حضور جزائري قوي في الجدل الفرنسي حول مقتل نايل

جاء في سياق أحداث متتالية ألغت زيارة تبون إلى باريس

الرئيسان الجزائري والفرنسي في الجزائر يوم 27 أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في الجزائر يوم 27 أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

حضور جزائري قوي في الجدل الفرنسي حول مقتل نايل

الرئيسان الجزائري والفرنسي في الجزائر يوم 27 أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في الجزائر يوم 27 أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

أظهر الجدل الجاري في فرنسا حول الأحداث التي أعقبت مقتل الشاب نايل مرزوقي يوم 27 يوليو (تموز) الماضي برصاص شرطي في إحدى ضواحي باريس، حضوراً لافتاً للجزائر في تفاعل الطبقة السياسية الفرنسية مع القضية. كانت الخارجية الجزائرية، دعت باريس إلى «توفير الحماية اللازمة» للمهاجرين الذين يعيشون في فرنسا، وهم بالملايين، على اعتبار أن نايل ينحدر من أصول جزائرية.

وانتقد جوردن بارديلا، رئيس حزب «التجمع الوطني» (يمين متطرف)، بشدة، ردة فعل الجزائر عقب أحداث الشغب، إذ قال في مؤتمر صحافي: «نذكر الجزائر بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فإذا شعرت بالقلق على رعاياها الموجودين هنا في فرنسا فلا ينبغي أن تتردد في استعادتهم، ولتكن البداية بمن يخرقون قوانين الجمهورية الفرنسية».

جوردان بارديلا رئيس التجمع الوطني (يمين متطرف) من حسابه بالإعلام الاجتماعي

وكان يشير، ضمناً، إلى أن مثيري أعمال الشغب ونهب المحلات التجارية التي اندلعت، من صنيع أبناء الهجرة من الجزائريين.

وذهب بارديلا أبعد، عندما قال لقناة «بي إف إم» الإخبارية، إن «للجزائر نصيبها من المسؤولية فيما يحدث في فرنسا»، من دون توضيح ما يقصد، لكن فهم من كلامه أنه يحمل الجزائر «ثورة الضواحي» التي تشهدها فرنسا منذ سنوات طويلة. فهي ترفض استعادة المهاجرين الجزائريين الذين يقفون وراء الأحداث في كل مرة، حسب اليمين المتشدد.

وبعد يومين من جريمة مقتل نايل مرزوقي، وصفت الجزائر عبر خارجيتها مقتله بـ«الوحشي والمأساوي»، وعبّرت عن «صدمتها واستيائها»، وأن «الظروف التي أحاطت بالحادثة مثيرة للقلق بشكل لافت». وأكدت أنها «على ثقة بأن الحكومة الفرنسية ستضطلع بواجبها في الحماية بشكل كامل، من منطلق حرصها على الهدوء والأمن اللذين يجب أن يتمتع بهما مواطنونا في بلد الاستقبال الذي يقيمون به».

وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف (الخارجية الجزائرية)

كما أكدت أنها «تتابع باهتمام بالغ تطورات هذه القضية المأساوية، مع الحرص الدائم على الوقوف إلى جانب أفراد جاليتنا الوطنية في أوقات الشدائد والمحن». ونقلت الخارجية التعازي لعائلة الشاب القتيل، وقالت إن «الجميع في بلدنا يشاطرها بشكل واسع حزنها وألمها».

حقائق

4 ملايين فرنسي

من أصل جزائري يعيشون في فرنسا

وليست المرة الأولى التي يدعو فيها قادة اليمين الفرنسي المتطرف، الجزائر، لـ«استعادة رعاياها»، بمن فيهم من يحملون الجنسية الفرنسية، الذين يفوق عددهم 4 ملايين، حسب الصحافة. أما عدد المهاجرين الجزائريين غير النظاميين، فهم حوالي 9 آلاف، حسب وزارة الداخلية الفرنسية، التي طلبت من الجزائر رسمياً عام 2021، إصدار التصاريح القنصلية لترحيلهم.

