شهران بلا ماء... سكّان الخرطوم يشكون العطش

على وقع أصوات الرصاص والقصف الجوي والمدفعي

سودانيون يتجمعون حول خزان مياه تابع لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في منطقة الرنك بغرب السودان (رويترز)
سودانيون يتجمعون حول خزان مياه تابع لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في منطقة الرنك بغرب السودان (رويترز)
TT

شهران بلا ماء... سكّان الخرطوم يشكون العطش

سودانيون يتجمعون حول خزان مياه تابع لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في منطقة الرنك بغرب السودان (رويترز)
سودانيون يتجمعون حول خزان مياه تابع لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في منطقة الرنك بغرب السودان (رويترز)

تركت السودانية هادية حسب الله منزلها في حي الصافية بمدينة الخرطوم بحري، الذي ظلت تعيش فيه شهرين كاملين على وقع أصوات إطلاق النار وقذائف المدفعية والقصف الجوي. لم تكن تلك الأصوات فقط ما دفعها إلى الرحيل، وإنما انقطاع المياه منذ نشوب الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل (نيسان) أيضاً، تقول هادية: «قضت أسرتي شهرين بلا ماء وسط دوي المدافع وقصف الطائرات. تحملنا كل الأصوات المرعبة، إلا أن الخوف تملّكنا عندما سمعنا تكسير أقفال منازل الجيران... عملية نهب منازل الجيران انتزعت كرامتهم وزادت شعورهم بالعجز، كونهم لم يتمكنوا من حمايتها وهي تنهب أمام أعينهم».

كانت هادية تتسلل برفقة زوجها هشام عمر إلى سطح المنزل أملاً في الاتصال بشبكة الإنترنت رغم مخاطر الإصابة برصاصة طائشة، لكن دون جدوى في أغلب الأحيان. وظلت طوال شهرين تحتفظ بمياه غسل الأواني بعد تصفيتها، لتعيد استعمالها في أغراض تمرير المرحاض. وقالت لوكالة «أنباء العالم العربي»: لم نكن نستطيع الاستحمام في أغلب الأوقات، فالماء الذي نحصل عليه بصعوبة من آبار بعيدة لا يكفى أكثر من غسل الأواني واستخدامات المرحاض، التي اختصرناها في غسل الوجه والأيدي والأرجل... غسلت شعري مرتين فقط طوال الشهرين، واكتفيت بتعطيره عندما كانت تفوح منه رائحة تزعجني.

اضطرت هادية وأسرتها إلى مغادرة الديار، بعد أن ترك معظم السكان بيوتهم وازداد تساقط المقذوفات على الحي الذي يقيمون فيه. وصار وجودهم مستحيلاً بعدما نضبت البئر القريبة منهم أيضاً، فهجر البيوت آخر شباب ما يسمى لجنة المقاومة، الذين كانوا يساعدونهم لتوفير مياه الشرب، بحسب قولها.

معضلة الحصول على الماء

وتعاني معظم أحياء العاصمة السودانية الخرطوم من انقطاع مستمر للمياه والكهرباء، التي تؤثر على عمل المحطات والآبار، منذ اندلاع الصراع المسلح. واعتبر مجاهد عبد الصمد، وهو أحد سكان حي الصحافة في جنوب الخرطوم، أن السكان منذ بداية الحرب يحصلون على المياه «عن طريق اجتهادات شخصية». وقال لوكالة أنباء العالم العربي: «في بداية الحرب، كنّا نشتري المياه من الصهاريج أو أصحاب عربات الكارو (التي تجرها الدواب) ويبلغ سعر البرميل خمسة آلاف جنيه (حوالي 8.31 دولار)... بعض المناطق المجاورة بها آبار، وهناك بعض الناس الذين يجلبون منها، لكن لا يستطيع جميع سكان المدينة الوصول إليها لبعد المسافة ونقص الوقود وانعدام الأمن».

أضاف: «كان هناك تنسيق تقوم به لجان المقاومة ولجان الخدمات مع بعض سائقي الصهاريج لتوزيع المياه في المناطق عن طريق تسجيل الأسماء، حيث يسمح بعدد خمسة براميل كحد أقصى للأسرة الواحدة، ويصل سعر البرميل من هذه المياه إلى 1200 جنيه. كان سعراً مخفضاً بالتعاون مع سائقي الصهاريج». وتابع: «حالياً أصبحت هناك خطورة، بسبب سرقة العربات، فأغلبية الأسر التي ما زالت في المنطقة صارت تعتمد على عربات الكارو لعدم توفر الوقود، بجانب سرقة العربات. الأسر القريبة من البيوت التي بها آبار تجلب من تلك البيوت».

