تونس: انفجار الألغام مجدداً يعيد شبح الإرهاب

في المحافظات الحدودية الفقيرة والمهمشة ترتفع نسب البطالة والجريمة

قيس سعيد في المستشفى العسكري بتونس الذي يستقبل ضحايا الإرهاب (أرشيف)
قيس سعيد في المستشفى العسكري بتونس الذي يستقبل ضحايا الإرهاب (أرشيف)
TT

تونس: انفجار الألغام مجدداً يعيد شبح الإرهاب

قيس سعيد في المستشفى العسكري بتونس الذي يستقبل ضحايا الإرهاب (أرشيف)
قيس سعيد في المستشفى العسكري بتونس الذي يستقبل ضحايا الإرهاب (أرشيف)

خصصت وسائل الإعلام التونسية مساحة كبيرة للتعريف بحادثة نجاة الشاب عدنان العمومي، الطالب في الثانوية، من الموت بعد انفجار لغم في يده وفي وجهه، بينما كان يجمع «نبات الإكليل» في غابة في جبال المغيلة على الحدود الجزائرية - التونسية؛ بهدف بيعه وتوفير الأموال التي يحتاجها لدراسته واجتياز امتحان البكالوريا.

وقد تسبب الانفجار في فقدان الشاب عدنان إحدى عينيه، وإصابة في يده اليمنى التي كان يجمع بها «الأعشاب».

واستقطبت قصة هذا الطالب الرأي العام وصناع القرار السياسي. كما أخذت حجماً أكبر عندما أمرت السلطات بنقله من مستشفى محافظة القصرين الفقيرة، (300 كلم جنوب غربي تونس)، إلى المستشفى العسكري المركزي في العاصمة، وسلطت الأضواء عليه.

البحث عن الألغام (أرشيفية)

إعادة فتح ملف الإرهاب

وزاد الاهتمام بمأساة هذه الضحية الجديدة «للألغام النائمة» في الجبال والغابات الحدودية التونسية - الجزائرية عندما زاره الرئيس قيس سعيد في المستشفى العسكري مع عدد من كبار المسؤولين في الدولة، وأمر بالتكفل بعلاجه وبدعم حقه في الدراسة واجتياز البكالوريا. ونوه بتضحيته وجمعه الأعشاب من نوع «الإكليل» لبيعها قصد توفير المال اللازم لإكمال دراسته، وضمان دخوله الجامعة العام المقبل.

وكان انفجار اللغم الجديد في وجه هذا الشاب مناسبة أُعيد فيها فتح ملف الإرهاب والأسلحة النارية التي برز الحديث عن تورط مجموعات إرهابية فيها طوال العقدين الماضيين، خصوصاً بعد سقوط حكم الرئيس زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني) 2011.

 

صورة لعناصر من الحرس الوطني في مهمة ضد الإرهابيين (موقع وزارة الداخلية التونسية)

 

علاقة بتنظيمات إرهابية

وحسب الأوساط القضائية والأمنية التونسية فإن أغلب المتورطين في العمليات الإرهابية وزرع الألغام واستخدام الأسلحة النارية لديهم علاقة بتنظيمات إرهابية وجماعات مسلحة متطرفة قديمة انتشرت منذ عقدين في الجزائر ودول الساحل والصحراء الأفريقية. وزاد نفوذ هذه التنظيمات بعد 2011 في ليبيا وتونس وجبال شرق الجزائر، بينها بالخصوص تنظيمات «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«جند الخلافة» و«عقبة بن نافع» و«أنصار أسد بن الفرات» وصولاً إلى «داعش».

وقد خصص الرئيس التونسي قيس سعيد فقرات من الكلمات التي ألقاها أخيراً للتحذير من الإرهاب، ومن مخاطر دلالات تعاقب العمليات الإرهابية وحالات انفجار ألغام في الغابات والجبال الوعرة في المحافظات الفقيرة غرب البلاد، غير بعيد عن الحدود الجزائرية - التونسية.

وكلف رئيس الحكومة التونسي الجديد أحمد الحشاني، خلال موكب تسليم مهامه، أن يعنى بظاهرة الإرهاب واستراتيجية مكافحته أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

 

الشرطة التونسية (أرشيفية - متداولة)

 

المحافظات الفقيرة

وحسب تصريح المحامي المختص في قضايا الجماعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة سمير بن عمر لـ«الشرق الأوسط» فإن «غالبية التفجيرات للألغام والعمليات الإرهابية المسجلة في المحافظات الحدودية التونسية - الجزائرية كانت في جبال المحافظات الفقيرة والمهمشة في القصرين والكاف وسيدي بوزيد».

وهذه الجبال المعنية بالتفجيرات وتحركات التنظيمات المسلحة على الحدود الغربية لتونس ثمانية هي أساساً جبال الشعانبي، والسلوم، وتوشة، وسمامة جبل الأجرد، وجبل بيراتو في محافظة القصرين، وجبال مغيلة في حدود محافظتي سيدي بوزيد والقصرين.

كما تعاقبت حالات العمليات الإرهابية وانفجار الألغام في جبل ورغة في محافظة الكاف، (170 كلم غرب العاصمة تونس)، التي تعد الأقرب إلى الحدود الجزائرية وجبالها.

 

تصعيد جديد

وأورد البشير، الباحث في المتغيرات الجيواستراتيجية والأمين العام لمنتدى ابن رشد للدراسات العربية الأفريقية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «عودة انفجار الألغام النائمة» و«العمليات الإرهابية المتفرقة» من بين مؤشرات تمادي بعض المجموعات المسلحة والإرهابية في تحركاتها، وفي تنفيذ التهديدات التي تصاعدت منذ بروز المجموعات التي خرجت من رحم تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«الجناح المسلح لتنظيم أنصار الشريعة» وحلفائهما في كامل شمال أفريقيا، ودول الساحل والصحراء كلها.

