ما «مضمون» زيارة عادل عبد المهدي اليمن؟

غياب البعد العراقي عنها

عبد المهدي خلال كلمة له في مؤتمر اليمن (مواقع التواصل)
عبد المهدي خلال كلمة له في مؤتمر اليمن (مواقع التواصل)
TT
20

ما «مضمون» زيارة عادل عبد المهدي اليمن؟

عبد المهدي خلال كلمة له في مؤتمر اليمن (مواقع التواصل)
عبد المهدي خلال كلمة له في مؤتمر اليمن (مواقع التواصل)

ما زال الظهور الأخير لرئيس الوزراء العراقي الأسبق، عادل عبد المهدي، في اليمن رفقة بعض القيادات الحوثية، يثير مزيداً من التكهنات والجدل بشأن طبيعة الزيارة وأهدافها ومضامين الرسائل التي نقلها، خصوصاً في ظل تزامنها مع الهجمات الجوية الأميركية التي يتعرض لها الحوثيون، وتقارير صحافية غربية تتحدث عن «توفير العراق معسكرات خاصة لتدريب العناصر الحوثية».

العنوان الرئيسي لزيارة عبد المهدي كان المشاركة في أعمال «المؤتمر الدولي الثالث - فلسطين قضية الأمة» الذي ينظمه الحوثيون في صنعاء. لكن تفاصيل كثيرة ارتبطت بالزيارة وكانت مدار نقاشات عراقية عريضة.

أول تلك النقاشات التي ارتبطت بالزيارة، عبر عنه إبراهيم الصميدعي، مستشار رئيس الوزراء السابق، فقد استنتج أن واشنطن «اختارت» عبد المهدي ليكون «رسولها إلى اليمن بهدف التفاوض مع الحوثيين».

ويخلص الصميدعي من هذا الاحتمال إلى أن «العمق المحافظ الشيعي العراقي قد حسم خلافاته مع أميركا، والأمور تسير باتجاه التطبيع واستقرار الدولة، وإيران قد نقلت ملف الحوثي إلى العراقيين للوصول إلى تسوية مع (الصديق) الأميركي، ولضمان بقاء وجود سياسي لها في اليمن، ولكي تخفف العبء عن نفسها في مفاوضاتها المزمعة مع ترمب».لكن ضابط المخابرات العراقي السابق، سالم الجميلي، رأى في تدوينة عبر منصة «إكس» أن «سلطنة عُمان تتمتع بعلاقات وثيقة بالحوثيين، كما أنها محل ثقة من طرف أميركا، وهي وسيط ضالع في هذه الأزمة منذ بدايتها».

وأضاف أن «أميركا لو أرادت إيصال رسالة للحوثيين، لطلبت من السلطنة القيام بالمهمة، ولا يكلفون رئيس وزراء فاشلاً وشخصية ولائية فجة بهذه المهمة».

ويقول الجميلي: «احتمال واحد؛ هو أن الفرنسيين أرسلوه بصفته (يحمل الجنسية الفرنسية) لاستطلاع وجهة نظر الحوثيين، أو الدعوة إلى وقف نشاطاتهم، وفرنسا ماكرون تبحث عن أدوار وتتحرك بهذه الزوايا».

وكتب ليث شبّر، الناشط السياسي والمقرب سابقاً من عادل عبد المهدي، أن «البريطانيين اتصلوا بعادل عبد المهدي لغرض نقل رسالة إلى الحوثيين مفادها: (لكم البر ولنا البحر، الملاحة مقابل السلطة). الإيرانيون أعطوا الضوء الأخضر للوساطة».

وتتشابك هذه الأحاديث مع «رسائل» يقال إن قائد «فيلق القدس» الإيراني، إسماعيل قاآني، قد حملها إلى بغداد خلال زيارته الأخيرة، وطلب فيها إيصال رسالة للحوثيين بـ«ضرورة التهدئة وإيجاد نافذة للتفاوض مع واشنطن وإيقاف التصعيد العسكري في البحر الأحمر وباب المندب».

