لبنان تحت خطر استخدام أجوائه للصواريخ الإيرانية والتصدّي الإسرائيلي

مطالباً برفع شكوى لمجلس الأمن الدولي لوقف انتهاك سيادته من الطرفين

مسافرون ينتظرون في قاعة مطار رفيق الحريري الدولي بعد التأخر في مواعيد الرحلات (د.ب.أ)
مسافرون ينتظرون في قاعة مطار رفيق الحريري الدولي بعد التأخر في مواعيد الرحلات (د.ب.أ)
TT

لبنان تحت خطر استخدام أجوائه للصواريخ الإيرانية والتصدّي الإسرائيلي

مسافرون ينتظرون في قاعة مطار رفيق الحريري الدولي بعد التأخر في مواعيد الرحلات (د.ب.أ)
مسافرون ينتظرون في قاعة مطار رفيق الحريري الدولي بعد التأخر في مواعيد الرحلات (د.ب.أ)

لم يكن لبنان بمنأى عن المواجهات الإسرائيلية الإيرانية، فالأجواء اللبنانية كانت مسرحاً للصواريخ والمسيرات الإيرانية التي عبرتها طيلة ليل الجمعة - السبت، ومعبراً للصواريخ الاعتراضية الإسرائيلية، فأمضى اللبنانيون ليلة صعبة مصحوبة بالخوف من سقوط هذه الصواريخ على المدن والبلدات المأهولة بالسكان.

وبعدما كان أقفل المجال الجوي، مساء الجمعة، أعيد فتحه عند الساعة العاشرة من صباح السبت، فيما أكد وزير الأشغال فايز رسامني من مطار بيروت الدولي، حيث اطلع على سير الأمور، أن «المطار سيبقى مفتوحاً إلا إذا طرأ أي شيء طارئ خارج عن إرادتنا».

وقالت وزارة الأشغال، في بيان، إن قرار الإغلاق و«ما رافقه من إجراءات استثنائية فُرض نتيجة ضرورات أمنية بحتة»، موضحة أن «سلامة المسافرين والمرافق الجوية تبقى في صدارة الأولويات». وأعادت شركة طيران الشرق الأوسط جدولة رحلات من وإلى بيروت، بعدما كان مسافرون أمضوا ليلتهم في المطار، جراء إلغاء أو تأخير رحلاتهم.

مسافرون يتابعون عبر الشاشات تبدّل مواعيد الرحلات في مطار رفيق الحريري الدولي (د.ب.أ)

لكن ما يزيد من القلق أن الدولة اللبنانية لا تمتلك قوّة الضغط على طهران لعدم استخدام أجوائها لتوجيه ضرباتها لإسرائيل، ولا هي قادرة على منع تلّ أبيب من التصدي للهجمات فوق لبنان، ويبدو أن هذا الخطر سيبقى قائماً ما دامت إيران مستمرة في استخدام فضاء لبنان للردّ على إسرائيل. واعتبر الخبير العسكري والأمني العميد سعيد القزح، أن «عبور الصواريخ والمسيرات الإيرانية فوق الأجواء اللبنانية باتجاه إسرائيل يمثل خطراً عسكرياً وأمنياً على لبنان على عدة أصعدة».

ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تحويل لبنان إلى ساحة صراع يجعله عرضة لسقوط الصواريخ كما حدث في البقاع ليل الجمعة - السبت مما قد يتسبب بأضرار بشرية ومادية إن سقطت في الأماكن المأهولة»، مشيراً إلى أن «اعتراض إسرائيل لهذه الصواريخ والمسيرات فوق الأراضي اللبنانية يعرّض المنطقة التي تقع فيها الصواريخ لخطر سقوط ضحايا، بمعزل عمّا إذا حصل خلل في تصويب الصواريخ والمسيرات الإيرانية، أو في انتهاء الوقود الدافع لها»، لافتاً إلى أن «خطر تشظيها لا يقل أهمية عن خطر سقوط الصاروخ كاملاً، مما يحول لبنان إلى ساحة حرب بين طرفين لا يمثلان دولته».

