لماذا يثير قرار الدبيبة إنشاء جهاز أمني جديد مخاوف الليبيين؟

البعض يرى أنه قد يتسبب في استقواء التشكيلات المسلحة... وعدم القدرة على نزع سلاحها

قوات موالية للدبيبة في ضواحي طرابلس (أ.ب)
قوات موالية للدبيبة في ضواحي طرابلس (أ.ب)
TT

لماذا يثير قرار الدبيبة إنشاء جهاز أمني جديد مخاوف الليبيين؟

قوات موالية للدبيبة في ضواحي طرابلس (أ.ب)
قوات موالية للدبيبة في ضواحي طرابلس (أ.ب)

أثار قرار عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، إنشاء «الجهاز الوطني للقوى المساندة»، حالة من الجدل في ليبيا بين مؤيد ومعارض، وسط مخاوف من تسبب هذه الخطوة في مزيد من استقواء التشكيلات المسلحة، وعدم قدرة السلطات على تفكيكها وسحب سلاحها.

ورأى وزير الدفاع الليبي الأسبق، محمد محمود البرغثي، أن تأسيس الجهاز الجديد «سيسهم في إشعار قيادات وعناصر التشكيلات الراهنة بتضخم قوتها، كونهم العناصر الأكثر امتلاكاً للسلاح، والقادرين على فرض نفوذهم على الأوضاع بالساحة».

ورجح البرغثي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» تزايد محاولات بعض قيادات التشكيلات الكبرى بغرب البلاد «إثبات تفوقها على غيرها أمام الحكومة، والبرهنة على أنهم الأجدر بحمايتها حتى تزيد الأخيرة من مخصصاتها المالية، وتوظف تلك الأموال في استقطاب مزيد من العناصر»، موضحاً أن هذا «سيجعل عملية تفكيك ونزع سلاح هذه التشكيلات في المستقبل مهمة مستحيلة، وبالتالي عرقلة الجهود الراهنة التي يبذلها العسكريون النظاميون في اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5)».

ووفقاً للقرار، فإن «مكونات الجهاز ستضم أفراد القوى المساندة، من تشكيلات وكتائب (ثوار 17 فبراير)، لإعادة تنظيمها، وتنظيم تحركها ووضع الآليات والأسلحة والذخيرة الموجودة بحوزتها، وفق إجراءات إدارية وقانونية»، بينما تتعدد مهامه ما بين «المحافظة على أهداف (ثورة فبراير)، وحماية شرعية الدولة والمؤسسات السيادية، والمحافظة على أمن واستقرار البلاد، ومساندة الجيش في تأمين الحدود والأهداف والمنشآت الحيوية».

وتساءل البرغثي «عن الهدف من تأسيس جهاز أمني جديد في ظل وجود عدد كبير من الأجهزة المماثلة داخل الساحة الأمنية، وأعداد ضخمة من العناصر النظامية المنضوية تحت رئاستَي الأركان في شرق البلاد وغربها، والتابعة أيضاً لأجهزة للشرطة».

وعلى الرغم من تأكيده أن الدبيبة «نجح في توظيف ورقة مضمونة من (ثوار فبراير) في صراعه مع خصومه»، وأن جهاز القوى المساندة «سيضعف من محاولات إزاحته، وربما يمثل أيضاً خزاناً بشرياً داعماً له متى حلّ موعد الانتخابات»، فإن البرغثي دعا الدبيبة «لاستيعاب تجربة قوات (الدعم السريع) بالسودان، التي تحولت مع الوقت لجيش موازٍ للجيش النظامي، وانتهت بالخروج عن سيطرته».

الدبيبة في اجتماع سابق مع وزيري الحكم المحلي بدر الدين التومي... والدولة لشؤون مجلس الوزراء عادل جمعة (الحكومة)

من جهته، توقّع المحلل السياسي الليبي، أحمد المهدوي، أن يضم الدبيبة لهذا الجهاز، التابع لحكومته، التشكيلات الموجودة بمدن الساحل الغربي كافة، «بحيث تنتهي أي معارضة له هناك، وضم بعض التنظيمات القريبة من المفتي المعزول الصادق الغرياني».

