تونس: محاكمة آلاف العائدين من بؤر التوتر

محامي المتهمين في قضايا الإرهاب لـ«الشرق الأوسط»: تنفيذ أحكام بالسجن ضد «سلفيين سابقين»

وزيرة العدل التونسية القاضية ليلى جفال (متداولة)
وزيرة العدل التونسية القاضية ليلى جفال (متداولة)
TT

تونس: محاكمة آلاف العائدين من بؤر التوتر

وزيرة العدل التونسية القاضية ليلى جفال (متداولة)
وزيرة العدل التونسية القاضية ليلى جفال (متداولة)

كشفت بلاغات أمنية مجدداً عن إيقافات شملت «سلفيين سابقين» بعد محاكمتهم في حالة سراح من قبل المحاكم المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب، وآلاف الشباب العائدين من بؤر التوتر في ليبيا وسوريا والعراق...

وأورد بلاغان أمنيان جديدان إيقاف متهمين بالإرهاب من محافظتي المنستير، 170 كلم جنوب العاصمة تونس، وبنزرت، 50 كلم شمال العاصمة، تنفيذاً لأحكام صادرة بشأنهما تناهز 5 أعوام سجناً.

المحامي المختص بقضايا الإرهاب والوزير السابق سمير بن عمر

أحكام قديمة

وأورد المحامي سمير بن عمر، المختص في قضايا الإرهاب ومحاكمات السلفيين منذ أكثر من عشرين عاماً، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «قضية الشخص الذي أوقف أخيراً في محافظة المنستير مشابهة لقضايا آلاف الشباب الذين سبق أن سافروا لبؤر التوتر في سوريا والعراق وليبيا عندما كانت العواصم الغربية وعدة عواصم إقليمية تشجعهم على (الجهاد) و(دعم ثورات الإطاحة بحكم معمر القذافي في ليبيا، وبشار الأسد في سوريا، ولمحاربة القوات الأجنبية) في بلاد الشام والعراق».

وكشف المحامي بن عمر لـ«الشرق الأوسط»، أن «أغلب هؤلاء المتهمين أحيلوا في حالة سراح في قضايا فُتحت ضدهم منذ نحو 10 أعوام بعد عودتهم إلى تونس».

ولم يُسجن هؤلاء سابقاً؛ «لأن أغلبهم لم يتورط مباشرة في العمليات الإرهابية خارج تونس أو داخلها ولم يشارك (الميليشيات السلفية المسلحة) عملياتها». وكثير منهم تراجع من تلقاء نفسه عن الانتماء إلى الجماعات المسلحة في ليبيا وسوريا والعراق، بعد أن اكتشف أن ما كان يجري في تلك البلدان قبل نحو 10 أعوام «ليس جهاداً وليس تحركاً ثورياً...»، بل صراعات مسلحة تورطت فيها عدة لوبيات وأطراف عربية وإسلامية ودولية «خدمة لأجندات عديدة... ».

محكمة تونس العاصمة نظرت قضايا الإرهاب (أرشيفية)

3 مجموعات

من جهة أخرى، صرح مصدر مسؤول في تونس لـ«الشرق الأوسط»، بأن السلطات الأمنية والقضائية التونسية قسمت آلاف العائدين من «بؤر التوتر» منذ وصول الباجي قائد السبسي إلى الحكم في 2015 إلى ثلاث مجموعات: الأولى وقع إيقاف كل عناصرها وإحالتهم على المحاكم الجنائية في حالة إيقاف بسبب الاشتباه في تورطهم مع الجماعات المسلحة «الداعشية» و«التكفيرية» في ليبيا وسوريا والعراق، وبعضهم حوكم حضورياً بالسجن لمدة تتجاوز 10 أعوام.

أما المجموعة الثانية فقد أحيلت على «الرقابة الإدارية» ومؤسسات العلاج النفسي والاجتماعي بعد أن تأكد أن عناصرها يعانون اضطرابات عصبية بسبب سفرهم رغماً عنهم نحو سوريا أو ليبيا رفقة أحد عناصر العائلة، مثل الزوج أو الأب.

وقد تمكن هؤلاء من الفرار والعودة إلى تونس عبر السفارات والقنصليات، وتبين أنهم لم يتدربوا على السلاح ولم ينخرطوا فيه.

وبالنسبة لكثير منهم فقد عادوا إلى مواطنهم، بعد أن تأكدوا من مقتل الزوج أو الأب أو المرافقين في الحروب المدمرة التي شهدتها سوريا والعراق وليبيا أواسط العقد الماضي.

مسيرة ضد المجموعات السلفية المتطرفة في تونس (أرشيفية)

لم ينخرطوا في المجموعات المسلحة

وبالنسبة للمجموعة الثالثة فهي تشمل «سلفيين جهاديين» و«متطرفين دينياً» سافروا إلى سوريا أو العراق أو ليبيا، لكنهم لم ينخرطوا في أي مجموعة مسلحة، إلا أنهم ظلوا محل شبهة. وقد قررت السلطات وقتها إحالتهم على المحاكم بصفة فردية في «حالة سراح»، لتقرر المحكمة سجنهم أو تبرئتهم.

