أثار إعلان المستشار الصديق الصور، النائب العام الليبي، تشكيل لجان لفحص منظومة السجل المدني، بعد «وجود أدلة تثبت التزوير في المنظومة، والعثور على أرقام وطنية (مزورة)»، مخاوف العديد من السياسيين بالبلاد، وتساؤلات بالشارع الليبي عن سبب تباطؤ الأجهزة الحكومية في تنقية هذا السجل من الأرقام الوطنية المزورة.
وقال عضو المجلس الأعلى للدولة أبو القاسم قزيط إن حديث النائب العام «باستمرار العمل على تنقية ملف السجل المدني من الأرقام المزورة يشكك بقوة في ما تردد خلال الفترة الماضية من مسؤولي المفوضية العليا للانتخابات، وأيضاً حكومة الوحدة عن توفير جميع الإمكانات لإجراء الانتخابات».
وأضاف قزيط، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجاهزية التي تحدثوا عنها كاذبة بهذا النسق»، ورأى أن «تقاعس» الحكومة، باعتبارها المسؤول المباشر عن متابعة تنقية ملف السجل المدني بالكامل، «ليس له ما يبرره».
ورغم قناعته بأن إثارة القضية في هذا التوقيت قد تكون لها أهداف سياسية، وتحديداً ارتباطها بالانتخابات، فقد دعا قزيط إلى «ضرورة عدم حصر القضية بهذه الجزئية فقط، خاصة في ظل كثرة الأعداد التي سبق الإعلان عن أنها مزورة، والتي تزيد على 88 ألف رقم وطني». ورأى أن ما يسمى «قوى الأمر الواقع المستفيدة من الوضع الراهن، والقابضة على المال والسلاح، لن تتردد في وضع أي عراقيل للحيلولة دون إجراء الانتخابات»، لافتاً إلى أن القضية هنا «تتعلق بالأمن القومي للبلاد وثرواتها».
وتابع قزيط موضحاً: «طوال الفترة الماضية كان هناك حديث عن تزوير في الأرقام، لكن في حدود مئات وبضعة آلاف فقط، غير أن وجود أكثر من 88 ألف رقم وطني مزور يعد كارثة بكل المقاييس، سواء استخدمت من قبل شخصيات غير ليبية، وتمتع هؤلاء بكل حقوق الجنسية لدينا، أو استخدامها للسرقة والحصول على مقدرات الدولة، سواء بتلقي رواتب حكومية ومنحة أرباب الأسر».
ويملك كل مواطن ليبي رقماً وطنياً يمكنه من الوصول إلى بياناته الأساسية بقاعدة البيانات الوطنية الليبية، التي من بينها السجل الجنائي، والأحوال المدنية والتعليم والصحة والانتخابات.
بدوره، تساءل عضو المجلس الأعلى للدولة سعد بن شرادة عن «سر عدم الانتهاء من معالجة هذا الملف، على الرغم من أنه كان ضمن الأسباب التي ساقتها مؤسسات عدة، ومنها المفوضية العليا لتبرير عدم تمكنها من إجراء الانتخابات نهاية عام 2021». واعتبر أن ذلك قد يكون مؤشراً أيضاً على «عدم رغبة البعض في الذهاب للانتخابات خلال مدى زمني قريب»، موضحاً أن كل ما يطرح من تصريحات من أطراف محلية ودولية بهذا الصدد هو «للاستهلاك الإعلامي فقط».
ورأى بن شرادة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه بعد تأجيل الانتخابات نهاية 2021 وحتى الآن «بات تركيز الجميع منصباً على الصراع على السلطة، أولاً ما بين حكومتين تتنازعان الشرعية، ثم الحديث عن حكومة جديدة ثالثة بديلة عنهما، وغاب عن الذين زايدوا على بعضهم في ادعاء الاستعداد لتمكين الشعب الليبي من ممارسة حقه الانتخابي، متابعة سير العمل في قضية الأرقام الوطنية، رغم كونها النواة الأولى بالعملية الانتخابية».
وعلى الرغم من تقديره لمتابعة مكتب النائب العام للقضية، تخوف بن شرادة من أن يتم استخدام تلك القضية من قبل «معرقلي الانتخابات من أطراف محلية وحلفائهم الإقليميين والدوليين لتعطيل عمل اللجنة رفيعة المستوى، التي يعتزم المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي، تشكيلها إذا ما أعلنت لجنة (6+6) المشكلة من البرلمان و(الأعلى للدولة) عن الفشل في إيجاد توافق حول شروط الترشح للرئاسة».
وقال بن شرادة: «حتى إذا أُجريت الانتخابات، فإن أي مرشح رئاسي سيشكك في صحة النتائج المعلنة، اعتماداً على وجود تزوير بالأرقام الوطنية. وحينذاك سينشغل الجميع مجدداً بالصراع على السلطة، ويتم تناسي جوهر القضية، وهي التغاضي عن حصول عدد من المرتزقة الأجانب على أرقام وطنية مزورة».
لكن رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني الليبي» أسعد زهيو، استبعد «تمكن أصحاب هذا المخطط من تحقيق أهدافهم». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «من يحاولون التهويل من الأمر بهدف العرقلة يتناسون تأكيد النائب أن مَن صدرت لهم بطاقات انتخابية غير صحيحة لا يتجاوزون 4 آلاف شخص، وهؤلاء لا يشكلون فارقاً مؤثراً من مجموع من سجلوا أسماءهم بكشوف الناخبين، وهم نحو 3 ملايين مواطن»، متهماً كلاً من مجلس النواب و«الأعلى للدولة» والنخبة السياسية عموماً بـ«الوقوف وراء وجود محاولات مستمرة لشراء الوقت، بهدف إطالة البقاء في السلطة».
واختتم زهيو حديثه بمطالبة المجلسين وجميع السلطات والقوى السياسية والمسلحة بالكشف عن مراحل معالجتهم لكل المعوقات، التي ذكروا أنها كانت سبب تأجيل الاستحقاق الانتخابي، إلى جانب الخلاف حول القوانين وشروط الترشح وهوية المرشحين، والأرقام الوطنية والدرجة العلمية للمرشحين.