قصف المستشفيات وتحويل بعضها إلى ثكنات أوديا بحياة مئات السودانيين

مقتل 11 طبيباً و12 من الكوادر الطبية منذ بدء القتال

تدمير مستشفى شرق النيل بالخرطوم في قصف جوي (رويترز)
تدمير مستشفى شرق النيل بالخرطوم في قصف جوي (رويترز)
TT

قصف المستشفيات وتحويل بعضها إلى ثكنات أوديا بحياة مئات السودانيين

تدمير مستشفى شرق النيل بالخرطوم في قصف جوي (رويترز)
تدمير مستشفى شرق النيل بالخرطوم في قصف جوي (رويترز)

اضطرت سمية علي، وهي سيدة تبلغ من العمر 22 عاماً، إلى ولادة طفلها الأول محمد على قارعة الطريق العام، بعد أن داهمها المخاض. ولأنها أولى ولاداتها، لم تكن تعلم ماذا أصابها، فاستعانت بوالدتها التي عرفت أعراض المخاض، فحاولت الاتصال بقابلة الحي، لكن بسبب سوء الاتصالات لم تتلق رداً من الطرف الآخر، فقررت والدتها الذهاب بها إلى الحي المجاور حيث تقيم القابلة.

في الطريق، اندلعت المعارك قريباً من «مستشفى شرق النيل»، أحد أشهر المستشفيات التي تعرضت لقصف جوي من الطيران الحربي، فوجدت الأم وابنتها أنفسهما وسط الرصاص والقذائف، وصار مستحيلاً عليهما العودة إلى المنزل، فقررتا اللجوء إلى قابلة قريبة، لكن شاءت الإرادة أن تضع سمية طفلها وهي على قارعة الطريق، وأسمته «محمد».

يقول الأطباء إن الوضع الصحي تجاوز مرحلة الخطورة، إذ فقد كثير من المرضى حياتهم نتيجة عدم توفر الدواء. فالمستشفيات، مثل مناطق أخرى، تحولت إلى ثكنات عسكرية لقوات «الدعم السريع»، بما فيها مستشفى التوليد المركزي المشهور بـ«مستشفى الدايات» في أم درمان.

توقف المستشفيات عن العمل

وقد توقفت مستشفيات عدة عقب اندلاع القتال بين الجيش و«الدعم السريع» منتصف الشهر الماضي، لكن وزارة الصحة أعلنت عودة 3 مستشفيات لتقديم الخدمة للمرضى. هي «مستشفى بشائر» في الخرطوم، و«مستشفى نيالا التعليمي»، و«مستشفى الضمان» في الأبيض، شمال كردفان، وأطلق أطباء تلك المستشفيات نداءات إلى الكوادر الطبية للعودة إلى العمل لضمان استمرار خدمة المرضى ومواجهة النقص الحاد في الكوادر، إذ غادر عدد كبير من الكوادر الصحية إلى خارج السودان، ونزح آخرون داخلياً لأن المستشفيات تحول معظمها إلى «ثكنات»، حتى العاملة منها لا يمكن الوصول إليها إلا إلى قليل منها بسبب انعدام أمان الطرق.

وقال الجيش السوداني، في بيان، أمس، إن 22 مستشفى ومرفقاً صحياً لا تزال تحت سيطرة قوات «الدعم السريع» التي حولت بعضها إلى قواعد عسكرية، معتبراً ذلك «خرقاً غير مسبوق للقانون الدولي الإنساني وأعراف الحرب وأخلاقيات القتال». وأضاف بيان الجيش أنه «في خرق فاضح لاتفاق جدة الإنساني، ما زال المتمردون يستخدمون المواطنين كدروع بشرية، ويتخذون من المساكن والمرافق العامة منصات للهجوم على قواتنا، كما ازدادت الاعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة».

