غضب عراقي من تشريع 3 قوانين بـ«سلة واحدة»

تسوية حسمت «العفو» للقوى السنية... والأحوال الشخصية لـ«الإطار»

البرلمان العراقي خلال إحدى جلساته في بغداد (إعلام البرلمان)
البرلمان العراقي خلال إحدى جلساته في بغداد (إعلام البرلمان)
TT

غضب عراقي من تشريع 3 قوانين بـ«سلة واحدة»

البرلمان العراقي خلال إحدى جلساته في بغداد (إعلام البرلمان)
البرلمان العراقي خلال إحدى جلساته في بغداد (إعلام البرلمان)

قبل نحو أسبوعين، شدد رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني على عدم إمكانية تشريع قانون «الأحوال الشخصية» مع عدم وجود «المدونة الشرعية» التي تتضمن أحكاماً يستند إليها القانون، ونفى أيضاً أن يلجأ البرلمان إلى سياق «السلة الواحدة» في تمرير القوانين التشريعية، ويفترض أن يقوم خبراء ورجال دين من الوقف الشيعي بكتابة «المدونة» وتقديمها للبرلمان بعد نحو 6 أشهر من إقرار القانون.

لكن جلسة، أمس الثلاثاء، البرلمانية أظهرت أن «تأكيدات» الرئيس لم تجد طريقها إلى البرلمان حين صوت على ثلاثة قوانين إشكالية دفعة واحدة، رغم أشهر من السجال والاعتراضات.

وتبنت القوانين الثلاثة (الأحوال الشخصية، العفو العام، العقارات) الكتل النيابية التي تمثل المكونات الرئيسة في البلاد، الشيعة والسنة والكرد.

ويمثل إقرار التعديل على قانون الأحوال الشخصية 188 لعام 1959، مطلباً أساسياً لقوى «الإطار التنسيقي»، وتعديل العفو العام مطلباً للقوى السنية (معظم سجناء الإرهاب من المحافظات السنية)، بينما حصل الكرد في ضوء صفقة السلة الواحدة على قانون إعادة العقارات التي صادرها نظام البعث المنحل إلى المواطنين الكرد، خاصة في محافظة كركوك وغيرها من المناطق الشمالية.

رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني (موقع المجلس)

وبعيداً عن الانتقادات الواسعة التي تعرض لها البرلمان من قطاعات مدنية وقانونية محلية، يلاحظ أن البرلمان ذاته بدا منقسماً وقد رفض عدد غير قليل من النواب صفقة السلة الواحدة وشككوا في قانونية عملية التصويت ووقع عدد منهم طلباً لإقالة رئيس البرلمان محمود المشهداني.

وقالت النائبة نور نافع: إن «قانوني تعديل الأحوال الشخصية والعفو العام تم تمريرهما من دون تصويت، ومن دون أن يرفع النواب الأيادي بالموافقة». ووصفت عملية التصويت بـ«المهزلة الحقيقية».

وظهر النائب مصطفى سند داخل القاعة البرلمانية وهو يقول: إنها «مخالفة كبيرة وقع فيها مجلس النواب من خلال التصويت على ثلاثة قوانين دفعة واحدة، هذه مخالفة، المجلس يفترض أن يشرع القوانين، لكنه يشرع الفوضى».

وفوق ذلك، بدا الانقسام واضحاً حيال طبيعة القوانين والفئات المشمولة فيها، حيث امتنع السنة عن القبول بتعديل قانون الأحوال الشخصية، وقالت الدائرة الإعلامية للبرلمان في بيان: إنه «وبالنظر إلى طلب مواطني المكون الشيعي في مجلس النواب تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 بما يتيح للعراقيين المسلمين من أتباع المذهب الشيعي تطبيق أحكام مذهبهم عليهم، وعدم موافقة المكون السني في مجلس النواب بعدم سريان هذا التعديل على العراقيين المسلمين من أتباع المذهب السني».

وحتى في حالة المواطنين الشيعة، فإن القانون ونتيجة للاعتراضات الشديدة عليه من قبل معظم القوى المدنية الفاعلة، أبقى على خيار «الاحتكام» إلى القانون السابق للمواطنين الذين لا يرغبون بالامتثال لبنود التعديل الجديد.

وإلى جانب الانتقادات الموجهة للبرلمان، ستطرح القوانين المعدلة إشكالات قانونية حقيقية بالنسبة لحدود تطبيقها والفئات المشمولة والمستفيدة منها، إذ يتمسك المنتقدون لها بحجة أن قانون العفو سيتيح للمجرمين والإرهابيين وسراق المال العام الإفلات بجرائمهم، حيث يؤكد النائب المستقل سجاد سالم أن «القانون يشمل حتى المتورطين بسرقة القرن وفي مقدمتهم المتهم الرئيس نور زهير باختلاس 2.5 مليار دولار من الأموال الضريبية»، لكن المدافعين عن القانون يرون أن الشمول مشروط بإعادة الأموال المسروقة.

وقال سالم لـ«الشرق الأوسط»: إن «المبدأ هو العفو العام عن جميع العراقيين، وبعد ذلك تأتي الاستثناءات الخاصة بقضايا الإرهاب وغيرها».

ويعتقد أن المكون السني الذي «ألح» على موضوع العفو العام «سوف لن يحصل على الكثير وقد حصل على بريق إعلامي فقط من إقرار التعديل».

ويعزو سالم ذلك إلى «صعوبة المعايير والإجراءات التي ستتبع لتحديد الأشخاص ذات الطبيعة الإرهابية من غيرهم»، وكذلك الحال بالنسبة لقانون الأحوال الشخصية الذي سيواجه «الكثير من العقبات أثناء تطبيقه».

