باتيلي يحذر من «عواقب وخيمة» للمبادرات «الأحادية» في ليبيا

اعتراضاً على إعلان تشكيل حكومة جديدة

باتيلي يتوسط المشاركين في مجموعة العمل الأمنية 25 يوليو (البعثة الأممية)
باتيلي يتوسط المشاركين في مجموعة العمل الأمنية 25 يوليو (البعثة الأممية)
TT

باتيلي يحذر من «عواقب وخيمة» للمبادرات «الأحادية» في ليبيا

باتيلي يتوسط المشاركين في مجموعة العمل الأمنية 25 يوليو (البعثة الأممية)
باتيلي يتوسط المشاركين في مجموعة العمل الأمنية 25 يوليو (البعثة الأممية)

صعّدت البعثة الأممية لدى ليبيا من موقفها بمواجهة إعلان مجلس النواب عن تشكيل حكومة جديدة بالبلاد، محذرة من «عواقب وخيمة» للمبادرات «الأحادية»، وفي غضون ذلك أدان المجلس الأعلى للقضاء اقتحام مجموعة مسلحة مقره في العاصمة طرابلس.

وفي أول رد فعل من البعثة حول اعتماد مجلس النواب «خريطة طريق»، تتضمن تشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومتي عبد الحميد الدبيبة، وأسامة حماد، قالت إنها سبق أن حذرت «مراراً وتكراراً من أي مبادرات أحادية الجانب لمعالجة الانسداد السياسي في ليبيا».

وأضافت البعثة في بيان اليوم (الخميس) أنها أخذت علماً بموافقة مجلس النواب على خريطة طريق، وإعلانه عن فتح باب الترشيحات لحكومة جديدة، لكنها قالت إن «أي إجراءات أحادية، على غرار محاولات سابقة في الماضي، من شأنها أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على ليبيا، وستسبب مزيداً من عدم الاستقرار وإثارة العنف».

وذكرت البعثة أن رئيسها عبد الله باتيلي يواصل لقاءاته مع المؤسسات والأطراف الليبية الرئيسية كافة من أجل «الاتفاق على خريطة طريق لإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن في أنحاء البلاد، على أساس دستوري وقانوني»، ونوّهت إلى أن ذلك يتم «من خلال الحوار والحلول الوسط، والمشاركة البناءة بطريقة شفافة وشاملة، بهدف تشكيل حكومة موحدة قادرة على إدارة البلاد».

ورأت البعثة أن العملية السياسية في ليبيا «تمر بمرحلة حرجة تستلزم اتفاقاً سياسياً شاملاً، مع قبول ومشاركة من جميع الأطراف الفاعلة»، مشيرة إلى أن البلاد «تعاني أساسا من انقسامات عميقة، ومثل هذه التحركات من شأنها أن تعمق حدة التجاذبات في أوساط الليبيين، الذين يرزحون تحت وطأة المعاناة منذ أكثر من عقد».

ومضت البعثة تقول إن المبعوث الأممي «يكثف اتصالاته مع الأطراف الرئيسية كافة لتيسير التوصل إلى تسوية سياسية، تجعل مشاريع قوانين الانتخابات قابلة للتنفيذ، والاتفاق على إنشاء حكومة موحدة جديدة، والتمكين من إجراء انتخابات ناجحة دون تأخير».

ولفتت البعثة إلى أنها قدمت «ملاحظاتها إلى الأطراف الليبية الرئيسية، بشأن الإطار القانوني للانتخابات؛ وهذه الوثيقة المقدمة عبارة عن خلاصة للمناقشات مع مختلف الأطراف، ونتوقع أن يتم النظر بجدية في هذه القضايا قبل استكمال الإطار الانتخابي بطريقة شاملة».

وزادت البعثة محذرة من «جميع الأعمال التي تقوّض مطالب الشعب المستمرة بإجراء انتخابات وطنية، تؤدي في نهاية المطاف إلى إضفاء الشرعية على المؤسسات الليبية بطريقة سلمية وديمقراطية».

في غضون ذلك، قال المبعوث الأميركي وسفيرها إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، إن بلاده «تُقر

بأن عملية مصالحة فعالة هي عنصر حيوي لتمكين ليبيا من تحقيق الاستقرار والازدهار الذي يستحقه المواطنون».

وأشاد نورلاند في تدوينة بالليبيين الذين عملوا مع الاتحاد الأفريقي وقيادة الكونغو لعقد أول اجتماع تحضيري لمؤتمر المصالحة الوطنية الليبية في 20 يوليو (تموز) الجاري في برازافيل. وعبر عن أمله في أن يمهد هذا الاجتماع «الطريق لمؤتمر وطني ناجح في المستقبل، يسمح لكل الليبيين بمناقشة وحل المسائل المهمة والصعبة، التي هي جد ضرورية لتمكين البلاد من الوصول إلى إمكاناتها العظيمة، وتعزيز الاستقرار في المنطقة بشكل أوسع».