أطباء يعرضون المساعدة

تصاعد القتال في مناطق جنوب الخرطوم، الثلاثاء (أ.ف.ب)

ونشر أطباء متطوعون أرقام هواتفهم على منصات التواصل الاجتماعي، معلنين استعدادهم لتقديم الاستشارات الطبية للمرضى، وأكدوا أنه لا مانع لديهم من زيارتهم إذا كانوا بالقرب من مناطق سكنهم، كما أن آخرين حولوا أجزاء من منازلهم إلى عيادات يرتادها سكان الحي بمبالغ زهيدة.

وأنشأ الطبيب حسن محمد مع بعض زملائه «مجموعة» على موقع التواصل «واتس آب»، حولوها إلى عيادة عبر الأثير. ويقول حسن: «نستقبل نحو 20 مريضاً يومياً، ولا نشترط دفع رسوم المقابلة، لأننا نعلم الظروف التي يمر بها السودانيون الآن».

وتقول وزارة الصحة الاتحادية إن 11 طبيباً قتلوا في الحرب، قضى بعضهم داخل المستشفيات التي تعرضت للقصف، وآخرون أثناء ذهابهم إلى أماكن عملهم أو عودتهم منها، فيما بلغ عدد قتلى الحرب وفقاً لنقابة أطباء السودان 530 قتيلاً، إضافة إلى 2948 جريحاً. لكن الطبيب عبد الله معتز توقع أن يكون عدد القتلى والجرحى أعلى، لأن كثيرين قتلوا في مناطق سكناهم ودفنوا في بيوتهم ولم تشملهم التقارير الرسمية.

سيارات وبنايات مدمرة في السوق المركزية بالخرطوم خلال اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع (رويترز)

وفي مدينة «الجنينة» في ولاية غرب دارفور، التي شهدت قتالاً عنيفاً، لا تزال المرافق الصحية للمدينة خارج الخدمة نتيجة للحرب وعمليات تخريب ونهب مخازن الدواء المركزية ومساكن الأطباء ومراكز الهلال الأحمر، ما جعل المواطنين يضطرون إلى السفر إلى مشافٍ بعيدة لتلقي الخدمة العلاجية.

وتدهور الوضع الصحي في ولايات بعيدة عن مناطق القتال. ففي ولاية كسلا، شرق السودان، يتم استقبال مئات الحالات من أطراف الولاية التي يعاني مستشفاها التعليمي من نقص في أسطوانات الأوكسجين، ونقص حاد في أكياس الدم والأدوية المنقذة للحياة. وقال شهود إن «هناك نقصاً حاداً في مستلزمات الطوارئ والتعقيم، كما يعاني مركز غسيل الكلى من نقص المحاليل اللازمة التي لا تكفي لأكثر من أسبوع، ما يهدد مرضى الكلى بوضع خطر».

وتقول نقابة الأطباء السودانيين إن 66 بالمائة من مستشفيات البلاد الخاصة في المناطق القريبة من الاشتباكات توقفت عن الخدمة. فمن أصل 89 مستشفى أساسياً في الخرطوم والولايات توقف عن الخدمة 59 مستشفى، و30 مستشفى فقط تعمل بشكل كامل أو جزئي، بعضها يقدم خدمة إسعافات أولية فقط، وهي مهددة بالإغلاق أيضاً نتيجة نقص الكوادر والإمدادات الطبية والتيار المائي والكهربائي.

ووفقاً لتقارير طبية، فإن 17 مستشفى تم قصفها، و20 مستشفى تعرضت للإخلاء القسري منذ بداية الحرب. وقال خبراء في حقوق الإنسان إن قصف المستشفيات مسؤولية طرفي النزاع، وأضافوا: «ليس من حق أي طرف استخدام المستشفيات لأغراض عسكرية، أو أن يتمركز بالقرب منها. قصف المستشفيات مرفوض تماماً، واستخدام الأسلحة بهذه الكثافة يضعنا تحت طائلة القانون الدولي الإنساني».


