أنقرة وبغداد ومرحلة جديدة من العلاقات بعد إلقاء حزب العمال الكردستاني السلاح

إردوغان أكد في حديثه مع السوداني عزمه «اقتلاع الإرهاب»

العلمان التركي والعراقي
العلمان التركي والعراقي
TT

أنقرة وبغداد ومرحلة جديدة من العلاقات بعد إلقاء حزب العمال الكردستاني السلاح

العلمان التركي والعراقي
العلمان التركي والعراقي

في وقت اختار فيه العشرات من مقاتلي حزب العمال الكردستاني، بزعامة عبد الله أوجلان، كهفاً ذا رمزية تاريخية بين مدينة السليمانية ومصيف دوكان مكاناً لحرق أسلحتهم، في خطوة، وإن وُصفت بالرمزية، تنهي حقبة من تاريخ صبغته الدماء على مدى أكثر من أربعة عقود، يظل العراق طرفاً معنياً بقوة بهذه الأحداث.

فبينما كان حزب العمال الكردستاني يُشهر سلاحه منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي بوجه الدولة التركية؛ بسبب ما يعتبره حقاً قومياً له في التمتع بحياة سياسية مستقلة، نال العراق المجاور قسطاً غير يسير من هذه المواجهة، فالمناطق التي يوجد فيها الحزب تقع عند حافات حدوده مع تركيا، وهي مناطق جبلية وعرة صعبة التضاريس، خصوصاً سلسلة جبال قنديل، فضلاً عن أنها - سواء داخل تركيا أو شمال العراق - منطقة تقطنها غالبية كردية، ويتداخل فيها ما هو سياسي بما هو عرقي.

وفي حين أن الجانب التركي عقد اتفاقاً مع العراق في عهد النظام السابق يمنح كلاً منهما الحق في مطاردة عناصر المعارضة لكلا البلدين (حزب العمال لجهة تركيا، وقوى المعارضة العراقية قبل سقوط النظام عام 2003)، ورغم أن هذا الاتفاق بقي شكلاً حتى بعد سقوط نظام صدام حسين؛ فقد بدا أن الجانب التركي هو المستفيد الأكبر من الاتفاق الذي أُبرم في نهاية تسعينات القرن الماضي، إذ بدأ يتمدد إلى مساحات شاسعة في محافظات أربيل والسليمانية ونينوى لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني.

حرق سلاح لحزب العمال الكردستاني في خطوة رمزية في السليمانية بالعراق يوم الجمعة (رويترز)

ومما زاد من تعقيد المشكلة أنه بعد دخول تنظيم «داعش» العراق عام 2014، وبسط هيمنته على مساحات واسعة من الأراضي العراقية، وما فعله بالأقليات الدينية والعرقية لا سيما الإيزيديين والشبك، فضلاً عن الشيعة، فإن قسماً من سكان تلك المناطق تعاونوا مع عناصر من «حزب العمال» لمحاربة «داعش» بعد أن أخذ مئات الإيزيديات سبايا.

وشكل التداخل في تلك المناطق المختلطة عرقياً ودينياً ومذهبياً إشكاليات جديدة، لا سيما عندما تحالفت بعض القوى العراقية المسلحة مع قسم من عناصر حزب العمال الكردستاني، وهو ما جعل التوصل إلى تسوية سياسية على صعيد نزع سلاح عناصر هذا الحزب أمراً في غاية الصعوبة.

ترحيب عراقي

الجانب العراقي عَدّ نزع سلاح الحزب خطوة تاريخية مهمة تمهد الطريق لإنهاء الصراع المسلح والخروقات الأمنية التي امتدت لعقود، وسقط فيها عشرات الآلاف من القتلى.

ولاقت الخطوة ترحيباً من رئاسة الجمهورية العراقية التي رأت أنها تفتح الباب أمام آفاق مستقبلية تسهم في تعزيز فرص السلام في المنطقة، ودعت لضرورة الالتزام الكامل بالحفاظ على الأمن والاستقرار ودعم الحقوق المشروعة للأطراف كافة.

وأكدت الرئاسة العراقية أن الخطوة تمُثل «عنصراً مهماً لترسيخ الأمن والاستقرار في عموم المنطقة، وتفسح المجال أمام تعزيز العلاقات الثنائية بين العراق وتركيا على أساس احترام السيادة المتبادل، وضمان أمن وسلامة الشعبين الصديقين».

مقاتلات من حزب العمال الكردستاني أثناء إلقائهن السلاح في السليمانية (أ.ف.ب)

وأعلنت الرئاسة دعمها الكامل لإنجاح هذه الخطوة حتى النهاية، «والمساهمة بكل ما من شأنه تحقيق الأهداف المأمولة منها في طي صفحة الماضي المؤلمة، وفتح صفحة جديدة عنوانها التعاون والتنسيق المشترك لخدمة للجميع».

مرحلة جديدة

وبينما عبر الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، عن عزمه «اقتلاع الإرهاب» خلال مباحثاته الهاتفية مساء السبت مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، توشك ملامح مرحلة جديدة على صعيد العلاقة بين بغداد وأنقرة، وبين بغداد وما تبقى من عناصر حزب العمال الكردستاني في العراق، أن تولد.

