مدن شبه منفصلة... سكان الخرطوم يواجهون صعوبات في التنقل بسبب إغلاق الجسور

رجل سوداني فر من الصراع في إقليم دارفور بالسودان يسير بجوار ملاجئ مؤقتة بالقرب من الحدود بين السودان وتشاد في 13 مايو 2023 حيث لجأ إلى بوروتا في تشاد (رويترز)
رجل سوداني فر من الصراع في إقليم دارفور بالسودان يسير بجوار ملاجئ مؤقتة بالقرب من الحدود بين السودان وتشاد في 13 مايو 2023 حيث لجأ إلى بوروتا في تشاد (رويترز)
TT

مدن شبه منفصلة... سكان الخرطوم يواجهون صعوبات في التنقل بسبب إغلاق الجسور

رجل سوداني فر من الصراع في إقليم دارفور بالسودان يسير بجوار ملاجئ مؤقتة بالقرب من الحدود بين السودان وتشاد في 13 مايو 2023 حيث لجأ إلى بوروتا في تشاد (رويترز)
رجل سوداني فر من الصراع في إقليم دارفور بالسودان يسير بجوار ملاجئ مؤقتة بالقرب من الحدود بين السودان وتشاد في 13 مايو 2023 حيث لجأ إلى بوروتا في تشاد (رويترز)

لم تجد عائلة السيدة السودانية زينب المهدي خيارا عند مغادرة بيتها في حي الدروشاب بشمال مدينة الخرطوم بحري إلى أمدرمان المجاورة سوى المرور عبر مدينة شندي بولاية نهر النيل في شمال السودان، وفق وكالة أنباء العالم العربي.

تقول زينب المهدي إن الحي الذي تسكنه أصبح في مرمى النيران وتدور المعارك بالقرب من بيتها، لذا قررت المغادرة إلى منزل الأسرة الكبيرة بأمدرمان.

لكنها تضيف أن الجيش السوداني أغلق جسر الحلفايا الرابط بين مدينتي بحري وأمدرمان بالكتل الترابية من جهة أمدرمان، وهو أقرب جسر لمنطقتها، إذ يستغرق المرور عبره حوالي ربع الساعة.

أما جسر شمبات الذي يربط مدينتها بأمدرمان، فيقع في قلب الاشتباكات التي تدور بصورة شبه يومية، وهو دائما هدف للمدفعية الثقيلة والطائرات الحربية نظرا لوقوع معسكر المظلات التابع لقوات الدعم السريع أسفل الجسر من جهة بحري.

وأدى إغلاق معظم جسور العاصمة الخرطوم إلى صعوبات كبيرة في تنقل السكان والمركبات العامة في مدنها الثلاث، كما يواجه البعض صعوبات في السفر إلى الولايات المجاورة للخرطوم بالطرق المعتادة.

وقالت زينب المهدي لوكالة أنباء العالم العربي: «بات من الصعب المرور بجسر شمبات» حيث يرتكز في المباني أسفل الجسر من الجهتين قناصة يطلقون النار عشوائيا على كل من يشتبهون به. وأضافت أن أحد أقربائها أصيب بطلقة قناصة في كتفه اليمنى قبل نحو شهر خلال عبور الجسر.

وتؤكد: «من يتمكن من العبور يتعرض لنهب كل ما يحمله... حتى السيارة ينهبونها».

وفضّلت العائلة المرور عبر مدينة شندي بولاية نهر النيل في شمال السودان ثم العودة إلى أمدرمان بالطريق الغربية لنهر النيل تفاديا للنهب أو الإصابة.

إما اشتباكات وإما نهب

يلجأ كثير من السكان المغادرين إلى ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض بوسط السودان المجاورتين للعاصمة في الجزء الجنوبي والجنوبي الغربي إلى العبور بالطريق الغربي إلى شندي شمالا ثم عطبرة إلى أن يستقر بهم المقام في رحلة تستغرق يومين إلى ثلاثة أيام، بينما لم تكن لتستغرق أكثر من أربع ساعات لو أن الجسور مفتوحة.

ويتخوف أغلب الذين يسلكون طريق جسر شمبات للتنقل أو للخروج من المنطقة إلى ولايات الوسط - وهي خط الإمداد الرئيسي لقوات الدعم السريع من غرب البلاد إلى مدينتي بحري والخرطوم - من وقوع اشتباكات أو نهب السيارات من قبل قوات عسكرية تنتشر على طول الطرق الرئيسية التي تربط ولايات شمال كردفان والنيل الأبيض والجزيرة.

