«حرب الجنرالين» تدمر مؤسسات التعليم في السودان

طلاب يلجأون للدراسة في الخارج... وجامعات تهجر السودان والثانويات تدرس عن بعد

TT

«حرب الجنرالين» تدمر مؤسسات التعليم في السودان

فرع محروق لأحد البنوك في جنوب الخرطوم (أ.ف.ب)
فرع محروق لأحد البنوك في جنوب الخرطوم (أ.ف.ب)

دمار وخراب طالا مؤسسات التعليم العالي في السودان، بسبب الحرب بين الجيش و«الدعم السريع». القذائف التي سقطت على مكتبات الجامعات ومقاعد الدراسة حصدت أرواح طلاب وجرحت آخرين... الطلاب الذين لم يشاهدوا الحرب إلا عبر شاشات التلفزيون أو كتب التاريخ، جعلها الجنرالان واقعاً يعيش بينهم، ورأوا بأم أعينهم أن محبوبتهم (الجامعة) دمرتها المعارك العنيفة، ولم يبقَ لهم إلا الذكريات الجميلة والصور التذكارية التي زينوا بها صفحاتهم بموقع «فيسبوك».

طلاب فروا من القتال يؤدون امتحاناتهم في مدرسة بمدينة بورتسودان (رويترز)

حرب أبريل (نيسان) التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل الماضي، شكّلت نقطة تحول كبيرة في مسيرة جميع مؤسسات الدولة، وألقت بظلالها السالبة على ديوان العمل المؤسسي في جميع المناحي. والتعليم العالي ومؤسساته ومنسوبوه لم يكونوا بعيدين عن ذلك المشهد، فقد طال التدمير البنية التحتية لهذه المؤسسات، مما يصعب معه إعادتها إلى سابق عهدها في القريب العاجل. كما طال الدمار التعليم الأولي والثانوي، حيث تقوم بعض المدارس بمتابعة عملها ودروسها من بعد عبر شبكة الإنترنت.

متطوع يعمل في غرفة طوارئ بمدرسة تحولت إلى مستشفى في أمدرمان (أ.ف.ب)

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كوّنت لجنة طوارئ، لمعرفة الضرر الذي لحق بتلك المؤسسات. يقول رئيس اللجنة ومدير جامعة الجزيرة البروفيسور صلاح الدين محمد لـ«الشرق الأوسط»، إن لجنته تقوم بمهمة حصر الأضرار التي لحقت بتلك المؤسسات ومنسوبيها، وبحث السبل الكفيلة باستئناف الدراسة في مؤسسات التعليم العالي في الولايات المستقرة، وبحث إمكانية الإسناد العلمي والأكاديمي لطلاب الولايات المتأثرة.

الدراسة في الخارج أحد الخيارات

لا يخفى على أحد حجم الضرر الذي ترتب على تدمير مؤسسات التعليم العالي وعلى طلابها في جميع المستويات، الذين لا يعلمون ما سيؤول إليه مصيرهم ومستقبلهم العلمي والمهني.

أغلب طلاب الجامعات حزموا حقائبهم ونزحوا مع أسرهم إلى الولايات بعيداً عن المناطق التي اشتعلت فيها حرب أبريل، وعدد كبير لجأوا إلى الخارج وقرروا الدراسة بالجامعات هناك، وحتى الآن لا توجد إحصائية دقيقة بعددهم، لكن قدروا بالآلاف. كما هاجرت جامعات أخرى إلى بلدان أخرى، مثل جامعة «مأمون حميدة» الخاصة، التي غادرت إلى رواندا، وطلبت من طلابها اللحاق بها هناك.

مصادر من جامعات مختلفة تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، قائلة إن من المؤكد أن خيار عدد كبير من الطلاب للدراسة بالخارج سيكون له أثر سالب على الجامعات السودانية، لكن التأثير الأكبر سيكون على السودان ومستقبله، وسيختلف من جامعة إلى أخرى إذا وجدت البيانات الدقيقة لرحلة الطلاب إلى الخارج.

نازحون سودانيون يقيمون داخل مدرسة ثانوية في مدينة الحصاحيصا (أ.ف.ب)

ووجهت الصحيفة أسئلة لوزير التعليم العالي محمد حسن، حول أعداد الطلاب الذين لجأوا للدراسة بالخارج أثناء الحرب، والتحديات التي تواجه عمله في هذه الفترة وغيرها، إلا أنه لم يرد عليها.