رئيس حكومة العراق محمد شياع السوداني (رويترز)

الرئيس التركي أبلغ السوداني بأن بلاده ماضية في تطبيق رؤيتها «تركيا خالية من الإرهاب»، وأنها تهدف لـ«اقتلاع الإرهاب من المنطقة بشكل دائم». وأضاف أنها ستواصل اتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الخصوص، وستبقى في حالة تأهب لمواجهة من يحاولون تقويض هذا المسار.

وبحث الجانبان العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية ودولية، ولفت إردوغان إلى مواصلة تركيا والعراق اغتنام فرص التعاون في شتى المجالات، وفق أسس الربح المتبادل، لا سيما فيما يخص مشروع «طريق التنمية».

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يلقي كلمة في أنقرة يوم السبت (إ.ب.أ)

أما السوداني، وطبقاً لبيان صادر عن مكتبه، فقد قدم «التهنئة لإردوغان بمناسبة عقد اتفاق السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، مؤكداً أن الاتفاق سينعكس بشكل إيجابي على المنطقة، وسيدفع باتجاه استقرارها ودفع عجلة التنمية فيها، بما يحقق الخير لشعوبها».

وماذا بعد؟

يقول القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، محمود خوشناو، إن عملية السلام بين تركيا وحزب العمال لا تنحصر في مرحلة واحدة، بل هناك مراحل أهمها تفهم الطرفين أنه لا بد من الوصول إلى عملية سلام ومن ترتيب الأولويات داخل تركيا.

وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو من خلال تصريحات كبار المسؤولين الأتراك، وخصوصاً مسؤولي الدولة، أنها عازمة على المضي بتفكيك العُقَد السابقة التي كان يجري من خلالها التعامل مع الملف الكردي».

ومضى قائلاً: «أهم مسألة هي أن قرار أوجلان يجري تطبيقه بحزم، وهو ما يعني التزام جميع القيادات والقواعد به». وأكد أن الخطوة الأخرى المهمة بعد مرحلة حرق السلاح هو ما ستُقدم عليه أنقرة على صعيد إجراء خطوات إصلاحية أو تعديل قوانين.

ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، عصام فيلي، أن التحدي الذي كان يواجه تركيا «انتقل من التحدي الداخلي إلى التحدي الخارجي، خصوصاً بعد أن تتم عملية التسليم الكامل لسلاح حزب العمال، حيث تنتهي آخر ذرائع تركيا في الوجود داخل الأراضي العراقية».

وأضاف قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «في الأيام القادمة سوف يكون هناك تنسيق بين بغداد وأنقرة لتحديد جدول زمني لمغادرة كل القوات التركية من الأراضي العراقية، فضلاً عن الجوانب الاقتصادية وبخاصة موضوع المياه».

واستطرد: «العراق سوف يطالب تركيا، وبقوة، بسحب أي قوات لها من أراضيه؛ إذ لم يعد ثمة أي مبرر لوجود أي قوات أجنبية داخله لانتفاء كل الذرائع».


مقالات ذات صلة

إيران تتطلع إلى رئيس حكومة عراقي «يراعي» مصالح البلدين

المشرق العربي السفير الإيراني لدى العراق كاظم آل صادق (إيرنا)

إيران تتطلع إلى رئيس حكومة عراقي «يراعي» مصالح البلدين

يقول السفير الإيراني في بغداد إن الفصائل العراقية وصلت إلى مرحلة اتخاذ القرارات بنفسها، في سياق حديث عن عزمها «حصر السلاح بيد الدولة».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي ‏العميد الركن غياث دلا قائد قوات الغيث (الثالث إلى من اليمين) من بين الحضور في أداء القسم الرئاسي صيف 2021

جنرالات هاربون يخططون لتمرد في سوريا من المنافي

تعكف بعض هذه القيادات السابقة على بناء حركة تمرد مسلح من المنفى، ويدعم أحدهم مجموعة تقف وراء حملة ضغط (لوبي) في واشنطن، تقدر تكلفتها بملايين الدولارات.

«الشرق الأوسط» (نيويورك - واشنطن)
المشرق العربي قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور رئيس الحكومة محمد شياع السوداني (أرشيفية - واع)

سباق مع الوقت لحسم الرئاسات العراقية الثلاث

تتسابق القوى السياسية العراقية مع الوقت لحسم اختيار الرئاسات الثلاث، وسط انسداد سياسي وتعدد المرشحين.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني قال خلال قداس الميلاد إن التطبيع أمر مرفوض في العراق (رويترز)

جدل في العراق بعد كلمة لساكو تضمنت مصطلح «التطبيع»

أثارت كلمة لبطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق لويس روفائيل ساكو، خلال قداس عيد الميلاد في بغداد، جدلاً سياسياً واسعاً، بعد استخدامه مفردة «التطبيع».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي قادة «الإطار التنسيقي» وقّعوا على بيان لإعلانهم «الكتلة الأكثر عدداً» في البرلمان العراقي الجديد (واع)

مواقف عراقية متضاربة حول مرشح تسوية لرئاسة الحكومة

قال قيادي في تحالف «الإطار التنسيقي» بالعراق إن القوى الشيعية قطعت مراحل مهمة في التوافق على اختيار رئيس الوزراء المقبل، مع اقتراب انعقاد جلسة البرلمان.

