مستشار حميدتي لـ«الشرق الأوسط»: البرهان ليس هو المستهدف

يوسف عزت أكد أن قواته تحاصر القيادة العامة... والقائد سيظهر بالصورة قريباً

صورة متداولة لمستشار «حميدتي» السياسي يوسف عزت
صورة متداولة لمستشار «حميدتي» السياسي يوسف عزت
TT

مستشار حميدتي لـ«الشرق الأوسط»: البرهان ليس هو المستهدف

صورة متداولة لمستشار «حميدتي» السياسي يوسف عزت
صورة متداولة لمستشار «حميدتي» السياسي يوسف عزت

أكد مستشار قائد قوات «الدعم السريع» للشؤون السياسية، يوسف عزت، أن قواته تسيطر جزئياً على القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، وعلى كامل مداخلها من جميع الاتجاهات، مشيراً إلى أن قائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان، الموجود الآن داخل أسوار القيادة، هو بمثابة محتجز «رهن الإقامة الجبرية»، منذ انطلاق الحرب في 15 أبريل (نيسان) الماضي، لكنه أشار في المقابل إلى أن البرهان «ليس هدفنا كشخص»، وإنما الهدف هو «أفعال البرهان».

ودخلت الحرب في السودان شهرها الثالث، مخلفةً دماراً وخراباً ودماءً وتشريداً، دون أن تلوح في الأفق أي بادرة لنهاية قريبة أو حسم عسكري لأي طرف.

الجيش السوداني وخصمه «الدعم السريع»، يخوضان معركة المنتصر فيها خاسر، والخاسر الأكبر هو الشعب والوطن السودانيان. وكلا الجانبين يعلن سيطرته على زمام الأمور، وتحقيق نصر، ولكن، في المقابل، لا يرى السودانيون غير الخراب. فبيوتهم محتلة، أو مدمرة بالطيران الحربي، والأسواق والمستشفيات والمصانع تحولت إلى ساحات قتال شرس، وفر مئات الآلاف من مواطني العاصمة إلى المدن أو البلدان المجاورة، هرباً من الموت المحدق، وأعداد القتلى باتت بالآلاف حسب الأمم المتحدة.

يقول مستشار حميدتي السياسي، إن «الإسلاميين هم الذين خططوا لهذه الحرب لتحقيق هدفهم بالعودة إلى السلطة... ولن يتحقق لهم ذلك أبداً طالما أن الشعب موجود وطالما هناك مدافعون عن خياراته».

البرهان ليس المستهدف

ويضيف يوسف عزت، في حوار مع «الشرق الأوسط»: «البرهان ليس هو هدف الحرب... لا نستهدفه في شخصه، بل نستهدف أفعاله. فهو الذي حاول الانفراد بالسلطة مع الإسلاميين بالانقلاب على شريكه (الدعم السريع) وعلى العملية السياسية بأكملها... وفشل».

البرهان متفقداً جنوده نهاية مايو الماضي (موقع القوات المسلحة على فيسبوك)

ويتابع: «القبض على البرهان لا يعني القبض عليه حياً أو ميتاً... الآن هو رهن الإقامة الجبرية منذ أكثر من شهرين، وهذا في حد ذاته نوع من الاحتجاز الجبري، وسيتم القبض عليه فعلياً لاحقاً».

وحسب شهود وبيانات وتقارير ميدانية، فإن قوات «الدعم السريع» تسيطر على أجزاء واسعة من العاصمة الخرطوم، وتنشر قواتها في شوارع مدن العاصمة الثلاث، تحديداً في أجزاء من القيادة العامة ومداخلها، والقصر الجمهوري، ومطار الخرطوم، ومقرات مجلس الوزراء، والإذاعة والتلفزيون، ووزارة الداخلية، وقيادة جهاز المخابرات العامة، وسلاحي الطيران والذخيرة.

وقبل أيام، زعمت هذه القوات سيطرتها على مصنعي «جياد» و«اليرموك» للصناعات الدفاعية، ونشرت فيديوهات توضح ذلك، كما تسيطر هذه القوات على معظم جسور العاصمة ومداخلها من الجنوب والشمال والغرب حسب بيانات لها.

في المقابل، ينفي الجيش هذه التقارير ويؤكد أنه طرد قوات «الدعم السريع» من جميع المناطق الاستراتيجية، بما فيها «اليرموك»، وأنه يسيطر على أجزاء كبيرة من القيادة العامة للقوات المسلحة، وجميع القواعد العسكرية الرئيسية، بالإضافة إلى إحكام سيطرته على جميع ولايات السودان.

قضيتنا لن تموت

ويجري تداول معلومات في وسائل التواصل الاجتماعي، تشير بشكل واسع إلى مقتل أو إصابة قائد «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي»، خصوصاً أن الرجل لم يظهر بالصوت والصورة طوال أكثر من شهر في وسائل الإعلام (أجرى هذا الحوار قبل التسجيل الاخير لحميدتي).

الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)... (رويترز)

عن هذا الأمر يقول عزت: «حميدتي حي يرزق، وليس مصاباً، ويمارس مهامه قائداً لقوات الدعم السريع بالكامل... ويتابع كل ما يجري في الساحة السياسية، ويتواصل مع زعماء العالم والرؤساء ووزراء الخارجية، ومع المنظمات الدولية والمحلية، ومع كل الجهات التي تطلب التواصل معه».

وتشير تقارير غير مؤكدة إلى أن حميدتي أصيب في قتال، فيما تشير تقارير أخرى إلى أنه قتل، خصوصاً أنه لم يظهر في وسائل الإعلام سوى عبر تغريدات على حسابه في «تويتر»، أو عبر تسجيلات صوتية جرى التشكيك في أنها مفبركة. لكن عزت يرفض هذه الفرضية بالقول: «عدم ظهور حميدتي في وسائل الإعلام لا يعني أنه ميت. التسجيلات التي نقوم بها عادة ليست لإثبات أنه حي أو ميت، ولكن لطرح أشياء نرى أنها ضرورية لمخاطبة الرأي العام والسودانيين. هذا هو الهدف وهذه الادعاءات لا تهمنا كثيراً».

ويتابع: «ظهوره على قناة فضائية أمر يقدره هو نفسه، وقيادة (الدعم السريع). وسيحدث هذا يوماً ما... وحينها لا أدري أين يذهب الذين أكدوا موته، وأن لديهم معلومات مؤكدة على قتله».

رسائل من حميدتي

وفي وقت لاحق (بعد إجراء اللقاء مع مستشاره) نشر حميدتي، على حسابه على تويتر، تسجيلاً اتهم فيه الجيش بالعمل على تأجيج الصراع في دارفور و«إشعال حرب قبلية» في الإقليم، قائلا «حذرنا كثيرا من الصراع في الجنينة ولدينا معلومات عن تسليح مخابرات الجيش لأطراف في الولاية لإشعال الفتنة».

واشار الى إن هناك اتصالات مكثفة جارية لتهدئة الوضع في مدينة الجنينة ومعرفة ملابسات حادث اغتيال والي غرب دارفور.

وكان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أجرى اتصالاً هاتفياً برئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، وبقائد «الدعم السريع» في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حسب الخارجية السعودية.

وجرى خلال الاتصال بحث مستجدات الأوضاع في السودان، حيث أكد وزير الخارجية أهمية التزام جميع الأطراف السودانية من أجل استعادة مجريات العمل الإنساني وحماية المدنيين والعاملين في مجال الإغاثة وسلامة الممرات الإنسانية لوصول المساعدات الأساسية.

وعاد المسؤول البارز في «الدعم السريع» للتأكيد على أنهم ليسوا مهتمين بما يقال من أن حميدتي حيٌّ أو ميتٌ، مضيفاً: «في نهاية المطاف هو بشر، يمكن أن يموت في أي لحظة، سواء في معركة أو بدونها، وموته لا يعني نهاية الحرب أو نهاية القضية، ولا يعني نهاية الأهداف التي نؤمن بها. لا تراجع عن هذه الحرب، وموت حميدتي لا يعني نهاية قضيتنا. يجب أن يفهم الناس هذا، ويجب أن يعرفوا أن هناك مؤسسة متكاملة، وهناك جماهير لديها قضية ولديها أهداف تتعلق بالبلد وإعادة بناء البلد على أسس جديدة. هذه هي الأهداف التي يقاتل من أجلها حميدتي. وإذا مرض أو مات سيواصل آخرون السير في الطريق نفسه، حتى تتحقق الدولة التي تتسع للجميع وتعترف بالتنوع، دولة ليست فيها حروب».

تراجع شعبية «الدعم السريع»

واعترض عزت على التقارير التي تشير إلى فقدان «الدعم السريع» شعبيته ودعم المواطنين له على نطاق واسع بقوله: «إنها تقارير تفتقر إلى الدقة»، مشيراً إلى وجود ملايين من السودانيين يقفون في صف «الدعم السريع» من أجل بناء السودان الواحد، ومع خيار النظام المدني، ودولة الحرية والعدالة والمساواة. «هذه قضايا نؤمن بها، ويؤمن بها الملايين من جماهير الشعب السوداني، من الذين اكتووا بنيران الحرب».

وأضاف: «كلمة (نطاق واسع) قد لا تكون صحيحة... هناك كثيرون يرفضون الحرب. نعم، هناك معاناة، ولكن هذا لا يعني رفض خيارات الشعب. نحن أيضاً نرفض الحرب وأجبرنا عليها، واستخدمت قوات الدعم السريع حق الدفاع عن النفس، وما زلنا نواجه القصف بالطيران الحربي».

ويتابع: «هناك الملايين الذين يؤمنون بعدالة قضيتنا، التي هي نفسها التي عبر عنها الشعب السوداني، في ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، وهي ألا يحكم هذا البلد فرد واحد، أو تنظيم آيديولوجي واحد، أو نظام ديكتاتوري آخر، بعد 30 سنة من القهر التي عاشها الشعب السوداني، تحت ظلال النظام البائد. هنالك الملايين من السودانيين الذين يؤمنون بهذه الأهداف ويدافعون عنها. هؤلاء هم الجماهير، وليس أولئك الفلول والأبواق الذين لديهم حنين إلى الدولة القديمة التي تقتل شعبها. هؤلاء لا يمثلون جماهير الشعب السوداني».

احتلال بيوت المواطنين

وتشير تقارير أيضاً إلى أن عناصر من «الدعم السريع» تقوم باحتلال منازل المواطنين، وتم نشر فيديوهات تؤكد ذلك.

مواطنون سودانيون ينتظرون الطعام في الخرطوم وسط النزاع (أ.ب)

عن هذا يقول المستشار السياسي لقوات «الدعم السريع»: «هذه دعاية كاذبة. قبلها كانوا يقولون إننا نحتل المستشفيات، وعندما تكونت لجنة وساطة (من الدعم السريع والجيش والصليب الأحمر ومن الوسطاء) وزارت المستشفيات، أصدرت تقريراً لم يتحدث عن نتيجته أحد، وتوصلت اللجنة إلى أن كل ما يقال عن ذلك مجرد كذب ودعاية».

ويضيف: «الشيء نفسه سيحدث عندما تتكون لجنة على الأرض للتأكد من الادعاءات باحتلال بيوت المواطنين، أو عندما يعود الناس إلى بيوتهم. سيتأكدون إذا كان (الدعم السريع) موجوداً فيها أم لا».

ويقول متابعاً: «الهدف من نشر مثل هذه الشائعات هو إطلاق دعاية تستخدم لتبرير قصف البيوت بالطيران ولتبرير قصف المستشفيات وتبرير الانتهاكات التي يرتكبها الطيران الحربي».


مقالات ذات صلة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

السودان: 40 قتيلاً في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

أفاد طبيب بمقتل 40 شخصاً «بالرصاص» في السودان، بهجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» على قرية بولاية الجزيرة وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يخاطب حضور مؤتمر اقتصادي في مدينة بورتسودان اليوم الثلاثاء (الجيش السوداني)

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان رفضه للصراعات داخل حزب «المؤتمر الوطني» (المحلول) الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو (رويترز)

المبعوث الأميركي للخرطوم: هناك حاجة إلى ممرات إنسانية وهدن في السودان

قال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، الثلاثاء، إن هناك حاجة إلى مزيد من المساعدات في البلاد فضلاً عن تسريع وصولها من خلال تنفيذ ممرات إنسانية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جلسة مجلس الأمن الدولي بخصوص الأوضاع في السودان (د.ب.أ)

حكومة السودان ترحب بـ«الفيتو» الروسي ضد «مشروع وقف النار»

رحّبت الحكومة السودانية باستخدام روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، اليوم (الاثنين)، ضد مشروع القرار البريطاني في مجلس الأمن بشأن السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)
وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)
TT

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)
وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

طالب مواطنون ليبيون بفتح تحقيق في واقعة «إحراق» وثائق السجل العقاري الليبي، التي حدثت قبل 39 عاماً في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي.

وعدّ متضررون من هذه الحادثة، التي حلّت ذكراها هذا الأسبوع، الأمر «جريمة مروّعة ضيعت حقوق ملكيتهم العقارية» مع ضياع الأرشيف العقاري في البلاد.

وفي حين لم يطرح هذا الملف على مجلس النواب للنظر فيه، أو معالجته، وفق النائب الليبي خليفة الدغاري، الذي أقر، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، «بأضرار أصابت كثيرين بسببه»، فقد ذهب بعض المتضررين إلى التلويح باللجوء إلى «جهات دولية»، في واقعة يرى فيها شريحة من أنصار القذافي «مبالغة وابتزازاً في سرد الواقعة وتداعياتها».

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، جددت 5 منظمات مجتمع مدني ليبية معنية بالدفاع عن الملكية العقارية، حضّ الجهات التشريعية والقضائية والتنفيذية على معالجة آثار هذه الواقعة والتحقيق فيها.

