«صفقات تقاسم السلطة» هاجس يضاعف مخاوف الليبيين

سياسيون حملوا البعثة الأممية جزءاً من المسؤولية

باتيلي المبعوث الأممي إلى ليبيا خلال لقائه بوجهاء ونشطاء من جنوب البلاد (البعثة)
باتيلي المبعوث الأممي إلى ليبيا خلال لقائه بوجهاء ونشطاء من جنوب البلاد (البعثة)
TT

«صفقات تقاسم السلطة» هاجس يضاعف مخاوف الليبيين

باتيلي المبعوث الأممي إلى ليبيا خلال لقائه بوجهاء ونشطاء من جنوب البلاد (البعثة)
باتيلي المبعوث الأممي إلى ليبيا خلال لقائه بوجهاء ونشطاء من جنوب البلاد (البعثة)

هيمنت على الشارع السياسي الليبي أحاديث حول «صفقات تقاسم السلطة» في ربوع البلاد خلال الأسبوع الماضي، خصوصاً بعد إيقاف مجلس النواب لفتحي باشاغا رئيس الحكومة الموازية، وباتت هذه الأحاديث بمرور الأيام تمثل هاجساً مخيفاً لدى قطاع واسع من الليبيين، الذين اعتبروا ذلك بمثابة تهديد لفرص إجراء الانتخابات المنتظرة، أو تغيير الوجوه القديمة.

وقال عضو ملتقى الحوار السياسي، أحمد الشركسي، إن هذه الأحاديث «عمقت مخاوف قطاعات واسعة من السياسيين والنشطاء ومواطنين يتطلعون بشدة لتغيير الوجوه والأجسام السياسية الراهنة، خصوصاً مجلسي النواب و(الأعلى للدولة) عبر بوابة الانتخابات، ورأى أنها قد «تغلق الباب مجدداً في وجه الشخصيات التي تسعى لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي المرتقب بشقيه الرئاسي والتشريعي».

«صفقات تقاسم السلطة» باتت تهيمن على الشارع السياسي الليبي بعد إيقاف فتحي باشاغا (الاستقرار)

وأضاف الشركسي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الليبيين «باتوا يدركون أن الحديث المكرر عن ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية نهاية العام الحالي، دون خطوات عملية تنفذ على الأرض، مجرد وهم يجري تسويقه في الإعلام».

ووفقاً لكثير من المراقبين، فإن قيام مجلس النواب بإيقاف باشاغا وإزاحته من المشهد «لم يكن بعيداً عما تردد صداه من معلومات غير رسمية بوجود مفاوضات، ترعاها دول إقليمية لإنهاء الانقسام الحكومي الحالي في ليبيا عبر ترميم حكومة الوحدة الوطنية، التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، وذلك عبر تولي شخصيات موالية لقائد الجيش الوطني، خليفة حفتر، عدداً من الحقائب السيادية بتلك الحكومة».

وحمل الشركسي المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، «جزءاً من المسؤولية عن ظهور تلك الصفقات السياسية، في الوقت الذي كان ينبغي فيه أن تكون الأولوية لإجراء الانتخابات»، وقال بهذا الخصوص: «لولا غموض خطة هذا المبعوث وارتباكها، ما كان لتلك الصفقات أن تظهر».

معتبراً أن «غياب منهج استراتيجي واضح يؤدي لتحقيق الانتخابات، ويضمن لتلك القوى النافذة بالمشهد الليبي الوصول للسلطة، أو تحقيق مصالحها بشكل أو بآخر، هو ما دفعهم للجوء لتلك الصفقات الموازية».

وراهن الشركسي على «احتمال فشل ما تردد عن صفقة لترميم حكومة الدبيبة»، قائلاً: «قد يعجز أطراف تلك الصفقة عن إتمامها، مع انخراطهم تدريجياً في مناقشة تفاصيل شكل وحصص كل منهما، ومع احتمالية رفضها من قبل عدد من الدول الغربية النافذة إذا لم يجرِ الحرص على تحديد موعد لإجراء الانتخابات».

وبدوره، أكد الناشط السياسي، حسام القماطي، تصاعد حالة الإحباط بالشارع، ليس فقط بسبب إجهاض محاولته للوصول للانتخابات، ولكن أيضاً «بسبب ترسخ قناعاتهم بأن أحلامهم في تحسين أوضاعهم عبر بوابة الانتخابات أمر مستبعد كلية من أولويات وحسابات قياداتهم».

وسلط القماطي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الضوء على عامل التوقيت، الذي تفجرت فيه أحاديث تلك الصفقات، وقال إن الجميع «كان يتطلع للضغط على مجلسي النواب والأعلى للدولة لإنجاز القوانين الانتخابية، عبر اللجنة المشكلة من أعضائهما (6+6)، والمضي قدماً بإجراء الانتخابات».

ويعتقد القماطي أن «ما يتردد عن وجود محاولة للإطاحة برئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، أو وجود صفقة ترميم لحكومة الدبيبة، قد يدفع الأول للتفكير جدياً في التقارب مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، والتوافق معه على الذهاب للانتخابات سريعاً». ورأى أن ما سماه «تيار التأزيم» بالمنطقة الغربية، والذي طالما هاجم باشاغا لتنسيقه مع حفتر، نظراً لقيام الأخير بشن هجوم على العاصمة طرابلس، لن يتوقف الآن عن إثارة المشكلات للدبيبة.