في سياق مختلف، أعرب المجلس الأعلى للقضاء عن إدانته «الشديدة» لاقتحام مقره بطرابلس بصورة وصفها بـ«الوحشية»، مشيداً بـ«قوة» موقف مجلس النواب، و«اضطلاعه بمهامه وتحمل مسؤولياته في ظروف بالغة التعقيد وأعاد الأمور لنصابها».

أعضاء المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا يتفقدون محكمة استئناف طرابلس

كما أدان المجلس في بيان أصدره اليوم (الخميس) ما وصفه بـ«الهجمات الإعلامية الشرسة»، التي استهدفت شرعية المجلس الأعلى للقضاء، مثمناً «الحكمة الكبيرة» التي تعامل بها مجلس النواب مع الحدث.

ووسط ردود فعل غاضبة بسبب الاعتداء على مقر المجلس، عبر عبد المنعم الزايدي، الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، عن «أسفه وإدانته» لهذا الاعتداء، الذي تورطت فيه مجموعة مسلحة. واستنكر ما سماه مظاهر «استقطاب أعضاء المحكمة العليا والدائرة الدستورية ضمن الصراع السياسي القائم بين مجلس النواب وحكومة (الوحدة الوطنية)»، ورأى أن «هذا الأمر سيؤدي إلى زعزعة الثقة العامة في المؤسسات القضائية».

وكان مجلس النواب سارع بإدانة الاعتداء على مقر المجلس الأعلى، فيما رفض مجلس النواب «القيام بهذا العمل المشين في هذا التوقيت، الذي تتجه فيه البلاد إلى تحقيق توافق حول إجراء الانتخابات وإنهاء الانقسام وإخراج ليبيا من أزمتها».

المنفي مشاركاً في القمة الإفريقية- الروسية في بطرسبورغ ويظهر في الكادر الرئيس المصري ورؤساء أفارقة (المجلس الرئاسي)

في شأن مختلف، شارك محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، في القمة الأفريقية - الروسية المنعقدة في سان بطرسبورغ. وقال المكتب الإعلامي للمنفي، اليوم (الخميس) إن المنفي تلقى دعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للمشاركة في المنتدى الاقتصادي والإنساني من القمة الأفريقية الروسية، بحضور عدد من قادة دول القارة الأفريقية.



هل يستمر الجيش السوداني برفض التفاوض إرضاءً لحلفائه دُعاة الحرب؟

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة لقواته شرق البلاد (أرشيفية - سونا)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة لقواته شرق البلاد (أرشيفية - سونا)
TT

هل يستمر الجيش السوداني برفض التفاوض إرضاءً لحلفائه دُعاة الحرب؟

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة لقواته شرق البلاد (أرشيفية - سونا)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة لقواته شرق البلاد (أرشيفية - سونا)

دأب الجيش السوداني على رفض العودة للتفاوض مع «قوات الدعم السريع»، تحت ذريعة عدم التزامها بنص المادة (1/ج) من «إعلان جدة الإنساني» في 11 مايو (أيار) 2023، التي نصت على إخلاء المراكز الحضرية بما في ذلك «مساكن» المدنيين، واشترط تنفيذها قبل العودة لأي تفاوض، متجاهلاً جلوسه مع «الدعم» فيما عُرف بـ«جدّة 2» وتوقيعه معها بيان التزامات. فهل بالفعل ينطلق الجيش من موقف مبدئي أو يتخذ تلك المسألة ذريعة للتنصل من التفاوض إرضاء لأنصار استمرار الحرب؟

فمنذ بادرت وزارة الخارجية الأميركية في 23 يوليو (تموز) الجاري إلى دعوة الطرفين للعودة للتفاوض، في 14 أغسطس (آب) المقبل في جنيف، استعاد أنصار الجيش وتنظيمات الإسلاميين وحزب «المؤتمر الوطني»، نغمة الضغط على الجيش لرفض المشاركة في المفاوضات المزمعة.

ممثلون لطرفَي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق جدة في مايو 2023 (رويترز)

جرت مياه كثيرة تحت الجسر منذ توقيع إعلان جدة الإنساني، ووقتها كانت الحرب تدور في العاصمة الخرطوم فقط، أما لحظة إعلان المبادرة الأميركية فقد اتسع نطاقها ليشمل معظم ولايات البلاد ما عدا خمساً من ثماني عشرة ولاية، وسيطرت «الدعم السريع» على عدد كبير من قواعد الجيش ووحداته العسكرية، وألحقت به خسائر بشرية ومادية فادحة.

