الجهود الأميركية لتوجيه السودان نحو الديمقراطية انتهت إلى حرب

الحرب الأهلية ستجعل صراعات سوريا واليمن وليبيا تبدو مجرد «مسرحية صغيرة»

متظاهرون في الخرطوم للتنديد باحتجاز الجيش لأعضاء في الحكومة المدنية أكتوبر 2021 (أ.ف.ب)
متظاهرون في الخرطوم للتنديد باحتجاز الجيش لأعضاء في الحكومة المدنية أكتوبر 2021 (أ.ف.ب)
TT

الجهود الأميركية لتوجيه السودان نحو الديمقراطية انتهت إلى حرب

متظاهرون في الخرطوم للتنديد باحتجاز الجيش لأعضاء في الحكومة المدنية أكتوبر 2021 (أ.ف.ب)
متظاهرون في الخرطوم للتنديد باحتجاز الجيش لأعضاء في الحكومة المدنية أكتوبر 2021 (أ.ف.ب)

يرى نقّاد أن مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وشركاءهم كانوا سُذّجاً حيال نيات الجنراليْن المتناحرين في السودان، وأخفقوا في تمكين القيادات المدنية.

قبل أسابيع فقط، ساور دبلوماسيين أميركيين اعتقاد بأن السودان على وشك إبرام اتفاق تاريخي سيعزز عملية انتقاله من نظام ديكتاتوري عسكري إلى ديمقراطية كاملة، ليتحقق بذلك هدف الثورة التي اشتعلت في البلاد خلال عام 2019.

وتحوَّل السودان إلى حالة اختبار مهمة للهدف المحوري للسياسات الخارجية للرئيس بايدن، والذي تمثَّل في تعزيز الأنظمة الديمقراطية بمختلف أرجاء العالم، الأمر الذي رأى فيه بايدن أنه سيضعف القادة الفاسدين، ويسمح للدول بالوقوف بقوة أكبر، والتصدي لنفوذ الصين وروسيا، وقوى استبدادية أخرى.

ومع ذلك نجد أنه، في 23 أبريل (نيسان) الماضي، وجد الدبلوماسيون الأميركيون، الذين شاركوا في المفاوضات التي جرت بالسودان، أنفسهم فجأة يغلقون سفارتهم، ويفرّون من الخرطوم في رحلات جوية ليلية سرية في طائرات مروحية، مع انزلاق البلاد باتجاه حرب أهلية محتمَلة.

واليوم، يكافح مسؤولو إدارة بايدن وشركاؤهم لدفع الجنراليْن المتقاتلين نحو الالتزام بوقف إطلاق نار هش، ووقف أعمال القتال، بينما تُجلِي حكومات أجنبية رعاياها المدنيين، في خضمّ قتال خلّف 528 قتيلاً على الأقل، وأكثر عن 330 ألف مشرَّد.

في الواقع، يكاد يكون في حكم المؤكَّد أن الحصيلة الحقيقية أعلى بكثير من الأرقام المعلَنة من جانب الحكومة السودانية.

العمل مع جنرالين متناحرين

ثمة تساؤل مُلحّ في قلب الأزمة يدور حول ما إذا كانت الولايات المتحدة أخطأت في حساباتها، بشأن مدى صعوبة إرساء الديمقراطية في بلد لديه تاريخ طويل من الحكم العسكري، ومخاطر الدخول في مفاوضات مع رجال أقوياء يتشدقون بالحديث عن الديمقراطية، لكنهم لا ينفذون أبداً ما يقولونه.

ويرى نقّاد أن إدارة بايدن، بدلاً من تمكين قيادات مدنية، جعلت أولويتها العمل مع جنرالين متناحرين؛ الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، والجنرال محمد حمدان دقلو، زعيم مجموعة شبه عسكرية، حتى بعد أن دبّرا معاً ونفّذا انقلاباً عسكرياً عام 2021.

في هذا الصدد، أعرب أمجد فريد الطيب، مستشار رئيس الوزراء السوداني المعزول عبد الله حمدوك، عن اعتقاده أن كبار الدبلوماسيين الأميركيين «اقترفوا خطأ تدليل الجنرالين، وقبول مطالبهما غير العقلانية، ومعاملتهما باعتبارهما لاعبين سياسيين طبيعيين. وكان من شأن ذلك تأجيج شهوتهما تجاه النفوذ، ووهم الشرعية الذي يعيشان فيه».

ويتساءل بعض المحللين حول ما إذا كان المسؤولون الأميركيون قد اتبعوا نهجاً واضحاً إزاء جهود بايدن العالمية لتعزيز الديمقراطية.

فراغ السلطة واللاعبون

الحقيقة أن العنف في السودان يخلق تماماً نمط فراغ السلطة، الذي كان يأمل مساعدو بايدن في تجنبه. ويُعدّ مرتزقة «فاغنر غروب» الروس من بين اللاعبين الذين يحاولون ملء هذه الفجوة، وفقاً لما أفاد به مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون.

عن ذلك قال جيفري دي. فيلتمان، المبعوث الأميركي السابق لمنطقة القرن الأفريقي، والذي عمل على مفاوضات من أجل إرساء الحكم المدني: «إذا استمر هذا القتال، فسيكون ثمة إغراء هائل بين عناصر خارجية لأن تقول: إذا كان هؤلاء الرجال سيتقاتلون حتى الموت، فمن الأفضل أن نشارك؛ لأننا نفضل فوز هذا الرجل أو هذا الفريق».

وأضاف فيلتمان: «إذا لم يجرِ الوصول إلى وقف لإطلاق النار، فإن هذا لن يتسبب في بؤس 48 مليون شخص فحسب، وإنما سيزداد الإغراء أمام قوى خارجية لأن تزيد القتال اشتعالاً عبر التدخل المباشر».

من جهته قال حمدوك إن الحرب الأهلية في السودان ستجعل الصراعات في سوريا واليمن وليبيا تبدو وكأنها مجرد «مسرحية صغيرة».

ورفضت وزارة «الخارجية» و«البيت الأبيض» التعليق.

جدير بالذكر أن وثيقة استراتيجية نشرها «البيت الأبيض»، في أغسطس (آب) الماضي، أكدت أنه «من خلال تأكيد أن الديمقراطية تحقق فوائد ملموسة» يمكن للولايات المتحدة المساعدة في تقليص النفوذ «السلبي» لدول خارجية، والجماعات غير التابعة لدول محددة، والحد من الحاجة لعمليات تدخُّل مكلِّفة، ومعاونة الأفارقة على تحديد ملامح مستقبلهم.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الجهد المبذول لمنع عودة السودان المحتملة للاستبداد، بدا دوراً غير محتمل، بعد عقود كانت خلالها البلاد معروفة، على نطاق واسع، بالمذابح الجماعية، وباعتبارها ملاذاً آمناً للإرهابيين؛ ومنهم أسامة بن لادن، الذي قضى حوالي 5 سنوات بالسودان خلال التسعينات. وفي عام 1998، أصدر الرئيس بيل كلينتون أوامره بتوجيه ضربة صاروخية لمصنع كيميائيات في الخرطوم قال إن «تنظيم القاعدة» استغلّه في صنع أسلحة كيميائية، على الرغم من أن وكالات الاستخبارات شككت، لاحقاً، في هذا الادعاء.

ترمب والديمقراطية الجديدة

في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، أيْ بعد عام على الثورة، أعلن الرئيس دونالد جيه. ترمب أنه سيلغي وضع السودان باعتباره بلداً راعياً للإرهاب، بعدما أقدم الأخير على تطبيع علاقاته مع إسرائيل.

وقال ترمب: «اليوم، أصبح شعب السودان العظيم في موقع المسؤولية، وثمة ديمقراطية جديدة يجري بناؤها». وقال فيلتمان ومسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن دعم الديمقراطية ينبغي أن يبقى حجر الزاوية في السياسة الأميركية تجاه السودان؛ نظراً إلى الطموحات التي جرى التعبير عنها، خلال المظاهرات التي أدت إلى الإطاحة عام 2019 بالرئيس عمر البشير؛ الدكتاتور الذي حكم البلاد طوال 30 عاماً. واليوم، يدعو قادة في «الكونغرس» بايدن و«الأمم المتحدة» لتعيين مبعوثين خصوصيين للسودان.

