بعد عام على فاجعة الناظور - مليلية... لاجئ إريتري «لا يرى خياراً آخر» غير أوروبا

حلم يصطدم بجهود «الاتحاد الأوروبي» والمغرب لمكافحة الهجرة غير النظامية

قوات الأمن الإسباني تمنع عدداً من المهاجرين خلال محاولة اقتحامهم السياج الحدودي في مليلية السنة الماضية (أ.ب)
قوات الأمن الإسباني تمنع عدداً من المهاجرين خلال محاولة اقتحامهم السياج الحدودي في مليلية السنة الماضية (أ.ب)
TT

بعد عام على فاجعة الناظور - مليلية... لاجئ إريتري «لا يرى خياراً آخر» غير أوروبا

قوات الأمن الإسباني تمنع عدداً من المهاجرين خلال محاولة اقتحامهم السياج الحدودي في مليلية السنة الماضية (أ.ب)
قوات الأمن الإسباني تمنع عدداً من المهاجرين خلال محاولة اقتحامهم السياج الحدودي في مليلية السنة الماضية (أ.ب)

لا يسَع اللاجئ الإريتري عمار محمد حاج سوى لزوم «الصمت» في ذكرى «اليوم الأسود»، الذي نجا فيه من مأساة الناظور - مليلية، قبل عام، لكنه لا يزال مصمماً على الوصول إلى أوروبا لإخراج عائلته من «مأساة» أخرى. يتذكر هذا الشاب (23 عاماً) أنه نام تلك الليلة «مع أصدقاء تحت شجرة، فإذا بي أفقدهم بعد ساعات»، عندما حاول نحو ألفي مهاجر اقتحام معبر حدودي بين مدينة الناظور المغربية وجيب مليلية، الذي تحتله إسبانيا في شمال المغرب، في 24 يونيو (حزيران) من العام الماضي. ويضيف عمار، في حوار مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في الرباط، حيث يعيش حالياً: «كان يوماً أسود لن أنساه، وقدَّر الله ما شاء، لكن لن نستطيع فعل أي شيء سوى الصمت».

وأسفرت تلك المحاولة يومها عن مقتل 23 مهاجراً، وفق الحصيلة التي أعلنتها السلطات المغربية، وعزَت الفاجعة إلى «حوادث تدافع وسقوط من السياج الحديدي»، مؤكدة «استخدام وسائل عنيفة جداً من قِبل المهاجرين». وفي المقابل، تؤكد منظمات حقوقية مغربية ودولية أن حصلية الضحايا أكبر من ذلك، مطالبة بتحقيق مستقل في أسباب الفاجعة، ومُدينةً استعمالاً «مفرطاً» للقوة. يفضِّل عمار عدم ذكر أي تفاصيل عن وقائع ما عاشه يومها، ويضيف متأثراً: «يهرب الواحد منا بحثاً عن حياة، فإذا به يُقتل بتلك الطريقة البشعة، سبحان الله. نهرب من مأساة إلى أخرى».

مهاجرون غير شرعيين في محاولة لاجتياز السياج الحدودي (أ.ب)

وغادر الشاب النحيل بلاده إريتريا، برفقة عائلته المكونة من 12 فرداً في سنة 2009؛ «هرباً من ديكتاتورية لا تسمح لك بالحصول حتى على شريحة هاتف جوال إلا بترخيص». وقال بهذا الخصوص: «كنت سأخضع للتجنيد الإجباري وأنا طفل، وأُحرَم من الدراسة، وقد أظلُّ جندياً طيلة حياتي، فهربتُ مع عائلتي إلى السودان». وهناك استقرت العائلة في مخيم الشجراب للاجئين في شرق السودان، ولا تزال فيه إلى الآن «في ظروف قاسية... أحياناً لا نجد ما يكفي من الماء أو الحطب»، على ما يقول. وداخل هذا المخيم سمع عمار بوصول لاجئين إلى إيطاليا عن طريق ليبيا: «فأردتُ أن أفعل مثلهم، وأغادر بحثاً عن عمل في أوروبا أستطيع به مساعدة عائلتي... على الأقل توفير مأوى لها». ويصف عمار رحلة محفوفة بالمشاقّ قادته من السودان إلى المغرب، عبر كل من تشاد وليبيا والجزائر: «بعدما علمت في ليبيا أن أقصر الطرق للوصول إلى أوروبا هي من المغرب». واستغرقت الرحلة عدة أشهر، بواسطة مهرِّبين.