ظل الجيش يماطل في العودة للتفاوض لوقف الحرب، متجاهلاً المأساة الإنسانية الكبيرة التي تسببت فيها الحرب، واتساع نطاقها وخسائره الفادحة، مستخدماً «الالتزام» ببند واحد من «إعلان جدة» يلوح به كلما عادت سيرة التفاوض للتداول.

نصت المادة (1/ج)، على «اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة، لتجنب وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، مما يهدف إلى إخلاء المراكز الحضرية بما فيها مساكن المدنيين، فعلى سبيل المثال، لا ينبغي استخدام المدنيين كدروع بشرية».

«قوات الدعم السريع» السودانية (أ.ف.ب)

وهو ما يعتبره المحلل السياسي محمد لطيف «عقبة» تجب إزالتها، منطلقاً من أن قضية منازل المدنيين هي نتيجة من تداعيات الحرب وليست سبباً فيها، ويقول: «لا يمكن تجاهل السبب والاتجاه لمعالجة النتيجة... الخطوة الأولى هي إيقاف الحرب».

ويرى لطيف أن «التمسك باستمرار الحرب لا علاقة له بمصالح الشعب، بل إن دعاة الحرب والمتمسكين باستمرارها يتخذون من هذا النص في (إعلان جدة)، ذريعة للحفاظ على مصالحهم». ويتابع: «أكرر، وكررتها أكثر من مرة، لا يوجد في (إعلان جدة) نص يلزم (الدعم السريع) بالخروج من منازل المواطنين».

وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أصدر مرسوماً بحل «قوات الدعم السريع» وإلغاء قانونها، وإعلانها «قوة متمردة على الدولة يتم التعامل معها على هذا الأساس»، الأمر الذي اعتبره لطيف «إنهاء لوجود تلك القوات القانوني والأمني والسياسي الذي نص عليه (إعلان جدة) في ديباجته».

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا (أرشيفية - الجيش السوداني)

ويتابع لطيف: «الالتزام بالإعلان يجب ألّا يؤثر على أي وضع قانوني أو أمني أو سياسي لأطرافه، ولا يرتبط بأي عملية سياسية»، ويستطرد: «التذرع بالنص الوارد في الإعلان هو مجرد محاولات تشويش وتضليل للرأي العام»، ويقول: «هذه الذريعة أصبحت مثل (قميص عثمان) والفتنة الكبرى، ونحن في فتنة كبرى أيضاً وجد دعاتها ما يتاجرون ويزايدون به على الناس».

ويرى لطيف أن «النصّ الذي وقعه الجيش أكد شرعية (قوات الدعم السريع)، والتمسك به يقتضي الاعتراف بما ورد في النص»، ويتابع: «إذا كنت تتمسك بـ(إعلان جدة)، فهذا هو (إعلان جدة) والبند الأول منه يفترض أن تلتزم به».

ويضيف: «الجيش وقع على شرعية (الدعم السريع)، في (إعلان جدّة)، كمؤسسة منشأة بقانون صادر من البرلمان، وأمن على وضعها السياسي بوصف رئيسها نائباً لرئيس السلطة الانتقالية، وعلى شرعية وجودها الأمني في المعسكرات أو مواقع عسكرية».

ويسخر لطيف من ذريعة الجيش وأنصاره بالقول: «ليس هناك استسلام أكثر من هذا، هم يتحدثون أن (إعلان جدة) ألزم (الدعم السريع) بالخروج من مساكن المدنيين، ويتجاهلون أنه اعترف بشرعية (الدعم السريع)».

سودانيون فارون من بلدة سنجة جنوب شرقي السودان يستريحون في مخيم بعد وصولهم إلى القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

وتتذرع «الدعم السريع» من جهتها، بما عُرف بـ«بيان التزامات بناء الثقة» الموقع بين الطرفين في «جدة 2» بتاريخ 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، والذي نصت المادة (3) منه على آلية تواصل بين قادة الطرفين وإعادة احتجاز الهاربين من السجون، بما فيهم قادة النظام السابق، «وتحسين المحتوى الإعلامي وتخفيف حدة اللغة الإعلامية، واتخاذ إجراءات حيال الأطراف المثيرة للتصعيد والمؤججة للصراع»، وهو ما لم يلتزم أي من الطرفين به.

فهل يذهب الجيش إلى جنيف أو يخضع لابتزاز، وربما تهديد، دعاة استمرار الحرب من الإسلاميين الذين يرون في استمرارها استمراراً لوجودهم وسيطرتهم على الجيش والدولة، ويرون في وقفها هزيمة عسكرية وسياسية قد تخرجهم من الملعب نهائياً؟!