 

 

إيريك زمور رئيس حزب الاسترداد (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

من جهته، تحدث رئيس حزب «الاسترداد»، مرشح انتخابات الرئاسة الفرنسية سابقاً إيريك زمور، لوسائل الإعلام، عن «ضرورة وقف الهجرة، وإلغاء الحق في الإقامة ولم الشمل العائلي»، بالنسبة للمهاجرين. وكان يشير إلى الأصول الجزائرية للشاب القتيل، على أساس أن حادثة مدينة نانتير، تعكس حسبه، «رفض مهاجري الضواحي الباريسية الاندماج في المجتمع الفرنسي وتمردهم على الجمهورية». يشار إلى أن زمور يتحدر من عائلة يهودية عاشت في الشرق الجزائري وغادرت البلاد قبيل الاستقلال عام 1962.

قضيتان أساسيتان

ويربط مراقبون حضور الجزائر اللافت في الجدل الفرنسي الحالي، بقضيتين أساسيتين؛ الأولى، غضب باريس من عدم تجاوب الجزائريين مع طلبهم استقبال عدد كبير من المهاجرين السريين، صدر بحقهم قرار بالإبعاد من التراب الفرنسي، ما أدى إلى تقليص حصة الجزائر من التأشيرات إلى النصف منذ 2021. وقد واجهت الجزائر هذا الموقف، بتجميد أعمال مشتركة مع فرنسا بدأت في 2022 تخص تسوية «نزاع الذاكرة ورواسب الاستعمار».

أما الملف الثاني، فيتصل بمساعٍ أطلقها برلمانيون من «حزب الجمهوريون» اليميني، أياماً قبل مقتل نايل، لإلغاء اتفاق الهجرة الذي أبرمه البلدان عام 1968، والذي يمنح أفضلية للجزائريين في مسائل الإقامة والدراسة والتجارة في فرنسا، و«لم الشمل العائلي». ففي نظر أصحاب المسعى، لا يسمح هذا الاتفاق بتنفيذ خطط وقف الهجرة إلى فرنسا.

ويعتقد الجزائريون، أن «الصديق (الرئيس الفرنسي إيمانويل) ماكرون يقف ساكتاً أمام هذه الاستفزازات المقصودة». وكل الأحداث المتتالية السابقة أجهضت مشروع زيارة دولة للرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس، كانت مقررة منتصف مايو (أيار) الماضي، ثم تم تأجيلها إلى الشهر الموالي، لتلغى في النهاية، من دون إعلان ذلك رسمياً.


مقالات ذات صلة

تصعيد صومالي جديد ضد إثيوبيا يُعمق التوتر في «القرن الأفريقي»

تحليل إخباري الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود معلناً أمام برلمان بلاده رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» (أرشيفية- الرئاسة الصومالية)

تصعيد صومالي جديد ضد إثيوبيا يُعمق التوتر في «القرن الأفريقي»

في تصعيد للخلاف بين مقديشو وأديس أبابا، قررت الحكومة الصومالية «طرد» دبلوماسي بالسفارة الإثيوبية لدى الصومال، بداعي «القيام بأنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الدفاع الصومالي ونظيره التركي يوقعات اتفاقية تعاون دفاعي بين البلدين (وكالة الأنباء الصومالية)

الصومال يعوّل على مصر وتركيا في تعزيز قدراته وبسط نفوذه

يعول الصومال، على التعاون مع حلفاء إقليميين من بينهم مصر وتركيا، في تعزيز قدراته، ودعم مؤسساته الأمنية والعسكرية، وبسط سيطرته على كامل أراضيه.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شؤون إقليمية مراسم رسمية في ميناءي مقديشو خلال استقبال السفينة التركية «أوروتش رئيس» في مستهل مهمتها قبالة السواحل الصومالية (من حساب وزير الطاقة التركي على «إكس»)

سفينة «أوروتش رئيس» التركية تبدأ البحث عن النفط والغاز قبالة سواحل الصومال

تبدأ سفينة الأبحاث السيزمية التركية «أوروتش رئيس»، خلال الأسبوع الحالي، أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة بالصومال.

العالم العربي مباحثات الرئيس الصومالي مع نظيره الكيني ويليام روتو (وكالة أنباء الصومال)

الصومال يوسّع تحالفاته بتعزيز التعاون الأمني مع الجوار

يسعى الصومال إلى توسيع تحالفاته الإقليمية، في مواجهة تحديات ومخاطر أمنية بأراضيه، وعلى رأسها القضاء على حركة «الشباب» الإرهابية.

