاعة... حسب مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي (الأمم المتحدة)

قال مرصد عالمي للجوع، الثلاثاء، إن نطاق المجاعة في السودان اتسع إلى خمس مناطق جديدة، ومن المرجح أن يمتد إلى خمس مناطق أخرى، بحلول مايو (أيار) المقبل.

جاء ذلك في الوقت الذي يواصل فيه الطرفان المتحاربان في السودان تعطيل المساعدات الإنسانية اللازمة للتخفيف من وطأة واحدة من أسوأ أزمات الجوع في العصر الحديث.

وذكرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن ظروف المجاعة تأكدت في مخيمي أبو شوك والسلام للنازحين داخلياً في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بالإضافة إلى مناطق سكنية وأخرى للنازحين في جبال النوبة.

وخلصت اللجنة أيضاً إلى أن المجاعة، التي كُشف عنها لأول مرة في أغسطس (آب)، لا تزال مستمرة في مخيم زمزم بشمال دارفور. وتتوقع اللجنة، التي تتألف من خمسة أعضاء وتدقق وتتحقق من وجود المجاعة، امتداد المجاعة إلى خمس مناطق أخرى في شمال دارفور بحلول مايو، وهي أم كدادة، ومليط، والفاشر، والطويشة واللعيت. وحددت اللجنة 17 منطقة أخرى في أنحاء السودان معرَّضة لخطر المجاعة.

أم تحتضن طفلها الذي يعاني سوء التغذية الحاد في مستشفى جنوب كردفان (رويترز)

وتشير تقديرات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إلى أن نحو 24.6 مليون شخص، أي نحو نصف العدد الكلي للسودانيين، في حاجة ماسة إلى مساعدات غذائية حتى مايو المقبل، وهي زيادة كبيرة عما كان متوقعاً في يونيو (حزيران) عند 21.1 مليون خلال الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) حتى فبراير (شباط).

ونُشرت النتائج على الرغم من استمرار الحكومة السودانية في تعطيل عمل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المرتبط بتحليل انعدام الأمن الغذائي الحاد، والذي يساعد المانحين والمنظمات الإنسانية على توجيه المساعدات إلى الأماكن التي تشتد الحاجة إليها.

وأعلنت الحكومة، الاثنين، تعليق مشاركتها في ذلك النظام العالمي لمراقبة الجوع، متهمة إياه «بإصدار تقارير غير موثوقة تقوض سيادة السودان وكرامته».

والتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي هو هيئة مستقلة تموّلها دول غربية وتشرف عليها 19 من المنظمات الإنسانية الكبرى والمؤسسات الحكومية الدولية. ويلعب التصنيف دوراً محورياً في النظام العالمي لرصد الجوع والتخفيف من وطأته، وهو مصمم لدق ناقوس الخطر بشأن تطور الأزمات الغذائية حتى تتمكن المنظمات من التحرك ومنع المجاعات والحيلولة دون تفشي الجوع.

طفل سوداني يتلقى العلاج في عيادة لمنظمة «أطباء لا حدود» بمخيم ميتشي بتشاد (أ.ب)

وبموجب نظام التصنيف، تعكف «مجموعة عمل فنية» ترأسها عادة الحكومة الوطنية على تحليل البيانات وتصدر تقارير دورية تصنف المناطق على مقياس من واحد إلى خمسة. وهذه المراحل هي «لا مشكلة»، أو الحد الأدنى من انعدام الأمن الغذائي، ثم مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد «الضغط»، ثم مرحلة «الأزمة»، ومرحلة «الطارئ» وأخيراً مرحلة «المجاعة»، التي صنف بموجبها السودان.

السودان يعارض

ويخوض الجيش السوداني حرباً مع «قوات الدعم السريع»، ويعارض بشدة إعلان المجاعة خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى ضغوط دبلوماسية لتخفيف الإجراءات على الحدود ويتسبب في تواصل «قوات الدعم السريع» بشكل أكبر مع الخارج.

