رئيس البرلمان التونسي: المفاوضات مع أوروبا ستنجح في توفير حاجيات الدولة

بودربالة أكد لـ«الشرق الأوسط» أن مجلس النواب سيدعم إصلاح القضاء والإعلام والإدارة

بودربالة يترأس أحد اجتماعات البرلمان (موقع البرلمان التونسي)
بودربالة يترأس أحد اجتماعات البرلمان (موقع البرلمان التونسي)
TT

رئيس البرلمان التونسي: المفاوضات مع أوروبا ستنجح في توفير حاجيات الدولة

بودربالة يترأس أحد اجتماعات البرلمان (موقع البرلمان التونسي)
بودربالة يترأس أحد اجتماعات البرلمان (موقع البرلمان التونسي)

توقع إبراهيم بودربالة، رئيس البرلمان التونسي ونقيب المحامين التونسيين السابق، حصول تونس في أقرب الآجال على ما تحتاج إليه موازنتها من موارد مالية دولية ومحلية.

وقال لـ«الشرق الأوسط» على هامش الزيارة التي قامت بها رئيسة الحكومة الإيطالية جيوريجا ميلوني إلى تونس أمس، إنه يثق في أن المفاوضات التي تجريها الدولة التونسية مع إيطاليا، وعدة بلدان وأطراف مالية «ستنجح في توفير حاجيات الدولة المالية، بهدف إنجاح سياساتها التنموية الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك إصلاح التعليم والقضاء». مؤكدا أن «البرلمان سيدعم جهود الدولة التنموية من خلال الاضطلاع بمهمته التشريعية، ودعم مسارات إصلاح قطاعات الاقتصاد والقضاء والإعلام، والتربية والتعليم والإدارة».

القضاء والصراع على السلطة

قدم بودربالة في محاضرة بالجامعة التونسية بمناسبة اختتام السنة الجامعية، اقتراحات لتطوير القضاء وإصلاحه، بينها توفير ظروف عمل مناسبة «حتى لا تضطر كل هيئة محكمة لأن تبت يوميا في مئات القضايا، بينما يحال على هيئة المحاكم في الدول المتقدمة عدد صغير جدا من القضايا، خاصة في القضايا الجنائية والملفات الخطيرة».

كما قدم بودربالة بالمناسبة شهادته عن محاكمة الزعماء النقابيين والسياسيين في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقية، وقال إن المحاكم «احترمت في الغالب الإجراءات القانونية والقضائية، وحقوق الدفاع والمتهمين في التقاضي والاستئناف والتعقيب، رغم كون كثير من الأحكام كانت سياسية». مبرزا أنه دافع مع رفاقه في منظمة المحامين الشبان، وفي الهيئة الوطنية للمحامين عن سياسيين «من الحجم الكبير اتهموا بالتآمر على أمن الدولة، من بينهم الزعيم النقابي الوطني الحبيب عاشور ورفاقه، وقيادات تنظيم مسلح». إضافة إلى قيادات «حركة الاتجاه الإسلامي» بزعامة راشد الغنوشي، وعبد الفتاح مورو وعلي العريض.

وأكد بودربالة أنه عارض قرار إعدام تلك القيادات، وقدم مرافعة استدلت بمواقف وتصريحات الزعيم بورقيبة، وعدد من المقربين منه، وكبار الصحافيين التونسيين في 1965.

بودربالة شدد على تطوير القضاء وإصلاحه (الشرق الأوسط)

ودعا رئيس البرلمان كل الأطراف إلى العمل على توفير ظروف «تضمن استقلالية الإعلام والقضاء، وحسن سير عمل المؤسسة القضائية بكل مكوناتها، بهدف «ضمان حقوق المتقاضين والمحامين والسادة القضاة، وكل المواطنين في العدل والإنصاف».

وفي هذا السياق، كشف رئيس البرلمان ونقيب المحامين التونسيين السابق أنه واكب منذ التحاقه بمهنة المحاماة في 1977 كل المحاكمات في القضايا ذات الصبغة السياسية والحقوقية والنقابية، والتي شملت حقوقيين وصحافيين، وزعماء الاتحاد العام التونسي للشغل، وسياسيين من الصف الأول بينهم وزراء سابقون وقيادات أحزاب، وأطراف حقوقية وإعلامية وسياسية يسارية، بعضها اتهم في قضايا أحيلت على محاكم «الحق العام»، والبعض الآخر على محاكم استثنائية، مثل محكمة أمن الدولة والمحكمة العسكرية العليا بعد الاضطرابات الاجتماعية والشبابية والسياسية التي شهدتها البلاد منذ أحداث يناير (كانون الثاني) 1978، وتسببت مرارا في نزول القوات المسلحة العسكرية والمدنية للشارع، وفرض حالة الطوارئ، وتنظيم حملات اعتقالات ومحاكمات واسعة.

مسؤولية النقابات

انتقد رئيس البرلمان بعض النقابات التونسية، دون تسميتها، بسبب تورطها في عرقلة السير العادي للعملية التربوية والامتحانات في مؤسسات التربية والتعليم العمومية.

نور الدين الطبوبي رئيس نقابة اتحاد الشغل التونسي (أ.ف.ب)

وتساءل بودربالة إن كان بالإمكان أن يتخرج اليوم من المدارس شباب وطني متحمس لبلده، لا يفكر في الهجرة إلى أوروبا عبر «قوارب الموت»، وذلك بسبب الضغوط النفسية السلبية التي باتت تمارس ضده من قبل بعض نشطاء النقابات في مؤسسات التعليم العمومي، وتعطيلهم طوال أشهر السير العادي للامتحانات؟



السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز