تقدير بريطاني لجهود المغرب في تسوية نزاع الصحراء

في إعلان مشترك صدر عقب ختام الدورة الرابعة للحوار الاستراتيجي بين البلدين

وزير الشؤون الخارجية المغربية ناصر بوريطة في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط، اللورد طارق أحمد (ماب)
وزير الشؤون الخارجية المغربية ناصر بوريطة في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط، اللورد طارق أحمد (ماب)
TT

تقدير بريطاني لجهود المغرب في تسوية نزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية المغربية ناصر بوريطة في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط، اللورد طارق أحمد (ماب)
وزير الشؤون الخارجية المغربية ناصر بوريطة في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط، اللورد طارق أحمد (ماب)

أعربت المملكة المتحدة عن تقديرها للجهود الجادة التي يبذلها المغرب للدفع بالمسلسل المفضي إلى تسوية قضية الصحراء. مجددة في إعلان مشترك، صدر اليوم الثلاثاء بالرباط خلال ختام أشغال الدورة الرابعة للحوار الاستراتيجي بين البلدين التأكيد على إرادتها لمساعدة الأطراف من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم، ومقبول لدى الأطراف لقضية الصحراء قائم على أساس التوافق.وترأس الحوار الاستراتيجي وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط، اللورد طارق أحمد، وأكد الوزيران مجدداً الدعم الكامل للمملكة المتحدة والمغرب لجهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، ستافان دي ميستورا، لإيجاد حل لهذا النزاع. كما أشادت المملكة المتحدة بالدور البناء الذي يضطلع به المغرب في المنطقة، بما في ذلك تعزيز الاستقرار والأمن والتنمية الاقتصادية، وكذلك في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف. مشددة على التمسك بالدور الحصري للأمم المتحدة في تسهيل العملية السياسية لحل هذا النزاع، والتأكيد على دعمها لقرار مجلس الأمن رقم 2654.وفيما أشادت الحكومة البريطانية بريادة الملك محمد السادس، الذي جعل من المغرب فاعلاً رئيسياً لتحقيق الاستقرار والسلام والتنمية بمنطقة المتوسط، والساحل والصحراء وغرب أفريقيا، جددت الحكومتان المغربية والبريطانية التأكيد على التزامهما بالعمل سوياً من أجل مواجهة التحديات المشتركة، والنهوض بالأمن والازدهار في المنطقة.من جهة أخرى، أعربت الحكومة البريطانية عن امتنانها للمغرب لدعمه المستمر لمحاربة الهجرة غير الشرعية، والتزامه بالنهوض بحقوق الإنسان والحكامة الجيدة. واتفق الطرفان على مواصلة التعاون الوثيق في هذه القضايا المهمة. كما أشادت المملكة المتحدة بالإصلاحات الكبرى، التي يباشرها المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، معربة عن دعمها لهذه الإصلاحات التي تندرج ضمن النموذج التنموي الجديد (2021 - 2035)، الذي يروم بناء مجتمع واقتصاد مغربيين، أكثر انفتاحاً وشمولية ودينامية، بما في ذلك في مجال حقوق الإنسان.وتحظى الشراكة المغربية - البريطانية، بدعم صداقة طويلة الأمد والاحترام المتبادل، الذي يجمع بين العائلتين الملكيتين. وتعتبر المملكة المتحدة المغرب شريكاً إقليمياً ودولياً ذا مصداقية وصوتاً مسموعاً، يضطلع بدور رئيسي، ويشكل فاعلاً أساسياً للاستقرار والسلام والتنمية الإقليمية، لا سيما في منطقة البحر الأبيض المتوسط والساحل والصحراء وغرب أفريقيا. كما نوهت المملكة المتحدة بالدور المهم الذي يضطلع به الملك محمد السادس في تعزيز الحوار بين الأديان، ونشر القيم الكونية للسلام والتسامح وتقبل الآخر.وبخصوص الأزمة الليبية، جدد المغرب والمملكة المتحدة التأكيد على إرادتهما للعمل معاً من أجل حل سياسي شامل ومستدام، على أساس الاتفاق السياسي الليبي لسنة 2015 بالصخيرات، وتحت رعاية الأمم المتحدة. كما جدد البلدان التزامهما القوي بسيادة ليبيا واستقلالها، وكذا بالوحدة الترابية والوطنية الليبية.أما بخصوص منطقة الساحل، فقد أعرب البلدان عن قلقهما إزاء التهديدات الأمنية بالمنطقة، حيث اعتبرا أن مكافحة التطرف العنيف والراديكالية بمنطقة الساحل، تتطلب إلى جانب البعد الأمني، تعزيز الإجراءات الملموسة للتنمية الاقتصادية والبشرية والثقافية والمؤسساتية.وعلى المستوى الاقتصادي، أشاد الوزيران بالبرنامج المشترك الطموح في مجال التجارة والاستثمار، الذي تم الاتفاق عليه خلال الدورة الثانية لمجلس الشراكة بين المغرب والمملكة المتحدة، المنعقدة في الرباط في فبراير (شباط) 2023، القائم على اتفاقية الشراكة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والموقعة بين المغرب والمملكة المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2021، والتي تروم إقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين. مسجلين التطور الملموس للمبادلات التجارية، ومؤكدين على نجاح الشراكة التجارية بين البلدين.

من جهة أخرى، أشادت الحكومة البريطانية بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي قام بها المغرب في السنوات الأخيرة، والتي مكنت من خلق مناخ ملائم للاستثمار، وتعزيز النمو الاقتصادي، حيث اتفق الطرفان على العمل معاً من أجل تعزيز التجارة والاستثمار بين البلدين، وتعزيز التعاون بينهما في قطاعات الطاقة والبنيات التحتية والتكنولوجيا. كما أشادت المملكة المتحدة بريادة المغرب في مجال الطاقة المتجددة.وعلى الصعيد الأمني، نوه الوزيران بالإرادة والالتزام المشتركين لتعميق التعاون في المجال الأمني، وذلك للتعامل مع التهديدات الأمنية العالمية، ولا سيما في مجال مكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة، والطيران، وأمن البحار والحدود، وكذا الأمن السيبراني، فضلاً عن مجال عودة وإعادة تأهيل المقاتلين الإرهابيين الأجانب. كما أشادت المملكة المتحدة بريادة المملكة المغربية والتزامها في مجال السلام والأمن الإقليميين، ولا سيما من خلال مشاركتها في رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، وكذا «مجموعة التركيز الخاصة بأفريقيا» التابعة للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم «داعش».إلى ذلك، وقعت الحكومة المغربية ونظيرتها البريطانية، اليوم الثلاثاء، على إطار استراتيجي للتعاون بشأن العمل المناخي والطاقة النظيفة والنمو الأخضر. ووقع الاتفاقية كل من الوزيرين بوريطة واللورد أحمد.ويهدف هذا الإطار الاستراتيجي إلى دعم وتسهيل وتعزيز التعاون الثنائي في مجال العمل المناخي، والطاقة النظيفة، والنمو الأخضر، وذلك من أجل مواكبة تطور المغرب نحو اقتصاد منخفض الكربون يتسم بالاستدامة والقدرة على التكيف، قصد ضمان انتقال مسؤول وسريع من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة والمستدامة.



تراكم أحداث وصدامات أدى إلى القطيعة بين الجزائر وفرنسا

من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
TT

تراكم أحداث وصدامات أدى إلى القطيعة بين الجزائر وفرنسا

من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)

في وقت سابق، كانت العلاقات بين الجزائر وفرنسا تجد من يأخذ بها إلى مخرج من المطبات التي تقع فيها بأقل الأضرار... أما منذ بداية العام، فلا يبدو أن هناك استعداداً لدى الطيف السياسي الحاكم في البلدين، للبحث عن أي صيغة لوقف الأزمة بينهما، وهي تكبر مثل كرة ثلج تتدحرج في منحدر شديد الانخفاض.

كتب صحافي جزائري مقيم بفرنسا: «لم تصل العلاقات بين باريس والجزائر إلى حافة القطيعة كما هي الآن. لقد غطيت الجزائر، وما زلت، تحت 6 رؤساء: جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند وإيمانويل ماكرون، و(الراحل) عبد العزيز بوتفليقة وعبد المجيد تبون، وعرفت العديد من السفراء من كلا الجانبين، ولم أرَ قَطّ تصعيداً من هذا النوع. لقد تم قطع جميع الروابط، ولا يبدو لي أن هناك في أي من الجانبين، سبلاً حكيمة للعمل على التهدئة».