وفي رسالة إلى التصنيف ولجنة مراجعة المجاعة ودبلوماسيين، قال وزير الزراعة السوداني، الاثنين، إن أحدث تقرير للتصنيف يفتقر إلى بيانات محدثة عن معدلات سوء التغذية وتقييمات إنتاج المحاصيل خلال موسم الأمطار الصيفية الماضي.

وتقول الرسالة إن موسم المحاصيل كان ناجحاً. كما أشارت الرسالة إلى «مخاوف جدية» بشأن قدرة التصنيف على جمع البيانات من المناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع».

وأظهرت وثيقة اطلعت عليها «رويترز» أن الحكومة السودانية علقت في أكتوبر التحليل الذي كانت تقوده بنفسها. وبعد استئناف العمل، لم تقرّ مجموعة العمل الفنية بوجود مجاعة.

وقال تقرير لجنة مراجعة المجاعة، الذي صدر الثلاثاء، إن المجموعة التي تقودها الحكومة استبعدت بيانات رئيسة متعلقة بسوء التغذية من تحليلها.

«تقدم» تأسف لـ«سياسة الإنكار»

واعتبرت «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، الثلاثاء، انسحاب الحكومة السودانية المؤقتة في بورتسودان، من نظام التصنيف المتكامل لمراحل انعدام الأمن الغذائي، «خطوة غير مسؤولة». وقالت «تقدم» وهي التحالف السياسي الأكبر في البلاد، في بيان إن قرار الانسحاب يأتي في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية والاقتصادية التي خلَّفتها الحرب، التي أثرت بشدة على قدرة الدولة على معالجة القضايا الإنسانية الملحة.

حمدوك رئيس تنسيقية «تقدم» التي استنكرت انسحاب الحكومة من نظام تصنيف المجاعة (فيسبوك)

وأضافت في بيان على «فيسبوك» أن نهج «سياسة الإنكار» سيؤدي إلى تراجع المنظمات الدولية التي تعتمد في تقديمها للمساعدات على التصنيف المتكامل لتحديد المناطق الأكثر احتياجاً للمساعدات.

ودعت «تقدم» المجتمع الدولي إلى ممارسة المزيد من الضغوط على طرفَي القتال لاتخاذ تدابير لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع السودانيين في مناطق النزاعات.

وكانت الحكومة السودانية عرقلت عمل التصنيف في وقت سابق، حسب تحقيق نشرته «رويترز» في الآونة الأخيرة، من هذا العام؛ مما أدى إلى تأخير تأكيد وجود مجاعة أشهر عدة في مخيم زمزم، حيث لجأ النازحون إلى أكل أوراق الأشجار من أجل البقاء على قيد الحياة.

وأدت الحرب الأهلية التي اندلعت في أبريل (نيسان) 2023 إلى تراجع إنتاج المواد الغذائية ومعدلات التجارة فيها ودفعت أكثر من 12 مليون سوداني إلى ترك منازلهم؛ مما جعلها أكبر أزمة نزوح في العالم. وتُتَهم «قوات الدعم السريع» بنهب إمدادات غذائية إنسانية وأخرى تجارية ووضع عوائق أمام الزراعة وحصار بعض المناطق؛ مما أدى إلى ارتفاع تكلفة التجارة وأسعار المواد الغذائية. كما تمنع الحكومة وصول المنظمات الإنسانية إلى بعض أجزاء البلاد.

البحث عن ممرات آمنة

وقال مدير تحليل الأمن الغذائي والتغذية لدى برنامج الأغذية العالمي، جان مارتن باور: «لدينا الطعام وشاحنات على الطريق وأفراد على الأرض. نحتاج فقط إلى ممر آمن لتقديم المساعدات».

