تونس: مجموعة أحزاب يسارية تطلق مبادرة سياسية واقتصادية جديدة

رغم ضبابية التحركات المشابهة التي يقودها «اتحاد الشغل»

أنصار الرئيس التونسي أثناء احتفالهم بذكرى الاستقلال   (رويترز)
أنصار الرئيس التونسي أثناء احتفالهم بذكرى الاستقلال (رويترز)
TT

تونس: مجموعة أحزاب يسارية تطلق مبادرة سياسية واقتصادية جديدة

أنصار الرئيس التونسي أثناء احتفالهم بذكرى الاستقلال   (رويترز)
أنصار الرئيس التونسي أثناء احتفالهم بذكرى الاستقلال (رويترز)

كشف فوزي الشرفي رئيس حزب «المسار الديمقراطي» اليساري المعارض، عن مبادرة جديدة لحل الأزمة السياسية والاقتصادية في تونس. وقال إن حزب المسار بمعية «الحزب الاشتراكي» وائتلاف «صمود» الذي يضم في تركيبته عدداً من الأحزاب اليسارية، يعملون منذ مدة على بلورة هذه المبادرة التي تهدف إلى «خلق فضاء حواري ديمقراطي»، على حد تعبيره.

وأكد في تصريح إذاعي تشكيل لجنتين إحداهما سياسية والثانية اقتصادية، وهما ستعملان على بلورة تصور جماعي لحل الأزمة، وأشار إلى أن «ما أوصل الرئيس التونسي قيس سعيد للحكم وإلى ما تعيشه تونس اليوم من أزمات متعددة هو تشتت الأطراف المعارضة، ولذلك وجب التفكير من خلال هذه المبادرة في توحيد الجهود لتجاوز الأزمة».

من مظاهرة مؤيدة للرئيس سعيد في العاصمة التونسية (أرشيفية - إ.ب.أ)

وبشأن الارتباط الحاصل بين الأزمتين السياسية والاقتصادية، قال الشرفي إن «الأزمة الاقتصادية المستفحلة في تونس لا يمكن أن تنفرج إلا بإرادة سياسية، والأزمة السياسية بدورها لا يمكن تجاوزها إلا في إطار مبادرة أو فضاء واسع يضم الأحزاب والجمعيات والمنظمات».

وتضاف هذه المبادرة الجديدة إلى المبادرة التي يقودها «الاتحاد العام التونسي للشغل» منذ أشهر من دون أن يكشف عن ملامحها النهائية، تحت عنوان «مستقبل تونس»، ويساهم في بلورتها «عمادة المحامين» و«رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان» و«المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية».

مظاهرة ضد الغلاء والفساد في تونس العاصمة (أرشيفية - إ.ب.أ)

وكان الرباعي الراعي لهذه المبادرة، أعلن، بدوره، عن تشكيل 3 لجان: سياسية واقتصادية واجتماعية. وتواترت تصريحات قياداتها بأنها ستعرضها على الرئيس التونسي «لتجاوز تلك الأزمات والبحث عن حلول جماعية، وأنها ملتزمة بالتعامل مع مؤسسة الرئاسة في هذا الموضوع».

غير أن قيس سعيد لم يعر هذه التصريحات أهمية، مؤكداً أن الحوار «يمكن أن يتم تحت قبة البرلمان المنبثق عن انتخابات 2022»، وهو ما جعل عدداً من المتابعين يؤكدون أن حظوظ نجاح هذه المبادرات ضئيل للغاية.

سوق داخلية في العاصمة التونسية (إ.ب.أ)

على صعيد آخر، منعت الوحدات الأمنية التونسية صباح الخميس، وسائل الإعلام من دخول بهو المحكمة الابتدائية بتونس لتغطية الوقفة الاحتجاجية التي دعت لها «جمعية القضاة التونسيين» وهيئة الدفاع عن القضاة المعفيين من مهامهم. وأكدت قوات الأمن الموجودة هناك أن تعليمات من وكيل الجمهورية «قضت بمنع الصحفيين من الدخول إلى قصر العدالة (المحكمة) في ظل غياب ترخيص من وزارة العدل»، والسماح لهم فقط بالتغطية من خارج المحكمة.

وكانت «جمعية القضاة التونسيين» وهيئة الدفاع عن القضاة المعفيين من مهامهم قد دعتا إلى وقفة احتجاجية بمناسبة مرور سنة على إقالة الرئيس التونسي قيس سعيد 57 قاضياً من مهامهم، واتهامهم بالفساد وشبهة الإرهاب. وفي هذا الشأن، قال العياشي الهمامي عضو هيئة الدفاع عن القضاة المعزولين، إنه «رغم إصدار المحكمة الإدارية التونسية لأحكام نهائية وباتَّة بخصوص العديد من القضاة المعزولين بأمر رئاسي، التي تقضي بإرجاعهم إلى سالف مهامّهم، فإنه إلى اليوم لم يتم تطبيق هذه الأحكام».

من مظاهرة «جمعية القضاة التونسيين» الخميس (أ.ف.ب)

وأكّد الهمامي أنه «وبعد مرور سنة كاملة عن هذه المظلمة، لا يوجد أي دليل على الجرائم التي اتهم بها قيس سعيد القضاة». وعبَّر عن تمسك «جميع القضاة بقضاء مستقل وبتنفيذ الأحكام الصادرة لفائدتهم».



كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.