انتخاب رئيس للبنان يكتنفه الغموض... والإرباك يحاصر النواب

رغم الحماية الدولية المؤمنة لمنع تعطيل الجلسة

نبيه بري مجتمعاً مع نائب رئيس المجلس النيابي إلياس بو صعب يوم الجمعة (رئاسة البرلمان)
نبيه بري مجتمعاً مع نائب رئيس المجلس النيابي إلياس بو صعب يوم الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

انتخاب رئيس للبنان يكتنفه الغموض... والإرباك يحاصر النواب

نبيه بري مجتمعاً مع نائب رئيس المجلس النيابي إلياس بو صعب يوم الجمعة (رئاسة البرلمان)
نبيه بري مجتمعاً مع نائب رئيس المجلس النيابي إلياس بو صعب يوم الجمعة (رئاسة البرلمان)

يمكن أن يؤدي منسوب المخاوف من لجوء إسرائيل في مواصلتها خرق الهدنة لاستدراج «حزب الله» للدخول في مواجهة إلى تعطيل جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، أخذ ينخفض تدريجياً مع تأكيد رئيس هيئة الإشراف على تثبيت وقف النار الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، في حضور سفيرة بلاده ليزا جونسون، أن إسرائيل ستنسحب فور انتهاء الهدنة في 27 من الشهر الحالي، وأن اللجنة ستنزل على الأرض لمواكبة انسحابها بعد أن تكون قد أتمّت استعدادها اللوجستي، وأن لا خوف، كما نقلت عنه مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط»، من عودة الوضع إلى المربع الأول الذي من شأنه أن يطيح الاتفاق.

ولفتت المصادر النيابية إلى أن «حزب الله» لن يُستدرج إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وسيبقى يمارس ضبط النفس إفساحاً في المجال أمام تطبيق الاتفاق، وكشفت أن اللجنة عازمة على استباق الجلسة المخصصة لانتخاب الرئيس بعقد اجتماع في السابع من الشهر الحالي، أي قبل يومين من انعقادها، وقالت إن الوسيط الأميركي أموس هوكستين هو من سيرأس الجلسة، وهذا ما تبلغه بري من السفيرة جونسون.

وقالت إن الهدف من الاجتماع إسقاط أي ذريعة يمكن أن يتذرع بها البعض لتعطيل جلسة الانتخاب التي تبقى قائمة في موعدها، وإن لا مجال لتأجيلها، وأكدت أن زيارة وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو للرئيس بري تأتي في إطار حرص باريس على توفير الأجواء لتثبيت وقف النار في الجنوب، وإلزام إسرائيل الانسحاب من البلدات التي لا تزال تحتلها.

وأوضحت أن بارو لم يتطرق مع بري بالتفصيل لانتخاب الرئيس، واكتفى بالتأكيد على ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده، وقالت إنه كان على موعدٍ للقاء عدد من النواب، لكنه عدل عن الاجتماع بهم لاضطراره التوجه على عجل إلى دمشق.

نبيه بري مستقبلاً الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز بحضور السفيرة الأميركية ليزا جونسون يوم الخميس (رئاسة البرلمان)

جلسة حاسمة

لكن توفير الحماية الدولية لانعقاد الجلسة يفتح الباب أمام السؤال ما إذا كانت الطريق النيابية سالكة لانتخابه في ضوء إصرار بري على عدم رفع الجلسة ما لم تنته إلى تصاعد الدخان الأبيض من القاعة بالتفاهم على الإتيان برئيس توافقي لا يشكل تحدياً لأحد؟ أم أن الغموض لا يزال يتحكم بتوجهات النواب على نحو لا يحسم خياراتهم ترشحاً واقتراعاً ويزيد من إرباكهم ويحاصرهم؟

ورغم أن بري يصر أمام زواره، كما تنقل عنه المصادر النيابية، على أن جلسة الانتخاب ستكون حاسمة وستبقى مفتوحة على دورات متتالية من دون أن يبوح بكلمة السر، فيما لم ينقطع عن استقبال المرشحين ويتواصل مع معظم الكتل النيابية التي لم تتمكن أن تنتزع منه ما يؤشر إلى ما يضمره سوى تأكيده عدم تحبيذه تعديل الدستور.

إلا أن ما يدعو للحيرة يكمن في عدم التواصل بينه وبين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، مع أن عضو كتلته النائب ملحم رياشي على احتكاك دائم بالمعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل، إضافة إلى عدم وجود عوائق أمام تواصله بعدد من نواب حزب «الكتائب» بالإنابة عن رئيسه سامي الجميل الذي يرابط في مسقطه في بكفيا ولا يغادرها لأسباب أمنية.