محاولات فاشلة

من جانبه، قال طارق المنتصر، عضو الغرفة المشتركة بالحلفايا بحري، إن 3 محاولات جرت مع هيئة مياه ولاية الخرطوم والجيش وقوات الدعم السريع لإصلاح عطل في محطة المياه، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل. وأوضح أن أول محاولة جادة لدخول المحطة كانت بعد أسبوعين من بداية الحرب، «حيث نسّقت لجان الخدمات محلية بحري مع مسؤولي المحطة لتحضير الفريق الفني الذي سيقوم بعملية الصيانة للمحطة، إلى جانب التنسيق مع الجيش وقوات الدعم السريع لوجود المحطة في منطقة الاشتباكات». لكنه قال: «عند وصول الفريق إلى بوابة المحطة تم إيقافه وإرجاعه من قبل الجيش، بحجة عدم إخطاره... حاولنا الاتصال بقيادة المنطقة، لكن هواتفهم كانت مغلقة».

وتغطي محطة مياه بحري أجزاء واسعة من أحياء بحري وشرق أم درمان وشمال الخرطوم. وذكر المنتصر أن المحاولة الثانية جرت بتنسيق من مدير عام هيئة مياه ولاية الخرطوم مع الجيش فقط للدخول إلى المحطة من الجهة الشرقية التي تقع تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية، دون التنسيق مع قوات الدعم السريع. لكن هذه المرة، وبعد دخول فريق الصيانة إلى المحطة، «حدث إطلاق نار من قبل قناصة في المباني حول المحطة، كاد أن يودي بحياة فريق الصيانة، مما أجبر الفريق على مغادرة المحطة، ولم يصب أحد بأذى»، وفقاً لطارق.

أما في المحاولة الثالثة، فجرى التنسيق مع الطرفين والاتصال بمدير هيئة مياه ولاية الخرطوم، لكنه رفض تجهيز فريق الصيانة وقال إنه لن يقوم بإصلاح محطة المياه في وجود قوات الدعم السريع كطرف، بحسب عضو الغرفة المشتركة بالحلفايا بحري.



«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)
محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)
TT

«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)
محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)

دخلت أزمة المصرف المركزي الليبي مرحلة جديدة، اليوم (السبت)، وسط محاولة حكومة الوحدة المؤقتة في العاصمة طرابلس، احتواء انتقادات أميركية رسمية بشأن الإدارة الجديدة للمصرف، التي نصبها المجلس الرئاسي، بينما تمسك عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، بموقفه الرافض للاعتراف بها.

وعدّت وزارة الخارجية بحكومة الوحدة أن بيان إدارة شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية، بشأن تطورات الوضع المتعلق بالمصرف، يعكس «التزام الولايات المتحدة بدعم الاستقرار المالي، وتعزيز الشفافية في مؤسساتنا المالية»، وعدّته خطوة إيجابية نحو توحيد وإصلاح المصرف المركزي.

واجهة مصرف ليبيا المركزي في طرابلس (رويترز)

وقالت «خارجية الوحدة»، اليوم (السبت): «نتفهم القلق حيال حملات التشويه والأكاذيب التي تستهدف مؤسسات الدولة الليبية، ونتفق على أن هذه المخاوف ستنتهي بمجرد زوال تلك الحملات، وتوحيد الصفوف خلف مؤسساتنا الوطنية». وأشارت إلى الحاجة المزدادة للتدقيق في المعاملات المالية خلال المراحل الانتقالية للمؤسسات النقدية، لافتة إلى أنها تعدّ هذه الإجراءات البروتوكولية «ضرورية لضمان الشفافية والمساءلة».

لقاء سابق بين رئيس مجلس النواب والسفير والمبعوث الأميركي الخاص (أرشيفية)

وأكدت الوزارة إعلان الإدارة الجديدة للمصرف «تسلم مهامها بسلاسة، ومباشرة تفعيل المنظومات المختلفة، والتجاوب الذي لاقته الإدارة الجديدة مع المنظومة المصرفية الدولية، بعد 9 سنوات من غياب الحوكمة والعمل الفردي، الأمر الذي كان مطلباً أساسياً لكل المنظمات الدولية المعنية. وهذه الخطوة تمثل تطوراً مهماً في مسيرة الإصلاح المالي والإداري في ليبيا».

وبعدما أكدت التزامها باحترام سيادة ليبيا، واستمرار ثقتها بالدولار الأميركي والمؤسسات الأميركية، خصوصاً في ظل التحديات الحالية والتجاذبات والصراع على النفوذ في أفريقيا، أعربت «خارجية الوحدة» عن التطلع لتعزيز التعاون الثنائي مع الولايات المتحدة، لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام في ليبيا. وأوضحت أن المجلس الرئاسي، وفي خطوة لإضفاء مزيد من التوافق، أعلن التزامه بالانفتاح على الحوار برعاية بعثة الأمم المتحدة، مع منح فرصة أخيرة للمجلسين لتحقيق توافق بعد 10 سنوات من التخاذل، ما أدى لتعزيز الحكم الفردي وغياب الشفافية، وزيادة المخاطر المرتبطة بتنفيذ سياسات لا تعكس إرادة الدولة الليبية.

الصديق الكبير (رويترز)

وكانت «الخارجية» الأميركية قد أعلنت عبر مكتبها لشؤون الشرق الأدنى، أن البنوك الأميركية والدولية قامت بإعادة تقييم علاقاتها مع المصرف المركزي الليبي، وفي بعض الحالات وقف المعاملات المالية، حتى يكون هناك مزيد من الوضوح بشأن القيادة الشرعية لـ«المركزي».

وطالبت الجهات الفاعلة الليبية باتخاذ خطوات للحفاظ على مصداقية المصرف، وإيجاد حل لا يضر بسمعته، ومشاركته مع النظام المالي الدولي، معبرة عن شعورها بالقلق من أن مزيداً من الاضطرابات مع البنوك الدولية، يمكن أن يضر بالاقتصاد الليبي ورفاهية الأسر الليبية.

وشددت على دعوة مجلس الأمن للجهات الفاعلة الليبية للعمل بشكل عاجل معاً، ومع البعثة الأممية لإيجاد حل سياسي، يعيد القيادة المختصة وذات المصداقية للبنك المركزي الليبي.

بدوره، حذر رالف تاراف، سفير ألمانيا لدى ليبيا، من أن تؤدي ما وصفه بـ«الإجراءات أحادية الجانب» إلى الانحراف عن طريق الاستقرار والانتخابات الديمقراطية.

وأعرب في بيان مقتضب، اليوم (السبت)، عن دعم بلاده بقوة لدعوة البعثة الأممية لإجراء اجتماع عاجل لإيجاد حل للوضع الراهن.

في المقابل، دعا عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، إلى ضرورة الالتزام ببنود الإعلان الدستوري، والاتفاق السياسي، الذي ينص على صلاحيات واختصاصات مجلس النواب في التكليف بالمناصب السيادية بالتشاور مع مجلس الدولة، وعدّ القرار الصادر بتكليف محافظ ومجلس إدارة للمصرف معدوماً، لافتقاده للأسباب ومخالفاً للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، ولأنه جاء بعد جهود مضنية لتوحيد المصرف.

ورحب صالح، في بيان وزعه مركزه الإعلامي، مساء الجمعة، ببيان مجلس الأمن الدولي. وأكد «دعوة مختلف الأطراف للتهدئة، والتوقف عن إصدار قرارات والقيام بتصرفات من شأنها زعزعة الاستقرار، وتعميق الانقسام المؤسسي وتقويض الثقة بين الليبيين».

من جهته، نفى مصدر بالمجلس الرئاسي، لوسائل إعلام محلية، صحة بيان منسوب للمجلس، يعيد تكليف الصديق الكبير، المحافظ السابق للمصرف، في منصبه مجدداً، علماً بأن الكبير فر إلى خارج البلاد، مدعياً تلقيه تهديدات من مجموعات مسلحة، لم يحددها.

اجتماع نجل حفتر مع رئيس المجلس الحاكم في النيجر (القوات البرية بالجيش الوطني)

في غضون ذلك، أعلنت الإدارة الجديدة للمصرف استعادة العمل بجميع الأنظمة المستخدمة، بينما شدد محافظه المكلف، عبد الفتاح عبد الغفار، خلال اجتماعه مع مسؤولي المصرف، على ضرورة رفع وتيرة العمل في كل الإدارات بكفاءة عالية، لإنجاز الملفات في أسرع وقت ممكن، وتعهد بأن تعمل إدارة المصرف على حلحلة كل العراقيل التي تواجه العمل المصرفي.

إلى ذلك، قال الفريق صدام، نجل المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، إنه اجتمع، اليوم (السبت)، باعتباره مبعوثاً لوالده، ورئيس القوات البرية بالجيش، مع عبد الرحمن تشياني، رئيس المـجلس الحاكم في النيجر لتنسيق التعاون الثنائي بين الجانبين، ضمن جولة تشمل عدداً من الدول الأفريقية لتعزيز التعاون وأمن الحدود.

لقاء حماد مع الرئيس التشادي في إنجامينا (حكومة الاستقرار)

وكان أسامة حماد، رئيس حكومة الاستقرار، قد أوضح أن رئيس تشاد محمد إدريس ديبي، الذي التقاه مساء الجمعة بالعاصمة إنجامينا، أشاد بالمشير خليفة حفتر، ودعمه اللوجيستي لبلاده في تأمين الحدود المشتركة، ومكافحة ظاهرة «الهجرة غير المشروعة» والجريمة المنظمة بما يحمي السلم والاستقرار في البلدين الجارين.