فتحت النيابة العامة لمكافحة الإرهاب في باريس تحقيقاً بشأن مقتل فرنسي - تونسي، يبلغ من العمر 41 عاماً، خلال الاعتداء الذي وقع، مساء الثلاثاء، أمام كنيس الغريبة في جربة بشرق تونس، وأسفر عن سقوط قتلى آخرين، حسب بيان صدر اليوم (الخميس)، بينما شيّع سكان الجزيرة اليوم ضحايا الاعتداء.
وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فقد أوضح البيان أن النيابة المختصة، وبسبب الجنسية الفرنسية التي يحملها أحد القتلى، قررت (الأربعاء)، فتح «تحقيق بتهمة القتل بما يتصل بمجموعة إرهابية، وأوكلت التحقيقات إلى المديرية العامة للأمن الداخلي».
ونفّذ الهجوم أحد رجال الأمن، وقتل ثلاثة من زملائه وزائرَين اثنين، هما إسرائيلي - تونسي وفرنسي - تونسي، خارج الكنيس خلال موسم الحج اليهودي قبل أن يُقتل بالرصاص. وعلى أثر ذلك تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الأربعاء)، بمكافحة «معاداة السامية»، قائلاً: «دائماً، وبلا كلل، سنكافح معاداة السامية». وأضاف في رسالة على «تويتر» أن الهجوم على كنيس الغريبة «يقلقنا. ونحن نفكر بألم بالضحايا، وبالشعب التونسي، بأصدقائنا. ونقف إلى جانب عائلة مواطننا الذي قُتل». أما من الجانب التونسي، فقد أفاد المتحدث باسم محكمة مدنين (جنوب شرق) التي تتبعها جربة، فتحي البكوش، بأنه «تم فتح بحث وتحقيق في عملية إجرامية مبدئياً».
وفي ظل عدم وجود معلومات رسمية ومفصلة حول الهجوم المسلح، وتأجيل وزارة الداخلية التونسية مؤتمراً صحافياً كانت قد أعلنت عن عقده مساء أمس (الأربعاء)، فقد تبادلت حركة «النهضة»، التي يتزعمها راشد الغنوشي، القابع في سجن «المرناقية» في العاصمة التونسية، وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (الوطد) اليساري، الذي أسسه القيادي اليساري شكري بلعيد، التهم حول المسؤولية عمّا حدث ويحدث من أعمال إجرامية قد تُصنف لاحقاً في خانة الإرهاب.
وأعلنت حركة «النهضة» عن رفع شكوى عاجلة ضد المنجي الرحوي، رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، وذلك على خلفية البيان الذي أصدره «الوطد»، وما احتواه من «اتهامات مجانية للحركة والتحريض عليها»، على حد تعبيرها. كما حمّلت الحركة الرحوي «مسؤولية ما ينجرّ عن ادّعاءاته»، التي وصفتها بـ«الكاذبة» من تحريض عليها ومن «تهديد لسلامة مناضليها»، وهو ما حوّل الحدث الإجرامي في جربة إلى «تصفية حسابات سياسية بين التيار الإسلامي والتيار اليساري».
في المقابل، ندد حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد بما تضمّنه البلاغ الصادر عن حركة «النهضة» حول الرحوي، وعدّه «تحريضاً ضده وشفرة سريّة بتصفيته، وهو الذي تعرض لمحاولات اغتيال في الكثير من المرّات، وهو يعيش منذ أكثر من عشر سنوات تحت الحماية الأمنيّة». كما حمّل الحزب المسؤولية كاملة لـ«النهضة» عن أي أذى يمكن أن يطال الرحوي. داعياً وزارة الداخلية إلى تكثيف الحماية حول الرحوي، واتّخاذ كل الإجراءات التي تضمن سلامته، كما دعا النّيابة العامة إلى فتح تحقيق في البلاغ الصادر عن حركة «النهضة»، والقوى الوطنية والتقدمية والديمقراطية إلى «تكثيف الجهود وتنسيقها لمواصلة المعركة ضد الإرهاب، وعودة خطابات التكفير والتصفية»، على حد قوله.
وكان الرحوي قد رأى في بيان أن هجوم جربة «المشين» يعد «حلقة أخرى من حلقات استهداف البلاد منذ صعود حركة (النهضة) الإخوانية إلى الحكم في تونس»، وما رافق ذلك من نشر للإرهاب عبر اختراق أجهزة الدولة، وتشكيل عصابات أمنية موازية، وتنصيب نقابات أمنية موالية، وفتح مراكز تدريب وشبكات تسفير ومراكز إعلامية خاصّة، وإغراق البلاد بالسلاح والمال الفاسد والمشبوه، فضلاً عن نشر ثقافة التكفير والقتل، على حد قوله.
كما أوضح الرحوي أنّ هذه العملية المشينة «تتزامن مع بداية تعافي البلاد، والشروع في محاسبة رموز الإرهاب والمتواطئين معهم، وعلى رأسهم أمير جماعة الإخوان في تونس راشد الغنوشي، وهو ما يؤكد مرّة أخرى لجوءهم إلى العنف كلّما ضاق الخناق عليهم، مثلما كان يقول شكري بلعيد»، على حد تعبيره.
في غضون ذلك، أكد الرئيس التونسي ليل الأربعاء، أنّ «المجرمين اختاروا معبد الغريبة لزرع الفتنة وضرب الموسم السياحي، وضرب الدولة»، موضحا أنّها «ليست المرّة الأولى التي يتمّ فيها استهداف الغريبة أو محاولة استهدافها»، كما أشاد مجدداً بـ«يقظة القوات المسلحة الأمنية والعسكرية» في منع وصول المهاجم إلى هذا المعبد.
من ناحيتها، نشرت وزارة الداخلية التونسية اليوم (الخميس)، أسماء القتلى الثلاثة من عناصر الأمن التونسي، الذين قضوا في الهجوم الإجرامي الذي شهدته جزيرة جربة، وهم: ماهر العربي، العميد في الأمن الوطني (54 سنة)، المنحدر من مدينة منزل بورقيبة بولاية (محافظة) بنزرت (شمال)، ووكيل أوّل بالحرس الوطني خير الدّين اللافي (31 سنة) الذي كان تابعاً لوحدات الحرس البحري في جربة، وناظر أمن أوّل محمد عبد المجيد عتيق (31 سنة)، الذي كان ضمن عناصر الفوج الوطني لمجابهة الإرهاب في العاصمة التونسية.
في غضون ذلك بدأت الحياة تعود لمجراها الطبيعي داخل جزيرة جربة، التي شهدت أمس توافد أعداد قليلة من السياح الأجانب، وسط حراسة أمنية مكثفة.