تهديد الملاحة الجوية

وحذّر العميد القزح أن «الخطر الداهم على الملاحة الجوية وإمكانية إصابة أي من الطائرات المدنية التي تعبر الأجواء اللبنانية مما يستدعي إقفالها تفادياً لاحتمال إصابتها وإسقاطها»، وشدد على أن «استخدام المجال الجوي لدولة ذات سيادة دون إذنها، يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ولمبدأ سيادة الدولة على أجوائها، وهذا المبدأ مثبت في اتفاقيات دولية مثل اتفاقية شيكاغو لعام 1944 أي اتفاقية الطيران المدني الدولي».

مع العلم أن صاروخاً كان قد سقط ليل الجمعة في جرود بلدة بيت شاما، غربي مدينة بعلبك، ما أحدث دوياً قوياً في أنحاء منطقة البقاع، من هنا نبّه العميد سعيد القزح إلى أن «مسؤولية تترتب على الدولة اللبنانية، بحيث لا تسمح بمرور هذه الصواريخ والمسيرات عبر أجوائها دون اتخاذ إجراءات».

وقال: «هناك مسؤولية قانونية دولية في حال تسببت هذه الصواريخ أو المسيرات بأضرار لدول أخرى، لكن بالمقابل استعمال إسرائيل لأجواء هذه الدول ومنها لبنان وسوريا والعراق، دون قيام هذه الدول بأي رد فعل لمنعها من ذلك يطرح نفس السؤال»، مشيراً إلى أن «المشكلة تكمن في عدم وجود القدرات العسكرية لمنع خرق أجواء هذه الدول من الجهتين المتحاربتين، وهذا ما يفسر قيام الأردن باعتراض الصواريخ والمسيرات التي تعبر أجواءه لعدم تحمله أي مسؤولية دولية عن عدم اعتراضها».

شكوى أممية

صحيح أن الدولة اللبنانية عاجزة عن الضغط على إيران وإسرائيل لمنعهما من استخدام الأجواء اللبنانية في معركتهما المفتوحة، لكن يمكنه اللجوء إلى المجتمع الدولي، ورأى الخبير العسكري والأمني العميد سعيد قزح، أنه «باستطاعة الحكومة اللبنانية رفع شكوى إلى مجلس الأمن اعتراضاً على استعمال أجوائها من قبل إسرائيل وإيران، ولكن الكل يعرف أنه لن يكون هناك أي تجاوب من الطرفين، لاحترام سيادة لبنان»، محذراً من أن «استمرار عبور الصواريخ والمسيرات الإيرانية فوق لبنان باتجاه إسرائيل يضع لبنان في مرمى النيران، وينتهك سيادته ويزيد من مخاطر التصعيد العسكري، وله تبعات وخيمة على أمن لبنان واستقراره».


مقالات ذات صلة

توقيف 144 سورياً بتهمة دخول لبنان بطريقة غير شرعية

المشرق العربي عناصر من الجيش اللبناني (أرشيفية - رويترز)

توقيف 144 سورياً بتهمة دخول لبنان بطريقة غير شرعية

أعلن الجيش اللبناني، الثلاثاء، توقيف 144 سورياً بـ«جرائم» الدخول غير الشرعي والاتجار بالسلاح.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شعار «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز) play-circle

«مصرف لبنان» يمنع المؤسسات من التعامل مع «القرض الحسن» التابعة لـ«حزب الله»

منع «مصرفُ لبنان المركزي»، في تعميم اطلعت عليه وكالة «رويترز»، الثلاثاء، المؤسساتِ الماليةَ المرخصةَ من أي تعامل مع «مؤسسة القرض الحسن».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً الرئيس السابق لـ«الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط (إعلام مجلس النواب)

خاص بيروت تتسلم رد واشنطن... وحديث عن مهلة لحصر السلاح بنهاية السنة

تسلم لبنان عبر السفارة الأميركية في بيروت رداً على الورقة التي قدمها الجانب اللبناني للموفد الأميركي توماس براك.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم العربي حبوب كبتاغون (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش اللبناني يعلن تفكيك «أحد أضخم معامل» الكبتاغون قرب الحدود مع سوريا

