رغم العنف والدمار «الأكبر»... فلسطينيو جنوب الضفة متمسّكون بالأرض

أقام فلسطينيون خيمةً وسط أنقاض المباني المهدمة في قرية خلة الضبع بمنطقة مسافر يطا بالضفة الغربية المحتلة بعد أن هدمت القوات الإسرائيلية 95 % من منازل القرية (أ.ف.ب)
أقام فلسطينيون خيمةً وسط أنقاض المباني المهدمة في قرية خلة الضبع بمنطقة مسافر يطا بالضفة الغربية المحتلة بعد أن هدمت القوات الإسرائيلية 95 % من منازل القرية (أ.ف.ب)
TT

رغم العنف والدمار «الأكبر»... فلسطينيو جنوب الضفة متمسّكون بالأرض

أقام فلسطينيون خيمةً وسط أنقاض المباني المهدمة في قرية خلة الضبع بمنطقة مسافر يطا بالضفة الغربية المحتلة بعد أن هدمت القوات الإسرائيلية 95 % من منازل القرية (أ.ف.ب)
أقام فلسطينيون خيمةً وسط أنقاض المباني المهدمة في قرية خلة الضبع بمنطقة مسافر يطا بالضفة الغربية المحتلة بعد أن هدمت القوات الإسرائيلية 95 % من منازل القرية (أ.ف.ب)

ينحني الفلسطيني هيئم دبابسة لجمع أكوام حجارة منزله الذي هدمته جرافات الجيش الإسرائيلي في قريته خلة الضبع في مسافر يطا بجنوب الضفة الغربية المحتلة، ليفسح المجال أمام إقامة خيمة تؤويه، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

منذ سنوات، تتكرّر في هذه المنطقة أعمال العنف التي يقوم بها مستوطنون إسرائيليون، كما عمليات الهدم المتكررة للمساكن التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي.

إلا أن دبابسة (34 عاماً) يقول إن العملية الأخيرة كانت «أكبر عملية هدم شهدناها على الإطلاق» بعدما دُمرت القرية التي كان يقطنها نحو 100 فلسطيني.

وأضاف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «جاءت القوات الإسرائيلية هنا في الماضي ونفّذت ثلاث أو أربع عمليات هدم، لكن لم يتمّ تدمير قرية بهذا الحجم في مسافر يطا. لم يتبقَ لي شيء سوى ملابسي، كل ما أملكه أصبح تحت الأنقاض».

صبي صغير يحفر في أنقاض قرية خلة الضبع في منطقة مسافر يطا بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)

كان والده الثمانيني خلفه يحاول جاهداً إزاحة باب المنزل القديم عن الطريق ليتمكنا من تشييد مأوى لهما.

وخلة الضبع واحدة من بين قرى عدّة سلّط الفيلم الوثائقي «نو آذر لاند» (لا أرض أخرى) الحائز على جائرة أوسكار، الضوء عليها. وهو يروي معاناة السكان الفلسطينيين في جنوب الضفة الغربية التي تمثل هدفاً متكرراً لعنف المستوطنين وأنشطة الجيش الإسرائيلي.

ومنذ فوز الفيلم بالجائزة مارس (آذار) الماضي، تكرّرت عمليات الهدم والهجمات بالقرى التي ظهرت في الفيلم.

متعلقات سكان قرية خلة الضبع المدمرة في مسافر يطا بالضفة الغربية المحتلة متجمعة تحت شجرة بعد أن هدمت القوات الإسرائيلية 95 % من منازل القرية (أ.ف.ب)

لا حماية

واحتلت إسرائيل الضفة الغربية في عام 1967، وأعلنت القوات الإسرائيلية في وقت لاحق مسافر يطا منطقة عسكرية مغلقة.

وتقوم القوات الإسرائيلية وبشكل دوري بهدم المنشآت التي تقول السلطات إنها بنيت بشكل غير قانوني في منطقة يعيش فيها نحو 1100 فلسطيني.

وعن هدم خلة الضبع، قالت القوات الإسرائيلية في بيان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «قامت سلطات التنفيذ التابعة للإدارة المدنية بتفكيك عدد من المنشآت غير القانونية التي بنيت في منطقة عسكرية مغلقة واقعة على تلال الخليل الجنوبية».

ووفق البيان، «تم تنفيذ الهدم بعد إتمام جميع الإجراءات الإدارية المطلوبة وفقاً لإطار الأولوية التنفيذية الذي تم تقديمه سابقاً للمحكمة العليا».

شجرة زيتون تحت أنقاض منازل مهدمة في قرية خلة الضبع (أ.ف.ب)

ويعرف عن بعض سكان المنطقة وأجدادهم أنهم كانوا يعيشون في كهوف صخرية هرباً من حرارة الصيف الشديدة. وبعد إعلان مسافر يطا في سبعينات القرن الماضي منطقة عسكرية مغلقة، بنوا منازل من الحجارة وغيرها من المواد.

وروى دبابسة أنه أول فرد في أسرته يولد في مستشفى وليس في كهف.

وشرح كيف أن الجيش أغلق مدخل الكهف الذي يقع قرب منزل عائلته المهدّم حيث ولد والده وجده.

في وسط خلة الضبع، يمكن رؤية دفتر ملاحظات ممزق تغطيه الأتربة بين الأنقاض وكانت إحدى المنظمات الإنسانية تستخدمه لتسجيل الفحوص الطبية للسكان.

على الجدار الخارجي للمنشأة الوحيدة التي بقيت قائمة، رسمت جدارية كتب عليها بالإنجليزية «دعني أعيش».

وقال رئيس مجلس قرية التواني المجاورة، محمد ربعي، إن مساعدات تصل إلى القرى في المنطقة. لكنه أضاف أنه لا يريد تلك المساعدات لطالما الدول الممولة «لا تستطيع أن تحمي منشأة ساهمت في إقامتها».

فلسطيني يجمع أغراضاً من أنقاض منزل مهدم في قرية خلة الضبع بمنطقة مسافر يطا بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)

«لن أغادر»

وتابع ربعي: «تمّت توسعة تسع بؤر استيطانية في منطقة مسافر يطا» بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» بقطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ويعيش في الضفة الغربية من دون القدس الشرقية نحو نصف مليون إسرائيلي في مستوطنات تعتبر غير قانونية في نظر القانون الدولي، فيما يبلغ تعداد الفلسطينيين نحو ثلاثة ملايين.

وبحسب رئيس المجلس القروي، يهاجم المستوطنون من المستوطنات القريبة «المنازل، ويقومون بالتخريب، ويحاولون القتل، ويعتدون على الأطفال والنساء» دون رادع، وغالباً بحماية الجيش الإسرائيلي، وفق قوله.

ورأى ربعي في هذا «سياسة تهجير واضحة».

وعبّر وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الذي يعيش في مستوطنة بشمال الضفة الغربية المحتلة، الثلاثاء، عن أمله في أن يتم ضمّ الضفة بشكل رسمي في عهد الحكومة الحالية التي توصف بأنها الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل والتي ستواصل عملها حتى أواخر العام المقبل.

واعتبر وزير المالية أن ضمّ الضفة الغربية هو «أحد أهم التحديات» أمام القيادة الإسرائيلية.

أما آمنة دبابسة (76 عاماً) التي انتقلت للعيش في خلة الضبع عند زواجها قبل 60 عاماً، فأكدت أنها لن تغادرها. وأضافت: «الوطن غالٍ، أنام على الحجارة ولا أخرج من هنا».

وقالت وهي تجلس مع حفيداتها على صخرة في ظلّ شجرة زيتون، إن الجنود أجبروها على الخروج من منزلها قبل هدمه. «كنت أريد أن أرتدي ملابسي لكنهم طردوني».

ويشاركها هيثم الإصرار على عدم مغادرة القرية. وقال وهو يشير إلى سرير وضع في الهواء الطلق على قمة التل: «نمت هناك الليلة الماضية».


مقالات ذات صلة

نتنياهو يمضي رأس السنة في أميركا... متجنباً إغضاب ترمب

خاص قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)

نتنياهو يمضي رأس السنة في أميركا... متجنباً إغضاب ترمب

يلتقي الرئيس ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمرة الـ5 منذ بدء ولايته الثانية، علماً بأن ترمب هو خامس الرؤساء الأميركيين ممن يلتقون نتنياهو.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle

مستشفى العودة في غزة يعلّق معظم خدماته بسبب نقص الوقود

أعلن مستشفى العودة في النصيرات وسط قطاع غزة تعليق معظم خدماته «مؤقتاً» بسبب نقص الوقود، مع الإبقاء على الخدمات الأساسية فقط، مثل قسم الطوارئ.

«الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية

محمد محمود (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ويتكوف في برلين في 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

مبعوثو ترمب إلى الشرق الأوسط... تغريد خارج سرب البيروقراطية

لم يدخل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في عهده الثاني برتابة الرؤساء السابقين الذين التزموا بالسياسات الأميركية التقليدية والأعراف الدولية.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد انفجارات نفذها الجيش الإسرائيلي داخل الخط الأخضر شمال شرقي بيت لاهيا بغزة (أ.ف.ب) play-circle

الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينيين اثنين في غزة

كشف الجيش الإسرائيلي اليوم (الجمعة) أنه قتل فلسطينيين اثنين في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)

العراق يدخل عام 2026 مثقلاً بأزمات متداخلة

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
TT

العراق يدخل عام 2026 مثقلاً بأزمات متداخلة

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)

يعيد العراق تدوير أزمات متداخلة مع بداية عام 2026، في مقدمتها تأخر دفع رواتب نحو 8 ملايين موظف ومتقاعد، وتعثر تشكيل حكومة جديدة، وعودة الجدل الحاد حول تحويل محافظة البصرة الغنية بالنفط إلى إقليم، في مشهد يعكس عمق الاختلال السياسي والمالي في البلاد.

ومع اقتراب نهاية عام 2025، لم يتسلم موظفو الدولة رواتبهم للشهر الأخير، في سابقة تُثير قلقاً واسعاً لدى شريحة تعتمد غالبيتها على الدخل الحكومي، في بلد يشكل فيه القطاع العام العمود الفقري للاقتصاد.

وتؤكد وزارة المالية مراراً أن «الرواتب مؤمّنة»، وتنفي وجود أزمة سيولة، إلا أن هذه التصريحات لم تعد كافية لتهدئة مخاوف الموظفين والمتقاعدين والمستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية، في ظل شلل سياسي مستمر.

تتزامن الأزمة المالية مع انسداد سياسي حاد، نتيجة فشل القوى السياسية في التوافق على شاغلي الرئاسات الثلاث: رئاسة البرلمان، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء.

ويقول محللون إن غياب حكومة كاملة الصلاحيات يُقيد قدرة الدولة على اتخاذ قرارات مالية حساسة، بما في ذلك إدارة الإنفاق العام، وضمان انتظام الرواتب، في وقت تتراكم فيه الديون وتتراجع ثقة الشارع بالمؤسسات.

وينظر إلى هذا التعثر باعتباره امتداداً لأزمة بنيوية أعمق؛ حيث لم تنجح الطبقة السياسية، منذ سنوات، في بناء آليات مستقرة للحكم، رغم الموارد النفطية الكبيرة التي يمتلكها العراق.

«إقليم البصرة»

إلى جانب الرواتب والحكومة، برزت في أواخر 2025 أزمة جديدة تمثلت في إعلان مجلس محافظة البصرة عزمه التصويت على بدء إجراءات تحويل المحافظة إلى إقليم فيدرالي.

ورغم أن الدستور العراقي يتيح تشكيل الأقاليم، فإن التجربة بقيت محصورة عملياً في إقليم كردستان، الذي يتمتع بوضع خاص تشكّل قبل سقوط نظام صدام حسين عام 2003.

وعلى مدى العقدين الماضيين، قوبلت دعوات مماثلة في محافظات أخرى برفض سياسي واسع، بدعوى أنها تُمهّد لتقسيم البلاد. وكانت الدعوات لتحويل محافظات غربية، مثل الأنبار، إلى إقليم، قد واجهت حملات تخوين واتهامات بالسعي إلى إنشاء «دولة سنية» أو تنفيذ أجندات إقليمية.

لكن مسألة البصرة تختلف، وفق مراقبين، ليس من زاوية الهوية السياسية أو الطائفية، بل بسبب وزنها الاقتصادي، فالمحافظة الجنوبية تنتج أكثر من 80 في المائة من النفط العراقي، ما يجعل أي خطوة نحو إقليم مستقل نسبياً مصدر قلق لبغداد.

حقل «غرب القرنة 2» النفطي جنوب مدينة البصرة في العراق (رويترز)

النفط في قلب الصراع

وتخشى الحكومة الاتحادية من أن يؤدي تحويل البصرة لإقليم إلى تقليص سيطرتها على أهم مورد مالي للدولة، في وقت تعاني أصلاً نزاعات مزمنة مع إقليم كردستان حول عائدات النفط والمنافذ الحدودية.