وجهة النظر الأخيرة، كانت هي الأخرى محل تشكيك المراقبين، بالنظر إلى اللهجة المتشددة ضد إسرائيل والغرب عموماً، التي استخدمها عادل عبد المهدي خلال كلمته في أعمال «المؤتمر الثالث» باليمن، إلى جانب إشادته الشديدة بجماعات «محور المقاومة»... هذه اللهجة لا تصدر عن «طرف وسيط يحمل رسائل سلام» إلى الجانب الحوثي.

ومن بين ما قاله عبد المهدي في كلمته «الحماسية» خلال المؤتمر المشار إليه: «وحدة الساحات غيّرت المعادلة، وجبهات لبنان والعراق واليمن وإيران فرضت نفسها»؛ الأمر الذي أثار استغراب كثير من المراقبين، خصوصاً مع الخسائر المتلاحقة التي تعرضت لها «وحدة الساحات» أو «محور المقاومة» خلال الأشهر الأخيرة بعد تدمير «حزب الله» اللبناني، وإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، وإيقاف هجمات الفصائل العراقية ضد إسرائيل والقوات الأميركية في العراق.

ثمة وجهة نظر أخرى تتعلق بأهداف الزيارة، يروج لها خصوم عبد المهدي، الذين يحمّلونه مسؤولية قتل أكثر من 800 متظاهر وجرح الآلاف في «حراك تشرين الأول (أكتوبر)» الاحتجاجي عام 2019، حين كان رئيساً للوزراء، ويرون أن عبد المهدي «يسعى جاهداً للانخراط في (محور المقاومة) لحماية نفسه من أي مساءلة قانونية محتملة جراء ضلوع حكومته في (أحداث تشرين)».

لفت الانتباه في معظم التكهنات والأحاديث التي دارت بشأن الزيارة غيابُ البعد العراقي فيها؛ إذ لم يشر أحد إلى أنه يمكن أن يكون مبعوثاً خاصاً من الحكومة العراقية، أو من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية التي ترتبط بعلاقات وثيقة بالجماعة الحوثية، وهي العلاقة التي تضع العراق في دائرة الاتهام بأنه يوفر معسكرات تدريب ودعم للجماعة الحوثية داخل أراضيه، وهو الأمر الذي نفته السلطات العراقية.

ورداً على تقرير من صحيفة «فورين بوليسي» الأميركية، عن أن للحوثيين وجوداً في العراق، نفى المتحدث باسم «خلية الإعلام الأمني» اللواء سعد معن، الخميس الماضي، ذلك، وقال إن «بعض وسائل الإعلام تداول أنباء بشأن استخدام الحوثيين معسكراً للتدريب بمنطقة الخالص في محافظة ديالى... ننفي هذه الأنباء جملة وتفصيلاً».


مقالات ذات صلة

هلال العيد يتسبب بأول خلاف سني - سني في العراق منذ قرون

المشرق العربي من صلاة العيد بأحد مساجد داهوك في كردستان (د.ب.أ)

هلال العيد يتسبب بأول خلاف سني - سني في العراق منذ قرون

التطور اللافت على صعيد هذا الخلاف النادر، هو ما حصل من إرباك وارتباك وتبادل حاد للاتهامات بين كثير من النواب السنة في البرلمان و«ديوان الوقف السني».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي شركات غربية تتهم بغداد وأربيل بعرقلة تصدير نفط كردستان

شركات غربية تتهم بغداد وأربيل بعرقلة تصدير نفط كردستان

رغم انتعاش الآمال بقرب استئناف صادرات نفط كردستان، فإن تعثراً جديداً كشفت عنه شركات نفط عاملة في الإقليم أعاد المفاوضات إلى المربع الأول

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي جانب من أحد اجتماعات تحالف «الإطار التنسيقي» في بغداد (إكس)

«الإطار التنسيقي»: الفصائل العراقية «ملتزمة بعدم التصعيد»