ويقول عبد الرحمن ضو البيت، وهو سائق حافلة في الخطوط الداخلية للمواصلات العامة بولاية الخرطوم، إن التنقل بين مدن العاصمة الثلاث عبر الجسور بات ضربا من ضروب المستحيل بسبب إغلاق معظمها وانتشار عمليات النهب لدى التنقل، خاصة المركبات.

ومع صعوبة المرور عبر الجسور، بدأ ضو البيت في القيام برحلاته من أمدرمان إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة في وسط السودان عن طريق شندي تفاديا لعمليات النهب، وهي الطريق التي يفضلها معظم المسافرين كونها أكثر أمانا رغم وعورتها وبُعد المسافة.

ويضطر المسافرون إلى المبيت في إحدى المدن التي يمرون عبرها والتحرك في اليوم التالي.

وذكر عبد الرحمن ضو البيت في حديث لوكالة أنباء العالم العربي أن الجيش أغلق من جهة واحدة جسري النيل الأبيض والإنقاذ اللذين يربطان الخرطوم بأمدرمان ويؤديان إلى مستشفى السلاح الطبي العسكري ومنطقة سلاح المهندسين العسكرية، إلى جانب جسر الحلفايا من جهة أمدرمان.

وفي ذات الوقت فإن جميع الجسور التي تربط الخرطوم بمدينة بحري مغلقة تماما ولا يستطيع أحد الاقتراب منها وفقا لضو البيت، الذي أكد أن مدن العاصمة الثلاث باتت شبه منفصلة.

القوارب ملاذ

تربط مدن العاصمة الثلاث تسعة جسور رئيسية هي الحلفايا وشمبات بين بحري وأمدرمان، والنيل الأبيض والإنقاذ بين الخرطوم وأمدرمان، والمك نمر والنيل الأزرق وكوبر بين بحري والخرطوم والمنشية وسوبا بين الخرطوم وشرق النيل.

ويستقل بعض السكان قوارب خاصة من الخرطوم إلى أمدرمان بسبب إغلاق الجسرين اللذين يربطانهما إغلاقا تاما. ويقول ضو البيت: «هذه الطريقة ربما تعرضهم لمخاطر، لكنهم مجبرون».

أما مصعب شريف الذي ترك بيته بحي شمبات العريق بمدينة بحري مع بداية الاشتباكات بسبب انقطاع المياه ولجأ إلى شقيقه بأمدرمان، فلم يتمكن من الوصول إلى بيته للاطمئنان على مقتنياته.

قال إنه حاول العبور أكثر من مرة عبر جسر الحلفايا، لكن أفرادا من الجيش أبلغوه بأن الجسر مغلق وعليه الذهاب عن طريق جسر شمبات.

وهناك منعته قوات الدعم السريع من العبور.


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

توعدت «الدعم السريع» بمواصلة «العمليات الخاصة النوعية»، لتشمل «جميع المواقع العسكرية لميليشيات البرهان والحركة الإسلامية الإرهابية»، واعتبارها أهدافاً بمتناولها

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من «قوات الدعم السريع»

أعلن الجيش السوداني، اليوم السبت، «تحرير» مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، من عناصر «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)

​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
TT

​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)

يأمل ليبيون في إخضاع متهمين بـ«ارتكاب جرائم» خلال السنوات التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي إلى «محاكمة عادلة وسريعة».

وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، تحدث ضمن إحاطة أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي، عن «خريطة طريق» لمحاكمة المتهمين في ليبيا من بينهم المتورطون في «المقابر الجماعية» في ترهونة (غرب البلاد).

وقفة احتجاجية لعدد من أهالي ضحايا ترهونة بغرب ليبيا (رابطة ضحايا ترهونة)

ورغم تعهد خان في إحاطته، بالعمل على «قدم وساق لتنفيذ خريطة طريق لاستكمال التحقيقات في جرائم حرب حتى نهاية 2025»، فإنه لم يوضح تفاصيلها، إلا أن عضو «رابطة ضحايا ترهونة» عبد الحكيم أبو نعامة، عبّر عن تفاؤل محاط بالتساؤلات على أساس أن «4 من المطلوبين للجنائية الدولية في جرائم حرب وقعت بالمدينة منذ سنوات لا يزالون خارج قبضة العدالة».

ويقصد أبو نعامة، في تصريح إلى «الشرق الأوسط» قائد الميليشيا عبد الرحيم الشقافي المعروف بـ«الكاني»، إلى جانب فتحي زنكال، ومخلوف دومة، وناصر ضو، فيما يخضع عبد الباري الشقافي ومحمد الصالحين لتصرف النيابة، بعد القبض على الأخير السبت.