وتبين أن قوات الأمن والمحاكم بقيت ترصد تحركات هؤلاء المشتبه بانتمائهم إلى مجموعات «سلفية تكفيرية» وبتعاطفهم «مع المجموعات الإرهابية».

وحسب المحامي سمير بن عمر، فقد «طالت فترة مراقبتهم عدة أعوام، في انتظار استكمال قضاة التحقيق والنيابة والمحاكم الأبحاث وصياغة تقارير ختم الأبحاث وموقف دائرة الاتهام...»، لذلك بدأت المحاكم منذ مدة إصدار أحكام متفرقة بالسجن على المشتبه فيهم. وبعد صياغة الأحكام من قبل هيئة المحكمة أحيلت القرارات على قوات الأمن التي قامت بإيقاف المتهمين المعاقبين بالسجن.

من جهة أخرى، اعتبر المحامي بن عمر أن «الإعلان عن حكم بالسجن يحوم حول 5 أعوام فقط في قضايا الإرهاب من بين المؤشرات عن كون المتهم ليس متورطاً مع العمليات المسلحة أو في برمجة عمليات إرهابية لوجيستياً».

قضايا «التآمر على أمن الدولة»

من جهة أخرى، كشف المحامي بن عمر لـ«الشرق الأوسط»، أن «ملفات عشرات السياسيين الموقوفين في قضايا ذات صبغة سياسية مع اتهامهم بالإرهاب والتآمر على أمن الدولة ما زالت مفتوحة، رغم قرب تعليق العمل في المحاكم التونسية بمناسبة الإجازة القضائية السنوية التي تبدأ يوم 15 يوليو (تموز) الجاري وتستمر شهرين كاملين».

وتشمل هذه الملفات عدداً من قادة «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة الموقوفين منذ نحو 5 أشهر، بينهم عصام الشابي زعيم الحزب «الجمهوري»، وغازي الشواشي زعيم حزب «التيار»، وراشد الغنوشي ورفاقه في حزب «النهضة»، ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض، والوزير السابق مدير مكتب الرئيس الباجي قائد السبسي رضا بالحاج... كما تشمل عدداً من رموز المعارضة اليسارية والليبرالية والحقوقيين العلمانيين، بينهم أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، والوزير الأسبق للأمن الذي كان مقرباً من قائد السبسي المحامي العروبي اليساري محمد الأزهر العكرمي، والناشطة الحقوقية والنسائية الأكاديمية شيماء عيسى.

وحسب وزارة العدل التونسية، فإن المحاكم تتابع استنطاق المشتبه بتورطهم في «قضايا التآمر على أمن الدولة»، التي قدر المحامي الحقوقي العياشي الهمامي، ورئيس «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة أحمد نجيب الشابي، أن «عدد ملفاتها يناهز العشرة، وعدد المتهمين فيها تجاوز المائة، وأغلب هذه القضايا مستقلة عن بعضها».


مقالات ذات صلة

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

أفريقيا مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

اندلعت، الخميس، معارك عنيفة ما بين الجيش المالي المدعوم بمقاتلين من «فاغنر» الروسية، والمتمردين الطوارق المتمركزين في مدينة تينزاواتين.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد ينظمون مسيرة حاشدة احتفالاً بيوم الجمهورية التونسية إلى جانب احتجاج أنصار أحزاب المعارضة للمطالبة بالإفراج عن المعارضين السياسيين في البلاد (د.ب.أ)

تطورات جديدة في قضايا المتهمين بـ«التآمر على أمن الدولة» في تونس

أعلنت مصادر أمنية رسمية تونسية أن قوات مكافحة الإرهاب ووحدات أمنية من النخبة في محافظات عدة ألقت مؤخراً القبض على عدد من المتهمين في قضايا إرهاب وتهريب بشر.

كمال بن يونس (تونس)
آسيا قوات الأمن التركية ألقت القبض على سيريبرياكوف عقب وصوله بودروم الأربعاء (صورة موزعة من الداخلية التركية)

تركيا سلمت روسيا مُنفِّذ تفجير سيارة أحد العسكريين في موسكو

سلمت تركيا مواطناً روسياً مطلوباً دولياً إلى السلطات في موسكو بعد أن هرب إلى موغلا في ولاية بودروم الجنوبية الغربية عقب تفجيره سيارة ضابط.

سعيد عبد الرازق ( أنقرة)
آسيا عناصر من الشرطة الألمانية المختصة بمكافحة الإرهاب (غيتي)

ألمانيا: إيداع اثنين السجن على ذمة التحقيق للاشتباه في دعمهما «داعش»

عقب إلقاء القبض على اثنين للاشتباه في تأييدهما لتنظيم «داعش» بولايتي هامبورغ وشليزفيج-هولشتاين، تم إيداعهما السجن على ذمة التحقيق.

«الشرق الأوسط» (كارلسروه )
أوروبا حالة استنفار في العاصمة بروكسل إثر إنذار إرهابي (متداولة)

بلجيكا تفتش 14 منزلاً في تحقيق لمكافحة الإرهاب وتحتجز 7 لاستجوابهم

قال مكتب المدعي العام الاتحادي في بلجيكا، الخميس، إن الشرطة فتشت 14 منزلاً في إطار تحقيق يتعلق بالإرهاب، مضيفاً أن 7 أشخاص احتُجزوا بغرض استجوابهم.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز