الموريتانيون ينتخبون أعضاء البرلمان والمجالس الجهوية والمحلية

اللجنة المشرفة وصفتها بـ«السلسة»... والمعارضة أكدت حدوث «تزوير واسع»

الرئيس الموريتاني يدلي بصوته صباح اليوم (رئاسة الجمهورية)
الرئيس الموريتاني يدلي بصوته صباح اليوم (رئاسة الجمهورية)
TT

الموريتانيون ينتخبون أعضاء البرلمان والمجالس الجهوية والمحلية

الرئيس الموريتاني يدلي بصوته صباح اليوم (رئاسة الجمهورية)
الرئيس الموريتاني يدلي بصوته صباح اليوم (رئاسة الجمهورية)

توجه الناخبون الموريتانيون صباح اليوم (السبت) إلى مكاتب الاقتراع للتصويت على أعضاء البرلمان والمجالس الجهوية والمحلية، لكن تصريحات الأحزاب السياسية حول سير الانتخابات تميزت بالتباين، فيما وصفتها المعارضة بأنها «فوضى عارمة»، وتحدثت عن «خروقات».

وبدا الإقبال متفاوتاً على مكاتب الاقتراع في مناطق البلاد، ففي حين كان الإقبال من متوسط إلى ضعيف في بعض مناطق العاصمة نواكشوط، كان كثيفاً في مناطق أخرى داخل البلاد، من أبرزها محافظات الشرق، حيث تتركز الكثافة السكانية ويزداد نفوذ الحزب الحاكم.

إقبال كثيف للموريتانيين على مراكز الاقتراع بالعاصمة نواكشوط (أ.ف.ب)

وجرت الانتخابات وسط إجراءات أمنية مشددة، خشية وقوع أي أحداث عنف، على غرار أعمال الشغب التي شهدتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2019. ووصل أغلب الناخبين قبل بداية التصويت بساعة أمام المركب الأولمبي بنواكشوط، الذي يعد واحداً من أكبر مراكز الاقتراع في موريتانيا، وكان مكتظاً بأفواج من النساء والشبان الذين يخوضون تجربة التصويت للمرة الأولى في حياتهم، والذين كانوا متحمسين للفكرة، لكن مع بطء التصويت وتعقيده بدأ حماسهم يخف.

مشاركة مكثفة للنساء في الانتخابات الموريتانية (الشرق الأوسط)

وتسبب تعقيد الانتخابات في بطء سير التصويت؛ إذ كان على كل ناخب أن يدلي بصوته في ست بطاقات تصويت مختلفة، أربع منها برلمانية، واثنتان جهوية ومحلية، قبل أن يضعها في ستة صناديق مختلفة. ورغم هذا البطء، فقد أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات عند منتصف النهار أن نسبة المشاركة وصلت 18 في المائة، وهي نسبة أخذت من بيانات قادمة من نحو 450 مكتب تصويت من مناطق مختلفة، وفق تصريح الناطق الرسمي باسم اللجنة، محمد تقي الله الأدهم، الذي أكد أن «المعلومات الأولية تشير إلى سير العملية بسلاسة».

وحول تأخر فتح بعض مكاتب الاقتراع أمام الناخبين، قال الأدهم إن اللجنة قررت «تمديد فترة الاقتراع في المكاتب التي تأخر فتحها عن الوقت المحدد، وذلك بنفس مدة التأخير»، لكنه لم يكشف عن عدد المكاتب التي تأخرت عن موعدها.

وكان حزب «التجمع الوطني للإصلاح والتنمية» المعارض، قد اتهم بعد ساعات قليلة من انطلاق الانتخابات، اللجنة المشرفة بـ«الفشل»، وقال في بيان إنها «سلمت الانتخابات بأسرها لطرف سياسي بعينه، هو حزب (الإنصاف) ونافذوه في الداخل».

وأضاف الحزب، الذي يتزعم المعارضة، أنه سجل «خروقات» في مدن عدة، أغلبها كان يتعلق بتأخر افتتاح مكاتب التصويت، ونقص التجهيزات الفنية، وطرد ممثلي الأحزاب المعارضة، كما تحدث عن «تزوير واسع»، ودعا الحزب في الوقت نفسه إلى «إلغاء نتائج» أربعة مكاتب تصويت، بسبب ما قال إنها «خروقات كبيرة».

وبعد أن أدلى بصوته، قال رئيس حزب «تواصل» المعارض، حمادي ولد سيدي المختار، إنهم سجلوا في أول ساعتين من الاقتراع «فوضى عارمة وخروقات كبيرة، وإذا ما استمرت الانتخابات بهذه الطريقة، وفي هذه الفوضى، فسيكون لنا موقف سنحدده في وقت لاحق... ستكون عملية عبثية إذا سارت بهذه الطريقة».