أحمد إمبابي (القاهرة)
أفريقيا سيارة شرطة صومالية تتجه إلى موقع انفجار في مطعم يرتاده عادة ضباط الشرطة بالقرب من معسكر تدريب في مقديشو (الصومال) 17 أكتوبر 2024 (رويترز)

الأمن الصومالي يلقي القبض على 3 عناصر من «الشباب» في مقديشو

ألقت قوات جهاز الأمن الصومالي القبض على 3 عناصر من «حركة الشباب» الإرهابية المرتبطة بتنظيم «القاعدة» بعملية أمنية في العاصمة مقديشو


«البلديات الليبية» ساحة صراع محتدم بين حكومتَي الدبيبة وحمّاد

الدبيبة يلتقي عمداء البلديات بشرق ليبيا وجنوبها (حكومة الوحدة)
الدبيبة يلتقي عمداء البلديات بشرق ليبيا وجنوبها (حكومة الوحدة)
TT

«البلديات الليبية» ساحة صراع محتدم بين حكومتَي الدبيبة وحمّاد

الدبيبة يلتقي عمداء البلديات بشرق ليبيا وجنوبها (حكومة الوحدة)
الدبيبة يلتقي عمداء البلديات بشرق ليبيا وجنوبها (حكومة الوحدة)

أظهر اجتماع نظمته حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس لعدد من عمداء المجالس البلديات «صراعاً محتدماً» مع نظيرتها بشرق ليبيا حول البلديات، وكيفية السيطرة عليها.

وكان أسامة حماد، رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، التي تدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب الليبي، قد أمر بوقف عدد من عمداء بلديات تلك المناطق عن العمل، وإحالتهم للتحقيق بعد مشاركتهم في اجتماع عقده الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، بالعاصمة طرابلس.

رئيس حكومة «الوحدة» خلال اجتماع بعدد من عمداء البلديات بشرق ليبيا وجنوبها (حكومة الوحدة)

وعدّت أصوات سياسية هذا القرار «نتيجةً متوقعة» في ظل إعلان البرلمان قبل أكثر من شهرين «انتهاء ولاية» حكومة الدبيبة، فضلاً عن إصدار حكومة حماد الكثير من القرارات بعدم التعامل مع سلطات طرابلس أو تنفيذ قراراتها.

ويرى عضو مجلس النواب الليبي، حسن الزرقاء، أن توقيف عمداء البلديات «نتيجة طبيعية» لاستمرار حالة الانقسام السياسي والحكومي بالبلاد منذ سنوات عدة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن حكومتَي حماد والدبيبة «تسعيان لتأكيد شرعيتهما عبر وسائل عدة، ومنها إظهار تبعية أكبر عدد من البلديات في عموم البلاد لسيطرتها». مبرزاً أن قرار إيقاف بعض العمداء «جاء في إطار الانزعاج من توظيف حكومة الدبيبة للاجتماع دعايةً سياسيةً لها، بعد أن ضم مسؤولين محليين بالشرق والجنوب، وهي مناطق نفوذ حكومة حماد، للاجتماع معها بالعاصمة».

وتوقع البرلماني أن تقوم حكومة حماد بالتحقّق من أسباب اجتماع هؤلاء العمداء مع الدبيبة؛ وهل كان ذلك لطلب الأموال اللازمة منها لمعالجة مشكلات وأزمات خانقة، تؤثر على معيشة المواطنين ببلدياتهم في ظل ضعف الموارد المخصصة لها»، مشيراً إلى أن هذا الأمر «يمكن التفاهم حوله على اعتبار أن أموال أي حكومة هي ملك لعموم الليبيين».

وأضاف الزرقاء موضحاً: «إذا كان اجتماع هؤلاء العمداء من قبيل دعم الدبيبة وحكومته وتسيس بلدياتهم؛ فإن ذلك قد يستوجب عقاباً ما، في ظل القرارات المعلنة من البرلمان بانتهاء ولاية تلك الحكومة».

رئيس المجلس الأعلى لقبائل فزان ومدنها انتقد حظر حكومة حماد على عمداء بلديات المنطقة التعامل مع حكومة الدبيبة (الشرق الأوسط)

وفي إدراج له على موقع «فيسبوك»، انتقد رئيس المجلس الأعلى لقبائل فزان ومدنها، علي أبو سبيحة، حظر حكومة حماد على عمداء بلديات فزان التعامل مع حكومة الدبيبة؛ «رغم عدم قدرتها (أي حكومة حماد) على توفير متطلبات الجنوب».