ويبقى السؤال: هل يأتي إصرار بري على أن تكون جلسة الانتخاب حاسمة في سياق الضغط على النواب وحضهم على إخراج انتخاب الرئيس من المراوحة، وذلك استباقاً لدخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض في 20 يناير، مع أن الكتل النيابية تتردد في حسم خياراتها وتبقي عليها طي الكتمان ريثما تكون على بيّنة مما ستؤول إليه الاتصالات العربية والدولية في مواكبتها لانتخاب الرئيس؟

فالغموض الذي يكتنف مواقف الكتل النيابية لا يقتصر على فريق دون الآخر، ويكاد يشمل الجميع، وهذا ما ينسحب على قوى المعارضة التي تبقي على اجتماعاتها مفتوحة وعلى جدول أعمالها الانفتاح على الكتل التي تُصنّف على خانة الوسطية في محاولة تبقى في حدود جس نبضها حول إمكانية التوافق على مرشح على قاعدة عدم استبعاد الثنائي الشيعي، شرط أن يُبدي انفتاحاً للتوصل إلى رئيس يتمتع بالمواصفات التي حددتها اللجنة «الخماسية» لإنقاذ لبنان.

نبيه بري مستقبلاً وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو يوم الخميس (أ.ف.ب)

الاجتماع الأخير للمعارضة

وعلمت «الشرق الأوسط» أن الاجتماع الأخير للمعارضة لم ينته إلى حسم موقفها من الترشح، وفضّلت التروّي بإعلان تأييدها قائد الجيش العماد جوزف عون في ظل امتناع بري عن تعديل الدستور لعل الاتصالات التي تدور في الإقليم والمتعلقة بمواكبة الاستحقاق الرئاسي تؤدي إلى إقناعه بتعديله الذي يتطلب تأييد ثلثي أعضاء البرلمان، أي 86 نائباً.

ورأت المعارضة، حسب مصادرها، أن هناك ضرورة للتريث بانتظار ما ستؤول إليه حركة الموفدين إلى لبنان بما يسمح بإنضاج الظروف المؤاتية للتوافق على رئيس. وقالت بأنها ليست وارداً إحراج العماد عون وحرق المراحل قبل أوانها، وتترك قرارها ريثما تتوضح الصورة النهائية للمشهد الانتخابي بخروج النواب من الإرباك مع بدء غربلة أسماء المرشحين، إذا كانوا في عداد من أعلنوا ترشحهم أو الذين يتحركون بعيداً عن الأضواء.

وأكدت أن إدراجها اسم العماد عون على لائحة من تدعمهم لا يمنعها من البحث عن بدائل كاحتياط في حال أن الاتصالات لم تؤد لتعديل الدستور، وهي تستحضر اسم المرشح الوزير السابق جهاد أزعور طالما أنها ما زالت تتقاطع مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على تأييده، ما لم يبدّل موقفه لمصلحة وضع كل أوراقه بتصرف بري للتفاهم على مرشح يدرك سلفاً عدم إمكانية تأمين 65 نائباً لانتخابه في دورات الانتخاب المتتالية.

وتعترف المعارضة أنه يستعصي على أي فريق تأمين فوز مرشحه في دورات الانتخاب المتتالية ما لم يتوصل إلى اتفاق مع الكتل النيابية الوسطية التي تشكل بيضة القبان لإيصال هذا المرشح أو ذاك للرئاسة.

وتؤكد المعارضة أنها لم تغلق الباب بالتفاهم مع بري شخصياً بالإنابة عن حليفه «حزب الله»، لكنها ليست في وارد التأييد على بياض للمرشح الذي يختاره، وهذا ما يدعونا للاستدارة نحو الوسطيين بغية تجميع العدد الأكبر من النواب الذي من شأنه حشر الثنائي الشيعي الذي لن يجد من حل سوى التوافق على رئيس يحظى بتأييد مسيحي وازن، ويرضي الشيعة، ويتمتع بثقة المجتمع الدولي، للانتقال بالبلد إلى مرحلة سياسية جديدة تكون بمستوى التحديات التي يواجهها في ضوء التحولات التي عصفت بالمنطقة.


مقالات ذات صلة

تفجيرات إسرائيلية تستهدف عدداً من المناطق في جنوب لبنان

المشرق العربي جندي إسرائيلي يقف بجوار حاجز على جبل الشيخ (أ.ف.ب)

تفجيرات إسرائيلية تستهدف عدداً من المناطق في جنوب لبنان

نفذت القوات الإسرائيلية تفجيرات في بلدة كفركلا وفي محيط بلدتي عيتا الشعب والوزاني، سُمع دويها في بلدات عدة بجنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)

ماكرون قريباً في لبنان... وتأكيد فرنسي على دعم «غير مشروط» بعد انتخاب عون

بعد انتخاب العماد جوزيف عون، تؤكد باريس أن «دعمنا للبنان سيكون متواصلاً وتاماً وغير مشروط»، وتحث السياسيين اللبنانيين على تشكيل حكومة قوية تدعم الرئيس.

ميشال أبونجم (باريس)
المشرق العربي سفراء الدول والدبلوماسيون حاضرون في جلسة انتخاب الرئيس اللبناني (رويترز)

ترحيب عربي ودولي واسع بانتخاب عون رئيساً للبنان

لاقى انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للبنان ردود فعل دولية وعربية مرحبّة ومشددة على أهمية أن تستعيد البلاد الأمن والاستقرار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي قائد الجيش اللبناني جوزيف عون يسير في القصر الرئاسي بعد انتخابه رئيساً (رويترز) play-circle 01:12

البرلمان اللبناني ينتخب عون رئيساً... و«تعديل ضمني» للدستور

انتخب البرلمان اللبناني قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً بـ99 صوتاً، وذلك بعد أكثر من عامين من الفراغ في سدة الرئاسة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي خلال عملية فرز أصوات النواب في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية (د.ب.أ)

مفاوضات ما بين الجولتين تضم «الثنائي الشيعي» إلى التوافق النيابي

لم يكن إخراج انتخاب الرئيس جوزيف عون سهلاً، بسبب العائق الدستوري المتمثل في نص «المادة 49»، الذي يمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى قبل مرور سنتين على استقالتهم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)
عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)
TT

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)
عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)

أظهرت تركيا عبر تصريحات لمسؤولين سياسيين وعسكريين تمسكاً بعملية عسكرية شمال سوريا ضد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) وأكبر مكوناتها «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تصنفها أنقرة إرهابية، وفي المقابل كثفت واشنطن من مساعيها لإقناع أنقرة بالعدول عن التصعيد، وأوفدت مبعوثاً للتباحث مع المسؤولين الأتراك حول الأمر.

واتهمت تركيا «قسد» باستخدام المدنيين دروعاً بشرية في المعارك الدائرة على محور «سد تشرين» (شرق حلب)، وقال مسؤول بوزارة الدفاع التركية إن تنظيم «وحدات حماية الشعب الكردية» (أكبر مكونات «قسد») يستخدم «المدنيين الأبرياء دروعاً بشرية في منطقة (سد تشرين)، ويرسل مجموعات إرهابية إلى المنطقة».

خط الدفاع الأخير

وشدد المسؤول العسكري التركي، خلال إفادة صحافية أسبوعية لوزارة الدفاع، الخميس، على أنه «مع مراعاة احترام وحدة أراضي سوريا، فإن القوات المسلحة التركية عازمة على مواصلة عملياتها عبر الحدود ما لم تلقِ المجموعات الإرهابية (الوحدات الكردية - «قسد») أسلحتها».

وقال إن سد تشرين على نهر الفرات، الذي يعدّ نقطة استراتيجية مهمة من حيث موارد المياه وإنتاج الطاقة والأمن الإقليمي في سوريا، تعدّه «قسد» خط الدفاع الأخير بالنسبة لها، مؤكداً أن القوات التركية عازمة على منع جهود «التنظيم الإرهابي» الرامية لزعزعة استقرار المنطقة باستخدام مثل هذه البنى التحتية الاستراتيجية.

قصف تركي على محور سد تشرين في شرق حلب (المرصد السوري)

وأفاد «المرصد السوري» بمقتل ما لا يقل عن 322 شخصاً على مدى 29 يوماً من القتال بين الفصائل و«قسد».

وقال «المرصد» في بيان، إن «5 مدنيين بينهم امرأة قُتلوا، وأُصيب 14 آخرون، جراء قصف نفذته طائرات مسيّرة تركية استهدف سيارة إسعاف وسيارة مدنية ضمن قافلة شعبية قرب سد تشرين، حيث يعتصم مدنيون جاءوا من عين العرب (كوباني) ومناطق أخرى احتجاجاً على تصعيد القوات التركية والفصائل».

وفي الوقت ذاته، قُتل جندي من القوات التركية وأصيب آخر بجروح متفاوتة، جراء استهداف مسيرة تابعة لـ«قسد» قاعدة «العريشة» الواقعة ضمن منطقة «نبع السلام» بريف رأس العين جنوب شرقي الحسكة.