من اجتماع سابق لحفتر في بنغازي مع باتيلي وعقيلة صالح (الجيش الوطني)

ومن جانبه، رأى زميل أول بمعهد الدراسات الدولية في جامعة جونز هوبكنز، الليبي حافظ الغويل، أن عقد مثل هذه الصفقات «لم يعد يمثل مفاجأة لأحد بسبب تكرار حدوثها بالبلاد منذ 2011»، مشدداً على أن «الجميع بات يدرك أن أطراف تلك الصفقات لا يستطيعون الوصول للسلطة عبر انتخابات نزيهة».

وبخصوص تقييمه الموقف الأميركي المتوقع من الحديث عن وجود «صفقات لتقاسم السلطة»، وتعارض ذلك مع تصريحات المبعوث الخاص والسفير الأميركي في ليبيا، ريتشارد نورلاند، التي أكد فيها ضرورة إجراء الانتخابات نهاية العام الحالي، قال الغويل: «نورلاند يقول ما يريد». مضيفاً أن واقع الحال أن واشنطن «لا تمانع إطلاقاً في حدوث استقرار في المشهد الليبي عبر أي وسيلة، لكن الانتخابات سوف تستخدم كذريعة لعقد تلك الصفقات».

نورلاند ورئيس المفوضية العليا للانتخابات الليبية (البعثة)

وتابع الغويل موضحاً أن الأميركيين «يرون أن الانتخابات في ليبيا هي مجرد وسيلة للاستقرار الذي يرغبون في إحداثه، وليس بحثاً عن تحقيق إرادة الشعب الليبي». ورأى أن واشنطن «تبحث عن سلطة منتخبة ظاهرياً تفرض سيطرتها على عموم البلاد، وحينذاك ستتمكن وآخرون من الدخول للبلاد بلا معوقات، لمجابهة التدخل الروسي، والتوسع الاقتصادي الصيني بالقارة الأفريقية».

واستبعد الغويل أن تسمح واشنطن بأن يكون عمر هذه الصفقة لترميم حكومة الوحدة الوطنية عامين أو أكثر، مرجعاً ذلك لخطورة «الوضع الراهن على المصالح الأميركية بالمنطقة، وعلى دول الجوار الليبي، خصوصاً مع اندلاع الصراع بالسودان».



تظاهرة في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعارضة عبير موسي

من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)
من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)
TT

تظاهرة في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعارضة عبير موسي

من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)
من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)

تظاهر مئات من أنصار الحزب «الحر الدستوري» المعارض، اليوم (السبت)، في تونس العاصمة، للمطالبة بإطلاق سراح رئيسة الحزب عبير موسي. وتجمع 500 إلى 1000 متظاهر في وسط العاصمة التونسية، حسب صحافيي «وكالة الصحافة الفرنسية» للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي، ورفع العديد منهم أعلاماً تونسية وصوراً لرئيسة الحزب.

أوقفت موسي، النائبة السابقة البالغة 49 عاماً، في 3 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أمام القصر الرئاسي في قرطاج، عندما حضرت، وفقاً لحزبها، للاحتجاج على قرار اتخذه الرئيس قيس سعيّد. وتواجه عبير موسي تهماً خطيرة في عدة قضايا، من بينها «الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة». وقد قضت محكمة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بتخفيف حكم قضائي استئنافي في حق المعارضة من السجن سنتين إلى سنة و4 أشهر، في قضية تتعلق بانتقادها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مطلع عام 2023. وأصدرت المحكمة حُكمها على عبير موسي بموجب «المرسوم 54»، الذي أصدره الرئيس قيس سعيّد عام 2022 لمكافحة «الأخبار الكاذبة»، والذي يواجه انتقادات شديدة من المعارضة ونقابة الصحافيين.

وندد المتظاهرون بـ«المرسوم 54»، الذي أدى تفسيره الفضفاض إلى سجن عشرات السياسيين والمحامين والناشطين والصحافيين. وقال ثامر سعد، القيادي في الحزب «الحر الدستوري»، إن اعتقال عبير موسي لانتقادها الهيئة العليا للانتخابات «لا يليق ببلد يدعي الديمقراطية».

من جانبه، أكد كريم كريفة، العضو في لجنة الدفاع عن عبير موسي، أن «السجون التونسية أصبحت تمتلئ بضحايا (المرسوم 54)»، معتبراً أن هذا المرسوم يشكل «عبئاً ثقيلاً على المجتمع التونسي». وتقبع خلف القضبان شخصيات معارضة أخرى، مثل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وكذلك عصام الشابي، وغازي الشواشي المتهمَين بالتآمر على أمن الدولة، واللذين سبق أن أعلنا نيتهما الترشح للرئاسة قبل أن يتراجعا. وتنتقد المعارضة ومدافعون عن حقوق الإنسان ومنظمات دولية وتونسية الرئيسَ التونسي، الذي فاز بالانتخابات الرئاسية في أكتوبر الماضي بأكثر من 90 في المئة من الأصوات، وتتهمه بـ«التضييق على الحريات».