أعلن الجيش اللبناني الاثنين تفكيك أحد أضخم معامل تصنيع الكبتاغون في شرق البلاد المحاذي لسوريا حيث كان تهريب هذه المادة منتشرا على نطاق واسع قبل سقوط بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الرئاسة اللبنانية)

عون يتعهد حماية وحدة الأراضي اللبنانية بعد تصريحات الموفد الأميركي

بدّد الرئيس اللبناني جوزيف عون المخاوف اللبنانية التي أثارها تصريح الموفد الأميركي توماس براك، السبت الماضي، بتأكيده أن «وحدة الأراضي اللبنانية ثابتة».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

واشنطن غاضبة من «مسيَّرات» تهاجم مواقع حيوية في العراق

حقل كورمور للغاز بمحافظة السليمانية في كردستان العراق (رويترز)
حقل كورمور للغاز بمحافظة السليمانية في كردستان العراق (رويترز)
TT

واشنطن غاضبة من «مسيَّرات» تهاجم مواقع حيوية في العراق

حقل كورمور للغاز بمحافظة السليمانية في كردستان العراق (رويترز)
حقل كورمور للغاز بمحافظة السليمانية في كردستان العراق (رويترز)

في وقت أعربت فيه سفارة واشنطن في بغداد عن إدانتها وغضبها من هجمات الطائرات المسيَّرة على بنى تحتية ومواقع حيوية في معظم أرجاء البلاد، رحب رئيس الوزراء محمد السوداني بعمل الشركات الأميركية في العراق خصوصاً في قطاع النفط، بعد استقباله، الثلاثاء، نائب رئيس شركة «إتش كيه إن إينرجي» النفطية الأميركية ماثيو زايس، التي وقعت «اتفاق مبادئ» لاستثمار حقول النفط في حمرين شرق البلاد.

وترسم هذه الصورة المركبة بين إدانة الهجمات وتوقيع العقود النفطية حدود الاختلاف والاتفاق في العلاقة بين واشنطن وبغداد على قضايا عديدة، وضمنها تحركات الفصائل المسلحة والموقف من إعادة هيكلة «الحشد الشعبي» وعلاقة بغداد بطهران.

وجاء توقيع الاتفاق واللقاء مع الشركة الأميركية بالتزامن مع بيان غاضب أصدرته السفارة الأميركية في بغداد بشأن الاستهدافات التي طالت مواقع نفطية في إقليم كردستان، وقبلها مواقع عسكرية في بغداد والناصرية بطائرات مسيَّرة يُعتقد أنها من تدبير فصائل مسلحة موالية لإيران.

رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني خلال استقباله نائب رئيس شركة «إينرجي» النفطية الأميركية في بغداد 15 يوليو 2025 (إعلام حكومي)

وقالت السفارة في بيان: «تدين الولايات المتحدة الهجمات الأخيرة بالطائرات المُسيّرة في جميع أنحاء العراق، بما في ذلك هجمات 14 و15 يوليو (تموز) على البنى التحتية الحيوية في حقلي خورمالا وسرسنك النفطيين في إقليم كردستان العراق».

وأضاف البيان أنه «يجب على الحكومة العراقية أن تمارس سلطتها لمنع الجهات المسلحة من شن هذه الهجمات على مواقع داخل أراضيها، بما في ذلك المواقع التي استثمرت فيها شركات عراقية ودولية لدعم مستقبل العراق».

ورأت السفارة أن «هذه الهجمات غير مقبولة؛ حيث إنها تُقوّض سيادة العراق، وتضرّ بجهوده في جذب الاستثمارات الأجنبية. نُطالب الحكومة العراقية بالتحقيق في هذه الهجمات ومحاسبة من يقف خلفها».

وفي بيان مماثل، أدانت القنصلية الأميركية في أربيل عاصمة إقليم كردستان الهجمات، ودعت «الحكومة العراقية إلى استخدام نفوذها لمنع الفصائل المسلحة حتى لا تعود قادرة على مهاجمة مواقع داخل أراضيها، ومن بينها المواقع التي تستثمر فيها الشركات العراقية والدولية في مستقبل العراق».