السياج الحدودي الذي يفصل المغرب عن أوروبا (أ.ف.ب)

ورغم أن الحدود المغربية الجزائرية مغلقة منذ 1994، فإنها تشهد «تسلل مهاجرين غير نظاميين في الاتجاهين، عبر مهرِّبين، أو أحياناً عبر رحلات منظَّمة من المهاجرين أنفسهم»، على ما يوضح حسن عمار، رئيس جمعية مساعدة المهاجرين في وضعية صعبة بمدينة وجدة (شرق المغرب). وقبل حادث 24 يونيو (حزيران) الماضي، كان عمار قد شارك في محاولة أولى للعبور إلى مليلية؛ «لوضع طلب للحصول على لجوء في بلد أوروبي»، لكن «السلطات قبضت علينا، ورحّلتنا إلى مدينة بني ملال» في وسط المغرب، على ما يضيف. لكن رغم ذلك عاد مجدداً إلى الناظور، وهو أمر معتاد للمهاجرين غير النظاميين، الذين يعيشون على مِهن هامشية، أو مساعدات في مدن بعيدة عن الحدود، بانتظار محاولة العبور مرة أخرى. ولا يخفي عمار أنه «ندم» على خروجه من معسكر اللاجئين في السودان، بُعَيد ما وقع يوم 24 يونيو، قائلاً: «فكرت أنه من الأفضل أن نعيش في الجحيم، على أن نُقتل في الحدود»، مشيراً إلى أن ناجين آخرين، سودانيين خصوصاً، عادوا إلى بلادهم، لكنه سرعان ما تراجع عن الفكرة، وتقدَّم بطلب لـ«مفوضية شؤون اللاجئين» بالرباط، «لإعادة توطينه في بلد ثالث (أوروبي)»، وهو مقتنع، اليوم، بأن «لا خيار آخر أمامه لإعالة عائلته سوى بالوصول إلى أوروبا، حيث يمكن أن أحصل على عمل وحقوق كثيرة كإنسان»، مضيفاً: «المغرب هو أفضل البلدان التي مررت بها، لكن الحياة هنا صعبة. أعيش على مساعدات متقطعة من مفوضية اللاجئين، وأعمال بسيطة من حين لآخر». ويقيم عمار في غرفة برفقة مهاجرين آخرين في أحد أحياء العاصمة. لكن حلمه، مثل عشرات الآلاف من المهاجرين، يصطدم بجهود «الاتحاد الأوروبي» والمغرب لمكافحة الهجرة غير النظامية. ويُعدّ هذا الملف أساسياً في علاقات الرباط مع بروكسل، وخصوصاً مع الجارة إسبانيا. وخلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، أحبطت السلطات المغربية حوالي 26 ألف محاولة للهجرة غير النظامية، لم تسجل أي منها على مستوى الناظور، وفق مصدر رسمي.