امرأة نازحة سودانية تستريح داخل ملجأ في مخيم زمزم شمال دارفور 1 أغسطس 2024 (رويترز)

وحسب «رويترز»، فإن «قوات الدعم السريع» نفت الاتهامات الموجهة لها بنهب الإمدادات الغذائية، قائلة إنها «مجرد مزايدات بلا دليل». وذكرت أن ملايين الأشخاص في المناطق التي تسيطر عليها يواجهون «خطر الجوع»، وأنها ملتزمة «بضمان وصول المساعدات إلى المتأثرين».

وقالت الحكومة إن «قوات الدعم السريع» هي مَن تعوق توصيل المساعدات.

ويقول تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إن طرفي الصراع فرضا «إجراءات بيروقراطية وعمليات موافقة... تحدّ بشدة من نطاق الجهود الإنسانية وحجمها».

الحكومة السودانية تعرقل

وجاء في التقرير أن 10 في المائة فقط من الأشخاص في المناطق التي استعرضها التصنيف حصلوا على مساعدات غذائية خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

وقال ما لا يقل عن 12 من عمال الإغاثة والدبلوماسيين لـ«رويترز» إن التوترات تزايدت بين الحكومة السودانية ومنظمات الإغاثة الإنسانية بعد أن خلص التصنيف المتكامل إلى أن مخيم زمزم يعاني المجاعة في أغسطس.

وقالت المصادر إن الحكومة تبطئ وتيرة إرسال المساعدات، وإن جهازي المخابرات العامة والعسكرية التابعين للحكومة يشرفان على توصيل المساعدات، وإن الموافقة على إدخال المساعدات الدولية تخضع لأهداف سياسية وعسكرية للجيش السوداني.

وتؤخر الحكومة إجراءات الموافقة على إصدار تأشيرات دخول لموظفي الإغاثة، وقال عدد منهم إن الحكومة تثبط عزيمة المنظمات غير الحكومية التي تسعى لتقديم مواد إغاثية في منطقة دارفور المتضررة بشدة، التي تسيطر «قوات الدعم السريع» على معظم مناطقها.

وقال أحد كبار مسؤولي الإغاثة الذي طلب عدم الكشف عن هويته إن الحكومة أبلغت منظمات الإغاثة بأنه «لا توجد احتياجات مشروعة في دارفور؛ لذا يجب ألا تعملوا هناك، وإذا واصلتم الاستجابة للاحتياجات هناك، فلا تتوقعوا الحصول على تأشيرات».

الحرب في السودان والقيود المفروضة على توصيل المساعدات تسببتا في مجاعة في شمال دارفور (رويترز)

وخلال الأشهر الأربعة الماضية، ارتفع عدد الطلبات التي قدمها موظفو إغاثة غير تابعين للأمم المتحدة من أجل الحصول على تأشيرة دخول للسودان والتي لم يتم البت فيها، كما انخفض معدل الموافقة على طلبات أخرى، وفقاً لبيانات نشرتها المنظمات غير الحكومية العالمية في السودان.

وتقول «رويترز» إن الحكومة لم ترد على أسئلتها للتعليق على حظر التأشيرات، وقالت في أوقات سابقة إن غالبية طلبات التأشيرات تمت الموافقة عليها.

وقالت ثلاثة مصادر لـ«رويترز» إن الحكومة السودانية حثّت الأمم المتحدة في أكتوبر على سحب كبير مسؤولي المساعدات الإنسانية في منطقة دارفور بعد أن سافر إلى هناك دون تصريح من الحكومة.

وذكرت المصادر أن طلبات الحصول على تصريحات للسفر توقفت، وأن الحكومة أبلغت الأمم المتحدة بأنها ستطرد المسؤول إذا لم يتم سحبه. وامتثلت الأمم المتحدة لطلب الحكومة في النهاية. ولم ترد الحكومة على أسئلة متعلقة بإبعاد هذا المسؤول. وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن المنظمة لا تعلق على «ترتيبات عمل» الموظفين.