وأوضح المهدوي لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يعرف بعد إن كانت الفصائل الكبرى، مثل جهاز (دعم الاستقرار)، و(الردع لمكافحة الإرهاب)، التي سبق أن تم شرعنة وجودها بالتبعية للحكومة والمجلس الرئاسي، سوف تنضم بدورها للجهاز الجديد أم لا»؟. واعتبر أن عملية إعادة تمركز القوة في يد رئيس الحكومة «ستجعل ميزان القوة العسكرية يميل له، وقد يتردد خصومه نتيجة لذلك في محاربته، والأرجح أنهم قد يسعون لعقد صفقات لتقاسم السلطة معه، وهذا سيقود لترسيخ الوضع الراهن ربما لسنوات، يرحل خلالها حلم الليبيين في إجراء الانتخابات».

بالمقابل، وصف أحد القيادات التي شاركت في «ثورة فبراير» و«عملية بركان الغضب»، القرار بأنه «خطوة إيجابية قد تسهم فعلاً في إنهاء ظاهرة التشكيلات المسلحة، إذا أُحسن ضبطها بقواعد وأطر قانونية وتنظيمية». وقال القيادي، الذي تحفظ على ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط» إن الجهاز «يبدو ظاهرياً محاولة لتجميع الثوار، لكن بالتدريج سوف يكتشف الجميع أن الدبيبة يحاول وضع التشكيلات كافة تحت سلطة الدولة، ولن يكون هناك مبرر من أي قيادة أو تشكيل ما في المستقبل لإثارة أي توتر، في ظل تبعيته الرسمية للدولة وإنفاقها عليه»، مشيراً في هذا السياق إلى تمكّن الدبيبة خلال العامين الماضيين من «تفتيت وإنهاء وجود عشرات التشكيلات الصغيرة، التي كانت تتمركز بالعاصمة، والتي دأبت على إثارة القلاقل».

عناصر أمنية تابعة لحكومة الوحدة تؤمن شوارع العاصمة (رويترز)

وأضاف القيادي ذاته، موضحاً أنه «لم يتبقَ سوى 4 أو 5 تشكيلات كبيرة، ترتهن لقرارات الدولة، تخوفاً من قيام الأخيرة بقطع المخصصات المالية عنها، حيث تتطلب بعض هذه التشكيلات نحو 70 مليون دينار في الشهر لتغطية الرواتب والنفقات»، متوقعاً قدرة الدبيبة على «تفكيك هذه أيضاً إذا نجح مخططه الراهن».

واقترب المحلل السياسي الليبي، عبد الله الكبير، من الطرح السابق، معتبراً أن جمع حمَلة السلاح من (ثوار فبراير) يعد «خطوة جيدة ومطلوبة تمهيداً لدمجهم في المؤسسة الأمنية والعسكرية». وتضامن في تصريح لـ«الشرق الأوسط» مع ما ذهب إليه البعض حول «رغبة الدبيبة في إنشاء كيان جديد ليحميه من أي محاولة للانقلاب عليه، أو تهديد حكومته من قبل فصائل ما، لا تدين بالولاء له».

كما قلل الكبير مما «يطرح حول إمكانية توظيف الدبيبة جهاز القوى المساندة بوصفه خزاناً بشرياً في الانتخابات، بسبب عدم توقع إجرائها في أجل قريب»، مستبعداً «تحوله لنسخة ليبية من قوات (الدعم السريع) لتوزع القوة بين تشكيلات عدة».