مقالات ذات صلة

الجزائر تُشدد إجراءاتها لمحاربة تهريب المهاجرين إلى أوروبا

شمال افريقيا قارب للهجرة السرية في البحر المتوسط (متداولة)

الجزائر تُشدد إجراءاتها لمحاربة تهريب المهاجرين إلى أوروبا

شهدت عمليات تتبع آثار شبكات تهريب البشر عبر البحر، انطلاقاً من سواحل الجزائر، إطلاق فصيل أمني جديد خلال الأسبوع الماضي، وضعته السلطات السياسية للبلاد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
المشرق العربي جانب من احتفالات السوريين في ألمانيا بعد سقوط نظام الأسد 8 ديسمبر 2024 (رويترز)

دراسة: إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم ستوقع آثارًا سلبية على الاقتصاد الألماني

أظهر تحليلٌ، نُشر اليوم الأربعاء، أن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم يمكن أن يكون لها آثار سلبية على الاقتصاد الألماني

«الشرق الأوسط» (كولونيا)
أوروبا وزير الهجرة واللجوء السويدي يوهان فورسيل (أ.ب)

السويد تسعى إلى تشديد القيود على طلبات اللجوء

أعلنت الحكومة السويدية اليوم الثلاثاء أنها أعدت مشروع قانون من شأنه الحد من قدرة طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم على تقديم طلبات جديدة من دون مغادرة البلاد.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
العالم العربي لاجئون سوريون ومن جنسيات أفريقية أخرى يقيمون في مصر (مفوضية اللاجئين بالقاهرة)

اشتراطات مصرية جديدة لدخول السوريين

فرضت السلطات المصرية «اشتراطات جديدة» على دخول السوريين القادمين من دول أخرى إلى أراضيها، تتضمن الحصول على «موافقة أمنية» مسبقة، إلى جانب تأشيرة الدخول.

أحمد إمبابي (القاهرة)
أوروبا عنصر من الشرطة الفرنسية في ستراسبورغ (أ.ف.ب)

مقتل 5 في إطلاق نار بشمال فرنسا... والمشتبه به يسلم نفسه للشرطة

نقلت وسائل إعلام فرنسية عن مصادر أمنية، السبت، أن اثنين من رجال الأمن ومهاجرَين قُتلوا بإطلاق نار في لون بلاج بالقرب من مدينة دونكيرك الشمالية.

«الشرق الأوسط» (باريس)

المعارضة الجزائرية تطالب بـ«إصلاحات جادة للحفاظ على الاستقرار»

الرئيس تبون وعد بـ«حوار شامل مع جميع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين» لكن دون تحديد موعد له (أ.ف.ب)
الرئيس تبون وعد بـ«حوار شامل مع جميع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين» لكن دون تحديد موعد له (أ.ف.ب)
TT

المعارضة الجزائرية تطالب بـ«إصلاحات جادة للحفاظ على الاستقرار»

الرئيس تبون وعد بـ«حوار شامل مع جميع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين» لكن دون تحديد موعد له (أ.ف.ب)
الرئيس تبون وعد بـ«حوار شامل مع جميع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين» لكن دون تحديد موعد له (أ.ف.ب)

طالب قادة 3 أحزاب من المعارضة الجزائرية، من بينهم مرشحان سابقان لانتخابات الرئاسة، السلطة بـ«تكريس انفتاح سياسي حقيقي»، و«إطلاق تعددية حقيقية»، و«احترام الحريات العامة»، ودعوا إلى «إطلاق مشروع للسيادة والصمود»، تماشياً مع خطاب حكومي يحذر من «مؤامرات أجنبية تستهدف الاستقرار في الداخل».

السكرتير الأول لـ«جبهة القوى الاشتراكية» (إعلام حزبي)

ونظم يوسف أوشيش، السكرتير الأول لـ«جبهة القوى الاشتراكية»، وعبد العالي حساني، رئيس «حركة مجتمع السلم» الإسلامية، وسفيان جيلالي، رئيس حزب «جيل جديد»، أنشطة في الأيام الأخيرة، تلاقت كلها عند «التأكيد على ضرورة الانفتاح السياسي» في البلاد، مؤكدين أن ذلك «سيسهم في التصدي لمحاولات مفترضة لتقويض الأمن في الداخل» إذا تحقق.