وكانت السلطات التونسية قللت أول الأمر في 2011 من خطورة تنقل المجموعات الإرهابية المسلحة من ليبيا والجزائر ودول الساحل والصحراء نحو تونس. كما اعترضت على «تضخيم» الرسائل وراء الهجوم المسلح الذي استهدف أمنيين وعسكريين تونسيين في مايو (أيار) 2011 في محافظة سليانة الفقيرة في الوسط الغربي للبلاد غير بعيد عن المناطق الحدودية.

لكن التقارير الأمنية والعسكرية الرسمية كشفت لاحقاً أن البلاد أصبحت هدفاً للميليشيات المسلحة التي نشرت الألغام والأسلحة في عدد من الجبال والغابات الحدودية، خصوصاً على مرتفعات جبل الشعانبي، وهو أعلى قمة جبلية في تونس، وهو عبارة عن سلسلة جبلية تمتدّ من الحدود الجزائرية إلى مدينة القصرين، التي تحيط بها التضاريس الجبلية الوعرة التي اختارها الإرهابيون مخبأ لهم ولأسلحتهم وألغامهم التي هربوها للبلاد عبر ليبيا والجزائر.

 

الشرطة التونسية (أرشيفية - متداولة)

 

القضاء على أسباب الإرهاب

من جهة أخرى، طالبت منظمات نقابية وحقوقية وقيادات من أحزاب المعارضة بالمناسبة، بالقضاء على الأسباب العميقة للإرهاب، وتلك التي تفسر إقبال الشباب على «الحلول اليائسة»، وبينها محاولة الهجرة غير القانونية، والانخراط في مجموعات الجريمة المنظمة والعصابات الإرهابية «بحثاً عن المال».

وقد تعهد الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال إشرافه في قصر الرئاسة بقرطاج على الحفل السنوي لتكريم الطلاب المتفوقين في الامتحانات، بأن تعمل حكومته على معالجة الجهات المهمشة والمحافظات الفقيرة، حيث ترتفع نسب الإخفاق المدرسي والبطالة والانتحار والجريمة والإرهاب.


مقالات ذات صلة

بايدن يرفع كوبا عن اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال لقائه بقادة كوبيين أميركيين بالبيت الأبيض في واشنطن 30 يوليو 2021 (رويترز)

بايدن يرفع كوبا عن اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب

قال مسؤول أميركي رفيع المستوى، اليوم الثلاثاء، إن الرئيس الأميركي جو بايدن قرر رفع كوبا عن القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا قوى أجنبية تستخدم تطبيقات التواصل الاجتماعي لتجنيد سويديين ومنهم أطفال لشن هجمات عنيفة في البلاد (رويترز)

الشرطة: قوى أجنبية تجنّد سويديين عبر وسائل التواصل لشن هجمات

قالت مفوضة الشرطة الوطنية في السويد بترا لوند اليوم الثلاثاء إن قوى أجنبية تستخدم تطبيقات التواصل الاجتماعي لتجنيد سويديين ومنهم أطفال لشن هجمات.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
أفريقيا جنود من الجيش النيجيري خلال عملية عسكرية ضد «داعش» (صحافة محلية)

قائد جيش نيجيريا: استسلام 120 ألف مسلّح من «بوكو حرام» نصفهم أطفال

شنت جماعة «بوكو حرام» الموالية لتنظيم «داعش» هجوماً إرهابياً على مجموعة من المزارعين في ولاية بورنو، شمال شرقي نيجيريا، وقتلت أكثر من 40 مزارعاً.

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا مسؤولون أمنيون باكستانيون يقفون حراساً عند نقطة تفتيش خارج سجن أديالا في راولبندي في باكستان يوم 13 يناير 2025 (إ.ب.أ)

قوات الأمن الباكستانية تقتل 27 مسلحاً خلال مداهمة في بلوشستان

قال الجيش الباكستاني إن قوات الأمن داهمت مخبأ لمسلحين الاثنين وقتلت 27 عنصراً.

«الشرق الأوسط» (كويتا (باكستان))
أوروبا الشرطة الالمانية في حالة استنفار (متداولة)

السلطات الألمانية تطلق سراح ليبي كان يشتبه بتورطه في أعمال إرهابية

أطلقت السلطات الألمانية سراح ليبي كان محتجزاً للاشتباه بتورطه في أعمال إرهابية.


البرهان: الحرب لن تتوقف إلا بالقضاء على «الدعم السريع»

رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)
رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)
TT

البرهان: الحرب لن تتوقف إلا بالقضاء على «الدعم السريع»

رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)
رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)

أكد رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، اليوم (الثلاثاء)، أن انتصارات الجيش ستتواصل، وإن الحرب لن تتوقف إلا بالقضاء على «قوات الدعم السريع».

وقال البرهان مخاطباً حشوداً في بورتسودان: «عهدنا مع الشعب السوداني، ولن يهدأ لنا بال إلا بالقضاء على هذه الميليشيا المتمردة ودحرها».

وأشار رئيس مجلس السيادة إلى استمرار المعارك العسكرية على كل المحاور، داعياً المسلحين إلى إلقاء السلاح. وقال: «كل من ترك السلاح نرحب به».

واستعاد الجيش السوداني، يوم السبت، مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في وسط السودان بعد أن سيطرت عليها «قوات الدعم السريع» لفترة طويلة.

واندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023 بعد خلاف حول خطط لدمج «الدعم السريع» في القوات المسلحة في خضم عملية كان من المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 2019.