ووقعت اشتباكات بين الجانبين بالأسلحة الثقيلة في عين عيسى وتل أبيض، وقرى في شمال غربي الحسكة.

عملية عسكرية تركية

ومع استمرار الاشتباكات الجارية على محوري «سد تشرين»، و«قره قوزاق»، وكذلك جنوب وجنوب شرقي منبج، التي سيطرت عليها الفصائل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ظهرت مؤشرات قوية على استعداد تركيا لشن عملية عسكرية جديدة ضد مناطق سيطرة «قسد» في شمال وشمال شرقي سوريا.

مستشار العلاقات العامة والإعلام بوزارة الدفاع التركية زكي أكتورك خلال إفادة صحافية الخميس على إحدى السفن الحربية المشاركة في مناورة «الوطن الأزرق» في تركيا (الدفاع التركية)

وقال مستشار العلاقات العامة والإعلام بوزارة الدفاع التركية وكي أكتورك، خلال الإفادة الأسبوعية للوزارة، الخميس، إننا «نرحب بالعملية الجديدة التي نشأت في جارتنا سوريا، سنستمر في الوقوف إلى جانب الشعب السوري وسنعمل على إرساء الأمن والاستقرار الدائمين في المنطقة، بالتعاون الوثيق مع الإدارة الجديدة وبصورة أقوى».

وأضاف: «نؤكد مرة أخرى أننا لن نسمح مطلقاً لأي تنظيم إرهابي سواء (داعش) أو (الوحدات الكردية) بفرض أمر واقع في المنطقة».

وشدد على أن «القوات المسلحة التركية عازمة على مواصلة عملياتها عبر الحدود، بحزم، من أجل ضمان أمن بلدنا وحدودنا، مع احترام وحدة أراضي سوريا، وستواصل قواتنا المسلحة حربها ضد الإرهاب في مصدره عبر عمليات متواصلة وشاملة، وإجراءات وقائية وتدميرية وهدامة، بتصميم لا يتزعزع وإصرار متزايد ما دام لم يلق الإرهابيون أسلحتهم».

استعدادات مكثفة

ونقلت صحيفة «حرييت» القريبة من الحكومة التركية عن مصادر عسكرية أن القوات المسلحة التركية، وُضعت في حالة تأهب قتالي تحسباً لعملية محتملة ضد المسلحين الأكراد في سوريا، لافتة إلى أن الدبلوماسية نجحت حتى الآن في كسب الوقت، لكن العد العكسي للعملية العسكرية قد بدأ.

وأشارت الصحيفة إلى أن قيادات «حزب العمال الكردستاني»، وكذلك «وحدات حماية الشعب» تسعى للمفاوضات. لكن الإدارة السورية الجديدة، وتركيا «ترفضان إجراء أي مفاوضات».

وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أكد، الأحد الماضي، أن القيادة السورية الجديدة عاقدة العزم على اجتثاث «الانفصاليين»، وتظهر موقفاً حازماً للغاية في الحفاظ على وحدة أراضي البلاد وهيكلها الموحد.

قوات تركية عقب دخولها مناطق في شمال شرقي سوريا خلال عملية «نبع السلام» العسكرية عام 2019 (أرشيفية - الدفاع التركية)

وأرسلت أنقرة إلى «الجيش الوطني السوري» (الموالي لتركيا)، أسلحة ثقيلة إلى خطوط الجبهة مع «قسد» في منطقة عملية «نبع السلام» في شمال شرقي سوريا.

كما توجه مقاتلون مع عربات ودبابات أرسلتها «القوة المشتركة» للجيش الوطني السوري، إلى الخطوط الأمامية المطلة على مدينة عين العرب (كوباني) بمحافظة حلب، وبلدة عين عيسى بالرقة، وبلدة تل تمر بالحسكة.

ونقلت وكالة «الأناضول» التركية عن قائد «القوة المشتركة» للجيش الوطني السوري في مدينة رأس العين بمنطقة عملية نبع السلام، أبو عبد الله محمد، أنهم رفعوا الجاهزية الكاملة، وأرسلوا تعزيزات إلى جميع الجبهات.

مساعٍ أميركية

في المقابل، تسعى الولايات المتحدة، التي ترى القوات الكردية حليفاً أساسياً في الحرب على «داعش» في سوريا، إلى إقناع تركيا بالعدول عن العملية العسكرية.

وبدأ نائب وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، جون باس، الخميس، مباحثات تستمر على مدار يومين، مع نائبي وزير الخارجية التركي، نوح يلماظ، وبرهان الدين دوران، تركز بشكل خاص على التطورات في سوريا والمنطقة، إلى جانب العلاقات التركية - الأميركية.

نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماظ خلال استقبال نظيره الأميركي جون باسا بأنقرة في سبتمبر الماضي لمباحثات حول سوريا (الخارجية التركية)

وقالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن باس «سيعرض خلال المباحثات وجهة نظر أميركا بشأن سوريا، وستركز المباحثات على تقييم متعدد الأوجه للوضع في سوريا، وعلى الخطوات التي يمكن اتخاذها لضمان الاستقرار والأمن في سوريا ودعم إنشاء حكومة وحدة وطنية وإدارة شاملة».

وقدّرت المصادر أن «الجانب التركي سيؤكد، مرة أخرى بقوة، على ضرورة تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية التي تهدد استقرارها واستقرار المنطقة، ووقف الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية بدعوى دورها في الحرب على تنظيم (داعش)».

ولفتت إلى أن «المباحثات تركز أيضاً على توسيع نطاق الإعفاءات المقدمة لتسهيل بعض المعاملات التجارية لدمشق، وضمان تقديم الخدمات العامة الأساسية عبر تخفيف العقوبات على سوريا».

وذكر بيان للخارجية الأميركية، أن باس سيؤكد على أهمية الانتقال السياسي السلمي والشامل بقيادة وملكية سورية، استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وأهمية الاستقرار الإقليمي، ومنع استخدام سوريا قاعدةً للإرهاب، وضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم «داعش».

وطالبت تركيا، مراراً، أميركا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بوقف دعمها «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تسيطر على مساحات شاسعة في شمال سوريا، وشنَّت ضدها عدداً من العمليات العسكرية.

جنود أميركيون يتجولون في القامشلي بمحافظة الحسكة (أ.ف.ب)

«دور فرنسي»

بدورها، قالت الرئيس المشارك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية (الكردية) بشمال شرقي سوريا، إلهام أحمد، إننا مستعدون لأن تتولى أميركا وفرنسا مسؤولية تأمين المنطقة الحدودية في شمال سوريا.

وأضافت أحمد في حديث إلى قناة «تي في5 موند» مساء الأربعاء: «نطلب من فرنسا إرسال قوات إلى هذه الحدود لتأمين المنطقة منزوعة السلاح، لمساعدتنا في حماية المنطقة وإقامة علاقات جيدة مع تركيا، بمجرد أن تتمكن فرنسا من إقناع تركيا بقبول وجودها على الحدود، عندها يمكننا أن نبدأ عملية السلام، نأمل أن تتم تسوية كل شيء في الأسابيع المقبلة».

وأكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، منذ أيام أن بلاده لن تتخلى عن «قسد»، وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أثناء زيارته لدمشق، الجمعة الماضي، حيث التقى قائد الإدارة السورية أحمد الشرع، إنه يجب أن يكون للأكراد دور في بناء سوريا الجديدة.

عودة اللاجئين

على صعيد عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم، قال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، إن 52 ألفاً و622 سورياً عادوا إلى بلادهم خلال شهر من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا خلال مؤتمر صحافي أمام معبر جليوا غوزو (باب الهوى) (حسابه في إكس)

وقال يرلي كايا، خلال زيارته معبر جيلوا غوزو في بلدية الريحانية في ولاية هطاي جنوب تركيا (يقابله باب الهوى في الجانب السوري) إنهم بدأوا تطبيق نظام «المهاجر الرائد» منذ الأول من يناير (كانون الثاني) الحالي، لأولئك الذين يريدون التحقق من أراضيهم ومنازلهم وحالة عملهم في سوريا قبل اتخاذ القرار النهائي بالعودة».

وشرح أن نظام «المهاجر الرائد» يعني «السماح لأحد أفراد العائلة بالدخول والخروج 3 مرات خلال 6 أشهر»، وأفاد بأنه تم «إرسال 1766 مهاجراً رائداً منذ بداية الشهر الحالي».

وقال كايا: «رغبتنا هي إرساء بيئة آمنة في سوريا في أقرب وقت ممكن، وسنقدم الدعم اللازم للإدارة السورية الجديدة في دمشق من أجل تحقيق هذا الهدف».

من جانبه، قال وزير النقل والبنية التحتية، عبد القادر أورال أوغلو، إن تركيا إن أنقرة تعتزم بدء تسيير رحلات طيران إلى مطار دمشق الدولي في الأيام المقبلة بعد تشغيل أنظمة الرادار.

وأضاف، في مقابلة تلفزيونية، الخميس: «عندما يتم الربط بين دمشق وإسطنبول، سنكون قد لبّينا احتياجاً كبيراً».