ومن جانبه، قال حزبُ «التكتل» المعارض إنه سجل «خروقات وممارسات غير قانونية من طرف اللجنة المستقلة للانتخابات في مناطق عدة»، دون أن يكشف عن تفاصيل هذه الخروقات، كما قال رئيس حزب «التحالف الشعبي التقدمي» المعارض، مسعود ولد بلخير، إنه وجد صعوبة في التصويت «بسبب صعوبة معرفة مكتب التصويت المسجل فيه»، وأعرب عن أمله في أن «تمر هذه الانتخابات بسلاسة، وأن تكون بعيدة عن أي تزوير».

ومن جهته، قال الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، بعد أن أدلى بصوته: «أود أن أعبّر عن تقديري المجهود الكبير المبذول من طرف اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وسهرها على أن تنظم هذه الانتخابات بطريقة مناسبة، وفقاً لنص وروح الاتفاق السياسي التاريخي في بلادنا، الذي جرى بين الحكومة والأحزاب السياسية».

وأضاف ولد الغزواني أنه خلال الحملة الانتخابية التي استمرت لأسبوعين: «قال السياسيون كلمتهم، والآن ننتظر جميعاً كلمة المواطن الذي وفرت له الظروف للإدلاء بصوته بحرية وشفافية».

كما أوضح ولد الغزواني أن الحكومة «أصرت منذ اليوم الأول على أن تكون هذه الانتخابات ناجحة»، مشيراً إلى أنها وفرت كل ما يتطلبه ذلك من مستلزمات مادية ولوجيستية، وعقدت اتفاقاً مع الأحزاب السياسية لتكون شريكة في تنظيم الانتخابات، كما صرفت أكثر من مليار أوقية قديمة (3 ملايين دولار أميركي) لدعم الأحزاب في الانتخابات.

وشوهدت فرق عدة من المراقبين الأجانب، وهي تتجول في بعض مكاتب التصويت بالعاصمة، من ضمنها بعثة من الاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى بعثة من الولايات المتحدة تقودها السفيرة الأميركية في موريتانيا سينثيا كيرشت، وبعثة أوروبية يقودها رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في موريتانيا.

وكانت السفيرة الأميركية قد زارت مكاتب عدة في المركب الأولمبي، وطرحت أسئلة على رؤساء المكاتب وممثلي الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى بعض الناخبين، وكان مرافقوها يدونون ملاحظاتهم.

وتجري هذه الانتخابات بموجب اتفاق سياسي ما بين الأحزاب السياسية ووزارة الداخلية الموريتانية، تضمن إصلاحات جديدة، من أبرزها اعتماد النسبية في انتخاب جميع المجالس الجهوية والمحلية، واعتمادها أيضاً في انتخاب نصف أعضاء البرلمان، وهي نقطة يتوقع أن تصب لصالح الأحزاب السياسية الأقل قواعد شعبية. كما أن هذه الانتخابات تعد أول اختبار لشعبية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي وصل إلى الحكم عام 2019، ويستعد العام المقبل لخوض انتخابات رئاسية من أجل الحصول على مأمورية رئاسية ثانية، حسب أحزاب داعمة له.



«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
TT

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيل إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد تسعة عشر شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم بما في ذلك القصر الرئاسي والوزارات، وتكليف عبد اللطيف عبد الله الأمين الحسن رئيساً لها، وتسمية مجلس تأسيس مدني (مجلس تشريعي ولائي) من 90 شخصاً برئاسة نايل بابكر نايل المك ناصر، لتقديم الخدمات وبسط الأمن وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

وتضم ولاية الخرطوم سبع محليات أو تقسيمات إدارية هي: «الخرطوم، وجبل أولياء، والخرطوم بحري، وشرق النيل، وأم درمان، وأم بدة، وكرري»، ويسيطر الجيش منها في الخرطوم على «القيادة العامة، وسلاحَي الذخيرة والمدرعات»، ومناطق في منطقة مقرن النيلين، متاخمة لأم درمان، في حين تسيطر «الدعم السريع» على باقي الأنحاء والأحياء، والتي تضم القصر الرئاسي والوزارات.

وفي الخرطوم بحري يسيطر الجيش على بعض المناطق الشمالية وجسر الحلفايا التي استعادها مؤخراً، إلى مقراته العسكرية في شمال ووسط وشرق النيل، في حين تسيطر «الدعم السريع» على معظم الأنحاء، بما في ذلك مركزها.

وفي أم درمان يسيطر الجيش على كامل «محلية كرري شمال أم درمان، ومحلية أم درمان القديمة، وأجزاء من محلية أم بدة»، وتقع فيها منطقة كرري العسكرية ومطار وادي سيدنا وسلاح المهندسين، في حين تسيطر «الدعم السريع» على بقية أنحاء المحلية، وجنوب وغرب الولاية حتى جبل أولياء غربا.

ووفقاً للخريطة الجغرافية، فإن «قوات الدعم السريع» تسيطر بشكل شبه كامل على الولاية، لا سيما مدن الخرطوم والخرطوم بحري، وتفرض حصاراً مشدداً على الوحدات العسكرية الموجودة فيها، وتجعل منها جيوباً محاصرة.