ونفى سالم عدم شمول الجماعات المرتبطة بـ«حراك تشرين الاحتجاجي» عام 2019، وقال إن «المبدأ هو العفو عن الجميع، ثم إن معظم قضايا (تشرين)، من سجن وأحكام قد تمت تسويتها».

وعن إمكانية الطعن بقوانين السلة الواحدة، ذكر أن «بعض النواب ينوون ذلك، لكن ليس قبل المصادقة النهائية على القوانين ونشرها في الصحيفة الرسمية».

عراقية تحمل لافتة: «لا لتعديل قانون الأحوال الشخصية» خلال احتجاج وسط بغداد (إ.ب.أ)

وإلى جانب الانتقادات لعملية التصويت الصادرة عن عدد كبير من النواب، حفلت مواقع التواصل المختلفة بحملة انتقادات واسعة ضد البرلمان، حيث كتب المحامي محمد جمعة عبر منصة «إكس» أن «حقيقة قانون العفو العام المراد تشريعه من مجلس النواب هي أنه لن يستفيد منه المظلومون ومن أخذت اعترافاتهم بالتعذيب، إنه مفصل على مقاسات الكتل السياسية، في مقابل هذا سيتم تشريع زواج القاصرات في سن 15 وحرمان الزوجة من إرث العقارات والزواج المؤقت».

وتصدرت عبارة «قانون العفو مرفوض» (تريند) العراق، وغالباً يمثل الرافضون للقانون الجماعات الشيعية التي تعتقد أنه سيشمل المتورطين بدماء الناس من الجماعات الإرهابية، كما ترفضه الاتجاهات التي تعتقد أن العفو سيوفر فرصة للفاسدين وسراق المال العام للإفلات من العقاب.


مقالات ذات صلة

العراق يقترح على إيران مؤتمراً لدعم سوريا

المشرق العربي علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني مستقبلاً رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني في طهران يوم 4 فبراير 2025 (تسنيم)

العراق يقترح على إيران مؤتمراً لدعم سوريا

اقترح العراق على الجانب الإيراني عقد مؤتمر لدعم سوريا، بمشاركة دول الجوار، في حين دعت طهران السلطات في بغداد إلى «إنهاء الهيمنة الأميركية على أموال العراق».

«الشرق الأوسط» (طهران)
المشرق العربي جانب من أحد اجتماعات تحالف «الإطار التنسيقي» في بغداد (إكس)

​تحضيرات مبكرة للانتخابات التشريعية في العراق

في وقت صوّت البرلمان العراقي على التمديد لمفوضية الانتخابات فإن القوى السياسية العراقية بدأت تعيد حساباتها استعداداً للاستحقاق الانتخابي لعام 2025.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي البرلمان العراقي خلال إحدى جلساته في بغداد (إعلام البرلمان)

السوداني حثّ الأحزاب العراقية على تعديل الموازنة

يستعد البرلمان العراقي لمناقشة تعديل قانون الموازنة الاتحادية الأسبوع المقبل، بعد دعوة رئيس الوزراء لضرورة الالتزام بمعالجة تكلفة إنتاج النفط في إقليم كردستان.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي النائب المعارض في البرلمان العراقي سجاد سالم (فيسبوك)

«التعليم» العراقية تقاضي نائباً انتقد «النفوذ الإيراني»

يقول نائب عراقي معارض إن وزير التعليم العالي وجَّه جامعة البصرة (جنوب) بتحريك شكوى قضائية ضده بسبب مهاجمته النفوذ الإيراني في المؤسسات التعليمية بالعراق.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي يتخوّف ناشطون من أن يشمل قانون العفو العام في العراق مدانين بجرائم فساد وقتل (أ.ف.ب)

طعون عراقية تلاحق قانوني «العفو» و«الأحوال»

تُلاحق طعون واعتراضات قانونين أقرهما البرلمان العراقي، وأثارا الانقسام السياسي والاجتماعي على مدار الأيام الماضية.

حمزة مصطفى (بغداد)

ترمب يتمسك بالتهجير... وملامح خطة عربية

الرئيس الأميركي والعاهل الأردني خلال اجتماعهما في البيت الأبيض أمس (أ.ب)
الرئيس الأميركي والعاهل الأردني خلال اجتماعهما في البيت الأبيض أمس (أ.ب)
TT

ترمب يتمسك بالتهجير... وملامح خطة عربية

الرئيس الأميركي والعاهل الأردني خلال اجتماعهما في البيت الأبيض أمس (أ.ب)
الرئيس الأميركي والعاهل الأردني خلال اجتماعهما في البيت الأبيض أمس (أ.ب)

أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خلال اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في البيت الأبيض، أمس، تمسكاً بمواقفه المتشددة حيال تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، كما جدد تهديده لحركة «حماس» بالعودة إلى الحرب وفتح أبواب الجحيم، إذا لم تفرج عن الرهائن قبل السبت المقبل.

وهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن وقف إطلاق النار سينتهي، وأن الجيش سيستأنف القتال المكثف، إذا لم يطلق سراح الرهائن قبل السبت.

في غضون ذلك، أعرب مجلس الوزراء السعودي عن «الرفض القاطع للتصريحات الإسرائيلية المتطرفة بشأن تهجير الشعب الفلسطيني الشقيق من أرضه، والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية لدى المملكة العربية السعودية». وشدّد على أن «السلام الدائم لن يتحقق إلا بقبول مبدأ التعايش السلمي من خلال حل الدولتين».

في الأثناء، برزت ملامح خطة عربية للتعاطي مع الوضع، إذ أعلن الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، أن قمة القاهرة المرتقبة «ستناقش طرحاً عربياً يقابل المقترح الأميركي عن التهجير، وسيقوم على التوافق الفلسطيني، والدعم العربي والدولي».