تأتي الانتكاسات في السودان، في أعقاب إحباطات ديمقراطية أخرى في شمال أفريقيا.

وأدى سقوط البشير، منذ 4 سنوات، إلى خروج السودانيين للاحتفال، إذ كانوا يأملون في أن تترسخ جذور الديمقراطية في البلاد، على الرغم من الإخفاقات التي مُنيت بها في أرجاء أخرى من المنطقة. وبعد شهور عدة من حكم مجلس عسكري، وقّعت قيادات عسكرية ومدنية في السودان على اتفاق للتشارك في السلطة، نصَّ على تشكيل حكومة مؤقتة، برئاسة حمدوك، الخبير الاقتصادي. ونصّت الخطة على إجراء انتخابات بعد 3 سنوات.

ومع ذلك، جرى تشكيل مجلس للمساعدة في إدارة الفترة الانتقالية، لكنه، في واقع الأمر، بات أقرب لكونه «ورقة توت»، حيث كان يضم عناصر عسكرية أكثر من المدنية، وفقاً لما أكدته سوزان دي. بيدج، السفيرة الأميركية السابقة لدى جنوب السودان، والبروفيسورة لدى ميتشيغان، في منشور لها عبر الموقع الإلكتروني، التابع للكلية التي تعمل فيها.

وجرى إقصاء أصوات مدنية مهمة، وهي مشكلة ظلت قائمة حتى المفاوضات التي جرت، هذا العام.

وبعد الانقلاب العسكري، في أكتوبر 2021، جمّدت الولايات المتحدة 700 مليون دولار من المساعدات المباشرة للحكومة السودانية، وعلّقت العمل بتخفيف أعباء الديون، في حين جمّد «البنك الدولي»، و«صندوق النقد الدولي» 6 مليارات دولار من المساعدات الفورية، مع خطط لإلغاء 50 مليار دولار من الديون. كما اتخذت حكومات ومؤسسات أخرى، بما في ذلك «بنك التنمية الأفريقي»، خطوات مماثلة.

وقال نيد برايس، المتحدث باسم «الخارجية» الأميركية في ذلك الوقت، إنه قد يُعاد تقييم «علاقتنا الكاملة» مع الحكومة السودانية، ما لم يُعِد الجيش الحكومة الانتقالية.

الانقلاب من دون عوائق

وحتى مع انتشار شائعات الانقلاب في أكتوبر، حذَّر مسؤولون أميركيون الجنرال حمدان بأنه سيواجه «عواقب محددة» إذا استولى على السلطة، وفق إفادة مسؤول أميركي بارز سابق، لكن بعد الانقلاب، قادت السيدة مولي في، أكبر مسؤولي «الخارجية» الأميركية بشأن السياسات الأفريقية، الدبلوماسيين الأميركيين، في محاولة للعمل مع الجنرالات، بدلاً من الدخول في مواجهة معهم.

ورفضت المسؤولة الأميركية تحديد العقوبات المقترحة ضد الجنرال حمدان، إلا أنها قالت إنها (العقوبات) تستهدف، بشكل واسع، ثروته الشخصية.

لم تعاقب الولايات المتحدة الجنرال حمدان بالعقوبات بعد الانقلاب، أو حتى بعد زيارته موسكو، في اليوم الأول من الهجوم الروسي على أوكرانيا، في العام الماضي، لإسعاد كبار المسؤولين في «الكرملين».

وجاءت الضغوط لمعاقبة الجنرالات من أعضاء بارزين في «الكونغرس»، فقد شارك عضو «مجلس الشيوخ» كريس كونز، وهو ديمقراطي من ولاية ديلاوير، والعضو في «اللجنة الفرعية للشؤون الأفريقية»، التابعة لـ«لجنة العلاقات الخارجية» بـ«مجلس الشيوخ»، في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي»، في فبراير (شباط) 2022، قال فيه إن إدارة بايدن يجب أن تفرض «مجموعة شاملة من العقوبات على قادة الانقلاب وشبكاتهم»؛ لإضعاف قبضتهم.