تأثيرات ثورة ديسمبر

تعثرت الدراسة في مؤسسات التعليم العالي في السنوات الماضية لأسباب عديدة، مثلاً فترة ثورة 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018، حيث كان أغلب الذين شاركوا فيها من فئة الشباب، واضطر النظام السابق إلى إغلاق الجامعات التي شهدت حالات عنف وسط الطلاب، كما أن بعض المواكب كانت تخرج من الجامعات لإسقاط نظام الإنقاذ الوطني برئاسة الرئيس المخلوع عمر البشير.

توقفت الدراسة الجامعية أيضاً لأشهر بسبب تفشي وباء كورونا، وأثناء إضرابات أساتذة الجامعات عن العمل، مطالبين بتحسين أجورهم.

شكلت كل هذه العوامل مجتمعة أو متفرقة تحديات كبيرة واجهت مؤسسات التعليم العالي، منها تراكم الدفعات الدراسية وتكدسها في أعوام وفصول دراسية معينة، مما شكل ضغطاً كبيراً على هذه المؤسسات لتوفير المعينات التدريسية والتدريبية والوفاء بالساعات المعتمدة للمناهج.

طلاب إحدى المدارس خلال احتجاجات سابقة في الخرطوم (أ.ف.ب)

وبعد انفراج الأزمة بعد إجازة الهيكل الراتبي لمنسوبي مؤسسات التعليم العالي، بدأ العمل بصورة منظمة ودقيقة لتجاوز كل تلك المشكلات، مما أسهم بصورة واضحة في الاستقرار الأكاديمي الذي شهدته مؤسسات التعليم العالي في الفترة الماضية.

طلاب السنة النهائية

وزير التعليم العالي محمد حسن أصدر توجيها، يوم الجمعة الماضي، باستضافة الطلاب والمؤسسات بالخارج، لإكمال العام الدراسي أو لفترة دراسية محددة فقط، وأن تكون الاستضافة لفترات أطول داخل السودان بمؤسسات التعليم العالي الحكومية وغير الحكومية بالولايات خارج نطاق الحرب.

وأشار رئيس لجنة الطوارئ والمتابعة لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار توفيق طلاب الجامعات المتأثرين بالحرب واستضافتهم بالجامعات المستقرة. وقال: «بادرت بعض الجامعات بتحديد أماكن محددة لاستضافة طلابها، خاصة إذا علمنا أن الطلاب قد انتشروا في أنحاء السودان المختلفة». وأضاف: «هناك من سعى لتحديد وجود الطلاب في كل منطقة؛ توطئةً لاتخاذ ما يناسب من قرارات»، مشيراً إلى أن معظم الطلاب المستضافين هم من طلاب السنة النهائية ممن أوشكوا على إجراء الامتحانات أو إكمال متبقي الدراسة ومن ثم الامتحانات.

المدارس مأوى للنازحين

تؤكد مصادر من جامعات مختلفة تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، أن الإجراء الذي اتخذه وزير التعليم العالي حول استضافة طلاب نازحين، «منطقي وطبيعي، بوصفه الخطوة الأولى لمعرفة مدى استعداد الجامعات للاستضافة إذا كانت جزئياً أو كلياً»، لكنهم أشاروا أيضاً إلى ترتيبات تتعلق بجهات أخرى غير مؤسسات التعليم العالي مثل الصندوق القومي لرعاية الطلاب الذي يقوم بإدارة داخليات الطلاب، خاصة أن معظم الداخليات أصبحت مأوى للنازحين الذين تضرروا من الحرب ووفدوا إلى من الولايات المضطربة.

شهادات جامعية

أغلب الطلاب الذين استطلعت الصحيفة آراءهم، كان حزنهم الأكبر على الوطن، والأضرار التي لحقت به بسبب المعارك العنيفة في العاصمة وولايات أخرى، معتبرين أن سنوات الدراسة التي ضاعت يمكن تعويضها في سودان جديد، سودان ما بعد الحرب.

الطالب محمد موسى يدرس في المستوى الرابع بجامعة النيلين، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن مستقبله الدراسي أصبح في علم الغيب، فهو لا يملك مالاً ليكمل دراسته بالخارج، ولا أمل أن تفتح الجامعات أبوابها للطلاب قريباً. وأضاف: «المهم الآن أن تتوقف الحرب التي استمرت لأربعة أشهر، ويكفي الدمار الذي لحق بالبلاد».