ويرى خبراء أن فتح «جبهة مالية» جديدة مع إقليم نفطي بحجم البصرة قد يضع الدولة أمام اختبارات قاسية، خصوصاً إذا ترافقت مع استمرار الاضطراب السياسي.

في المقابل، يُحذر آخرون من أن منطق الأقاليم، إذا تمدد، قد يفتح الباب أمام صراعات داخلية على الموارد، بما في ذلك المياه، في بلد يعاني أصلاً شحاً مائياً وتغيرات مناخية متسارعة.

وبين تأخر الرواتب، وانسداد الأفق السياسي، وتصاعد الجدل حول الأقاليم، يبدو العراق مقبلاً على عام جديد من دون حلول جذرية.

ويقول مراقبون إن ما يجري ليس سوى «تدوير للأزمات»؛ حيث ترحل المشكلات من عام إلى آخر من دون معالجات بنيوية، في ظل خلل مركب سياسي واقتصادي بات يُهدد الاستقرار الاجتماعي في بلد يعتمد ملايين من مواطنيه على الدولة مصدراً وحيداً للدخل.


لبنان «يدير المخاطر» وسط تهديدات إسرائيلية وغياب الضمانات

عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
TT

لبنان «يدير المخاطر» وسط تهديدات إسرائيلية وغياب الضمانات

عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)

يقف لبنان على مشارف انتهاء عام 2025 من دون أن يكون قد حسم موقعه بين منطق الحرب ومنطق الاستقرار. فالسنة التي توشك على طيّ صفحاتها لم تشهد توسّعاً شاملاً للمواجهة، لكنها لم تُنتج في المقابل أي معادلة ردع سياسية أو أمنية قابلة للصمود، في ظل رفض «حزب الله» البدء بالمرحلة الثانية من خطة حصرية السلاح في شمال الليطاني، مقابل تهديدات إسرائيلية متواصلة.

ويتحرّك لبنان سياسياً ودبلوماسياً في التعامل مع التهديدات الإسرائيلية، ضمن هامش ضيّق ترسمه توازنات خارجية، وتبرز مقاربة تعتبر أنّ ما يعمل عليه لبنان هو منع الانفجار الكبير، حسبما تقول مصادر نيابية، مشيرة إلى أن ما يجري يبدو كأنه «إدارة مؤقتة للمخاطر، في ظل غياب الضمانات الدولية، وتشابك المسارات الإقليمية، واستمرار العجز الداخلي عن إنتاج قرار سيادي جامع»، في وقت تعمل لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية (الميكانيزم) أداة ضبط، في مقابل بقاء إسرائيل خارج أي التزام سياسي ملزم، ما جعل الالتزام اللبناني أحادي الاتجاه.

تجنّب الحرب سابق لأوانه

يرى عضو «كتلة اللقاء الديمقراطي» (الحزب التقدمي الاشتراكي)، النائب بلال عبد الله، أنّ «الحديث عن تجنيب لبنان الحرب بشكلٍ نهائي لا يزال سابقاً لأوانه»، وأنّ «توصيف المرحلة بترحيل التصعيد وحده لا يكفي لشرح تعقيد المشهد».

ويشير إلى أنّ لبنان «يقوم بما يتوجّب عليه ضمن أقصى طاقته السياسية والدبلوماسية»، لافتاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ آلية المتابعة الدولية «تتطلّب تنفيذاً سياسياً في جزءٍ أساسي منها، وهو ما تعمل عليه الدولة اللبنانية ضمن الإمكانات المتاحة».

النائب بلال عبد الله (الوكالة الوطنية)

وتبرز إشكالية أساسية، تتمثّل بالتزام لبناني مقابل فراغ في الضمانات، ويشدّد عبد الله على أنّ «كل ما هو مطلوب رسمياً من لبنان يتم الالتزام به، في وقت يتكبّد فيه (حزب الله) خسائر يومية على الأرض»، معتبراً أنّ «الخطاب عالي النبرة مسألة منفصلة عن الوقائع الميدانية والسياسية».

ويرى أنّه «حتى اليوم، لم يأتِ أي موقف غربي أو عربي يحمل ضمانة جدية تمنع إسرائيل من توجيه ضربات إضافية، ما يعني عملياً أنّ الاستقرار المطروح ليس إلا هدنةً مفتوحةً على الاحتمالات». من هنا، يعتبر أنّ «الحديث عن استقرار طويل الأمد غير واقعي في المرحلة الحالية»، وأنّ سقف الممكن يقتصر على وقف الاعتداءات، لا أكثر».