منازل تعرضت للقصف في معارك دارت أخيراً بالخرطوم (أ.ب)

وفي مؤتمر صحافي عُقد بالخرطوم، الجمعة، أكد رئيس مجلس التأسيس المدني، المك ناصر، تشكيل برلمان ولائي أطلق عليه اسم «مجلس التأسيس المدني» من 90 عضواً يمثلون محليات الولاية المختلفة، بما في ذلك الشباب والمرأة والإدارة الأهلية والمهنيون والطرق الصوفية. وانتخب المجلس في جلسة إجرائية نايل بابكر نايل المك ناصر رئيساً له.

مجلس تأسيسي

وقالت «الدعم السريع» إن «مجلس التأسيس انتخب مجلساً للقضاء، وبدوره اختار رئيساً له، أدى أمامه رئيس مجلس التأسيس المدني (رئيس الإدارة الجديدة) اليمين الدستورية»، متعهداً بمباشرة مهامه في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وحمايتهم وتقديم المساعدات المدنية لهم، واستعادة «أجهزة الدولة» التي انهارت بسبب الحرب لمدة عامين.

وظلت الخرطوم بلا حكومة أو إدارة مدنية منذ انتقال العاصمة إلى مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، في حين يحكم «والي الخرطوم» المكلف من قبل قائد الجيش بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 من مدينة أم درمان ومحلية كرري على وجه الخصوص، ولا يستطيع الوصول إلى معظم أنحاء الولاية.

وقال رئيس مجلس التأسيس المدني، المك ناصر، في المؤتمر الصحافي بالخرطوم، الجمعة، إن الفراغ الناتج عن الحرب أدى لغياب الخدمات الأساسية والضرورية؛ ما دفع مواطني الولاية للمطالبة بتكوين إدارة مدنية. وأضاف: «تداعى نفر كريم من مواطني ولاية الخرطوم، وأخذوا على عاتقهم تحمل المسؤولية التاريخية من أجل المواطن، وتواصلوا مع قيادات (الدعم السريع) بالولاية، وطلبوا منهم الموافقة على تأسيس إدارة مدنية تتولى تقديم الخدمات الأساسية، واستجابت (الدعم السريع) لمطلبهم».

وأوضح أن رئيس الإدارة المدنية، عبد اللطيف عبد الله الأمين الحسن، سيقوم بالتعاون مع مجلس التأسيس المدني بتشكيل جهاز تنفيذي يتولى تقديم الخدمات وتأمين وصول المساعدات الإنسانية لمواطني الخرطوم.

وقال رئيس الإدارة المدنية عبد اللطيف الحسن، إن تكليفه جاء انحيازاً لما أسماه «المواطن المغلوب على أمره، ومن أجل حفظ الأمن، وتوفير الخدمات الأساسية، وبناء السلام المجتمعي، وتوفير وإيصال المساعدات الإنسانية»، ودعا المهنيين والفنيين العاملين في ولاية الخرطوم لما أسماه «تحمل المسؤولية» بالعودة الفورية للعمل، ليقدموا الخدمات للمواطنين.

دعوة لوقف الحرب

وحضر المؤتمر عن «الدعم السريع» حذيفة أبو نوبة، رئيس المجلس الاستشاري لقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والعقيد حسن محمد عبد الله الترابي رئيس دائرة التوجيه، ممثلاً للقوات.

ودعا المسؤول المدني الجديد من أطلق عليهم «أطراف الصراع»، إلى الحكمة وإنقاذ البلاد بوقف الحرب عاجلاً والعودة للتفاوض، وإلى التزام القانون الدولي الإنساني، وإلى الكف عن القصف الجوي للمستشفيات والأسواق ودور العبادة، واستهداف المدنيين وإلقاء البراميل المتفجرة عليهم، وناشد المنظمات العاملة في المجال الإنساني تقديم المساعدات لمواطني الخرطوم والسودان بالسرعة الممكنة.

من جهته، قال العقيد حسن محمد عبد الله الترابي، إن قواته تقدم الشهداء من أجل تحقيق الحكم المدني الديمقراطي في السودان، وتعهد بدعم الإدارة المدنية وحمايتها وحفظ الأمن، وبعدم التدخل في سير أعمال الإدارة المدنية لتعبر عن إرادة المواطنين، وأضاف: «قادة النظام القديم اختطفوا الخرطوم وذهبوا بها إلى بورتسودان مثلما اختطفوا الجيش؛ لذلك فإن انتخاب قيادة ميدانية يوقف عبث اختطاف الخرطوم سياسياً واقتصادياً، ويؤكد بقاء الخرطوم عاصمة للسودان».

وسبق أن شكّلت «قوات الدعم السريع» إدارات مدنية في عدد من مناطق سيطرتها في ولايات دارفور الأربع وولاية الجزيرة، ويُخشى على نطاق واسع من تطور الأوضاع إلى «حكومتين» تتنازعان السلطة في البلاد، أسوة بـ«الأنموذج الليبي».