وربط الناشطون السياسيون الثلاثة مطلبهم بالأحداث الحالية في الشرق الأوسط؛ خصوصاً في سوريا، داعين إلى «إحداث التغيير المنشود في الداخل، بناء على إصلاحات سياسية عميقة، ورفع اليد عن الحريات الفردية والجماعية، وعن وسائل الإعلام».

رئيس «حركة مجتمع السلم» الإسلامية (إعلام حزبي)

وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد أكد في خطاب، عقب توليه ولاية ثانية في انتخابات السابع من سبتمبر (أيلول) الماضي، عزمه إجراء «حوار شامل مع جميع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين»، من دون تحديد موعد له.

وصرح أوشيش الذي حل ثالثاً في «رئاسية 2024»، خلال اجتماع مع كوادر الحزب، أن البلاد «بحاجة إلى توافقات داخلية، وذلك لا يأتي إلا بالحوار بين السلطة والفاعلين السياسيين»؛ مشدداً على «توطيد الوحدة والتماسك الوطني في مواجهة التحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم»، في إشارة، ضمناً، إلى رحيل بشار الأسد عن السلطة في سوريا، ووصول المعارضة المسلَّحة إلى الحكم.

وقال بهذا الخصوص: «الانهيار غير المتوقع والمفاجئ للنظام السوري، والأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط، تذكرنا بحقيقة لا تقبل الشك، وهي أن قوتنا تكمن في وحدتنا، وقدرتنا على بناء صمود يحصننا ضد هذه التحولات الجيوسياسية الكبرى».

أمين عام «التجمع الوطني الديمقراطي» (إعلام حزبي)

من جهته، أكد الإسلامي حساني، صاحب المرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية، في لقاء مع قياديين في الحزب، على «أهمية أن يشترك الجميع في الحفاظ على وحدة ومصالح الأمة، لمواجهة التحديات»؛ مبرزاً أن التطورات الحالية على الساحة الدولية: «تحتم علينا التعاون للحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيز الجبهة الداخلية».

أما سفيان جيلالي فقال أثناء زيارات له بولايات؛ حيث التقى مناضلي «جيل جديد»، إن الجزائر «محاطة بدول تعيش اضطرابات داخلية تشكِّل خطراً مباشراً علينا»، في إشارة إلى الأوضاع في مالي والنيجر؛ حيث تدهورت علاقات الجزائر مع سلطات البلدين، في ضوء تغييرات طرأت على نظام الحكم فيهما، زيادة على تشكل تحالفات بينهما وبين قوى خارجية، باتت مصدر إزعاج كبير بالنسبة للجزائريين.

ومع ذلك، دعا جيلالي إلى «عدم المبالغة في التحذير من المخاطر»، بذريعة أن بلاده «تملك وسائل الدفاع عن نفسها».

رئيس حزب «جيل جديد» (الشرق الأوسط)

وفي صف الأحزاب الموالية للرئيس تبون، طالب مصطفى ياحي، أمين عام «التجمع الوطني الديمقراطي»، اليوم السبت، خلال تجمع بشرق البلاد، بتسبيق موعد «الحوار الوطني» الذي قال تبون إنه سيجرى إما بنهاية 2025 أو بداية 2026. وأكد ياحي أن التطورات في العالم: «تفرض علينا تقوية الجبهة الداخلية بالحوار بين الأحزاب والفاعلين في المجتمع».

وتزامنت تصريحات القادة الحزبيين الأربعة مع نشر عشرات الرموز بالمجتمع وصحافيين وسياسيين: «هاشتاغ» بحساباتهم بالإعلام الاجتماعي، عنوانه «أنا مع بلادي»، تعبيراً عن «وجود مخاطر خارجية تستدعي التفطن إليها ومواجهتها». ويتوافق ذلك مع خطاب رسمي قوي، مفاده أن «مخططات يجري التحضير لها لضرب الاستقرار في الجزائر، بسبب دفاعها عن القضايا العادلة؛ خصوصاً القضية الفلسطينية».