عَدَّ قيادي بارز في تحالف «الإطار التنسيقي» العلاقة مع الإدارة الأميركية مصدر قوة للمصالح العراقية، فيما أكد أن الفصائل المسلحة ملتزمة بعدم التصعيد ضد واشنطن.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي عراقيون في شط العرب قرب مرفأ البصرة يوم 20 يونيو الجاري (أ.ف.ب)

«محافظة الزبير» تثير جدلاً في العراق

أثار مقترح بتحويل أحد أقضية البصرة (جنوب العراق) إلى محافظة جديدة، جدلاً سياسياً حول تغييرات إدارية في البلاد بالتزامن مع انطلاق التحضيرات لانتخابات البرلمانية.

حمزة مصطفى (بغداد)
الاقتصاد علم العراق يرفرف أمام حقل نفطي (رويترز)

صادرات العراق النفطية تتراجع 8.5 % إلى 95.148 مليون برميل في فبراير

أعلنت وزارة النفط العراقية أن مجموع صادرات النفط الخام بلغ 95.148 مليون برميل يومياً بانخفاض نسبته 8.5 في المائة عن صادرات يناير (كانون الثاني).

«الشرق الأوسط» (بغداد)

هلال العيد يتسبب بأول خلاف سني - سني في العراق منذ قرون

من صلاة العيد بأحد مساجد داهوك في كردستان (د.ب.أ)
من صلاة العيد بأحد مساجد داهوك في كردستان (د.ب.أ)
TT
20

هلال العيد يتسبب بأول خلاف سني - سني في العراق منذ قرون

من صلاة العيد بأحد مساجد داهوك في كردستان (د.ب.أ)
من صلاة العيد بأحد مساجد داهوك في كردستان (د.ب.أ)

نشب خلاف فقهي بين علماء أهل السنة في العراق، للمرة الأولى، بشأن تحديد هلال شوال وعيد الفطر المبارك، بين أن يكون يوم الأحد هو أول أيام العيد مثلما أُعلن في المملكة العربية السعودية وعدد كبير من الدول الإسلامية، أو أن يكون الأحد متمماً لشهر رمضان ويكون العيد يوم الاثنين.

هذا الخلاف النادر لم يحدث منذ قرون في العراق، بصرف النظر عن أنظمة الحكم التي توالت عليه، من العثمانية والملكية إلى الجمهورية. ففي الغالب الأعم، ومنذ النظام الملكي (1921 - 1958) والنظام الجمهوري (1958 حتى اليوم )، فإن المرجعيات السنية في العراق لا سيما الحنفية والشافعية، توحد مواقفها حيال تحديد شهر رمضان وعيد الأضحى بناءً على ما يصدر عن المملكة العربية السعودية، بينما يعتمد شيعة العراق على ما يصدر من مراجعهم الدينية.

جانب من المصلين خلال أول أيام العيد في كردستان (د.ب.أ)
جانب من المصلين خلال أول أيام العيد في كردستان (د.ب.أ)

وتقليدياً وعبر كل العقود الماضية، فإن الاختلاف في تحديد الرؤية بين السنة والشيعة، يتمثل في تأخير يوم واحد عند الشيعة، خصوصاً على صعيد عيد الفطر، بسبب الخلاف حول الرؤية الشرعية.

لكن هذا العام، وبينما كان أهل السنة ينتظرون ما يصدر عن كبريات المرجعيات السنية في العالم الإسلامي لتصدر بعدها البيانات المؤيدة سواء عبر المؤسسة الرسمية ممثلةً في «ديوان الوقف السني»، الذي هو دائرة حكومية بدرجة وزارة، أو «المجمع الفقهي العراقي» الذي يتخذ من «جامع أبي حنيفة» مقراً له، فضلاً عن مرجعيات أخرى منها «هيئة علماء المسلمين»... فإن الأمر هذه المرة لم يكن كذلك.