مقالات ذات صلة

تباين ليبي حول استدعاء البرلمان حكومة حماد للمساءلة

شمال افريقيا جلسة في مجلس النواب الليبي (المجلس)

تباين ليبي حول استدعاء البرلمان حكومة حماد للمساءلة

فتح قرار رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، استدعاء حكومة أسامة حماد، المكلفة من مجلسه، للمساءلة، نقاشاً واسعاً بين النخب السياسية والمراقبين للشأن الليبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا الدبيبة خلال احتفال «عيد الاستقلال» بطرابلس (حكومة الوحدة)

ليبيا: الدبيبة يدعو إلى اعتماد دستور «ينهي المراحل الانتقالية»

هاجم رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة، مجدداً «خصومه السياسيين»، ودعا إلى اعتماد دستور ينهي المراحل الانتقالية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا صالح وحماد وبالقاسم حفتر خلال افتتاح عدد من المشروعات في درنة (الحكومة الليبية)

درنة الليبية لتجاوز أحزان «الإعصار» واستعادة بريقها

على مقربة من ساحل البحر المتوسط الذي ذابت فيه بعض أجساد غرقى المدينة الجبلية، شهدت درنة الليبية افتتاح عدد من المشروعات، في خطوة لاستعادة بريقها المفقود.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا من اجتماع سابق للدبيبة مع حمزة في طرابلس العام الماضي (حكومة الوحدة)

تباين ليبي بشأن منح قائد تشكيل مسلح منصباً «استخباراتياً» بطرابلس

لا يتمتع مدير الاستخبارات العسكرية بطرابلس محمود حمزة، بخلفية عسكرية أكاديمية، لكن ظهوره الأول كان من بين مقاتلين ضد نظام الرئيس السابق معمر القذافي، عام 2011.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا صورة وزعها مكتب حفتر لاجتماع مع مبعوث فرنسا الخاص فى بنغازي

حفتر: جميع المبادرات فشلت في حل الأزمة الليبية

قال المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي إنه «لا يمكن الاحتفال بذكرى الاستقلال في ظل تصدع أركان الدولة وأساساتها».

خالد محمود (القاهرة)

السيسي يعوّل على مشروعات تطوير «قناة السويس» لمواجهة توترات البحر الأحمر

اجتماع الرئيس المصري مع رئيس هيئة قناة السويس (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري مع رئيس هيئة قناة السويس (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي يعوّل على مشروعات تطوير «قناة السويس» لمواجهة توترات البحر الأحمر

اجتماع الرئيس المصري مع رئيس هيئة قناة السويس (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري مع رئيس هيئة قناة السويس (الرئاسة المصرية)

لمواجهة تداعيات توترات البحر الأحمر على حركة الملاحة، عوّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخميس، على تطوير قناة السويس وتحسين الخدمات الملاحية، ووجّه بـ«استمرار العمل على إنهاء مشروعات تطوير قناة السويس، بهدف تقديم أفضل الخدمات الملاحية، وتعزيز دور القناة باعتبارها ركيزة أساسية لحركة التجارة العالمية»، بحسب إفادة رسمية للمتحدث باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي.

وعقد السيسي اجتماعاً، الخميس، مع رئيس هيئة قناة السويس، أسامة ربيع. وقال المتحدث الرئاسي المصري إن «الاجتماع تناول تأثير الأوضاع الإقليمية على الحركة الملاحية بقناة السويس خلال العام الحالي»، وتمت الإشارة إلى أن «إيرادات قناة السويس شهدت انخفاضاً تجاوز 60 في المائة مقارنة بعام 2023؛ مما يعني أن مصر قد خسرت ما يقرب من 7 مليارات دولار في عام 2024، إثر الأحداث الراهنة في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، والتي أثرت سلباً على حركة الملاحة بالقناة واستدامة التجارة العالمية».

ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، غيّرت شركات شحن عالمية مسارها، متجنبة المرور في البحر الأحمر، إثر استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية السفن المارة بالممر الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة»؛ ما دفع شركات الشحن العالمية لتغيير مسارها، متجنبة المرور في البحر الأحمر.