تحولات إقليمية

لا يفصل عبد الله المسار اللبناني عن محيطه، فيؤكد أنّ «الواقعية السياسية تفرض على لبنان الاستمرار في القيام بواجباته كدولة، ضمن (الميكانيزم)، لكن من دون أوهام حيال نتائجه». ويستحضر نموذج غزّة بوصفه دليلاً على هشاشة التفاهمات، مشيراً إلى أنّ «أي قراءة سياسية نهائية تبقى رهينة التطورات الإقليمية والدولية»، معتبراً أنّ «غياب الضوابط الواضحة والضمانات الملزمة للجم إسرائيل، يترك الميدان مفتوحاً أمام احتمالات متعددة، وأنّ لبنان سيظل ساحة متأثرة بالحسابات الإسرائيلية أكثر مما هو محكوم بتفاهمات مستقرة».

فرصة لم تُستثمر

في المقابل، تنطلق مقاربة عضو كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية)، النائب فادي كرم، من خلفية سياسية مختلفة، ترى في 2025 فرصة إصلاحية لم يُحسن لبنان استثمارها. ويعتبر أنّ «عام 2025 شهد مساراً عاماً يميل إلى الإيجابية، مع نية واضحة لإخراج لبنان من الواقع الذي عاشه طوال الثلاثين سنة الماضية»، لكنه يربط تعثّر النتائج بـ«الإكثار من الحديث عن التريّث والتباطؤ، ما أضرّ بالمسار الإصلاحي، لا سيّما في ما يتصل ببناء الدولة وحصر السلاح».

النائب فادي كرم (الوكالة الوطنية)

ويرى كرم أنّ «الخطوات التي اتُّخذت خلال 2025 كانت بطيئة، وأنّ أي مقاربة تقوم على الاكتفاء بالكلام أو بتأجيل حسم ملف السلاح مع الواقع قد تدفع خطر الحرب إلى الخلف لفترة محدودة، لكنها لا تُلغي احتماليته». ومن هنا، يربط الضمانة الوحيدة للاستقرار بـ«حصر السلاح بشكل كامل وعلى كل الأراضي اللبنانية»، معتبراً أنّ أي تجزئة في هذا المسار تعني عملياً ترحيل أسباب الحرب لا معالجتها».

وإذ ينوّه كرم بعمل الجيش اللبناني، معتبراً أنّه «مؤسسة قادرة»، يشدّد على أنّ فاعليته تبقى مشروطة بـ«القرار السياسي». ويرى أنّ «استمرار وجود السلاح غير الشرعي، مع رفض تسليمه، يفرض على الدولة اتخاذ خطوات أمنية واضحة، تبدأ برفع الغطاء السياسي، من دون أن يعني ذلك الذهاب إلى صدام داخلي»، ويضيف: «عندما تحسم الدولة أمرها، يصبح الطرف غير الشرعي هو من يعيد حساباته، وليس العكس».

ويحذّر كرم من أنّ لبنان في نهاية 2025، لم يخرج بعد من دائرة خطر التصعيد الإسرائيلي، معتبراً أنّ «الحديث المتزايد عن استهداف إيران، يضع (حزب الله) تلقائياً في قلب أي مواجهة مقبلة، ما يجعل لبنان ساحة محتملة لأي تصعيد إقليمي، بصرف النظر عن حساباته الداخلية».


إسرائيل تغلق حاجزاً عسكرياً شمال رام الله

مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
TT

إسرائيل تغلق حاجزاً عسكرياً شمال رام الله

مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)

أغلقت القوات الإسرائيلية، صباح اليوم (السبت)، حاجز عطارة العسكري، شمال رام الله بالضفة الغربية.

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) بأن «الاحتلال أغلق الحاجز منذ ساعات الصباح الأولى، ما تسبب في عرقلة حركة المواطنين، خاصة القادمين والمغادرين من قرى وبلدات شمال غربي وغرب رام الله، ومن المحافظات الشمالية».

وفق تقرير صادر عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، فإن العدد الإجمالي للحواجز الدائمة والمؤقتة التي تقسم الأراضي الفلسطينية بلغت ما مجموعه 916 ما بين حاجز عسكري وبوابة.