مقالات ذات صلة

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

السودان: 40 قتيلاً في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

أفاد طبيب بمقتل 40 شخصاً «بالرصاص» في السودان، بهجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» على قرية بولاية الجزيرة وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يخاطب حضور مؤتمر اقتصادي في مدينة بورتسودان اليوم الثلاثاء (الجيش السوداني)

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان رفضه للصراعات داخل حزب «المؤتمر الوطني» (المحلول) الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا جلسة مجلس الأمن الدولي بخصوص الأوضاع في السودان (د.ب.أ)

حكومة السودان ترحب بـ«الفيتو» الروسي ضد «مشروع وقف النار»

رحّبت الحكومة السودانية باستخدام روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، اليوم (الاثنين)، ضد مشروع القرار البريطاني في مجلس الأمن بشأن السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)
الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)
TT

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)
الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة، وغازل عمداء البلديات بـ«الخدمات» من خلال إنهاء وتدشين عدة مشروعات في مناطقهم.

واجتمع الدبيبة في مقر الحكومة بطرابلس العاصمة مع 6 عمداء بلديات، هي الأصابعة وككلة والقواليش والمشاشية ويفرن والقلعة، بالإضافة إلى عدد من أعيانها، لمناقشة عدد من الملفات الخدمية والتنموية والاجتماعية.

وتحدث الدبيبة خلال اللقاء عن دعمه لملف التنمية المحلية واللامركزية، وإقرار عدد من اللوائح والقرارات المنظمة لهذا التوجه المهم، مشدداً على ضرورة توحيد الجهود الوطنية للوصول بالبلاد لانتخابات برلمانية ورئاسية، وفق قوانين عادلة ومتفق عليها، وإنهاء المراحل الانتقالية.

الدبيبة مع عدد من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

ووفقاً لمكتب الدبيبة، فقد استعرض رؤساء الأجهزة التنفيذية أهم المشروعات التنموية بالبلديات الحاضرة، ونسب الإنجاز الفنية والمشروعات المعتمدة في الخطة التنموية المقبلة.

ويأتي لقاء الدبيبة بعمداء البلديات الـ6، عقب يوم من لقائه أعضاء المجلس البلدي يفرن وعدداً من أعيان المدينة. وأثار خلال اجتماعه معهم ضرورة «توحيد الجهود الوطنية لإنجاز الدستور والقوانين الانتخابية العادلة، لتكون المرجعية الوطنية التي تتيح إجراء الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية».

وخلال الاجتماعين حرص الدبيبة على توجيه أجهزة حكومته لإنجاز مشاريع معطلة بالبلديات، وقال في اللقاء الذي انتهى، مساء الخميس، إن «عمليات الإمداد المائي لبلديات الجبل تحديداً كانت من أولويات الخطة التنموية، ضمن مشروعات (عودة الحياة)، وما زالت مستمرة حتى استكمالها، تقديراً لظروف المنطقة واحتياجاتها لمياه الشرب».

كما وجّه الدبيبة «الأجهزة التنفيذية بإعطاء الأولوية في المشروعات التنموية لقطاعات المياه والصرف الصحي، والمرافق التعليمية والصحية، وإعطاء الأولوية للمشاريع الجارية لضمان استكمالها».

من جهة ثانية، تتواصل في ليبيا تداعيات إيقاف الدبيبة للقائم بالأعمال في السفارة الليبية لدى مصر، محمد عبد العالي، دون مزيد من الأسباب، لكنه كلف مندوب ليبيا لدى جامعة الدول العربية، السفير عبد المطلب إدريس، بتسيير مهام السفارة الليبية.

في غضون ذلك، دعا مجلس النواب الليبي أعضاءه إلى جلسة رسمية، الاثنين المقبل، تُعقد في مدينة بنغازي، لمناقشة بنود جدول أعمال المجلس، حسب عبد الله بليحق المتحدث الرسمي باسم المجلس.

الطاهر الباعور مستقبلاً سفير إيطاليا لدى ليبيا (خارجية الوحدة)

من جهته، التقى الطاهر الباعور، المكلف تسيير وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة»، الجمعة، في مكتبه بطرابلس، سفير إيطاليا لدى ليبيا، جيانلوكا البريني، حيث أكد الجانبان على عمق العلاقات الثنائية المتميزة التي تربط البلدين والشعبين الصديقين.

ونقلت الخارجية عن السفير «إشادته بمخرجات منتدى الأعمال الليبي - الإيطالي، الذي عُقد بطرابلس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ حيث نقل خلال اللقاء امتنان وتقدير رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجا ميلوني، لنجاح هذا المنتدى.

وأكد الباعور مشاركته وتمثيل الوفد الليبي في «منتدى حوار المتوسط لبلدان البحر المتوسط»، الذي سيُعقد في روما على المستوى الوزاري، نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.