وفي حديثه مع الصحافيين، خلال رحلة إلى شرق أفريقيا مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، قال أحد كبار مسؤولي «الخارجية» إن الجنرالات أشاروا إلى أنهم على استعداد لتقاسم السلطة مرة أخرى مع المدنيين. ورأى المسؤول، الذي أصرّ على عدم ذكر اسمه، لحديثه عن المفاوضات، أن حجب المساعدات قد لا يكفي للضغط على الجنرالات، ولذلك ناشدت الإدارة شعورهم بالإرث الشخصي المشرف، من بين أمور أخرى.

واعتبر كاميرون هدسون، الذي شغل منصب رئيس موظفي المبعوثين الرئاسيين الأميركيين المتعاقبين إلى السودان، أن هذا النهج خطأ.

وقال هدسون: «إنهم يثقون أكثر مما ينبغي بما يقوله لهم هؤلاء الجنرالات. كان هؤلاء الرجال يخبروننا بما نريد سماعه، منذ أن وافقوا على الحكم المدني بعد الإطاحة بالبشير. كانت هناك ثقة مطلقة لدى وزارة الخارجية بأننا على أعتاب التوصل إلى اتفاق يحقق تقدماً كبيراً».

مساومة مع الجنرالات

وخذلان حمدوك

وأوضح هدسون أن استعداد واشنطن للمساومة مع الجنرالات بعد الانقلاب، كان له أثر في إضفاء الشرعية عليهم.

وأضاف أن الولايات المتحدة خذلت أيضاً حمدوك قبل الانقلاب، عندما أبطأ الجمود البيروقراطي من صرف المساعدات الاقتصادية، التي تهدف جزئياً إلى إظهار فوائد الحكم المدني.

حمدوك

في حالة ضعف شديد

لقد ترك الانقلاب فيلتمان، المبعوث السابق، يشعر بالخيانة، وقال إن الجنرالات أكدوا له، شخصياً، قبل ساعات من إلقاء القبض على حمدوك، أنهم لن يمسكوا زمام السلطة.

لكن حتى لو فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليهم، «فلستُ متأكداً من أنها كانت ستُحدث فارقاً كبيراً»، مضيفاً «ينظر الجنرالان إلى هذه المعركة باعتبارها معركة وجودية، فإذا كنت في معركة وجودية، فربما تكون منزعجاً من العقوبات، لكنها لن تمنع كلاً منهما من ملاحقة الآخر».

جاء الاختراق الأول بعد الانقلاب، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، عندما توسطت «الأمم المتحدة»، و«الاتحاد الأفريقي»، وكتلة إقليمية، في اتفاق لانتقال السودان إلى حكم مدني في غضون أشهر.

لكن كانت هناك قضايا هائلة لا تزال تحتاج إلى حل، ولا سيما مدى سرعة دمج «قوات الدعم السريع»، التابعة للجنرال حمدان، مع الجيش النظامي، ومن سيكون مسؤولاً أمام رئيس الدولة المدني. ووقع العمل على تجسير هذه الخلافات، إلى حد كبير، على عاتق القوى الأجنبية ذات النفوذ في السودان: الولايات المتحدة، وبريطانيا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.

لكن مع تقدم المفاوضات، ازدادت الفجوة اتساعاً بين الجنرالين. وبدأت التعزيزات العسكرية من المعسكرين دخول الخرطوم.

وبحلول أواخر مارس (آذار) الماضي، قدم دبلوماسيون أميركيون وبريطانيون للجنرالات مقترحات تهدف إلى تسوية أكبر لخلافاتهم. لكن بدلاً من ذلك، بدا الأمر كأن الخطة تعمل على زيادة حِدة التوترات.

وبعد أسابيع، في 12 أبريل، سيطرت قوات الجنرال حمدان على قاعدة جوية على بُعد 200 ميل، شمال الخرطوم، في أول إشارة علنية إلى أن سنوات الدبلوماسية بلغت ذروتها بالحرب.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».