وسبق أن أشارت مصر مراراً إلى تأثر حركة الملاحة بقناة السويس بالتوترات الإقليمية. وأعلنت الهيئة العامة لقناة السويس عن «سياسات مرنة» للحد من تأثير توترات البحر الأحمر على الإيرادات.

وقال المتحدث الرئاسي المصري إن الاجتماع تطرق أيضاً إلى «المشروعات الجارية لتحديث المجرى الملاحي لقناة السويس، لتعزيز قيمتها ودورها في سلاسل الإمداد والتجارة العالمية، بما في ذلك انتهاء العمل بمشروع القطاع الجنوبي بالكامل، بالإضافة إلى توسيع مساحة المجرى الملاحي من الكيلو 132 إلى الكيلو 162، لإتاحة مرور السفن العملاقة، والانتهاء من مشروع (الازدواج الكامل للمجرى الملاحي)؛ ما يسهم في زيادة حجم الشحن وتسريع حركة مرور السفن في الاتجاهين».

وقال المتحدث الرئاسي المصري إن «السيسي اطلع خلال الاجتماع على الإجراءات التي تتخذها هيئة قناة السويس لمواجهة آثار التحديات في البحر الأحمر وباب المندب، وكذلك الجهود المبذولة نحو تحديث أسطول الصيد وفقاً للمواصفات والمعايير الدولية، بالاعتماد على أحدث الأنظمة التكنولوجية المتطورة». ووجّه السيسي بـ«مواصلة تحديث أسطول الصيد المصري وفقاً لأحدث الأنظمة والمعايير العالمية، لتعزيز دور هذا القطاع الحيوي في خدمة الاقتصاد القومي».

وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022-2023 إلى 7.2 مليار دولار خلال 2023-2024، بحسب التصريحات الرسمية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي (الدولار يساوي 50.8 جنيه في البنوك المصرية).

السيسي اطلع على الإجراءات التي تتخذها هيئة قناة السويس لمواجهة آثار التحديات في البحر الأحمر (الرئاسة المصرية)

وتعد قناة السويس أحد المصادر الرئيسة للعملة الصعبة في مصر، وسبق أن توقع «البنك الدولي»، في أبريل (نيسان) الماضي، أن «يتسبب استمرار الأزمة في خسائر بنحو 3.5 مليار دولار في العائدات الدولارية لمصر؛ أي ما يعادل 10 في المائة من صافي الاحتياطات الدولية في البلاد».

وفي سياق متصل، اجتمع الرئيس المصري، الخميس، مع كل من محافظ بورسعيد، محب حبشي، ومستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني، أمير سيد أحمد، ورئيس هيئة قناة السويس، ورئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أحمد العزازي.

وقال المتحدث الرئاسي المصري، في إفادة رسمية، إن الاجتماع تناول «الجهود المبذولة لدفع عجلة التنمية في محور قناة السويس، ولا سيما في محافظة بورسعيد، وتطورات تنفيذ المشروعات الاستثمارية والخدمية ذات الصلة، سواء كانت قيد التنفيذ أو تلك المخطط لتنفيذها، وذلك في إطار الشراكة والتعاون بين هيئة قناة السويس وكافة الجهات والمؤسسات المعنية».

وأضاف المتحدث الرئاسي أن الرئيس المصري «تابع خلال الاجتماع الجهود المبذولة لتسهيل العبور والربط بين ضفتي قناة السويس، بما يخدم الأهداف التنموية والاستراتيجية لمدن القناة، كما تم استعراض سبل رفع كفاءة الخدمات الملاحية والبحرية في القناة، عبر استحداث مجموعة جديدة من الخدمات الملاحية».

وشدد الرئيس المصري على «ضرورة تعظيم العائد الاقتصادي للمواني المطلة على المجرى الملاحي لقناة السويس، واستغلال الموقع الاستراتيجي للقناة في زيادة الاستثمارات والدخل القومي، والنهوض بمنطقة القناة لتكون محوراً للتنمية، ومركزاً إقليمياً لوجستياً وصناعياً»، بحسب المتحدث الرئاسي.