وتعود تفاصيل الواقعة إلى 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1985، «حيث أتت النيران على أوراق تحقيق ملكية مواطنين لعقارات، إلى جانب عقود تخص الأوقاف والملكية العامة»، وفق مدير مصلحة التسجيل العقاري الأسبق جمعة الزريقي، في تسجيل مصور متداول.

وفي رواية متوارثة، اتهم ليبيون «اللجان الثورية»، التابعة للنظام السابق، بإحراق أكثر من 300 ألف مستند وسِجل عقاري تخص أملاك المواطنين والدولة الليبية والوقف، وهي السردية التي حملها بيانٌ صدر مؤخراً عن عدد من الروابط غير الرسمية المدافعة عن حقوق الملكية العقارية.

ومؤخراً، رصدت منظمات المجتمع المدني المعنية بهذه القضية، في بيانها، «مشاكل قانونية مستمرة بين الملاك الأصليين وساكني هذه المنازل»، وكذلك ما عدَّته «فقداناً للمصداقية وانعداماً للثقة في النظام القانوني والقضائي الليبي»، إلى جانب «الإضرار بالسوق العقارية»، وفق تعبيرها.

وبالنسبة لقطاع من المتضررين، فقد تسلّل اليأس إلى نفوسهم، وبلغ حد التلويح باللجوء إلى جهات دولية، خصوصاً أن كثيراً من أبناء أُسر المُلاك يعيشون في أوروبا وأميركا.

ويقول أحد هؤلاء المتضررين؛ ويُدعى أحميد (اسم مستعار)، عبر إحدى صفحات التواصل الاجتماعي: «حتى اللحظة، لم يتواصل أحد من بين أشقائي الذين يعملون في أميركا ويحملون جنسياتها، مع الجمعيات الحقوقية والسلطات هناك»، مضيفاً: «لو أنهم فعلوا لكانت بلدانهم أول المطالبين بحقوق رعاياهم المنهوبة»، وفق تعبيره.

لكن الناطق باسم «الحركة الوطنية الشعبية» ناصر سعيد، أقر بحدوثها فقط في مدينتيْ طرابلس والخمس (غرب البلاد). ونقل عن موظفين عاصروا تلك الفترة، الإشارة إلى «عدم تضرر أرشيف طرابلس من واقعة الحرق، في حين جرى احتواء آثار واقعة الحرق التي التهمت مخزن المحفظات في الخمس عبر مستخرجات رسمية جديدة من مسحٍ شمل مواطنين في تلك المنطقة».

ويذهب الناطق باسم «الحركة» إلى القول، لـ«الشرق الأوسط»، إن إثبات الملكية «يتطلب تقديم عقد قديم (علماً بأن الحيازة شكل من أشكال التمليك)، إلى جانب رسم تخطيطي، ووصفة فنية، وإعلان في صحيفة؛ تحسباً لأي طعن محتمل».

وقبل عقود، ضِمن مقولة شهيرة للعقيد معمر القذافي: «البيت لساكنه»، أصدرت الجهات التشريعية قوانين لا تجيز للمواطن الحق في امتلاك مسكن واحد يزيد عن 500 متر، في حين يخضع كل ما هو خارج المخطط إلى حق الانتفاع، وهو ما بُني عليه التسجيل العقاري، الذي ألزم المواطنين بإثبات ملكيتهم.

وتكشف شهادة المستشار جمعة الزريقي، مدير مصلحة التسجيل العقاري الأسبق، والذي كان يشغل منصبه في ليلة «الحريق»، النقاب عما قال إنها «برقيات وجّهها مكتب اللجان الثورية إلى جميع فروعه في المدن الليبية لإضرام النار في المكاتب»، وينقل الزريقي نقاشاً دار مع عناصر تلك اللجان يقترح فيه «نقل هذا الأرشيف إلى مكان آمن».

ويوضح المسؤول الليبي السابق، وفق تسجيل مصور متداول لإحدى القنوات المحلية: «رفض اللجان الثورية الاحتفاظ بهذه الوثائق والأوراق التاريخية في السرايا الحمراء (قلعة تاريخية في العاصمة طرابلس)؛ تمهيداً لبدء عملية تسجيل الأملاك»، وكان مبرر اللجان في الرفض - وفق الزريقي - أنه «ليس من الصعب على الرجعيين أخذ هذه السجلات من السرايا الحمراء لمقاضاة الدولة الليبية بها».

ولم ير عضو مجلس النواب خليفة الدغاري، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، حلاً سوى «اللجوء إلى القضاء لاسترداد هذه الحقوق، إذا ما ثبت صحة المستندات؛ كون حرق السجل العقاري والزحف على الشركات في القطاعين العام والخاص دون سند قانوني، جريمة يعاقب عليها القانون»، لكنه عَدَّ «الشرط الجوهري لنجاح هذا الحل هو أن يكون القضاء مستقلاً وقوياً، حال قيام الدولة الليبية».