حمزة مصطفى (بغداد)

إسرائيل تغلق حاجزاً عسكرياً شمال رام الله

مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
TT

إسرائيل تغلق حاجزاً عسكرياً شمال رام الله

مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)

أغلقت القوات الإسرائيلية، صباح اليوم (السبت)، حاجز عطارة العسكري، شمال رام الله بالضفة الغربية.

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) بأن «الاحتلال أغلق الحاجز منذ ساعات الصباح الأولى، ما تسبب في عرقلة حركة المواطنين، خاصة القادمين والمغادرين من قرى وبلدات شمال غربي وغرب رام الله، ومن المحافظات الشمالية».

وفق تقرير صادر عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، فإن العدد الإجمالي للحواجز الدائمة والمؤقتة التي تقسم الأراضي الفلسطينية بلغت ما مجموعه 916 ما بين حاجز عسكري وبوابة.


سوري يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر في حماة

علم سوريا خلال احتفالات مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد وسط حماة (أرشيفية - أ.ف.ب)
علم سوريا خلال احتفالات مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد وسط حماة (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

سوري يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر في حماة

علم سوريا خلال احتفالات مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد وسط حماة (أرشيفية - أ.ف.ب)
علم سوريا خلال احتفالات مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد وسط حماة (أرشيفية - أ.ف.ب)

لقي خمسة أشخاص من عائلة واحدة سورية حتفهم مساء الجمعة داخل منزلهم في ظروف غامضة بحي البياض في مدينة حماة.

وبحسب وزارة الداخلية، أظهرت نتائج التحقيقات الأولية أن الزوج أقدم على قتل زوجته وبناته الثلاث قبل أن يقتل نفسه.

والتحقيقات مستمرة لمعرفة الدوافع والملابسات الكاملة للجريمة، وفق ما أوردته قناة «الإخبارية» السورية اليوم السبت.

وذكرت وسائل إعلام محلية أن السلاح المستخدم في جريمة القتل هو بندقية حربية نوع كلاشينكوف.


تفجير حمص: «داعش» يتبنَّى... ودمشق تتوعَّد

عناصر أمن يعاينون الأضرار التي خلفتها عبوة ناسفة أثناء صلاة الجمعة في مسجد بحمص أمس (أ.ب)
عناصر أمن يعاينون الأضرار التي خلفتها عبوة ناسفة أثناء صلاة الجمعة في مسجد بحمص أمس (أ.ب)
TT

تفجير حمص: «داعش» يتبنَّى... ودمشق تتوعَّد

عناصر أمن يعاينون الأضرار التي خلفتها عبوة ناسفة أثناء صلاة الجمعة في مسجد بحمص أمس (أ.ب)
عناصر أمن يعاينون الأضرار التي خلفتها عبوة ناسفة أثناء صلاة الجمعة في مسجد بحمص أمس (أ.ب)

في حادث جديد يُسلّط الضوءَ على التحديات الأمنية التي تواجهها الحكومة السورية، قُتل ما لا يقلُّ عن 8 أشخاص، وجُرح آخرون في انفجار وقع داخل مسجد بمدينة حمص (وسط البلاد) وتبنّته جماعةٌ تابعة لتنظيم «داعش».

وأوضح مسؤول بوزارة الصحة السورية، في تصريح نقلته الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، أنَّ حصيلة تفجير مسجد الإمام علي بن أبي طالب في حي وادي الذهب بحمص بلغت 8 قتلى و18 مصاباً. وقالَ مدير مديرية الإسعاف والطوارئ بوزارة الصحة، نجيب النعسان، إنَّ الحصيلة «غير نهائية».

وفيما أعلنت جماعة «سرايا أنصار السنة» المتطرفة التابعة لـ«داعش» مسؤوليتَها عن التفجير، قائلة إنَّها استهدفت مسجداً علوياً، تعهد وزير الداخلية السوري أنس خطاب بأن تصلَ يدُ العدالة إلى الجهة التي تقف وراء التفجير «أياً كانت». ووصف استهدافَ دور العبادة بأنَّه «عمل دنيء وجبان».

ويعدّ هذا التفجير الثاني من نوعه داخل مكان عبادة منذ وصول السلطة الحالية إلى الحكم قبل عام، بعد تفجير انتحاري داخل كنيسة في دمشق في يونيو (حزيران)، أسفر عن مقتل 25 شخصاً، وتبنّته أيضاً مجموعة «سرايا أنصار السنة».

ولقيَ تفجير حمص أمس إدانات عربية واسعة، فيما شدّدت وزارة الخارجية السعودية على رفض المملكة القاطع «للإرهاب والتطرف» واستهداف المساجد ودُور العبادة وترويع الآمنين، مؤكدة التضامن مع سوريا ودعمها جهودَ حكومتها لإرساء الأمن والاستقرار.