تدخل المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية، برعاية لجنة «الميكانيزم» حتى موعد انعقاد اجتماعها المقبل في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بمرحلة اختبار النيات للتأكد من تجاوب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مع الضغوط الأميركية التي مورست عليه بخفض منسوب التوتر لخلق أجواء مريحة لتفعيل المفاوضات، في مقابل استعداد لبنان للقيام بخطوات ملموسة لاستكمال تطبيق حصرية السلاح في ضوء وقوفه على مشارف الانتهاء من تطبيقه في جنوب الليطاني نهاية العام الحالي.
الاجتماع المقبل للجنة «الميكانيزم» هو الثاني، بعد أن أوكل كلٌّ من لبنان وإسرائيل رئاسة وفديهما إلى مدنيَّيْن استجابة لرغبة واشنطن التي كانت وراء التهدئة غير المسبوقة التي يشهدها الجنوب منذ ثلاثة أيام بغياب الخروق الإسرائيلية، واقتصرت على تحليق المسيّرات من دون أي استهدافات.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية أن تكليف لبنان السفير السابق لدى الولايات المتحدة الأميركية المحامي سيمون كرم ترؤس وفد لبنان لمفاوضات «الميكانيزم»، قوبل بارتياح أميركي عبّرت عنه مورغن أورتاغوس التي كانت في عداد وفد سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي خلال زيارته الأخيرة لبيروت.
ونقلت المصادر الوزارية عنها قولها، خلال استقبال رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون لوفد السفراء، أن وجود مدني على رأس الوفد اللبناني يؤدي لتطرية الأجواء، ويسهم في خلق مناخات مريحة لتفعيل اجتماعات «الميكانيزم» واستعدادها لاتخاذ قرارات عند الضرورة بخلاف اجتماعاتها السابقة.
الرئيس جوزاف عون أمام وفد مجلس الامن الدولي ان ما يقوم به لبنان على صعيد التفاوض ضمــــن لجنة » الميكانيزم» ليس لارضاء المجتمع الدولي، بل لأنه لمصلحة لبنان.وقال : » لقد اتخذنا القرار ولا مجال للعودة إلى الوراء، وهذا الامر ابلغته لجميع المسؤولين العرب والأجانب الذين التقيتهم... pic.twitter.com/jyPfKhoR3H
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) December 5, 2025
ورغم أن أورتاغوس لم تتطرق إلى مطالبة إسرائيل الجيش اللبناني بدهم المنازل الواقعة في جنوب الليطاني بذريعة أن «حزب الله» حوّلها مخازن لسلاحه، فإنها في المقابل شددت، بحسب المصادر، على أن بدء المفاوضات بضم مدني للوفد اللبناني، لا يعني أننا سنغض النظر عما هو مطلوب من الحكومة اللبنانية باتخاذ خطوات ملموسة لتطبيق حصرية السلاح.
ولفتت المصادر إلى أن أورتاغوس تحدثت بإيجابية عن موقف الرئيس عون الذي كان وراء تطعيم الوفد اللبناني بمدني، لكنها أشارت إلى أن المطلوب يكمن في نزع سلاح «حزب الله» بصرف النظر عن استعماله أو الاحتفاظ به، ما يساعد بتفعيل اجتماعات «الميكانيزم».
طمأنة قاسم للشمال
لكن المصادر تجنّبت التعليق على ما يتردد بأن مطلع العام المقبل يمكن أن يشهد تحولاً في الموقف الأميركي مع الانتهاء من تطبيق حصرية السلاح في جنوب الليطاني، وخلوه من المنشآت العسكرية للحزب، والتأكد من تطبيق الجيش الخطة التي وضعتها قيادته وتبنتها الحكومة.
فالتحول في الموقف الأميركي، في حال حصوله، يقضي بإلزام إسرائيل القيام بخطوة من شأنها أن تؤدي إلى تدعيم موقف الحكومة بإعدادها لجدول زمني لاستكمال تطبيق حصرية السلاح، بدءاً من شمال الليطاني حتى الحدود الدولية للبنان لبسط سلطته على أراضيه كافة؛ تنفيذاً للقرار «1701»، خصوصاً وأن ذلك يحرج «حزب الله» الذي ليس في وارد الأمر أن يرفع سلاحه في وجه «الميكانيزم»، فيما بادر أمينه العام الشيخ نعيم قاسم لطمأنة المستوطنين، بأنه لا خطر على المستوطنات الواقعة شمال فلسطين.

وتوقفت مصادر سياسية أمام قول قاسم في هذا الخصوص، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط»، أن خطابه الأخير يبقى تحت سقف تسجيل موقف اعتراض على تطعيم الوفد اللبناني بمدني، وتقديم الحكومة موقفاً مجانياً دون أي مقابل، ومن دون أن ينطوي على بُعد عسكري، ولم يكن مضطراً لطمأنة المستوطنات وحصره قدراته العسكرية بالدفاع عن لبنان، ولا يتسم ذلك بطابع هجومي أو قتالي. ولفتت إلى أنه لا خيار أمام الحزب سوى إعطاء فرصة للمفاوضات انسجاماً مع وقوفه خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي لإلزام إسرائيل بالانسحاب تطبيقاً للقرار «1701».