ومن بين ملفات اتهام متنوعة في ليبيا، قفزت منذ أشهر إلى مقدمة أجندة المحكمة الدولية جرائم «مقابر جماعية» ارتكبت في ترهونة (غرب ليبيا) إبان سيطرة ما تعرف بـ«ميليشيا الكانيات» بين أبريل (نيسان) 2019 ويونيو (حزيران) 2020، علماً بأن الدائرة التمهيدية لـ«الجنائية الدولية» قرّرت رفع السرية عن ستة أوامر اعتقال لمتهمين في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وينتاب من يتهمون بهذا الملف وأسر ضحايا في ترهونة، القلق مما يرونه «تسييس عمل المحكمة الدولية، وغياب الآلية الفعّالة لتنفيذ مذكرات القبض ضد المتهمين، في ظل وجودهم في بعض الدول»، وفق ما أفاد علي عمر، مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» لـ«الشرق الأوسط».

يُشار إلى أن خان، أبلغ مجلس الأمن الدولي عن اتفاقه مع النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور، على آلية جديدة للتعاون بين الطرفين، لكنه لم يكشف عن تفاصيلها.

إلى جانب مخاوف «التسييس»، يبدو أن تحديد المدعي العام للجنائية الدولية إطاراً زمنياً للانتهاء من التحقيقات نهاية العام المقبل، قد يكون مثار قلق أكبر لعائلات الضحايا.

ووفق عمر: «قد يفاقم الإفلات من العقاب ويشجع مرتكبي الجرائم الدولية على مواصلة أفعالهم»، مع إيحاء سائد لدى البعض «بعدم وجود نية لملاحقة مرتكبي الجرائم أو فتح جميع ملفات الجرائم التي تندرج تحت اختصاص المحكمة».

ومن بين الاتهامات التي تلاحق «ميليشيا الكانيات» كانت تصفية أغلب نزلاء سجن «القضائية»، و«الدعم المركزي» بترهونة، في 14 سبتمبر (أيلول) 2019، في رواية نقلتها «رابطة ضحايا ترهونة».

ويلاحظ متابعون، أن ظلال الانقسام السياسي انعكست على زيارة خان إلى طرابلس، وفق أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الواحد القمودي. وعلى نحو أكثر تفصيلاً، يشير مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» علي عمر، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن غياب التعاون من قِبل السلطات في شرق ليبيا وغربها، من بين عراقيل أخرى تقف أمام «نزاهة التحقيقات».

مقبرة جماعية مكتشفة بترهونة (غرب ليبيا) (هيئة التعرف على المفقودين في ليبيا)

في غضون ذلك، فرض الدور الروسي الزائد في ليبيا نفسه على إحاطة خان، أمام مجلس الأمن، بعدما شككت مندوبة روسيا في ولاية المحكمة على الملف الليبي، مذكرة بأن ليبيا «ليست طرفاً في نظام روما الأساسي».

وفي حين يستبعد أمين «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» في ليبيا عبد المنعم الحر دوراً روسياً معرقلاً للمحاكمات، فإنه يتفق مع مندوبة روسيا في أن «الإحالة من جانب مجلس الأمن لم تعط المحكمة الجنائية الدولية ولاية مطلقة على ليبيا»، مشيراً إلى أنها «اقتصرت على جرائم حصلت قبل تاريخ 19 فبراير (شباط) 2011».

ويستند الحر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الذي أجاز «التحقيق في جريمة أو أكثر ارتكبت»، وهو «ما يجعل القضايا التي وقعت بعد هذا التاريخ خارج ولاية المحكمة».

وقد يبدو «التفاؤل محدوداً» بمثول المطلوبين في جرائم الحرب بليبيا أمام المحكمة في لاهاي، وفق «مدير منظمة رصد الجرائم»، لكنه يشير إلى مخرج من هذا المأزق، وهو «اتخاذ خطوات أكثر جرأة، تشمل دعماً دولياً لضمان استقلالية التحقيقات، ووضع آلية فعّالة لتنفيذ مذكرات القبض».

وعلى نحو يبدو عملياً، فإن أمين المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا يقترح «حلاً قانونياً بتشكيل محكمة خاصة مختلطة يترأسها قاض ليبي تضم في هيئتها قضاة ليبيين ودوليين، على غرار المحكمة الدولية التي تم إنشاؤها للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005».