صبيحة يوم العيد في داهوك بكردستان (د.ب.أ)
صبيحة يوم العيد في داهوك بكردستان (د.ب.أ)

وحسب التقاليد الشعبية العراقية، فإن المصلين السُّنة في أول أيام العيد، يهرعون إلى محلات بيع «القيمر والكاهي» وهي إحدى الأكلات العراقية الشعبية وقت الفطور، لتكون هي المائدة الصباحية الأولى بعد شهر من الصيام... وطبقاً للتقليد السائد بشأن تحديد العيد عند السُّنة والشيعة، فإن الشيعة يتأخرون في العادة يوماً واحداً عن السُّنة لإعلان العيد طبقاً لمراجعهم... والطرفة السائدة دائماً بين الطرفين، رغم الاختلافات الفقهية، أن السُّنة سوف يتناولون الكاهي والقيمر في أول يوم العيد بينما لا يتبقى منه إلا القليل في اليوم التالي، وهو ما يعني ومن باب المزاح بين أبناء الطائفتين، أن الشيعة سيكونون مظلومين، لأنهم لن يحظوا لا بالكمية ولا بالنوعية المناسبة، من القيمر والكاهي.

عراقيات يتبضعن قبل العيد في إحدى أسواق بغداد (أ.ب)
عراقيات يتبضعن قبل العيد في إحدى أسواق بغداد (أ.ب)

وطبقاً للمعلومات التي ترشحت من الأوساط العلمية لدى أهل السُّنة، فإن الارتباك الذي حصل عندهم، تمثَّل في أن الكرد أعلنوا عبر دائرة الأوقاف لديهم، أن يوم الأحد هو أول أيام عيد الفطر المبارك، وهو ما جعلهم يتوجهون إلى المساجد لأداء صلاة العيد، بينما انقسم العرب السُّنة في بغداد وباقي مناطق البلاد، بعد أن أصدر «ديوان الوقف السُّني» بياناً ثم تراجع عنه، مما أدى إلى خلاف داخل المرجعيات السُّنية «الحنفية والشافعية».

وفي الوقت الذي بقي الشيعة ينتظرون ما يصدر عن مرجعيتهم في النجف، لا سيما مرجعية السيستاني، رغم أن مرجعاً شيعياً مقيماً في إيران هو كمال الحيدري، أعلن أن الأحد هو أول أيام العيد، فإن سُنة العراق انقسموا إلى ثلاثة أقسام: الأول إقليم كردستان الذي أعلن الأحد عيداً، وأهالي بغداد الذين انقسموا بين ما صدر عن «الوقف السُّني» باعتبار الأحد مكملاً لرمضان والعيد الاثنين، وبين من اعتمد ما صدر عن المرجعيات في العالم الإسلامي وبالذات المملكة العربية السعودية.

وطبقاً للمعلومات، فإنه وطوال ساعات الليل، حاول عدد من المراجع الدينية السنية، وجهات سياسية سنية، حسم الأمر باتجاه توحيد الموقف السني، لكن من دون جدوى، الأمر الذي انعكس على أداء الصلاة في الجوامع والمساجد السُّنية.

من إحياء ليلة القدر بباحة مسجد «عبد القادر الجيلاني» في بغداد (أ.ف.ب)
من إحياء ليلة القدر بباحة مسجد «عبد القادر الجيلاني» في بغداد (أ.ف.ب)

غير أن التطور اللافت على صعيد هذا الخلاف السني - السني النادر، هو ما حصل من إرباك وارتباك وتبادل حاد للاتهامات بين الكثير من النواب السُّنة في البرلمان و«ديوان الوقف السُّني»، فضلاً عن خلافات حادة بشأن طريقة أداء الصلاة، داخل المساجد... ونظراً إلى هذه الخلافات، اتخذ «ديوان الوقف» قراراً بإغلاق المساجد في بغداد وعدد من المحافظات ذات الغالبية السنية، الأمر الذي أدى إلى قيام عشرات آلاف المصلين بتأدية صلاة العيد في الشوارع، وأمام المساجد، وفي المقبرة الملكية في مدينة الأعظمية في بغداد.