قلق الفراغ
وكشفت المصادر السياسية أن مرحلة ما بعد انتهاء خدمات قوات الطوارئ الدولية «اليونيفيل»، بالمفهوم السياسي للكلمة مع نهاية عام 2026، يبقى الشغل الشاغل لدى الرؤساء الثلاثة (عون ورئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة نواف سلام) الذين عبروا عن قلقهم، لدى استقبالهم سفراء مجلس الأمن الدولي، من حصول فراغ بالجنوب في حال أن الفترة الزمنية الفاصلة قبل حلول موعد إنهاء خدماتها لم تؤدّ لتطبيق القرار «1701». وقالت إنهم شددوا على إيجاد البديل الأممي لملء الفراغ، وإن كانوا تمنوا عليهم بقاء «اليونيفيل» ولو بأعداد رمزية.

وأكدت أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، كما نقلت عنه أوساطه، خلص في ضوء اجتماعه بالسفراء إلى قناعة بأن جميعهم دون استثناء أبدوا تفهماً للموقف اللبناني، في مقابل تمسكهم بحصرية السلاح، وأن أحداً منهم لم يدافع عن وجهة نظر إسرائيل، خصوصاً وأن أورتاغوس لم تكن طرفاً في تبادل الأحاديث، وفضّلت الاستماع إلى ما طرحه بري.
وقالت إن رئيس الحكومة نواف سلام شدّد أمام السفراء على ضرورة تأمين قوة أممية بديلة لتحل مكان «اليونيفيل»، وإن كان رأى وجوب تدخل مجلس الأمن لتمديد فترة انتدابها لمؤازرة لبنان بتطبيق القرار «1701»، على أن يحظى الطلب اللبناني بموافقة واشنطن، وأنه لا مانع من أن تقلّص عديدها وعتادها، لأن ما يهمنا الإبقاء على المرجعية الدولية كأنها شاهد على تمرّد إسرائيل على تطبيق القرار في مقابل إصرار لبنان على حصر السلاح بالدولة، ولن يتراجع عنه مهما تعددت الضغوط أكانت محلية أو خارجية.
استقبل رئيس #مجلس_الوزراء الدكتور #نواف_سلام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وذلك على مأدبة غداء في السراي الكبير. وحضر اللقاء وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي، أمين عام وزارة الخارجية عبد الستار عيسى، سفير #لبنان لدى الأمم المتحدة أحمد عرفة، مدير... pic.twitter.com/rQEVRqG70o
— رئاسة مجلس الوزراء (@grandserail) December 5, 2025
ولاحظت المصادر أن بري طرح أمام وفد السفراء إصرار إسرائيل على تدمير المنازل بذريعة أنها تحولت مخازن لسلاح «حزب الله»، ونقلت عنه قوله إن ذرائعها باطلة، وهذا ما أكدته قيادة الجيش في كشفها على المنازل المدمّرة، ورفعها تقريراً للجنة «الميكانيزم».
وأكدت أن مواصلة إسرائيل تدميرها للمنازل أُثير في اجتماعات «الميكانيزم» من زاوية أنه لا شيء يمنعها من أن تحيل إليها ما لديها من شكاوى، لتقوم بدورها بإعلام قيادة الجيش التي تكلف، بحسب الأصول القانونية، وحداتها المنتشرة في جنوب الليطاني بالتعاون مع «اليونيفيل» بالكشف عن المنازل التي تتذرع بها إسرائيل لمواصلة غاراتها الجوية، والتأكد من أنها لا تختزن سلاحاً للحزب، وأن تدميرها يأتي في سياق تأليب بيئته عليه.
استقبل قائد الجيش العماد رودولف هيكل في مكتبه في اليرزة وفداً من سفراء الدول الخمس عشرة الأعضاء وممثليها في مجلس الأمن الدولي، وجرى عرض موجز عن الوضع العام والتطورات وكيفية تثبيت الاستقرار في لبنان، إضافة إلى مهمات المؤسسة العسكرية، والعمل المستمر من قبل الجيش على تطبيق المرحلة... pic.twitter.com/HMgrgp9GTV
— الجيش اللبناني (@LebarmyOfficial) December 5, 2025
وسألت، هل تتذرّع إسرائيل بتخزين «حزب الله» لسلاحه لقطع الطريق على مطالبتها بأن تُقدم على خطوة تكون بمثابة حسن نية تجاوباً مع انتهاء المرحلة التي حددتها قيادة الجيش لبسط سلطة الدولة دون أي شريك، وبمؤازرة «اليونيفيل»، على منطقة جنوب الليطاني وخلوّها من سلاح الحزب بشهادة مزدوجة من القوات الدولية و«الميكانيزم»، ما يشكّل إحراجاً للحزب في حال أصر على ربط سلاحه بالاستراتيجية الدفاعية من دون أن يتمكن من استخدامه بعد أن طمأن قاسم المستوطنات في شمال فلسطين بأنه لا خطر عليها؟
دور إيران
كما سألت الحزب، لماذا لا يطمئن قاسم اللبنانيين ويضع السلاح بعهدة حليفه بري لتدعيم موقف لبنان في المفاوضات التي تبقى تحت سقف أمني بامتياز بإلزام إسرائيل بالانسحاب، ما يضع واشنطن أمام تعهدها بمساعدته لوقف الأعمال العدائية ومندرجاتها تطبيقاً للقرار «1701»؟
مع أن المصادر، وإن كانت أخذت علماً بعدم تدخل إيران في الشأن الداخلي بحسب بيانها الصادر عن وزارة خارجيتها، فإنها تتوقع من طهران أن تلتزم، بخلاف السابق، بخطوات عملية لإقناع الحزب بالتخلي عن سلاحه الذي هو إيراني، وانخراطه بمشروع الدولة وإنما بلباس مدني.