ورغم إدانة الجهات الرسمية وتأكيدات على التحقيق في الهجمات ومحاسبة المتورطين فيها، فإن بغداد تظهر بحسب مراقبين «عجزاً» في الوصول إلى الجماعات التي تقف وراء الهجمات التي استهدفت قبل أسابيع مواقع عسكرية في معسكر التاجي ببغداد، وفي مدينة الناصرية الجنوبية.

ويعزو مراقبون العجز إلى «عدم رغبة الحكومة في فتح معركة حاسمة مع الفصائل»، على حد قول مصدر مقرب من قوى «الإطار التنسيقي».

وأكد رئيس الوزراء في معرض رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول الهجمات التي شُنت على مواقع الرادارات في بغداد والناصرية أن التحقيق متواصل من قبل لجنة فنية مختصة، وأنه يتابع هذا التحقيق باستمرار.

وأضاف السوداني أن «هذا اعتداء واضح استُخدمت فيه طائرات مسيّرة. وتعلم أنه ليس من السهولة كشف هذه الطائرات. اليوم هي تقنية تُستخدم في الاعتداءات وفي إثارة الوضع الأمني، لكن بالتأكيد لن يمر هذا الأمر مرور الكرام».

وأضاف السوداني أن «التحقيق لا يزال جارياً، حتى إننا استعنَّا بالتحالف الدولي؛ لأن هذه قضايا فنية دقيقة جداً لتحديد منطقة الانطلاق والمسافة التي انطلقت منها. هذه كلها تفاصيل حتى تصل إلى تحديد المتورط في هذا الاعتداء».

نتائج التحقيق

وأدى هجوم بطائرة مسيّرة على حقل نفطي في إقليم كردستان العراق، الثلاثاء، إلى تعليق العمليات فيه، حسبما أعلنت السلطات المحلية والشركة الأميركية المشغّلة له. وقالت وزارة الموارد الطبيعية بإقليم كردستان في بيان، إن الهجوم استهدف «حقل سرسنك النفطي في قضاء شمانكي بمحافظة دهوك».

ودعا القيادي في حزب «الاتحاد الوطني» الكردستاني غياث السورجي، إلى «انتظار نتائج التحقيقات»، لكنه أشار إلى «أن الجهات المتورطة في الهجمات لا ترغب في استقرار المنطقة، وفي حالة معرفتها سنقوم بمقاضاتها في بغداد وفي المحافل الدولية».

ونفى سورجي صلة الهجمات بـ«حالة الوفاق القائمة اليوم بين الحزبين الرئيسيين، (الاتحاد) و(الديمقراطي) حول الموقف من بغداد، وصلة ذلك بالخلاف حول مرتبات موظفي الإقليم المتأخرة منذ نحو 3 أشهر».

لكن الباحث في الشؤون الإيرانية في جامعة الموصل، فراس إلياس، أكد أن «هناك طابعاً سياسياً تحمله هجمات الطائرات المسيَّرة على مواقع حيوية ونفطية في إقليم كردستان في ظل تصاعد الأزمة بين بغداد وأربيل حول كثير من القضايا وفي مقدمتها رواتب الموظفين في الإقليم.

ويميل إلياس إلى اعتقاد أن «الرسائل المسيرة» تتزامن مع «تلويح أربيل بإمكانية الانسحاب من العملية السياسية وهذا يعني تراكم المشكلات مع بغداد وتراجع إمكانية حلها، خصوصاً فيما يتعلق بملف النفط بشكل عام وقضية رواتب الموظفين في الإقليم».

وأضاف أنه «كلما حاولت أربيل زيادة ضغوطها باتجاه بغداد، تصاعدت مثل هذه الهجمات. يبدو أن هناك توجهات في بغداد تسعى لاحتواء أي تحركات سياسية من الإقليم من شأنها أن تصب في مصلحته، خصوصاً مع الدعم الأميركي المباشر لأربيل، ونحن نلاحظ الدور الفعال الذي يلعبه القائم بأعمال السفارة الأميركية ستيفن فاغن في هذا الاتجاه».

وأشار إلياس إلى أن «رد فعل القيادة الكردية خصوصاً في أربيل قد يحدد مستوى الهجمات المسيرة من عدمه، ومن الواضح أن الهجمات تقف خلفها فصائل مسلحة تستخدم الطائرات المسيرة المصنعة إيرانياً».