قال كاتب فلسطيني شهير، أُطلق سراحه الشهر الماضي بعد أكثر من 32 عاماً في سجون إسرائيل، إن استخدام التعذيب ازداد بشكل كبير خلال العامَيْن الأخيرَيْن من أسره، حيث تعاملت إسرائيل مع سجونها بوصفها جبهة أخرى في حرب غزة.
وكان ناصر أبو سرور الذي تُرجمت مذكراته عن السجن إلى سبع لغات، والمرشّح للفوز بجائزة أدبية دولية مرموقة هذا الشهر، من بين أكثر من 150 فلسطينياً كانوا يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد، وأُطلق سراحهم ضمن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بوساطة أميركية.
ووصف أبو سرور، البالغ من العمر 56 عاماً، لصحيفة «الغارديان» البريطانية، في اتصال هاتفي من مصر، حيث نُقل بعد الإفراج عنه، «الصدمة المذهلة» التي شعر بها عندما اقتيد مباشرةً من ظروف الاحتجاز الإسرائيلية القاسية إلى فندق خمسة نجوم في القاهرة، بوصفه ضيفاً لدى السلطات المصرية.
وفي شبابه، شارك أبو سرور في الانتفاضة الفلسطينية الأولى بين عامَي 1987 و1993؛ إذ اتُّهم بالتواطؤ في مقتل ضابط إسرائيلي من جهاز الأمن العام (الشاباك) كان يحاول الضغط على ابن عمه ليصبح عميلاً لإسرائيل.
وبناءً على اعتراف أدلى به تحت التعذيب، حُكم على أبو سرور عام 1993 بالسجن المؤبد دون إمكانية الإفراج المشروط. وخلال عقود شهدت فترات طويلة من الحبس الانفرادي، حصل على درجة البكالوريوس ثم الماجستير في العلوم السياسية، وبدأ نشر الشعر وكتابات أخرى هُرّبت من السجن.
ونُشرت مذكراته عن السجن التي تحمل اسم «حكاية جدار: تأملات في الأمل والحرية»، بعد تدوينها من قِبل أحد أقاربه على مدار أكثر من عامين خلال محادثات هاتفية كان يجريها معه. وقد تمت ترجمتها من العربية إلى سبع لغات للنشر، وهي الآن ضمن قائمة المرشحين النهائية لجائزة الأدب العربي التي يمنحها معهد العالم العربي في باريس سنوياً.
إطلاق سراحه
ولم تُلبَّ نداءات إطلاق سراح أبو سرور على مر العقود، لذلك عندما جاء المسؤولون إلى السجن بعد وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) بقائمة السجناء المطلوب إطلاق سراحهم، تجاهلهم أبو سرور ولم يهتم.
وقال: «كانوا ينادون على أرقام الزنازين وأنا جالس على سريري في الغرفة رقم (6)، شعرت وكأنني لست جزءاً من ذلك. كانت هناك العديد من المرات التي كان ينبغي أن أكون فيها جزءاً من ذلك طوال تلك السنوات. لكن الأمر كله كان مؤلماً للغاية، ولم أرغب في التفاعل. كان ذلك آلية دفاعية. كنت أقول لنفسي: هذا لا يتعلق بي»، وفق «الغارديان».
وأضاف: «لكنهم جاءوا إلى زنزانتي وقالوا: ناصر، جهّز نفسك. غمرتني نعمة الله أخيراً. كان أصدقائي يعانقونني ويقبلونني، وكنتُ في حالة من الذهول».
ازدياد حدة التعذيب بعد حرب غزة
وقال أبو سرور إنه لاحظ ازدياداً حاداً في استخدام الضرب والعنف والحرمان من الطعام بعد اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وقال: «غيّر حراس السجن زيّهم، وظهرت على صدورهم علامة كُتب عليها (مقاتلون) أو (محاربون)، وبدأوا يتصرفون كما لو كانوا في حرب، فبدأوا يضربون ويُعذبون ويقتلون بوصفهم محاربين».
وقال: «أي مكان يخلو من الكاميرات كان مكاناً للوحشية. كانوا يربطون أيدينا خلف رؤوسنا ويطرحوننا أرضاً، ثم يبدأون دهسنا بأقدامهم».
ولفت إلى أنه تم سحب جميع مواد القراءة والكتابة من السجون، مشيراً إلى أن «الحياة الثقافية انتهت في السجن خلال العامَيْن الماضيَيْن».
وأضاف: «كان الجميع يحاول البقاء على قيد الحياة بطريقته الخاصة. وكنا دائماً جائعين». وأضاف أن الحصص اليومية كانت تُحافظ على مستوى البقاء فقط، مشيراً إلى أنه فقد 12 كيلوغراماً من وزنه.
وتابع: «لم يُسمح للسجناء إلا بطقم ملابس رقيق واحد، فكنا نشعر بالبرد دائماً في ليالي الشتاء. كانت أجسادنا ضعيفة. لم نكن نتحمل حتى درجة الحرارة المتوسطة».
استمرار العنف بعد إعلان إطلاق سراحهم
وقال أبو سرور إنه خلال الأربع والعشرين ساعة التي سبقت إعلان أسماء الأسرى المفرج عنهم بموجب اتفاق وقف إطلاق النار وصعودهم إلى الحافلات للمغادرة، تعرضوا لجولة أخيرة شديدة من الضرب.
وفي الرحلة التي استمرت 48 ساعة، لم يُسمح لهم بفتح ستائر الحافلات التي عبرت إسرائيل ثم سارت على طول الطرف الجنوبي من غزة إلى معبر رفح. ولم يرَ السماء لأول مرة خارج أسوار السجن إلا بعد دخوله مصر.
وأحصت لجنة تابعة للأمم المتحدة 75 حالة وفاة لفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بين 7 أكتوبر 2023 و31 أغسطس (آب) 2025. وقد نفت مصلحة السجون الإسرائيلية مراراً وتكراراً استخدام التعذيب في سجونها.