مقالات ذات صلة

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

شمال افريقيا نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

آلاف الأسر تفرقت حيث خرج أفرادها من دون أن يحملوا شيئاً أحياناً كانوا حفاة ويسيرون على أقدامهم ومن الصعوبة أن يتم توفير المساعدات لهم من الغذاء والمياه والأدوية

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)

المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودان

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
شمال افريقيا شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

أفاد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، بأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)

المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودان

إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)
إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)
TT

المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودان

إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)
إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)

قال إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين»، إن الأزمة الإنسانية في السودان أسوأ من الأزمات في أوكرانيا وغزة والصومال مجتمعة.

وأوضح في حوار مع «وكالة الأنباء الألمانية» بعد زيارته لمنطقة دارفور بغرب السودان ومناطق أخرى: «حياة 24 مليون شخص على المحك في السودان».

وأضاف: «نحن ننظر لعد تنازلي قوي نحو المجاعة واليأس وانهيار حضارة بأكملها». وأكد أن الصراعات مثل الدائرة في أوكرانيا والشرق الأوسط، «يجب ألا تصرف الانتباه عن معاناة المواطنين في السودان».

صورة جوية لملاجئ مؤقتة للسودانيين الذين فرّوا من الصراع بدارفور بأدري في تشاد (رويترز)

وأضاف: «إذا اتفقنا أن حياة الإنسان ذات قيمة متساوية في أي مكان بالعالم، إذن فسيكون السودان على قمة قائمة الأمور المهمة الآن». وأوضح أنه شهد تداعيات الصراع المستمر منذ 600 يوم. ورأى في كثير من المناطق، ومن بينها مناطق كان يعمل بها المجلس سابقاً «دلالات واضحة للغاية على وقوع حرب مروعة. المنزل بعد المنزل والمنطقة بعد المنطقة، تعرضت للحرق والدمار والنهب».

وحذر إيغلاند من أن الوضع «على وشك الانفجار» مثلما حدث عام 2015، عندما عبر الملايين من اللاجئين من مناطق مزقتها الحرب، بما فيها سوريا، البحر المتوسط، ووصلوا إلى عتبات الدول الأوروبية. وقال: «لا أعتقد أن ألمانيا والاتحاد الأوروبي والدول الإسكندنافية وفرنسا يرغبون في ذلك».

وأضاف: «أن الاستثمار في السودان لن يساعد فقط في ثني المواطنين عن السعي نحو فرص أفضل في أماكن أخرى، ولكن أيضاً هو الأمر الوحيد الذي يتوافق مع القيم والمصالح الأوروبية».

وإضافة إلى ذلك، أفاد تقرير لـ«مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية»، الأحد، بأن السودان «يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم»، مشيراً إلى أن أكثر من 3 ملايين طفل نزحوا داخل السودان وخارجه منذ بداية النزاع، وأضاف: «أن واحداً من كل 3 في السودان يعاني من نقص حاد في الأمن الغذائي».

نازحون في مخيم أقيم في القضارف (أ.ف.ب)

وبحسب التقرير الذي نشر على موقع «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية»، «فقد أسفرت موجة العنف وانعدام الأمن الحالية عن ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية والمرافق الحيوية، فضلاً عن النزوح على نطاق واسع».

وجاء في التقرير: «أُجبر أكثر من 7.4 مليون شخص على مغادرة منازلهم بحثاً عن الأمان داخل السودان وخارجه، إلى جانب 3.8 مليون نازح داخلياً من الصراعات السابقة... يواجه السودان حالياً، أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم وأهم أزمة نزوح للأطفال».

وأشار «إلى أن النظام الصحي الهش بالفعل أصبح في حالة يرثى لها، مع تصاعد خطر تفشي الأمراض، بما في ذلك تفشي الكوليرا، فضلاً عن حمى الضنك والحصبة والملاريا».