أما رئيس مؤسسة «سلفيوم» للأبحاث والدراسات، الليبي جمال شلوف، فسلّط الضوء على ظاهرة توظيف بعض عمداء البلديات وضعية الانقسام السياسي «عبر التنقل بالولاء والتبعية بين حكومتَي الدبيبة وحماد». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا لم توافق حكومة حماد على المطالب المادية للمجالس البلدية، فقد لا يتردد هؤلاء في التوجه للاجتماع مع الدبيبة والعكس صحيح». مشيراً إلى أن الدبيبة «يسارع بالاستجابة لأي مطالب تصدر عن أي مجلس بلدي يتبع جغرافياً لحكومة حماد، وذلك نوعاً من المناكفة السياسية، خصوصاً خلال الفترة التي حظي خلالها بدعم محافظ المصرف المركزي السابق، الصديق الكبير». كما أشار إلى أن «السيناريو ذاته يتكرر أيضاً عند مطالبة بعض الشخصيات في منطقة ما بإنشاء بلدية جديدة؛ نظراً لاتساع مساحة البلاد، فإذا رفضت حكومة حماد قام الدبيبة بإصدار قرار بإنشائها».

ويبلغ عدد البلديات في عموم ليبيا 143 بلدية، وفق مسؤولي المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا، إلا أن الانتخابات لن تجري إلا في (106) منها، ممن انتهت مدة مجالسها الانتخابية.

أسامة حماد أمر عمداء بلديات بعدم التعامل مع حكومة الدبيبة (الاستقرار)

وترجم بعض المراقبين قرار حماد، قبل أيام عدة، بسحب قرارات سابقة له باعتماد قرابة 17 بلدية مستحدثة في المنطقة الغربية بتوصله إلى اتفاق غير معلن مع حكومة الدبيبة، يقضي بألا يتدخل أي منهما في مناطق نفوذه خصمه.

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، ورغم انضمامه إلى الآراء السابقة بأن كل حكومة تسعى لاستقطاب أكبر عدد من البلديات بهدف تعزيز نفوذها السياسي، فإنه رأى أن توجه عمداء البلديات لحكومة الدبيبة «يأتي في سياق طبيعي كونها الحكومة المتمركزة بالعاصمة»، مشيراً إلى أن وزارة المالية التابعة لها تصرف الرواتب والمخصصات المالية للأجهزة والمؤسسات كافة بعموم البلاد.

وقال محفوظ لـ«الشرق الأوسط» إن عدم التعامل مع حكومة الدبيبة «قد يشكل عائقاً وعبئاً مالياً وإدارياً على البلديات، التي تتعرض في الوقت نفسه لضغوط من حكومة حماد»، لافتاً إلى أنه «على الرغم من كبر المساحة التي تسيطر عليها حكومة حماد، فإن عدد البلديات بها يعدّ أقل من الموجود بالمنطقة الغربية لتمركز الكثافة البشرية بالأخيرة».

ويعتقد محفوظ أن حكومة حماد «أُبلغت باجتماع الدبيبة مع عمداء بلديات بالشرق والجنوب؛ لكنها كانت مضطرة إلى اتخاذ رد فعل قوي بإعلان إجراء عقابي لمنع أي لقاءات مستقبلية».

وخلافاً لآراء عدّة، يرى محفوظ أن المواطن قد يكون مستفيداً من هذا التنافس الحكومي على استقطاب البلديات، موضحاً أن «رغبة الحكومتين في جذب المجالس البلدية رافقها تنفيذ مشروعات تنموية وخدمية داخل حدودها، خصوصاً وأن كل حكومة تربط اسمها بالمشروعات التي يتم إنجازها».

من جهته، قلّل الناشط السياسي الليبي، بشير الشيخ، من العقوبات التي قد تتخذها أي الحكومتين لمعاقبة أي مجلس بلدي منتخب. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأمر قد لا يتعدى التوقيف عن العمل لفترة ما، وليس الفصل، وربما عرقلة تمويل المشروعات بتلك البلدية، وبالطبع يمكن تعويض هذا بالاستنجاد بالحكومة المنافسة».