وزير خارجية فرنسا (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

وثبت من خلال رد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الأحد، على اتهامات جزائرية لمخابرات بلاده بـ«محاولة ضرب استقرارها»، أن الحوار منعدم بين البلدين المتوسطيين الكبيرين؛ إذ قال في مقابلة مع إذاعة «فرنسا أنتر»، إن الاتهامات «لا أساس لها من الصحة وخيالية»، مؤكداً ما نشرته صحف جزائرية بأن الخارجية الجزائرية استدعت السفير الفرنسي في الجزائر ستيفان روماتيه، للاحتجاج ضد «ممارسات الأمن الخارجي الفرنسي». وأضاف: «أنا أؤكد هذا الاستدعاء وأعبر عن أسفي له... لقد اتصلت بسفيرنا عبر الهاتف لأؤكد له دعمنا».

وتابع بارو: «في ما يتعلق بعلاقتنا مع الجزائر، قلنا، بل كتبنا حتى في عام 2022، إن الرئيس تبون والرئيس ماكرون وضعا خريطة طريق لتمتين العلاقة بين بلدينا في المستقبل، ونحن نأمل أن تستمر هذه العلاقة، فهذا في مصلحة كل من فرنسا والجزائر»، في إشارة إلى زيارة قادت ماكرون إلى الجزائر في أغسطس (آب) 2022، وتتويجها بـ«وثيقة شراكة متجددة». يومها، قال مراقبون إن العلاقات «في أفضل حالاتها»، خصوصاً أن ماكرون كان قد دان «الجريمة الاستعمارية في الجزائر»، عندما زارها في 2017 وهو مرشح للرئاسة.

الرئيس الفرنسي أمام «مقام الشهيد» في العاصمة الفرنسية عام 2022 (رويترز)

وأعلنت عدة وسائل إعلام جزائرية، بما في ذلك الصحيفة الحكومية «المجاهد»، الأحد، أن وزارة الشؤون الخارجية أبلغت السفير روماتيه «رفض السلطات العليا في الجزائر للعديد من الاستفزازات والأعمال العدائية الفرنسية تجاه الجزائر»، مبرزة أن غضب السلطات «ناتج عن الكشف عن تورط أجهزة المخابرات الفرنسية في حملة تجنيد إرهابيين سابقين في الجزائر بهدف زعزعة استقرار البلاد». كما قالت إن الجزائر «تأخذ على باريس احتضانها التنظيمين الإرهابيين: حركة الحكم الذاتي في القبائل، وجماعة رشاد الإسلامية». غير أن هذه الاتهامات غير المعتادة في خطورتها، سبقتها أحداث ومواقف وتصريحات شكلت تراكماً مستمراً حتى وصلت العلاقات بين البلدين إلى القطيعة، آخرها كان احتجاج السلطات الفرنسية على اعتقال الكاتب بوعلام صنصال ومطالبتها الجزائر بـ«الإفراج عنه فوراً». هذا الخطاب رأى فيه الجزائريون «وصاية يريد مستعمر الأمس أن يفرضها علينا».

وقبل «حادثة صنصال»، سحبت الجزائر سفيرها من باريس بعد أن وجّه ماكرون خطاباً إلى تبون نهاية يوليو (تموز) الماضي، يعلمه فيه أنه قرر الاعتراف بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. وعدّت الجزائر ذلك «تفاهماً بين القوى الاستعمارية القديمة والحديثة». وكان هذا «الصدام» كافياً، من جانب الجزائر، لإلغاء زيارة لرئيسها إلى باريس، اتفق الجانبان على إجرائها في خريف هذا العام.

الروائي المسجون بوعلام صنصال (متداولة)

ومنذ بداية 2024 توالت أحداث مهّدت للقطيعة الحالية، كان أقواها سياسياً هجمات مكثفة لليمين الفرنسي التقليدي والمتطرف على «اتفاق 1968» الذي يسيّر الهجرة والإقامة و«لمّ الشمل العائلي» والدراسة والتجارة في فرنسا، بالنسبة للجزائريين. وفي تقدير الجزائر، فقد «بقي ماكرون متفرجاً أمام هذه الهجمات». ومما زاد الطينة بلّة، رفض الحكومة الفرنسية تسليم الجزائر برنس وسيف الأمير عبد القادر، رمز المقاومات الشعبية ضد الاستعمار في القرن الـ19، والذي عاش أسيراً في قصر بوسط فرنسا بين 1848و1852.

أمّا الفرنسيون، فيرون أن ماكرون خطا خطوات إيجابية في اتجاه الاعتراف بالجريمة الاستعمارية، لكنها لم تلقَ التقدير اللازم من جانب الجزائريين، أبرزها الإقرار بتعذيب وقتل عدد من المناضلين على أيدي الشرطة والجيش الاستعماريين، في حين كانت الرواية الرسمية تقول إنهم «انتحروا»، وهو ما زاد من حدّة التباعد بين الطرفين.