يواصل وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تحركات مكثفة لتحصينه، والتعجيل ببدء المرحلة الثانية المعنية بترتيبات أمنية وإدارية في القطاع وانسحابات إسرائيلية أكبر، وسط حديث من القاهرة عن تحقيق «نتائج إيجابية» في خطوات الانتقال إلى المرحلة الجديدة.
وتجدد تلك التحركات موقفاً مصرياً رسمياً كرره الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووزير خارجيته بدر عبد العاطي مع وبعد توقيع الاتفاق قبل نحو شهر بضرورة تأسيس القوة الدولية المقترحة لحفظ السلام في غزة عبر مجلس الأمن، لجعل الاتفاق ملزِماً للأطراف الموقِّعة، وسط تخوفات مراقبين من عراقيل إسرائيلية.
وبعد نحو شهر من الاتفاق تسعى إسرائيل، حسب خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، إلى تجنب تدويل القضية أممياً، وتريد حصرها في الترتيبات الأمنية، وترسيخ السيناريو اللبناني بتكرار الهجمات تحت أي ذرائع في غزة، متوقعين أن تكون هناك مفاوضات غير معلنة بين واشنطن، وحكومة بنيامين نتنياهو بشأن هذا الأمر.

واتفاق غزة لا يزال يراوح مكانه في المرحلة الأولى مع تعثر تسليم «حماس» كامل جثث الرهائن، ومساعٍ من الوسطاء للذهاب إلى المرحلة الثانية المتعلقة بترتيبات أمنية منها القوة الدولية وأخرى إدارية معنية باختيار لجنة تنفيذية لإدارة قطاع غزة.
وبحث السيسي مع الرئيس القرغيزي، صادير غاباروف، في القاهرة، «الجهود المصرية الرامية إلى تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، واعتزام مصر استضافة مؤتمر دولي حول التعافي المبكر وإعادة الإعمار في القطاع (أحد بنود المرحلة الثانية) بنهاية شهر نوفمبر الجاري»، وفق بيان للرئاسة المصرية.
تقدم تدريجي
وفي مقابلة متلفزة الثلاثاء، قال بدر عبد العاطي، «لكي يتم ترجمة مشروع قرار اتفاق غزة بشكل ملزم، يتم الآن صياغة مشروع قرار لعرضه على مجلس الأمن لتحصين اتفاق شرم الشيخ، وهو ما يعكس إرادة المجتمع الدولي، ولا مجال لأي طرف أن يحاول التملص أو الالتفاف على التزاماته».
وكشف وزير خارجية مصر عن أن هناك «نقاشاً مع الولايات المتحدة والأطراف العربية والإسلامية والدولية للتعامل مع جميع القضايا الخاصة بالترتيبات الأمنية، والقضايا المتعلقة بإعادة الإعمار في قطاع غزة».
واستعرض عبد العاطي خلال اتصالات هاتفية الثلاثاء، مع نظرائه في السعودية، الأمير فيصل بن فرحان، والأردن، أيمن الصفدي، وتركيا، هاكان فيدان، وجوناثان باول مستشار الأمن القومي البريطاني، «أهمية التنفيذ الكامل لبنود الاتفاق لضمان إنهاء الحرب وتخفيف المعاناة الإنسانية، وضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية».
وفي حوار مع شبكة «سي بي إس» الأميركية، قال متحدث الخارجية المصرية، السفير تميم خلاف، إن «مصر تعمل بكل إخلاص لتثبيت هذا الاتفاق، الذي ما كان ليحدث لولا القيادة الحازمة للولايات المتحدة»، موضحاً أن «هناك مناقشات جارية مع الشركاء الأميركيين والإقليميين حول مجموعة من العناصر تتعلق بقوة دعم الاستقرار، وهي تشكيل القوة وهيكلها وولايتها والمدة الزمنية لعملها».
ورداً على سؤال حول: متى يمكن الوصول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، قال متحدث الخارجية المصرية: «نتقدم بشكل تدريجي وثابت... تحققت بالفعل نتائج إيجابية خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث تم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والمحتجزين الفلسطينيين، كما يتم تسليم رفات الجثث لإسرائيل بشكل تدريجي»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء المصرية، الثلاثاء.

ويرى الخبير المصري في الشؤون الإسرائيلية سعيد عكاشة، أن تحصين الاتفاق يعد أفضل السبل، لكن سيقابَل بموقف إسرائيلي رافض خصوصاً أنه يعتبر الأمم المتحدة منحازة ضده، وواشنطن ترى أهمية أن تحصن الاتفاق بنفسها لا عن طريق القانون الدولي، متوقعاً في حال أُغلقت كل الأبواب نحو التوافق، أن يجري سيناريو آخر بتحصين الاتفاق بطريقة أخرى مثل معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية عبر مشاركة قوات متعددة الجنسيات بضمانات أميركية.
ورأى أن مصر قد تقبل بالسيناريو السابق (قوة متعددة الجنسيات، وليست قوة دولية بقرار من مجلس الأمن)، إذا تواكب مع ضمانات أميركية، موضحاً أن «القاهرة تريد حصار أي تلاعب إسرائيلي، وواشنطن من مصلحتها الحفاظ على الاتفاق من الانهيار».
ويتفق المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، مع التقدير بأن إسرائيل تسعى للتملص من المشروعية الأممية للقوة الدولية، مشيراً إلى أنها «تريد أن تنقل سيناريو لبنان إلى غزة، وتنفيذ ما تريد من هجمات تحت أي ذريعة تختلقها».

كما أعرب عن اعتقاده بأنه «رغم الجهود المصرية مع الوسطاء نحو تحصين الاتفاق بوصفه أمراً حيوياً لنجاحه في الفترة المقبلة؛ فإن إسرائيل سترفض هذا المسار بوصفه يُفقدها ورقة السيطرة وفرض رؤيتها على أرض الواقع».
وتزامناً مع هذه الجهود، أرسلت الولايات المتحدة، مشروع قرار إلى عدد من أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لإنشاء قوة دولية في غزة لمدة عامين على الأقل، مع إمكانية التمديد، بهدف نشر أولى القوات في غزة بحلول يناير (كانون الثاني)، وفقاً لما ذكره موقع «أكسيوس» الإخباري، الثلاثاء.
وأفاد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مؤتمر صحافي عقب اجتماع عدة دول لبحث اتفاق غزة والقوات الدولية، الاثنين، بأن العمل لا يزال جارياً على قرار الأمم المتحدة لإرسال قوة لتحقيق الاستقرار في قطاع غزة.
ولا يستبعد نزال أن تكون هناك مناقشات أميركية - إسرائيلية سرِّية أيضاً بشأن هذا المسار، مشككاً في إمكانية حسم تلك الأمور مع التعقيدات الإسرائيلية قريباً.
ويؤكد عكاشة أن إسرائيل لا تريد الذهاب إلى المرحلة الثانية وستستخدم كل الذرائع لتأخيرها، وبالتالي ستعقِّد مسألة قوات الاستقرار وتُفرغ الفكرة من مضمون لتقبلها متأخرةً، متوقعاً أن يتم حل الكنيست كخيار أخير للإفلات الإسرائيلي من أي التزم بالتوجه إلى المرحلة الثانية حال إنهاء كل بنود المرحلة الأولى والمتعثرة حالياً بسبب عدم تسليم كامل الجثث.
